ليست المرة الأولى التي تتعمد فيها إسرائيل قتل أبرياء عزّل لا يحملون غير صدورهم العارية أمام غضب رصاصات أعدائهم المحمومة!
وحتماً لن تكون الأخيرة.. مادامت إسرائيل تدرك جيداً أن جيرانها العرب لا يملكون شاليطاً واحداً نقيّ الدم! وما دامت إسرائيل تدرك أنها الأقدر في الحارة العربية على فرض عنترياتها التوراتية، وأنها الأقدر حين الاصطدام على إنهاء أي أزمة تتهدّدها بكل بساطة وسرعة، وبلا أي ضحايا نقية الدم، وما دام الأمر يتعلق بهؤلاء الأغيار فلتنته كل أزمة بلا أدنى رحمة وبلا ذرة من عقل.
وما دامت إسرائيل قد أمنت العقوبة فقد أساءت، وسوف تسيء الأدب دائماً، ولن تكترث بسيل الشجب والتنديد وصرخات التظاهرات، بل أظن أن ساستها يتندّرون بالاستماع إلى بيانات الشجب والتنديد العالمية والمحلية، وبهذا العتاب الرقيق جداً من أصدقائها الأوروبيين والأمريكان.
وثمت أمر آخر يحرك هذا النهم الإسرائيلي الأعمى نحو إراقة مزيد من دماء هؤلاء "الإسماعيليين" إنها العقيدة اليهودية، والأيديولوجيا الصهيونية التي يتغذى عليها صغارهم قبل كبارهم، والتي يزعمون بموجبها أن الله قد اختارهم؛ ليكونوا شعبه الأوحد، حيث أعطى أباهم إبراهيم بموجب ذلك أرض "أورشليم" المباركة له ولأبنائه من بعده، رغم سكانها الذين عمروها منذ آلاف السنين، وليعذرني القارئ المسلم في إيراد نصوص من سفر التكوين تؤكد هذا الحق لأبيهم إبراهيم ولنسله من بعده:
"وقال الرب لإبرام: اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة، وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه! "
وبعد هبوطه أرض كنعان ظهر الرب لإبراهيم وقال: "لنسلك أعطي هذه الأرض"
"ارفع عينيك وانظر من هذا الموضع الذي أنت فيه، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً؛ لأن جميع الأرض الذي أنت ترى لك أعطيها لنسلك للأبد، وأجعل نسلك كتراب الأرض"
"وأقيم عهدي بيني وبينك، وبين نسلك من بعدك في أجيالهم، عهداً أبدياً؛ لأكون إلاهاً لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، أرض كنعان ملكا أبديا وأكون إلاههم"
(والمسألة بذلك تصبح قدراً مقدساً وإلاهياً لا مجال للاعتراض عليه، بحيث تم منح الأرض بأثر رجعي للسلف البعيد إبراهيم، بينما لم يكن قد أنجب أصلاً، مع وعد آخر بأن ذلك النسل سيكون أعظم الأمم، ومن هنا تم تزمين الرواية بزمن النبي إبراهيم؛ لتكتسب قدسية التقادم، وإعمالاً للمبدأ القانوني القائل: بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية، والذي يبدو أنه اليوم ليس سوى توارثاً عن قواعد تلك الأزمان[1] [سيد القمني إسرائيل التوراة.. التاريخ.. التضليل]).
(وهذه الأيديولوجيا اليهودية بدورها تقوم على أساس المواقف اليهودية التاريخية من غير اليهود، هذه المواقف لابد أن تؤثر على اليهود بوعي أو من دون وعي، لقد كان موسى ابن ميمون فيلسوفاً، وكتابه "دليل المحتار" يعتبر بحق أعظم كتاب في الفلسفة الدينية اليهودية، وما زال يقرأ على نطاق واسع حتى اليوم لسوء الحظ! ففي فصل أساسي في الدليل (الكتاب الثالث، الفصل: 51) يبحث في الشرائح البشرية المختلفة التي يمكنها تحقيق القيم الدينية العليا والعبادة الحقيقية لله، ويبين غير القادرين حتى على الاقتراب من هذا: "بعض الأتراك مثل العنصر المنغولي، والبدو إلى الشمال، والسود والبدو إلى الجنوب، والذين يشابهونهم في أقاليمنا، وطبيعتهم تشبه طبيعة الحيوانات البكماء، وهم في رأيي لم يبلغوا مستوى الكائنات البشرية، والمستوى السائد بينهم هو دون مستوى الإنسان وفوق مستوى القرد؛ لأن صورتهم تشبه صورة الإنسان أكثر مما تشبه صورة القرد!! " والآن ماذا يفعل المرء حيال هذه الفقرة في أكثر الكتب اليهودية أهمية وضرورة؟ أيواجه الحقيقة ونتائجها -لا سمح الله-؟ أيعترف بأن مرجعاً يهودياً هاماً جداً يؤمن بآراء عنصرية متطرفة ضد السود، ويقوم بمحاولة التثقيف الذاتي في الإنسانية الحقيقية؟ لا عاشت هذه الفكرة! [2] [إسرائيل شاحاك التاريخ اليهودي.. الديانة اليهودية، وطأة ثلاثة آلاف سنة]).
