هناك من دعاة التجديد من يتعامل مع الدين كأنه تصور بشري يتغير بتغير أطره المعروفة، لكنه غير قادر على الجهر بذلك بين المسلمين، فيستخدم لذلك الألفاظ الموهمة والتعبيرات الملتوية، ليحقق من دعوته ما يريد من غير أن يثير الناس عليه، لكن منهم من يأبى ذلك، ويصر على المواجهة، فيعترف بكل صدق ـ لا محبة في الصدق إنما لأمن العقوبة ـ بمرادهم بالتجديد، وفي هذا المقام نعرض نموذجًا للفكر التجديدي المعلن عن نفسه، والذي هو في حقيقته فكر تحريفي تخريبي، صاحب هذا المشروع هو "جمال البنا" الذي يُقدم في بعض وسائل الإعلام على أنه كاتب ومفكر إسلامي.
قواعد المشروع التخريبي لجمال البنا:
يُعد هذا المشروع أكثر المشاريع التجديدية تحديدًا وتوضيحًا، إضافة إلى أنه سلك طريقًا علميًّا في ترسيخ هذا المشروع، وذلك عن طريق تأليف الكتب التي تطبق القواعد التي بُني عليها هذا المشروع، وأهم هذه القواعد ما يلي:
1ـ إهدار أقوال جميع مفسري القرآن الكريم، بداية من ابن عباس - رضي الله عنهما -، حبر الأمة وترجمان القرآن الذي دعا له الرسول - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل، مرورًا بالمفسرين العظام أمثال: ابن جرير الطبري، والقرطبي، وابن كثير، وانتهاءً بمفسري العصر الحديث، والعودة المباشرة إلى القرآن الكريم دون الاعتماد على شيء من أقوال المفسرين.
2ـ عدم قبول السنَّة، حتى لو كانت مروية في صحيح البخاري ومسلم، إلا إذا كانت موجودة في القرآن.
3ـ عدم الالتزام بالأحكام الفقهية التي وردت عن أئمة المذاهب الأربعة أو غيرهم.
مشروع البنا يهدم تراث الأمة العلمي:
هذا المشروع يقول عنه واضعه: "ولا نرى في الحقيقة سواه، إذا أردنا النهضة بالإسلام"، وإن تعجب فعجب قوله عما يدعيه من المشروع التجديدي: (أن ذلك مشروع للعودة بالأمة إلى دينها وينابيع عزها ونهضتها)، فإن مشروعًا قائمًا على إهدار تراث الأمة العلمي جميعه: المفسرين، والمحدثين، والفقهاء هو في الحقيقة مشروع تخريبي؛ لأن ما قدمه المشروع ليس إلا هدمًا لجميع ما جاء به علماء المسلمين في القرون السابقة.
وهذا المشروع يعد شهادة من ذلك المجدد على الأمة كلها بالضلال والمروق من الدين، ليس عوامها فحسب، بل المفسرين والمحدثين والفقهاء، أي صفوة الأمة وخيارها، وإلا ما الذي يدعوه إلى إهدار هذا التراث الضخم من العلم الشرعي الذي تناقلته الأمة جيلًا فجيلًا، والذي لا يوجد عند أمة من الأمم معشاره، ولو كان عندها لتباهت به على الدنيا بأسرها.
دعوة للفوضى لا للعودة:
إن العور ليس حالة مرضية تصيب العين فقط، بل هو كذلك يصيب الفكر، وإن هذا الفكر الذي يهدر كل تلك العلوم الشرعية هو فكر أعور كعور الدجال.
إن العلماء الأفذاذ الفطاحل المشهود لهم بالعلم والأمانة، والصدق والدين والصيانة، الذين ملئوا الأرض علمًا، لم يكونوا بعلمهم وعملهم لاعبين لاهين، ولا متأثرين بدعوات الغرب الصليبي، ولا منقادين لتعليمات أمريكا ـ كما هو الحال عند مجددي اليوم ـ حتى يُقال هذا الذي قيل.
إن مشروعًا كهذا هو مؤامرة خسيسة ـ لا قيمة لها ـ باسم العودة إلى المنابع، وأية عودة هذه التي يكون فيها هدم تراث الأمة؟! إنها عودة ولكن للفوضى، إذ كم من السنين ستحتاجه أمة المسلمين ـ بعد هدم هذا البناء الشامخ ـ حتى يتمكن هذا المجدد وإخوانه من إيجاد الأحكام الشرعية لعشرات الألوف من المسائل، وماذا يفعل المسلمون في عباداتهم ومعاملاتهم في هذه الفترة؟
عواقب حتمية:
إنه في ظل هذا الإهدار المُطالب به يصبح لك مطلق الحرية في الفهم؛ لأنه ـ والحالة هذه ـ لا يوجد ضابط لضبط حركة الفقه والاستنباط، فلا يُستطاع معرفة خطأ هذا الفهم أو صوابه، ومن ثَم تعم الفوضى الفكرية أو الفقهية.
