وبالرغم من أن نحو 62% من إجمالي الإبل في العالم يقع في أقطارنا العربية، إلا أنه وللأسف الشديد، أغلب الدراسات والأبحاث والمصادر العلمية المتعلقة بهذه الحيوانات، مصدرها أجنبى!!· وفي السنوات الأخيرة، بدأت صحوة علمية من قبل الباحثين العرب للاهتمام بهذا الحيوان، وعلى الرغم من أنها تأخرت كثيراً، لكن كان لابد منها، للحفاظ على هذا النوع من الانقراض، باعتباره مصدراً مهماً للحوم والألبان في أقطار كثيرة، ومازالت تستخدم حتى الآن في العمل الزراعي والنقل والترحال والأغراض العسكرية وحراسة الحدود بين الدول·
قال الله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت) (الغاشية: 17) وتأمل في بديع خلق الإبل وكيف سواها الله عز وجل وهيأها لأداء الوظيفة التي خلقها لها، لقد أعطى الله الإبل الصورة الخلقية التي تلائم عيشته وأسفاره الطويلة في الصحراء، فلهذا خُلق الجمل برقبة طويلة تُعلي رأسه وتنأى بعينيه عن غبار الرمال، كما مُنح شفة مشقوقة يستطيع أن يتناول بها أشواك البوادي دون أن تؤذيه، وأعطى سناماً يختزن فيـه الدهن إن أعوزه الطعام يوماً في الصحاري القاحلة، ولم تنته رجله بحافر يغوص في الرمال كحوافر الخيل والبغال والحمير بل انتهت بخف يقدر به على اجتياز الرمال دون أن يسوخ فيها، ولهـذا سمـوه سفينة الصحراء· لم يحظ أي نوع من الأنعام بهذه الإشارة القرآنية المتدبرة التي توجه نظر الإنسان إلى خلق الإبل وتفردها بمزايا خاصة يجب أن يتفكر فيها الإنسان ويتعلم منها ويستفيد بها، فهي تؤدي دوراً اقتصادياً واجتماعياً مهماً ضمن النظم الرعوية والزراعية في المناطق الجافة وشبة الجافة في الكثير من الدول الأفريقية والآسيوية· ويعتمد عليها البدو اعتماداً يكاد يكون كلياً في معظم ضرورات حياتهم· فهي مورد للرزق ومصدر للغذاء والكساء ووسيلة النقل والتنقل لسكان هذه المناطق· كما أنها مصدر فخر واعتزاز وتعبير عن الوضع الاجتماعى· وحديثاً دخلت الإبل ميادين رياضة السباق، واهتمت بعض الدول العربية بسباق الهجن لإبراز التراث الشعبي ومنع اندثاره، إضافة إلى إظهاره أهمية هذا الحيوان وتوجيها للاهتمام به·
ما لا نعرفه عن الإبل
الجمل حيوان وديع سهل الإنقياد، صبور عند المرض، يستحسن المعاملة الطيبة ويستجيب للمداعبة، لكنه يستوحش إذا أهمل وفي هذه الحال يجب الحذر منه· والإبل سريعة الغضب متقلبة المزاج وعند استثارتها تخرج أصواتاً تشبه الزمجرة وقد تعض أحياناً·
ومن السلوكيات التي تتمتع بها الإبل أنها نادراً ما تلجأ لعملية الانتقام في حالة سوء معاملتها أو ظلمها، وإذا ما نوى الجمل على الانتقام فإنه يخطط ويرتب لذلك جيداً· فهو يهاجم الشخص إذا كان غافلاً وأعزلاً من السلاح، ويتخذ الجمل كل أسلحته من عض وضرب الأرجل وقد يقذف بالشخص إذا كان راكباً على ظهره ويرميه على الأرض ويبرك عليه ولذلك قيل <أحقد من جمل>·
ومن عجائب هذا الحيوان أنه ذكي فهو يستطيع أن يعرف الأماكن التي شرب منها ولو مرة واحدة وكذلك يعرف الطرق التي يسلكها ولو للمرة الأولى حتى إن الرعاة إذا لم يعرفوا الطريق وضلوا في الصحاري المهلكة، فإنهم يتركون إبلهم تسير لوحدها دون أن يرغموها على الذهاب إلى جهة معينة فتدلهم إلى مضاربهم· كما أن الإبل تستطيع معرفة الأماكن التي ستهطل الأمطار عليها من رائحة الرطوبة فتتجه إليها· ومن ذكاء الجمل أنه يعرف مكان ولادته بكل دقة حتى لو مرت سنين طويلة وهو يحب موطن ولادته ويحن إليه دائماً· فسبحان من ألهمه ذلك· وسبحان من قال: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت)·
علاج السرطان بألبان وأبوال الإبل
عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ <أَنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا فِي الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِي الإبل فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الإبلَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ>· رواه البخاري
قال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها وقال ابن العربي داء يأخذ من الوباء وفي رواية أخرى استوخموا قال وهو بمعناه وقال غيره داء يصيب الجوف وفي رواية أبي عوانة عن أنس في هذه القصة فعظمت بطونهم·