مثل هذه العقيدة التي تشرّع النهب والسلب، ومثل هذه الفكرة العنصرية المتلبسة بلبوس الدين سوف يكون من أقوى تأثيراتها المباشرة أنها تهب معتنقيها نفسية توازي نفسية الوحوش! في هجومهم اللاعقلاني، اللاإنساني، اللاأخلاقي، وهو طبقاً ما تمارسه الحكومة الإسرائيلية ضد أي خصم من خصومها "الأغيار" الذين يحاولون أن ينهبوها حقها المقدس بنص الكتاب المقدس! ولذا هم لا يتوانون في استخدام كل ما تحت سيطرتهم من قوة وسلاح في سبيل كفاح هؤلاء "الجوييم[3]"؛ الذين هم (دون مستوى الإنسان وفوق مستوى القرد) كما يقرر ذلك فيلسوفهم الأعظم ابن ميمون.
ولقائل أن يقول: إن هذه العقائد والأفكار والأيديولوجيات إنما تحرك فقط اليمينيين المؤمنين بها، لكنها لا تؤثر في سواهم من اليساريين العلمانيين الملحدين أحياناً، وهذا الكلام فيه شيء من الحقيقة إذا نظرنا في تأثير العقيدة على معتنقيها، لكن هذا التأثير سيكون قليلاً ومتخفياً وربما معدوماً على من لا يؤمن بها؛ وفقاً لموقع قدمه من خارطة الإيمان وعدمه، وربما سيكون هذا التأثير معدوماً على السياسي الملحد الذي يتحرك وفقاً لمصالح السياسة ومتطلباتها فحسب، دون أي محركات أو خلفيات أخرى، إلا إنني لا أستطيع نفي وجود شيء من هذا التأثير على أفراد كيان قائم بحد ذاته على أسطورة دينية، حيث تُشكل هذه الأسطورة السبب الحقيقي الذي يكمن وراء قيام ووجود هذا الكيان، ويؤكد هذا ما أورده المفكر اليهودي الإسرائيلي المعتدل "إسرائيل شاحاك" في كتابه (التاريخ اليهودي) المشار إليه سابقاً حيث يقول متحدثاً عن أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل "دافيد بن غوريون": "تحولي المبكر من الإعجاب بدافيد بن غوريون إلى معارض عنيد له بدأ عام 1956م، حيث استوعبت بشغف مبررات بن غوريون السياسية والعسكرية بعد حرب السويس، حتى أعلن في الكنيست ثالث أيام الحرب رغم إلحاده وتفاخره بتجاهل تعاليم الديانة اليهودية أن السبب الحقيقي هو "إعادة مملكة داود وسليمان إلى حدودها التوراتية" وعند هذه النقطة من خطابه وقف كل أعضاء الكنيست تقريباً، وأخذوا ينشدون النشيد الوطني الإسرائيلي! ولم يستنكر أي سياسي صهيوني حسب معلوماتي فكرة بن غوريون القائلة بوجوب وضع السياسات الإسرائيلية على أساس إعادة الحدود التوراتية؛ لتصبح حدودا للدولة اليهودية[4]".
فهذا السياسي الذي يتظاهر بالإلحاد وعدم الإيمان قد أفقدته نشوةُ النصر إلحادَه، وأسقطَتْ قناعه الذي يختبئ خلفه؛ ليظهَرَ عنصرُه الحقيقي، أو على أقل تقدير.. كي يمارسَ دور المؤمن في مجتمع قائم أساسا على الإيمان.
