رأفت رجب
بينما أنا جالس في مكتبي، إذ دخل عليَّ أحد الأطباء، وكنت أعرفه من قبل، إنه - حفظه الله - من أصحاب القامات العالية، أعطاه الله بسطة في الجسم، وتبدو علي ملامح وجهه علامات الطيبة، يظهر ذلك في ابتسامته الرقيقة، بل وحتى في انفعالاته البسيطة.
نعم دخل مكتبي، ومعه سبورة صغيرة، وقلم فلوماستر، يحملهما في يده، أشرت إليه بالجلوس فجلس، وبدأ حديثه معي، وبدأ يسألني عن أشياء تتعلق بعملي، وكنت أرد عليه في اهتمام بالغ، نظرت إليه، وهو يمسك بالقلم ليكتب على هذه السبورة الصغيرة أسئلته الحائرة، فإذا أتممت إجابتي مسح ما كتبه من أسئلة بكفه، كان هناك طبيب يتابع الحوار الذي دار بيني وبينه باهتمام وعن قرب، حتى إذا انصرف هذا الطبيب المبتلى والمحروم من نعمة النطق، فإذا بالطبيب الآخر الذي كان يتابعنا يقول كما علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نقول في مثل هذا المقام: (( الذي عافانا مما ابتلى كثيرا من خلقه))، فكانت هذه الكلمات تذكرة لنا بنعم الله علينا التي لا تعد ولا تحصى.
أحبابي وإخواني....هل تذكرنا هذه النعم التي يغمرنا الله بها؟ هل شكرنا الله على هذه النعم؟ هل فكرنا في نعمة النطق والقدرة على التعبير بسهولة وبساطة؟.
إن هذا الطبيب المبتلى كان يتكلم مثلما نحن نتكلم، وكان يعبر عما في نفسه دون أي مجهود يذكر، ولكنها إرادة الله - تعالى -وقضاؤه الذي كله خير، لقد تعرض هذا الطبيب أيها الأحباب - عافانا الله وإياكم- للمرض الخبيث في حنجرته، فتغيرت حياته، وتبدل نظامها، وأصبح الآن لا يتحرك إلا ومعه هذا القلم وهذه السبورة، هما أداة التعبير التي لا تفارقه وهو يتحرك بهما بين الناس، ألا ما أعظم نعم الله علينا، ولكن أين الشاكرون آلاء الله؟ وأين الحامدون عطاياه؟!
أما زال بيننا أيها الأحباب من يشكو حظه ونصيبه، وقضاء الله فيه، أما زلنا نشكو ضعف الرواتب والأجور؟!
كم تساوي نعمة النطق التي وهبها الله - سبحانه - لك؟! أما زالت عند بعضنا قناعة بأنه فقير؟! أما زالت عند بعضنا قناعة بأنه دون الناس في الرزق؟!
ألا ما أجلَّ نعم الله علينا، منها الظاهر ومنها الباطن، ولكن - للأسف الشديد - لا يراها إلا من حُرم منها.
نعمة السمع.. نعمة البصر.. نعمة النطق... نعمة التذوق... ونعمة الإسلام... كم تساوي كل هذه النعم؟!
أليس جديراً بنا - أيها الأحباب - أن نشكر الله - تعالى - ليل نهار؟! أليس جديراً بنا أن نخر لعظمته، وأن نسبح بحمده، وأن نسجد لله ؟!
أما آن الأوان الذي فيه نلهج دائماً أبداً بذكره وشكره، ونطلب منه العون على ذلك!.
هيا نرفع سويا أكف الضراعة إليه - سبحانه - كما علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) اللهم آمين.