كل من ينادون بضبط الفتاوى في القضايا العامة عبر التأكيد على ضرورة صدورها عن هيئة ذات قرار يجتمع عليه كبار المتخصصين المشهود لهم بالعلم والوثاقة , يرون أن الفتوى ستكون حينذاك أبعد عن احتمال الخطأ كما ستكون نائية أيضا عن مصادمة الأعراف المجتمعية المنسجمة مع تعاليم الكتاب والسنة , لأن مصدرها الجماعي المتخصص سيضمن مراعاتها للمصلحة الحاضرة وسلامة المآلات المحتملة , كما أن الإلزام بها وعدم اعتبار ما عداها إلا في مجالات البحث العلمي سيكسب المتلقي غير المتخصص ثقة أكبر بالفقه والفقهاء الذين أكدت التجارب القريبة : أن اجتماع الناس عليهم يفيد المجتمع عصمة ومناعة من اجتياحه بفتن التطرف الديني أو الانفلات الأمني , أو الغزو الأخلاقي .
بالرغم من جمال هذه الدعوة ورصيد نجاحاتها في التجربة التاريخية القريبة والبعيدة والمصالح الحتمية المترتبة عليها , إلا أن كل من يدعو إليها اليوم لا يسلم من اتهامه بالمناداة بالكهنوتية وتشريع الإكليروسية .
ومن يروجون لهذه التهمة لا تخفى عليهم الفروق الجوهرية بين الكهنوتية والفتوى الجماعية الملزمة في القضايا العامة , فالكهنوتية تدعي لأصحابها الحق الإلهي ليس في تفسير الدين دون ضوابط وحسب , بل في الإضافة عليه والانتقاص منه والحذف والتبديل في نصوصه كما أخبر المولى عز وجل عن حال علماء أهل الكتاب في أكثر من موضع في كتاب الله عز وجل , وكما سطر لنا تاريخ الكتاب المقدس بقسميه القديم والجديد .
كما أن الكهنوتية تدعي سلطة مطلقة على الأفراد لا يشابهها إلا سلطة مشايخ الطرق الذي يأمرون المريد أن يكون بين يدي شيخه كالميت عند مغسله .
الفتوى الجماعية في القضايا العامة ليست كذلك أبدا بل وليس فيها جزء من ذلك كما يحب أن يصور مهاجموا مشاريع الحد من فوضى الفتوى .
فالمؤسسة العلمية كاملة الأهلية لا تجعل لنفسها سلطة تفسير النص حسب الهوى والمصلحة الشخصية , بل هي محكومة بالضوابط العلمية في استنباط الأحكام من النصوص , ولذلك فإنها وبرغم مكانتها من علوم الشريعة مطالبة أمام الأمة بذكر مستندها الشرعي من الأدلة الأصلية أو الفرعية لأن شرعيتها إنما تقوم على مدى انضوائها تحت سلطة النص الشرعي .
كما أن المؤسسة العلمية التي تمنح الاختصاص في الإفتاء في القضايا العامة لا تدعي لنفسها العصمة وبطلان ما خالف فتواها , بل هي تحترم كل فهم للنص منضبط بالضوابط العلمية للاستنباط , وليس الإلزام بفتواها في الأمور العامة ناتج عن القول بقطعية ما توصلت إليه لكنه نتاج النظر في غلبة المصلحة المترتبة على توحيد الفتوى في مثل تلك القضايا وكثرة المفاسد التي يؤول إليها اختلاف المفتين في الأمور التي يطلب المجتمع فيها قولا واحدا يبني عليه أعرافه وعوائده ونظرته للحاضر والمستقبل .
والقضايا العامة حين نحاول إحصاءها سنجد أن عددها قليل في مقابل القضايا التي يمكن أن نسميها شخصية لا يؤثر اختلاف المفتين فيها على بنية المجتمع وسلوكه العام , ولعلي أقدم هنا ضابطا مقترحا لما يمكن أن نصفه بالقضايا العامة ذات الاختصاص المؤسسي .