وكي ندرك أكثر هذه النفسية العدائية للصهاينة فلنقف قليلاً مع علماء اليهود الذين شكلوا هذا التراث الهائل من الشرائع والعقائد التي تزخر بها مراجعهم الدينية الغنية، فشريعة "الهالاخاه[5]" اليهودية تقرر أنه: (عندما تلتقي قواتنا بمدنيين خلال الحرب أو خلال ملاحقة ساخنة أو غزو، ولم يكن مؤكداً أن أولئك المدنيين غير قادرين على إيذاء قواتنا، فوفق أحكام الهالاخاه يمكن لا بل يجب! قتلهم، والثقة بعربي غير جائزة في أي ظرف، حتى إذا أعطى انطباعاً بأنه متحضر... في الحرب عندما تهاجم قواتنا العدو فهي مصرّح لها، لا بل مأمورة وفق أحكام الهالاخاه بأن تقتل حتى المدنيين الطيبين، أي الذين يبدو ظاهريا أنهم طيبون[6]) [الكولونيل الحاخام أ. أفيدان (زيميل) طهارة السلاح في ضوء الهالاخاه]
وبعد أخي القارئ.. هل تظن أن هذا العدوان البدائي على أسطول الحرية، وما قبل ذلك من جرائم الصهاينة بحق الفلسطينيين، وما سيتلو ذلك من عدوان ما دام هذا الكيان قائماً، هل تظن أنه صادر إلا عن مثل هذه العقائد والأيديولوجيا؟، ويؤكد هذا ما يحظى به جنديهم الأسير لدى حماس "جلعاد شاليط" بكل هذا الحرص السياسي والاهتمام الإعلامي والتهديدات الرعناء لمختطفيه، ولا تحظى شاليطاتنا بسوى المزيد من الأحكام الجائرة وراء قضبان الحديد وقضبان التراب، والمزيد من إراقة الدماء، والمزيد من إزهاق الأرواح، ولست أنفي أن يكون للعرب أيضاً أفكارهم وعقائدهم التي تحركهم لتحمّل كل هذا التاريخ من الآلام، أو أن تكون لهم أيديولوجياتهم المحرّضة للمزيد من العنف ضد خصومهم، لكنني هنا لست بصدد الحديث عن ذلك لسبب هو: أن الموقف هنا يبرز فيه طرفان: طرف مستعل على كل الاعتبارات الدينية والتاريخية والسياسية، وطرف آخر ذليل مقهور مشرَّد، ومسلوب الأرض والإرادة، ولا قدسية لوجوده وبقائه في كل مشهد من مشاهد الصدام.
وفي كل فصل من فصول الرواية هناك معادلة تقول: دماء شاليطاتنا المدنسة لا تساوي قطرة من دم شاليطهم المقدس.
وحتماً لن تكون الأخيرة.. مادامت إسرائيل تدرك جيداً أن جيرانها العرب لا يملكون شاليطاً واحداً نقيّ الدم! وما دامت إسرائيل تدرك أنها الأقدر في الحارة العربية على فرض عنترياتها التوراتية، وأنها الأقدر حين الاصطدام على إنهاء أي أزمة تتهدّدها بكل بساطة وسرعة، وبلا أي ضحايا نقية الدم، وما دام الأمر يتعلق بهؤلاء الأغيار فلتنته كل أزمة بلا أدنى رحمة وبلا ذرة من عقل.
وما دامت إسرائيل قد أمنت العقوبة فقد أساءت، وسوف تسيء الأدب دائماً، ولن تكترث بسيل الشجب والتنديد وصرخات التظاهرات، بل أظن أن ساستها يتندّرون بالاستماع إلى بيانات الشجب والتنديد العالمية والمحلية، وبهذا العتاب الرقيق جداً من أصدقائها الأوروبيين والأمريكان.
وثمت أمر آخر يحرك هذا النهم الإسرائيلي الأعمى نحو إراقة مزيد من دماء هؤلاء "الإسماعيليين" إنها العقيدة اليهودية، والأيديولوجيا الصهيونية التي يتغذى عليها صغارهم قبل كبارهم، والتي يزعمون بموجبها أن الله قد اختارهم؛ ليكونوا شعبه الأوحد، حيث أعطى أباهم إبراهيم بموجب ذلك أرض "أورشليم" المباركة له ولأبنائه من بعده، رغم سكانها الذين عمروها منذ آلاف السنين، وليعذرني القارئ المسلم في إيراد نصوص من سفر التكوين تؤكد هذا الحق لأبيهم إبراهيم ولنسله من بعده:
"وقال الرب لإبرام: اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة، وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه! "
وبعد هبوطه أرض كنعان ظهر الرب لإبراهيم وقال: "لنسلك أعطي هذه الأرض"
"ارفع عينيك وانظر من هذا الموضع الذي أنت فيه، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً؛ لأن جميع الأرض الذي أنت ترى لك أعطيها لنسلك للأبد، وأجعل نسلك كتراب الأرض"
"وأقيم عهدي بيني وبينك، وبين نسلك من بعدك في أجيالهم، عهداً أبدياً؛ لأكون إلاهاً لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، أرض كنعان ملكا أبديا وأكون إلاههم"
(والمسألة بذلك تصبح قدراً مقدساً وإلاهياً لا مجال للاعتراض عليه، بحيث تم منح الأرض بأثر رجعي للسلف البعيد إبراهيم، بينما لم يكن قد أنجب أصلاً، مع وعد آخر بأن ذلك النسل سيكون أعظم الأمم، ومن هنا تم تزمين الرواية بزمن النبي إبراهيم؛ لتكتسب قدسية التقادم، وإعمالاً للمبدأ القانوني القائل: بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية، والذي يبدو أنه اليوم ليس سوى توارثاً عن قواعد تلك الأزمان[1] [سيد القمني إسرائيل التوراة.. التاريخ.. التضليل]).