ولا يستطيع هذا المجدد أن يحظر على الناس باب الولوج في الفهم والاستنباط، لحين ما يجتهد لهم في عشرات الآلاف من المسائل، لأنه ليس له تلك الصلاحية، ومن ثَم يصير هذا الأمر متاحًا لكل أحد، والناس: منهم البليد والغبي كما منهم الفطن والذكي، ومنهم المتعلم العالم، ومنهم الجاهل المتجاهل، وولوج الناس كلهم هذا الباب مدعاة ـ بعد الفوضى ـ إلى التفرق والاختلاف، ومن ثَم التقاتل والاحتراب، وكفى بمشروع فسادًا أن يؤدي إلى تلك النتائج.
إن العودة الصحيحة الحقيقية هي العودة للكتاب والسنَّة، لفهم واقعنا والتعامل معه على الوجه الأمثل، والاستعانة على ذلك بفهم سلفنا الصالح: من الفقهاء، والمحدثين، والمفسرين، والنحويين، والبلاغيين، والمؤرخين، سلف هذه الأمة المباركة الذين مدحهم الله - تعالى -في كتابه، وأثنى عليهم بقوله: ({وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) [التوبة: 100]، كما مدحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) [متفق عليه، رواه البخاري، (2652)، ومسلم، (6635)].
فهل المراد أن نترك علوم هذه القرون المفضلة، ونهدرها كأن لم تكن، ونتمسك بكلام هذا المجدد وأضرابه من أمثال: طه حسين، وقاسم أمين، وعبد الرحمن الشرقاوي، وحسين أحمد أمين، ونحوهم من المجددين "المحرفين"؟!
إن إهدار كل أقوال المفسرين والفقهاء والمحدثين يتضمن الشهادة عليهم بأحد أمرين: إما عدم الأمانة في نقل العلم أو الفتوى فيه، وإما الغباء وعدم الفهم له؛ إذ لا معنى للإهدار الكلي إلا أن يكون الأمر كذلك، فليختر أيهما أحب إليه!
وبقي لنا أن نقول: إن المجدد وهو يتحدث هنا فليس هو بمجدد، وإنما هو مقلد ـ شأن المجددين المعاصرين المحرفين ـ فهو مقلد لـ"مارتن لوثر" الألماني، الذي قام بعملية الإصلاح الديني في "دين النصارى"، حيث دعا إلى رفع وصاية القساوسة عن "الكتاب المقدس"، وأن تتاح قراءته لجميع النصارى بعيدًا عن التقيد بشروحات أو أفهام القساوسة والرهبان؛ لكن الذي دفع "مارتن لوثر" إلى ذلك: ما ألصقه القساوسة والرهبان من تفسيراتهم وشروحهم الباطلة على الكتاب المقدس، فهل نظرة المجدد إلى ابن عباس، وابن مسعود، وابن المسيب، ومالك، والطبري، وابن كثير، وغيرهم كثير أنهم ألصقوا بالدين ما ليس منه حتى يطالب بإهدار أقوالهم؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
لما تناولنا في الحلقة الماضية حقيقة الفكر التجديدي "التخريبي" عند "جمال البنا"، ومدى خطورة هذا الفكر على الأمة، رأينا أن نتعرض لما تطرق إليه في شرح مشروعه، والذي تضمن أمورًا كثيرة كلها جهالات وضلالات، نقتطف جزءًا منها لبيان علم هذا المجدد وفقهه في الدين، وهل يصلح أن يقدم مشروعًا تجديديًّا للأمة، أم أن مكانه غير ذلك.
فمنها: "تاريخ البشرية المعروف يعود إلى عشرة آلاف عام، أمضت سبعة آلاف منها في ديانة وثنية تختلط بالخرافة، ولم تتحرر البشرية من عبادة الوثنية وخرافاتها إلا في السنوات الأخيرة، بدفع من اليهودية، فالمسيحية، فالإسلام".
هذا كل علمه في الموضوع، فالبشرية لم تتحرر من الوثنية إلا مع ابتداء اليهودية، ونسأل المجدد: وماذا عن آدم - عليه السلام -، ونوح، وإبراهيم، ولوط، وإسحاق، ويعقوب، ويونس، وهود، وصالح، وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم، وكلهم سابقون على بعثة موسى - عليه السلام - لليهود، ثم إن البشرية بدأت حياتها بالتوحيد، فأبو البشر آدم - عليه السلام - وهو من أنبياء الله، وأم البشر هي زوجه، وآدم مبعوث بالتوحيد، فالتوحيد ملازم لبداية البشرية، والوثنية أمر طارئ عليها، فانظر كيف قلب المجدد الأمر!
