السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه أجمعين
إن محاولة تقويم أي رجل من الرجال أو مؤلَّف من المؤلَّفات
بمقررات سابقة وخلفيات مبيتة
تجعل الإنسان يميل عن الحق ميلاً واضحًا
فهو لا ينظر إلى المرء بمجموع أعماله
بل يتغاضى عن المحاسن
ولا يقع بين عينيه إلا الهفوات
بل قد يعطيها أكثر مما تستحق من النقد والتجريح.
لذا كان التجرد في التقويم من الأسباب المهمة
التي تجعل الحكم صوابًا أو قريبًا من الصواب.
قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ
وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ
أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ
إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً
فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا
فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}.
وكما يجب التجرد من هوى العداوة والبغضاء في النقد
فإنه يجب التجرد من هوى الحب في المدح
وكما لا يجوز التحامل فإنه لا تجوز المحاباة.
قال شعبة:
"لو حابيت أحدًا لحابيت هشام بن حسان، كان ختني ولم يكن يحفظ".
وسئل علي بن المديني عن أبيه فقال:
"سلوا غيري".
فأعادوا فأطرق، ثم رفع رأسه فقال: "هو الدين".
وكان أبو داود السجتساني يكذّب ابنه.
وقال عبيد الله بن عمرو: قال لي زيد بن أبي أُنيسة:
"لا تكتب عن أخي؛ فإنه كذاب".
وتدبروا أيها الإخوة وصية الله لنبيه داود عليه السلام:
{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ
وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.
فلا ينبغي أن تكون المحبة لشخص أو البغضاء له دافعًا
إلى إهمال العدل:
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا
اعْدِلُواهُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.
والقلب إن لم يسلم من التأثر بهذه العواطف القلبية فلابد من الخطأ في التقويم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"ومن المعلوم أن مجرد نفور النافرين، أو محبة الموافقين،
لا يدل على صحة قول ولا فساده, إلا إذا كان ذلك بهدى من الله
بل الاستدلال بذلك استدلال باتباع الهوى بغير هدى من الله
فإن اتّباع الإنسان لما يهواه هو أخذ القول والفعل الذي يحبه
وردّ القول والفعل الذي يبغضه بلا هدى من الله".
وقال أيضًا رحمه الله:
"وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك,
ولا يطلبه, ولا يرضى لرضا الله ورسوله،
ولا يغضب لغضب الله ورسوله,
بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه, ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه
ويكون مع ذلك معه شبهة دين:
أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة،
وأنه الحق، وهو الدين".
اقصد وجه الله والنصح للمسلمين
وبهذا يتبين أن التجرد في القول والعمل
وسلامة المقصد أصل مهم
في تقويم الرجال وأعمالهم
حتى لو كان رأي الإنسان صحيحًا
لكنه لم يقصد به وجه الله تعالى ثم النصح للمسلمين
فإن عمله مردود غير مقبول,
وهو مأزور غير مأجور إذا لم يتجاوز عنه ربه؛
قال الله تعالى:
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم
إن لم يقصد منه بيان الحق وهدى الخلق ورحمتهم
والإحسان إليهم لم يكن عمله صالحًا
وإذا غلظ في ذم بدعة ومعصية كان قصده بيان ما فيها من الفساد
ليحذرها العباد كما في نصوص الوعيد وغيرها.
وقد يهجر الرجل عقوبةً وتعزيزًا
والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان لا للتشفي والانتقام
كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم
أصحابه الثلاثة الذين خلّفوا في غزوة تبوك".
فعلى الإنسان المسلم أن يفتش في قلبه ويطهّره من جميع آثار الهوى
قبل أن يبدأ في تقويم شخص من الأشخاص أو كتاب من الكتب
لكي يكون متين الرأي منصفًا
بعيدًا عن الجور والظلم المذموم شرعًا
وذلك أن صاحب هذا القلب الطاهر السليم مطمئن البال, هادئ النفس
يحب الخير للناس, ويبذل النصح لهم
وهذه هي صفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذين مدحهم الله عز وجل بقوله:
{وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}.
ومثل هذا يُلقى له القبول بين الناس حتى وهو يرد على الأخطاء والانحرافات
فإنه يصاحبه في ذلك شعور بالشفقة وحب الهداية للغير لا مجرد الرد
والخصومة والجدال كما هو الحال في كثير ممن يتصدى للمخالفين له أو لشيخه
حيث إن الأمر يصل به إلى الاعتداء في كلامه لمن يخالفه
في الفروع التي يسعها الخلاف
فضلاً عن الأصول
لا لشيء إلا لأنه خالفه أو خالف شيخه وكفى.
يتبع بأمر الله وعونه وفضله وكرمه