وهو أن الفتاوى العامة هي تلك المتعلقة بالحكم على الأنظمة المقترح إقرارها في كل مؤسسات الدولة أو بعضها ,أو المتعلقة بتصحيح الأعراف السائدة أو تغيير بنية المجتمع , فليس من المصلحة أن نقر النظام ويكون لكل مفت الحكم عليه بالحل أو الحرمة , لأن ذلك مدعاة إلى تشريع القول بحرمة العمل بهذا النظام , كما أنه ليس من الدين إقرار نظام قبل أن يكون مباحا شرعا, وهو ما نصت عليه ولله الحمد والمنة : المادة السابعة من النظام الأساس للحكم حيث قالت (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة) , ولما كان اتفاق العلماء على الحكم بالإباحة أو الحرمة في كثير من الأنظمة من شبه المتعذر , تقتضي الحكمة أن يترك القول في حكم ذلك إلى المؤسسة العلمية المتخصصة المشهود لها بالعلم والوثاقة .
وقد يقال إن هذه المؤسسة قد تجد نفسها هي أيضا مختلفة في حكم مسألة ما ؟
وهذا الأمر من الممكن التغلب عليه عبر أنظمة هذه المؤسسة التي تحكم ما يمكن أن يوصف بكونه قرارا منسوبا إليها , المهم أن يكون أعضاء هذه المؤسسة المخالفين لقرارها المعتمد قدوة لغيرهم من أهل العلم في الالتزام بهذا القرار وإرجاع الناس إليه وعدم المشاجرة فيه .
إذاًََ فهناك فروق كبيرة جدا بين الفتوى والكهانة , وليست هذه الفروق في تقديري خافية على كل من يحاربون تنظيم الفتوى العامة , لكن الرمي بالدعوة إلى تشريع الكهنوت هو عبارة عن أنموذج من نماذج الإرهاب الفكري الذي يعتمده كثير من ضعفاء الحجة تجاه مخالفيهم .
ومن خلال متابعتي الجيدة نسبيا فإن محاربي تنظيم الفتوى العامة صنفان من الناس لا ثالث لهما :
الأول : أخيار لم يدركوا عظم المصالح الناتجة عن هذا التنظيم , وعلاج هؤلاء إرجاعهم إلى تاريخ بلادنا القريب حيث كنا ننعم بانسجام كبير بين النظام والفتوى وبين الفتوى والعرف العام .
الصنف الآخر : أصحاب مصلحة أو هوى لا يتحققان إلا في ظل ما طرأ على الفتوى في بلادنا هذه الأيام من اضطراب , وليس لهؤلاء علاج سوى الدعاء لهم بالهداية وتقديم مصالح أمتهم على مصالح أنفسهم وأهوائها .
بالرغم من جمال هذه الدعوة ورصيد نجاحاتها في التجربة التاريخية القريبة والبعيدة والمصالح الحتمية المترتبة عليها , إلا أن كل من يدعو إليها اليوم لا يسلم من اتهامه بالمناداة بالكهنوتية وتشريع الإكليروسية .
ومن يروجون لهذه التهمة لا تخفى عليهم الفروق الجوهرية بين الكهنوتية والفتوى الجماعية الملزمة في القضايا العامة , فالكهنوتية تدعي لأصحابها الحق الإلهي ليس في تفسير الدين دون ضوابط وحسب , بل في الإضافة عليه والانتقاص منه والحذف والتبديل في نصوصه كما أخبر المولى عز وجل عن حال علماء أهل الكتاب في أكثر من موضع في كتاب الله عز وجل , وكما سطر لنا تاريخ الكتاب المقدس بقسميه القديم والجديد .
كما أن الكهنوتية تدعي سلطة مطلقة على الأفراد لا يشابهها إلا سلطة مشايخ الطرق الذي يأمرون المريد أن يكون بين يدي شيخه كالميت عند مغسله .
الفتوى الجماعية في القضايا العامة ليست كذلك أبدا بل وليس فيها جزء من ذلك كما يحب أن يصور مهاجموا مشاريع الحد من فوضى الفتوى .