ويقول: "وأسوأ ما أورثته الوثنية الأديان البعد عن استخدام العقل وتصديق الخرافة، أو التقاليد التي أصبحت دينًا يبلور العادات القديمة، ومن هذه الرواسب التي تطرقت إلى المسلمين خاصة فكرة العبودية لله التي كتب عنها ابن تيمية كتابًا".
فالمجدد يرى أن الوثنية أثرت في الدين، وأبعدته عن استخدام العقل، وجعلته يصدق الخرافة، والدين كما هو معلوم لكل أحد إنما يأتي رسالة من الله للناس، وليس الدين من وضع البشر حتى يتأثر بغيره، والوثنية قد تؤثر في البشر وفي التزامهم بالدين، لكنها لا تؤثر في الدين نفسه، بل الدين هو الذي يؤثر فيها، لكن المجدد عكس القضية كما فعل في الفقرة السابقة، وكأن فكره منكوس قائم على قلب الأمور، والمجدد يرى أن فكرة "العبودية لله" من رواسب الوثنية التي تسربت إلى المسلمين، سبحان الله!
العبودية لله من رواسب الوثنية، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم! هل أحتاج أن أعلق؟
ويقول: "إن طول عِشرة البشرية للوثنية وجدة عهدها النسبي بالأديان السماوية جعل رواسب الوثنية تتغلغل في نفوس الجماهير لتسقطها بعد ذلك الأديان السماوية، ومن أبرز هذه الرواسب السحر والجان".
فمع تأكيده ثانية على أن الوثنية هي الأصل والدين طارئ، يرى المجدد أن السحر والجن من رواسب الوثنية التي ألصقتها الجماهير ونسبتها للدين، ونسأل المجدد:
هل عَلِم أن في القرآن سورة اسمها "الجن"؟
وهل قرأ قوله - تعالى -: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا) [الجن: 1]، وغيرها من الآيات كثير يتحدث عن الجن؟
وهل يرى المجدد أن هذه الآية وغيرها مما جاء في الجن هي من الأشياء التي نسبتها الجماهير للقرآن؟
وأما الحسد فقد جاء فيه آيات كثيرة، منها قوله - تعالى -: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [الفلق: 5]، فهل هذا أيضًا مما نسبته الجماهير إلى القرآن؟!
ويقول: "الخلافة الراشدة انتهت مع طعن عمر بن الخطاب، وأن عثمان تأثر بالرواسب الأمية [هكذا بالأصل، ولعلها خطأ مطبعي وأن صوابها: الأموية]، وخالف سنة الشيخين، ولما حاول علي بن أبي طالب إعادة الأمر على ما كان عليه استحال ذلك، كان يجب أن يقبل [هكذا بالأصل والسياق والمفهوم يبين أنها: يقتل] دون صاحبيه؛ لأنه أراد أن يقف في سبيل التطور".
فعند المجدد أن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ليسا من الخلفاء الراشدين؛ لأن الخلافة الراشدة انتهت ـ كما يقول ـ بطعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهو بذلك يخالف إجماع المسلمين كلهم، إلا إن كان قدوته في ذلك بعض أهل البدع، وهو ينكر على عثمان - رضي الله عنه - أنه خالف سنة الشيخين أبي بكر وعمر، وفي الوقت نفسه يعد محاولة على - رضي الله عنه - إعادة الأمر إلى ما كان عليه زمن الشيخين وقوفًا في سبيل التطور.
وهذا لاشك أنه تناقض، فهو يعد ترك سنة الشيخين مما ينكر على فاعله، ويعد في الوقت نفسه الرجوع إلى سنة الشيخين وقوفًا في سبيل التطور، وكأن المراد هو تخطئة الجميع: من خالف سنة الشيخين بزعمه، ومن حاول الرجوع إليها.
وهو كذلك يؤيد الخوارج في قتل علي - رضي الله عنه -، إذ يقول: "وكان يجب أن يقتل"، فالخوارج في قتلهم علي - رضي الله عنه - قاموا بما يجب فعله عند المجدد.
ويذكر المجدد عدة عوامل أدت ـ من وجهة نظره ـ إلى عدم استيعاب البلدان المفتوحة للإسلام تمامًا، ثم يقول بعدها: "نرى أثر هذه العوامل في جميع جوانب المجتمع الإسلامي: في السياسة، وفي الفقه، وفي الحديث، وفي التفسير، بل في العادات الاجتماعية التي كان أبرزها حجب المرأة وإقصاءها عن المجتمع، كما كان الحال في فارس القديمة وأثينا، وإعمالًا لرأي أرسطو في دونية المرأة".