(وهذه الأيديولوجيا اليهودية بدورها تقوم على أساس المواقف اليهودية التاريخية من غير اليهود، هذه المواقف لابد أن تؤثر على اليهود بوعي أو من دون وعي، لقد كان موسى ابن ميمون فيلسوفاً، وكتابه "دليل المحتار" يعتبر بحق أعظم كتاب في الفلسفة الدينية اليهودية، وما زال يقرأ على نطاق واسع حتى اليوم لسوء الحظ! ففي فصل أساسي في الدليل (الكتاب الثالث، الفصل: 51) يبحث في الشرائح البشرية المختلفة التي يمكنها تحقيق القيم الدينية العليا والعبادة الحقيقية لله، ويبين غير القادرين حتى على الاقتراب من هذا: "بعض الأتراك مثل العنصر المنغولي، والبدو إلى الشمال، والسود والبدو إلى الجنوب، والذين يشابهونهم في أقاليمنا، وطبيعتهم تشبه طبيعة الحيوانات البكماء، وهم في رأيي لم يبلغوا مستوى الكائنات البشرية، والمستوى السائد بينهم هو دون مستوى الإنسان وفوق مستوى القرد؛ لأن صورتهم تشبه صورة الإنسان أكثر مما تشبه صورة القرد!! " والآن ماذا يفعل المرء حيال هذه الفقرة في أكثر الكتب اليهودية أهمية وضرورة؟ أيواجه الحقيقة ونتائجها -لا سمح الله-؟ أيعترف بأن مرجعاً يهودياً هاماً جداً يؤمن بآراء عنصرية متطرفة ضد السود، ويقوم بمحاولة التثقيف الذاتي في الإنسانية الحقيقية؟ لا عاشت هذه الفكرة! [2] [إسرائيل شاحاك التاريخ اليهودي.. الديانة اليهودية، وطأة ثلاثة آلاف سنة]).
مثل هذه العقيدة التي تشرّع النهب والسلب، ومثل هذه الفكرة العنصرية المتلبسة بلبوس الدين سوف يكون من أقوى تأثيراتها المباشرة أنها تهب معتنقيها نفسية توازي نفسية الوحوش! في هجومهم اللاعقلاني، اللاإنساني، اللاأخلاقي، وهو طبقاً ما تمارسه الحكومة الإسرائيلية ضد أي خصم من خصومها "الأغيار" الذين يحاولون أن ينهبوها حقها المقدس بنص الكتاب المقدس! ولذا هم لا يتوانون في استخدام كل ما تحت سيطرتهم من قوة وسلاح في سبيل كفاح هؤلاء "الجوييم[3]"؛ الذين هم (دون مستوى الإنسان وفوق مستوى القرد) كما يقرر ذلك فيلسوفهم الأعظم ابن ميمون.