فالمؤسسة العلمية كاملة الأهلية لا تجعل لنفسها سلطة تفسير النص حسب الهوى والمصلحة الشخصية , بل هي محكومة بالضوابط العلمية في استنباط الأحكام من النصوص , ولذلك فإنها وبرغم مكانتها من علوم الشريعة مطالبة أمام الأمة بذكر مستندها الشرعي من الأدلة الأصلية أو الفرعية لأن شرعيتها إنما تقوم على مدى انضوائها تحت سلطة النص الشرعي .
كما أن المؤسسة العلمية التي تمنح الاختصاص في الإفتاء في القضايا العامة لا تدعي لنفسها العصمة وبطلان ما خالف فتواها , بل هي تحترم كل فهم للنص منضبط بالضوابط العلمية للاستنباط , وليس الإلزام بفتواها في الأمور العامة ناتج عن القول بقطعية ما توصلت إليه لكنه نتاج النظر في غلبة المصلحة المترتبة على توحيد الفتوى في مثل تلك القضايا وكثرة المفاسد التي يؤول إليها اختلاف المفتين في الأمور التي يطلب المجتمع فيها قولا واحدا يبني عليه أعرافه وعوائده ونظرته للحاضر والمستقبل .
والقضايا العامة حين نحاول إحصاءها سنجد أن عددها قليل في مقابل القضايا التي يمكن أن نسميها شخصية لا يؤثر اختلاف المفتين فيها على بنية المجتمع وسلوكه العام , ولعلي أقدم هنا ضابطا مقترحا لما يمكن أن نصفه بالقضايا العامة ذات الاختصاص المؤسسي .
وهو أن الفتاوى العامة هي تلك المتعلقة بالحكم على الأنظمة المقترح إقرارها في كل مؤسسات الدولة أو بعضها ,أو المتعلقة بتصحيح الأعراف السائدة أو تغيير بنية المجتمع , فليس من المصلحة أن نقر النظام ويكون لكل مفت الحكم عليه بالحل أو الحرمة , لأن ذلك مدعاة إلى تشريع القول بحرمة العمل بهذا النظام , كما أنه ليس من الدين إقرار نظام قبل أن يكون مباحا شرعا, وهو ما نصت عليه ولله الحمد والمنة : المادة السابعة من النظام الأساس للحكم حيث قالت (يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة) , ولما كان اتفاق العلماء على الحكم بالإباحة أو الحرمة في كثير من الأنظمة من شبه المتعذر , تقتضي الحكمة أن يترك القول في حكم ذلك إلى المؤسسة العلمية المتخصصة المشهود لها بالعلم والوثاقة .
وقد يقال إن هذه المؤسسة قد تجد نفسها هي أيضا مختلفة في حكم مسألة ما ؟
وهذا الأمر من الممكن التغلب عليه عبر أنظمة هذه المؤسسة التي تحكم ما يمكن أن يوصف بكونه قرارا منسوبا إليها , المهم أن يكون أعضاء هذه المؤسسة المخالفين لقرارها المعتمد قدوة لغيرهم من أهل العلم في الالتزام بهذا القرار وإرجاع الناس إليه وعدم المشاجرة فيه .
إذاًََ فهناك فروق كبيرة جدا بين الفتوى والكهانة , وليست هذه الفروق في تقديري خافية على كل من يحاربون تنظيم الفتوى العامة , لكن الرمي بالدعوة إلى تشريع الكهنوت هو عبارة عن أنموذج من نماذج الإرهاب الفكري الذي يعتمده كثير من ضعفاء الحجة تجاه مخالفيهم .
ومن خلال متابعتي الجيدة نسبيا فإن محاربي تنظيم الفتوى العامة صنفان من الناس لا ثالث لهما :
الأول : أخيار لم يدركوا عظم المصالح الناتجة عن هذا التنظيم , وعلاج هؤلاء إرجاعهم إلى تاريخ بلادنا القريب حيث كنا ننعم بانسجام كبير بين النظام والفتوى وبين الفتوى والعرف العام .
الصنف الآخر : أصحاب مصلحة أو هوى لا يتحققان إلا في ظل ما طرأ على الفتوى في بلادنا هذه الأيام من اضطراب , وليس لهؤلاء علاج سوى الدعاء لهم بالهداية وتقديم مصالح أمتهم على مصالح أنفسهم وأهوائها .