ونقول للمجدد: حجب المرأة عن ماذا؟ هل حجبت عن أخذ حقها الذي شرعه الله لها؟ أم حجبت عن العلم؟ وكتب التراجم مملوءة بأسماء العالمات، والفقيهات، والمحدثات، والمفسرات، أم أنها حجبت عن الرذائل والفسوق والمعاصي والاختلاط بالرجال، واتخاذ الأخدان؟
إن كان الأخير فنعم، فقد حجبت المرأة عن الرذائل والاختلاط بالرجال، ونحو ذلك، وإن كان الأول والثاني فلم يحدث ذلك، والدليل قائم وموجود، ثم هل حجاب المرأة كان تقليدًا لفارس القديمة وأثينا؟ لقد رفعتَ من شأنهم إذ جعلتَهم دعاة للعفة والفضيلة، وهل حجاب المرأة دليل على دونية المرأة؟ وهل علو المرأة وارتفاع مكانتها هو في التبذل والتكشف والاختلاط بالرجال؟
ثم نقول له: وأين أنت من قول الله - تعالى -: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) [الأحزاب: 53]، وأين أنت من قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) [الأحزاب: 59].
وهل يجوز للمجدد بعد ذلك أن يقول: "أمَّا الحجاب فقد فرض على الإسلام ولم يفرضه الإسلام"، ويقول: "إن الإسلام الذي يتعبد به المسلمون اليوم ليس هو إسلام القرآن والرسول، ولكنه إسلام الفقهاء والمحدثين والمفسرين الذين وضعوه خلال ألف وأربعمائة عام، وأن هذا الإسلام يختلف عن إسلام القرآن".
فالمجدد يرى أن الأمة كلها هلكت، وضلت السبيل، فالإسلام الذي يتعبد به المسلمون ليس هو الإسلام الذي أوحاه الله في القرآن، وهذه دعوة لتضليل الأمة كلها، بل تكفيرها، ودعوة لها كذلك للخروج من هذا الدين المزيف إلى ما يفهمه هو من أنه الإسلام الحق، وهذا يعني أن المجدد لا يؤمن بالإسلام الذي يتعبد به مئات الملايين من المسلمين اليوم، بل يكفر به؛ لأنه "ليس هو إسلام القرآن والرسول" كما يقول.
وهذه شهادة منه على نفسه أنه كافر بالإسلام المعروف اليوم، والمدون في كتب الفقهاء والمفسرين.
والشيء الغريب في دعواه أن الذي زيف الإسلام ليس هم العامة، وإنما هم صفوة الأمة من الفقهاء والمحدثين والمفسرين، وهذا يعني أنهم أكثر شرًا من علماء بني إسرائيل؛ لأنهم وضعوا ـ بزعمه ـ دينًا مغايرًا للدين الذي أرسل الله به رسوله، وإذا كانت الأمة قد ظلت تعبد الله طيلة ألف وأربعمائة عام بدين غير الدين الذي أراده الله، فمن ذا يا ترى الذي يستطيع أن يصحح هذا الخطأ الضخم الذي استمر مئات الأعوام؟ لاشك أن هذا يحتاج إلى رسول، ولا تكفي فيه جهود مجدد.
ثم نقول له أين أنت من قوله - تعالى -: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]، وأين أنت من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) [رواه البخاري (10)، ومسلم واللفظ له (5059)].
وهذا المجدد يرى أن القول: بأن الإسلام نسخ اليهودية والنصرانية إنما هي رؤية للبعض، ويرى أن وجود اليهودية والنصرانية إلى جانب الإسلام يمثل التكامل والتعاون، ومن الخير وجودهما جنبًا إلى جنب مع الإسلام، ولا ينتهي المجدد من مشروعه التجديدي حتى يصل به إلى منتهاه: وهو الدعوة إلى العلمانية؛ حيث يقول: "إن الإسلام قريب جدًا من العلمانية؛ لأنه مثلها يدعو إلى الفصل بين الدين والدولة".
ويذكر أن: "الإسلام شيء والدولة شيء آخر"، و"أن دولة المدينة التي حكمها الرسول والخلفاء الراشدون لا يمكن أن تعدَّ نموذجًا يعمل المسلمون لاستعادته؛ لأن دولة المدينة لم تستكمل كل مقومات الدولة".