ولقائل أن يقول: إن هذه العقائد والأفكار والأيديولوجيات إنما تحرك فقط اليمينيين المؤمنين بها، لكنها لا تؤثر في سواهم من اليساريين العلمانيين الملحدين أحياناً، وهذا الكلام فيه شيء من الحقيقة إذا نظرنا في تأثير العقيدة على معتنقيها، لكن هذا التأثير سيكون قليلاً ومتخفياً وربما معدوماً على من لا يؤمن بها؛ وفقاً لموقع قدمه من خارطة الإيمان وعدمه، وربما سيكون هذا التأثير معدوماً على السياسي الملحد الذي يتحرك وفقاً لمصالح السياسة ومتطلباتها فحسب، دون أي محركات أو خلفيات أخرى، إلا إنني لا أستطيع نفي وجود شيء من هذا التأثير على أفراد كيان قائم بحد ذاته على أسطورة دينية، حيث تُشكل هذه الأسطورة السبب الحقيقي الذي يكمن وراء قيام ووجود هذا الكيان، ويؤكد هذا ما أورده المفكر اليهودي الإسرائيلي المعتدل "إسرائيل شاحاك" في كتابه (التاريخ اليهودي) المشار إليه سابقاً حيث يقول متحدثاً عن أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل "دافيد بن غوريون": "تحولي المبكر من الإعجاب بدافيد بن غوريون إلى معارض عنيد له بدأ عام 1956م، حيث استوعبت بشغف مبررات بن غوريون السياسية والعسكرية بعد حرب السويس، حتى أعلن في الكنيست ثالث أيام الحرب رغم إلحاده وتفاخره بتجاهل تعاليم الديانة اليهودية أن السبب الحقيقي هو "إعادة مملكة داود وسليمان إلى حدودها التوراتية" وعند هذه النقطة من خطابه وقف كل أعضاء الكنيست تقريباً، وأخذوا ينشدون النشيد الوطني الإسرائيلي! ولم يستنكر أي سياسي صهيوني حسب معلوماتي فكرة بن غوريون القائلة بوجوب وضع السياسات الإسرائيلية على أساس إعادة الحدود التوراتية؛ لتصبح حدودا للدولة اليهودية[4]".
فهذا السياسي الذي يتظاهر بالإلحاد وعدم الإيمان قد أفقدته نشوةُ النصر إلحادَه، وأسقطَتْ قناعه الذي يختبئ خلفه؛ ليظهَرَ عنصرُه الحقيقي، أو على أقل تقدير.. كي يمارسَ دور المؤمن في مجتمع قائم أساسا على الإيمان.
وكي ندرك أكثر هذه النفسية العدائية للصهاينة فلنقف قليلاً مع علماء اليهود الذين شكلوا هذا التراث الهائل من الشرائع والعقائد التي تزخر بها مراجعهم الدينية الغنية، فشريعة "الهالاخاه[5]" اليهودية تقرر أنه: (عندما تلتقي قواتنا بمدنيين خلال الحرب أو خلال ملاحقة ساخنة أو غزو، ولم يكن مؤكداً أن أولئك المدنيين غير قادرين على إيذاء قواتنا، فوفق أحكام الهالاخاه يمكن لا بل يجب! قتلهم، والثقة بعربي غير جائزة في أي ظرف، حتى إذا أعطى انطباعاً بأنه متحضر... في الحرب عندما تهاجم قواتنا العدو فهي مصرّح لها، لا بل مأمورة وفق أحكام الهالاخاه بأن تقتل حتى المدنيين الطيبين، أي الذين يبدو ظاهريا أنهم طيبون[6]) [الكولونيل الحاخام أ. أفيدان (زيميل) طهارة السلاح في ضوء الهالاخاه]
وبعد أخي القارئ.. هل تظن أن هذا العدوان البدائي على أسطول الحرية، وما قبل ذلك من جرائم الصهاينة بحق الفلسطينيين، وما سيتلو ذلك من عدوان ما دام هذا الكيان قائماً، هل تظن أنه صادر إلا عن مثل هذه العقائد والأيديولوجيا؟، ويؤكد هذا ما يحظى به جنديهم الأسير لدى حماس "جلعاد شاليط" بكل هذا الحرص السياسي والاهتمام الإعلامي والتهديدات الرعناء لمختطفيه، ولا تحظى شاليطاتنا بسوى المزيد من الأحكام الجائرة وراء قضبان الحديد وقضبان التراب، والمزيد من إراقة الدماء، والمزيد من إزهاق الأرواح، ولست أنفي أن يكون للعرب أيضاً أفكارهم وعقائدهم التي تحركهم لتحمّل كل هذا التاريخ من الآلام، أو أن تكون لهم أيديولوجياتهم المحرّضة للمزيد من العنف ضد خصومهم، لكنني هنا لست بصدد الحديث عن ذلك لسبب هو: أن الموقف هنا يبرز فيه طرفان: طرف مستعل على كل الاعتبارات الدينية والتاريخية والسياسية، وطرف آخر ذليل مقهور مشرَّد، ومسلوب الأرض والإرادة، ولا قدسية لوجوده وبقائه في كل مشهد من مشاهد الصدام.
وفي كل فصل من فصول الرواية هناك معادلة تقول: دماء شاليطاتنا المدنسة لا تساوي قطرة من دم شاليطهم المقدس.