وذكر أنه اقترح في كتابه: "الإسلام دين وأمة وليس دينًا ودولة" حذف مادة "دين الدولة الإسلام" من الدستور، فالدولة عنده "مجتمع مسلمين لا تكون إسلامية ولا علمانية، ولكن مدنية" وهو كلام يكشف مدى الجهل والتخبط والزيغ، بل هو أكثر من ذلك، مما يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن مشروع جمال البنا لا يستحق أن نطلق عليه سوى أنه فكر تخريبي وليس تجديدي. [الآراء السابقة للرجل في جريدة الرأي العام الكويتية تاريخ 3/12/2003، وشبكة النبأ المعلوماتية الأخبار بتاريخ 12/5/1424هـ، وموقعه الخاص "دعوة الإحياء الإسلامي"].
قواعد المشروع التخريبي لجمال البنا:
يُعد هذا المشروع أكثر المشاريع التجديدية تحديدًا وتوضيحًا، إضافة إلى أنه سلك طريقًا علميًّا في ترسيخ هذا المشروع، وذلك عن طريق تأليف الكتب التي تطبق القواعد التي بُني عليها هذا المشروع، وأهم هذه القواعد ما يلي:
1ـ إهدار أقوال جميع مفسري القرآن الكريم، بداية من ابن عباس - رضي الله عنهما -، حبر الأمة وترجمان القرآن الذي دعا له الرسول - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل، مرورًا بالمفسرين العظام أمثال: ابن جرير الطبري، والقرطبي، وابن كثير، وانتهاءً بمفسري العصر الحديث، والعودة المباشرة إلى القرآن الكريم دون الاعتماد على شيء من أقوال المفسرين.
2ـ عدم قبول السنَّة، حتى لو كانت مروية في صحيح البخاري ومسلم، إلا إذا كانت موجودة في القرآن.
3ـ عدم الالتزام بالأحكام الفقهية التي وردت عن أئمة المذاهب الأربعة أو غيرهم.
مشروع البنا يهدم تراث الأمة العلمي:
هذا المشروع يقول عنه واضعه: "ولا نرى في الحقيقة سواه، إذا أردنا النهضة بالإسلام"، وإن تعجب فعجب قوله عما يدعيه من المشروع التجديدي: (أن ذلك مشروع للعودة بالأمة إلى دينها وينابيع عزها ونهضتها)، فإن مشروعًا قائمًا على إهدار تراث الأمة العلمي جميعه: المفسرين، والمحدثين، والفقهاء هو في الحقيقة مشروع تخريبي؛ لأن ما قدمه المشروع ليس إلا هدمًا لجميع ما جاء به علماء المسلمين في القرون السابقة.
وهذا المشروع يعد شهادة من ذلك المجدد على الأمة كلها بالضلال والمروق من الدين، ليس عوامها فحسب، بل المفسرين والمحدثين والفقهاء، أي صفوة الأمة وخيارها، وإلا ما الذي يدعوه إلى إهدار هذا التراث الضخم من العلم الشرعي الذي تناقلته الأمة جيلًا فجيلًا، والذي لا يوجد عند أمة من الأمم معشاره، ولو كان عندها لتباهت به على الدنيا بأسرها.
دعوة للفوضى لا للعودة:
إن العور ليس حالة مرضية تصيب العين فقط، بل هو كذلك يصيب الفكر، وإن هذا الفكر الذي يهدر كل تلك العلوم الشرعية هو فكر أعور كعور الدجال.
إن العلماء الأفذاذ الفطاحل المشهود لهم بالعلم والأمانة، والصدق والدين والصيانة، الذين ملئوا الأرض علمًا، لم يكونوا بعلمهم وعملهم لاعبين لاهين، ولا متأثرين بدعوات الغرب الصليبي، ولا منقادين لتعليمات أمريكا ـ كما هو الحال عند مجددي اليوم ـ حتى يُقال هذا الذي قيل.
إن مشروعًا كهذا هو مؤامرة خسيسة ـ لا قيمة لها ـ باسم العودة إلى المنابع، وأية عودة هذه التي يكون فيها هدم تراث الأمة؟! إنها عودة ولكن للفوضى، إذ كم من السنين ستحتاجه أمة المسلمين ـ بعد هدم هذا البناء الشامخ ـ حتى يتمكن هذا المجدد وإخوانه من إيجاد الأحكام الشرعية لعشرات الألوف من المسائل، وماذا يفعل المسلمون في عباداتهم ومعاملاتهم في هذه الفترة؟
عواقب حتمية:
إنه في ظل هذا الإهدار المُطالب به يصبح لك مطلق الحرية في الفهم؛ لأنه ـ والحالة هذه ـ لا يوجد ضابط لضبط حركة الفقه والاستنباط، فلا يُستطاع معرفة خطأ هذا الفهم أو صوابه، ومن ثَم تعم الفوضى الفكرية أو الفقهية.
ولا يستطيع هذا المجدد أن يحظر على الناس باب الولوج في الفهم والاستنباط، لحين ما يجتهد لهم في عشرات الآلاف من المسائل، لأنه ليس له تلك الصلاحية، ومن ثَم يصير هذا الأمر متاحًا لكل أحد، والناس: منهم البليد والغبي كما منهم الفطن والذكي، ومنهم المتعلم العالم، ومنهم الجاهل المتجاهل، وولوج الناس كلهم هذا الباب مدعاة ـ بعد الفوضى ـ إلى التفرق والاختلاف، ومن ثَم التقاتل والاحتراب، وكفى بمشروع فسادًا أن يؤدي إلى تلك النتائج.
إن العودة الصحيحة الحقيقية هي العودة للكتاب والسنَّة، لفهم واقعنا والتعامل معه على الوجه الأمثل، والاستعانة على ذلك بفهم سلفنا الصالح: من الفقهاء، والمحدثين، والمفسرين، والنحويين، والبلاغيين، والمؤرخين، سلف هذه الأمة المباركة الذين مدحهم الله - تعالى -في كتابه، وأثنى عليهم بقوله: ({وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) [التوبة: 100]، كما مدحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) [متفق عليه، رواه البخاري، (2652)، ومسلم، (6635)].
فهل المراد أن نترك علوم هذه القرون المفضلة، ونهدرها كأن لم تكن، ونتمسك بكلام هذا المجدد وأضرابه من أمثال: طه حسين، وقاسم أمين، وعبد الرحمن الشرقاوي، وحسين أحمد أمين، ونحوهم من المجددين "المحرفين"؟!
إن إهدار كل أقوال المفسرين والفقهاء والمحدثين يتضمن الشهادة عليهم بأحد أمرين: إما عدم الأمانة في نقل العلم أو الفتوى فيه، وإما الغباء وعدم الفهم له؛ إذ لا معنى للإهدار الكلي إلا أن يكون الأمر كذلك، فليختر أيهما أحب إليه!
وبقي لنا أن نقول: إن المجدد وهو يتحدث هنا فليس هو بمجدد، وإنما هو مقلد ـ شأن المجددين المعاصرين المحرفين ـ فهو مقلد لـ"مارتن لوثر" الألماني، الذي قام بعملية الإصلاح الديني في "دين النصارى"، حيث دعا إلى رفع وصاية القساوسة عن "الكتاب المقدس"، وأن تتاح قراءته لجميع النصارى بعيدًا عن التقيد بشروحات أو أفهام القساوسة والرهبان؛ لكن الذي دفع "مارتن لوثر" إلى ذلك: ما ألصقه القساوسة والرهبان من تفسيراتهم وشروحهم الباطلة على الكتاب المقدس، فهل نظرة المجدد إلى ابن عباس، وابن مسعود، وابن المسيب، ومالك، والطبري، وابن كثير، وغيرهم كثير أنهم ألصقوا بالدين ما ليس منه حتى يطالب بإهدار أقوالهم؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
لما تناولنا في الحلقة الماضية حقيقة الفكر التجديدي "التخريبي" عند "جمال البنا"، ومدى خطورة هذا الفكر على الأمة، رأينا أن نتعرض لما تطرق إليه في شرح مشروعه، والذي تضمن أمورًا كثيرة كلها جهالات وضلالات، نقتطف جزءًا منها لبيان علم هذا المجدد وفقهه في الدين، وهل يصلح أن يقدم مشروعًا تجديديًّا للأمة، أم أن مكانه غير ذلك.
فمنها: "تاريخ البشرية المعروف يعود إلى عشرة آلاف عام، أمضت سبعة آلاف منها في ديانة وثنية تختلط بالخرافة، ولم تتحرر البشرية من عبادة الوثنية وخرافاتها إلا في السنوات الأخيرة، بدفع من اليهودية، فالمسيحية، فالإسلام".
هذا كل علمه في الموضوع، فالبشرية لم تتحرر من الوثنية إلا مع ابتداء اليهودية، ونسأل المجدد: وماذا عن آدم - عليه السلام -، ونوح، وإبراهيم، ولوط، وإسحاق، ويعقوب، ويونس، وهود، وصالح، وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم، وكلهم سابقون على بعثة موسى - عليه السلام - لليهود، ثم إن البشرية بدأت حياتها بالتوحيد، فأبو البشر آدم - عليه السلام - وهو من أنبياء الله، وأم البشر هي زوجه، وآدم مبعوث بالتوحيد، فالتوحيد ملازم لبداية البشرية، والوثنية أمر طارئ عليها، فانظر كيف قلب المجدد الأمر!
ويقول: "وأسوأ ما أورثته الوثنية الأديان البعد عن استخدام العقل وتصديق الخرافة، أو التقاليد التي أصبحت دينًا يبلور العادات القديمة، ومن هذه الرواسب التي تطرقت إلى المسلمين خاصة فكرة العبودية لله التي كتب عنها ابن تيمية كتابًا".
فالمجدد يرى أن الوثنية أثرت في الدين، وأبعدته عن استخدام العقل، وجعلته يصدق الخرافة، والدين كما هو معلوم لكل أحد إنما يأتي رسالة من الله للناس، وليس الدين من وضع البشر حتى يتأثر بغيره، والوثنية قد تؤثر في البشر وفي التزامهم بالدين، لكنها لا تؤثر في الدين نفسه، بل الدين هو الذي يؤثر فيها، لكن المجدد عكس القضية كما فعل في الفقرة السابقة، وكأن فكره منكوس قائم على قلب الأمور، والمجدد يرى أن فكرة "العبودية لله" من رواسب الوثنية التي تسربت إلى المسلمين، سبحان الله!
العبودية لله من رواسب الوثنية، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم! هل أحتاج أن أعلق؟
ويقول: "إن طول عِشرة البشرية للوثنية وجدة عهدها النسبي بالأديان السماوية جعل رواسب الوثنية تتغلغل في نفوس الجماهير لتسقطها بعد ذلك الأديان السماوية، ومن أبرز هذه الرواسب السحر والجان".
فمع تأكيده ثانية على أن الوثنية هي الأصل والدين طارئ، يرى المجدد أن السحر والجن من رواسب الوثنية التي ألصقتها الجماهير ونسبتها للدين، ونسأل المجدد:
هل عَلِم أن في القرآن سورة اسمها "الجن"؟
وهل قرأ قوله - تعالى -: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا) [الجن: 1]، وغيرها من الآيات كثير يتحدث عن الجن؟
وهل يرى المجدد أن هذه الآية وغيرها مما جاء في الجن هي من الأشياء التي نسبتها الجماهير للقرآن؟
وأما الحسد فقد جاء فيه آيات كثيرة، منها قوله - تعالى -: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [الفلق: 5]، فهل هذا أيضًا مما نسبته الجماهير إلى القرآن؟!
ويقول: "الخلافة الراشدة انتهت مع طعن عمر بن الخطاب، وأن عثمان تأثر بالرواسب الأمية [هكذا بالأصل، ولعلها خطأ مطبعي وأن صوابها: الأموية]، وخالف سنة الشيخين، ولما حاول علي بن أبي طالب إعادة الأمر على ما كان عليه استحال ذلك، كان يجب أن يقبل [هكذا بالأصل والسياق والمفهوم يبين أنها: يقتل] دون صاحبيه؛ لأنه أراد أن يقف في سبيل التطور".
فعند المجدد أن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ليسا من الخلفاء الراشدين؛ لأن الخلافة الراشدة انتهت ـ كما يقول ـ بطعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهو بذلك يخالف إجماع المسلمين كلهم، إلا إن كان قدوته في ذلك بعض أهل البدع، وهو ينكر على عثمان - رضي الله عنه - أنه خالف سنة الشيخين أبي بكر وعمر، وفي الوقت نفسه يعد محاولة على - رضي الله عنه - إعادة الأمر إلى ما كان عليه زمن الشيخين وقوفًا في سبيل التطور.
وهذا لاشك أنه تناقض، فهو يعد ترك سنة الشيخين مما ينكر على فاعله، ويعد في الوقت نفسه الرجوع إلى سنة الشيخين وقوفًا في سبيل التطور، وكأن المراد هو تخطئة الجميع: من خالف سنة الشيخين بزعمه، ومن حاول الرجوع إليها.
وهو كذلك يؤيد الخوارج في قتل علي - رضي الله عنه -، إذ يقول: "وكان يجب أن يقتل"، فالخوارج في قتلهم علي - رضي الله عنه - قاموا بما يجب فعله عند المجدد.
ويذكر المجدد عدة عوامل أدت ـ من وجهة نظره ـ إلى عدم استيعاب البلدان المفتوحة للإسلام تمامًا، ثم يقول بعدها: "نرى أثر هذه العوامل في جميع جوانب المجتمع الإسلامي: في السياسة، وفي الفقه، وفي الحديث، وفي التفسير، بل في العادات الاجتماعية التي كان أبرزها حجب المرأة وإقصاءها عن المجتمع، كما كان الحال في فارس القديمة وأثينا، وإعمالًا لرأي أرسطو في دونية المرأة".
ونقول للمجدد: حجب المرأة عن ماذا؟ هل حجبت عن أخذ حقها الذي شرعه الله لها؟ أم حجبت عن العلم؟ وكتب التراجم مملوءة بأسماء العالمات، والفقيهات، والمحدثات، والمفسرات، أم أنها حجبت عن الرذائل والفسوق والمعاصي والاختلاط بالرجال، واتخاذ الأخدان؟
إن كان الأخير فنعم، فقد حجبت المرأة عن الرذائل والاختلاط بالرجال، ونحو ذلك، وإن كان الأول والثاني فلم يحدث ذلك، والدليل قائم وموجود، ثم هل حجاب المرأة كان تقليدًا لفارس القديمة وأثينا؟ لقد رفعتَ من شأنهم إذ جعلتَهم دعاة للعفة والفضيلة، وهل حجاب المرأة دليل على دونية المرأة؟ وهل علو المرأة وارتفاع مكانتها هو في التبذل والتكشف والاختلاط بالرجال؟
ثم نقول له: وأين أنت من قول الله - تعالى -: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) [الأحزاب: 53]، وأين أنت من قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) [الأحزاب: 59].
وهل يجوز للمجدد بعد ذلك أن يقول: "أمَّا الحجاب فقد فرض على الإسلام ولم يفرضه الإسلام"، ويقول: "إن الإسلام الذي يتعبد به المسلمون اليوم ليس هو إسلام القرآن والرسول، ولكنه إسلام الفقهاء والمحدثين والمفسرين الذين وضعوه خلال ألف وأربعمائة عام، وأن هذا الإسلام يختلف عن إسلام القرآن".
فالمجدد يرى أن الأمة كلها هلكت، وضلت السبيل، فالإسلام الذي يتعبد به المسلمون ليس هو الإسلام الذي أوحاه الله في القرآن، وهذه دعوة لتضليل الأمة كلها، بل تكفيرها، ودعوة لها كذلك للخروج من هذا الدين المزيف إلى ما يفهمه هو من أنه الإسلام الحق، وهذا يعني أن المجدد لا يؤمن بالإسلام الذي يتعبد به مئات الملايين من المسلمين اليوم، بل يكفر به؛ لأنه "ليس هو إسلام القرآن والرسول" كما يقول.
وهذه شهادة منه على نفسه أنه كافر بالإسلام المعروف اليوم، والمدون في كتب الفقهاء والمفسرين.
والشيء الغريب في دعواه أن الذي زيف الإسلام ليس هم العامة، وإنما هم صفوة الأمة من الفقهاء والمحدثين والمفسرين، وهذا يعني أنهم أكثر شرًا من علماء بني إسرائيل؛ لأنهم وضعوا ـ بزعمه ـ دينًا مغايرًا للدين الذي أرسل الله به رسوله، وإذا كانت الأمة قد ظلت تعبد الله طيلة ألف وأربعمائة عام بدين غير الدين الذي أراده الله، فمن ذا يا ترى الذي يستطيع أن يصحح هذا الخطأ الضخم الذي استمر مئات الأعوام؟ لاشك أن هذا يحتاج إلى رسول، ولا تكفي فيه جهود مجدد.
ثم نقول له أين أنت من قوله - تعالى -: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]، وأين أنت من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) [رواه البخاري (10)، ومسلم واللفظ له (5059)].
وهذا المجدد يرى أن القول: بأن الإسلام نسخ اليهودية والنصرانية إنما هي رؤية للبعض، ويرى أن وجود اليهودية والنصرانية إلى جانب الإسلام يمثل التكامل والتعاون، ومن الخير وجودهما جنبًا إلى جنب مع الإسلام، ولا ينتهي المجدد من مشروعه التجديدي حتى يصل به إلى منتهاه: وهو الدعوة إلى العلمانية؛ حيث يقول: "إن الإسلام قريب جدًا من العلمانية؛ لأنه مثلها يدعو إلى الفصل بين الدين والدولة".
ويذكر أن: "الإسلام شيء والدولة شيء آخر"، و"أن دولة المدينة التي حكمها الرسول والخلفاء الراشدون لا يمكن أن تعدَّ نموذجًا يعمل المسلمون لاستعادته؛ لأن دولة المدينة لم تستكمل كل مقومات الدولة".
وذكر أنه اقترح في كتابه: "الإسلام دين وأمة وليس دينًا ودولة" حذف مادة "دين الدولة الإسلام" من الدستور، فالدولة عنده "مجتمع مسلمين لا تكون إسلامية ولا علمانية، ولكن مدنية" وهو كلام يكشف مدى الجهل والتخبط والزيغ، بل هو أكثر من ذلك، مما يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن مشروع جمال البنا لا يستحق أن نطلق عليه سوى أنه فكر تخريبي وليس تجديدي. [الآراء السابقة للرجل في جريدة الرأي العام الكويتية تاريخ 3/12/2003، وشبكة النبأ المعلوماتية الأخبار بتاريخ 12/5/1424هـ، وموقعه الخاص "دعوة الإحياء الإسلامي"].