وفي الأثر عن الشافعي رضي الله عنه أورده السيوطي في المنهج السوي والمنهل الروي يقول: ثلاثة أشياء دواء للداء الذي لا دواء له، والذي أعيا الأطباء أن يداووه: العنب، ولبن اللقاح، وقصب السكر، ولولا قصب السكر ما أقمتُ بمصر·
يذكر صاحب كتاب طريق الهداية في درء مخاطر الجن والشياطين أنه أخبر عن نفر من البادية عالجوا أربعة أشخاص مصابين بسرطان الدم وقد أتوا ببعضهم بعضاً من لندن مباشرة بعد ما يأسوا من علاجهم وفقدوا الأمل بالشفاء وحكم على بعضهم بنهاية الموت لأنه سرطان الدم، ولكن عناية الله وقدرته فوق تصور البشر وفوق كل شيء، فجاءوا بهؤلاء النفر إلى بعض رعاة الإبل وخصصوا لهم مكاناً في خيام وأحموهم من الطعام مدة أربعين يوما ثُم كان طعامهم وعلاجهم حليب الإبل مع شيء من بولها وبخاصة الناقة البكر لأنها أنفع وأسرع للعلاج وحليبها أقوى وخصوصاً من رعت من الحمض وغيره من النباتات البرية وقد شفوا تماما وأصبح أحدهم كأنه في قمة الشباب وذلك فضل الله أ·هـ· قلت وقد ذكر لي الكثير عن قصص مشابهة لمرضى عجز الطب عن علاجهم من السرطان وبتوفيق من الله تعالى تم شفاؤهم بهذا العلاج عند أهل البادية·
وتوجد ظاهرة مدهشة في حليب النوق، حيث لوحظ أن نسبة الماء في تركيب حليبها في حال توافر ماء الشرب هي 86%، وفي حال ندرة الماء تصبح 91%، أي أن النوق تفرز ماءً أكثر لوليدها في أثناء شح المياه وبالتالي توفر له السوائل اللازمة تحت ظروف الجفاف·
وبول الإبل يسميه أهل البادية <الوَزَر>، وطريقة استخدامه بأن يؤخذ مقدار فنجان قهوة أي ما يعادل نحو ثلاثة ملاعق طعام من بول الناقة ويفضل أن تكون بكراً وترعى في البر ثم يخلط مع كأس من حليب الناقة ويشرب على الريق·
وفي مقالة في جريدة الاتحاد العدد 9515 بتاريخ 7/24/2001 تتناول دراسة الدكتور محمد مراد الإبل في مجال الطب والصحة حيث يشير إلى أنه في الماضي البعيد استخدم العرب حليب الإبل في معالجة الكثير من الأمراض ومنها أوجاع البطن وبخاصة المعدة والأمعاء ومرض الاستسقاء وأمراض الكبد وبخاصة اليرقان وتليف الكبد وأمراض الربو وضيق التنفس ومرض السكري، واستخدمته بعض القبائل لمعالجة الضعف الجنسي حيث كان يتناوله الشخص عدة مرات قبل الزواج إضافة إلى أن حليب الإبل يساعد على تنمية العظام عند الأطفال ويقوي عضلة القلب بالذات، ولذلك تصبح قامة الرجل طويلة ومنكبه عريض وجسمه قوي إذا شرب كميات كبيرة من حليب النوق في صغره·
واستخدمت أبوال الإبل وبخاصة بول الناقة البكر كمادة مطهرة لغسل الجروح والقروح ولنمو الشعر وتقويته وتكاثره ومنع تساقطه، وكذلك لمعالجة مرض القرع والقشرة، ويقال: إن في دماء الإبل القدرة على شفاء الإنسان من بعض الأمراض الخبيثة و قيل ان حليب الإبل يحمي اللثة ويقوي الأسنان نظرا لاحتوائه على كمية كبيرة من فيتامين <ج> ويساعد على ترميم خلايا الجسم لأن نوعية البروتين فيه تساعد على تنشيط خلايا الجسم المختلفة، وبصورة عامة يحافظ حليب الإبل على الصحة العامة للإنسان·
وتشير النتائج الأولية للبحوث التي أجراها بعض الخبراء والعلماء أن تركيب الأحماض الأمينية في حليب الإبل تشبه في تركيبها هرمون الأنسولين، وأن نسبة الدهن في لحوم الإبل قليلة وتتراوح بين 1.2 في المئة و 2.8 في المئة، وتتميز دهون لحم الإبل بأنها فقيرة بالأحماض الأمينية المشبعة، ولهذا فإن من مزايا لحوم الإبل أنها تقلل من الإصابة بأمراض القلب عند الإنسان·
وفي مقالة أخرى أظنها من صحيفة الزمان أن باحثا علميا توصل إلى أن بول الإبل يشفي من طائفة من أمراض الجهاز الهضمي وعلى رأسها التهاب الكبد، والباحث اسمه <محمد أوهاج>· يقول <أوهاج> في البحث: <إن التحاليل المختبرية تدل على أن بول الجمل يحتوي على تركيز عالٍ من البوتاسيوم والبولينا والبروتينات الزلالية و الأزمولارتي وكميات قليلة من حامض اليوريك والصوديوم والكرياتين وأوضح أن ما دعاه تقصي خصائص البول البعيري العلاجية هو أنه رأى أفراد قبيلة يشربون ذلك البول حينما يصابون باضطرابات هضمية واستعان ببعض الأطباء لدراسة البول الإبلي فأتوا بمجموعة من المرضى وسقوهم ذلك البول مدة شهرين وكانت النتيجة أن معظمهم تخلصوا من الأمراض التي كانوا يعانون منها يعني ثبت علميا أن بول الجمال مفيد إذا شربته على الريق كما توصل <أوهاج> إلى أن بول الجمال يمنع تساقط الشعر· لا أعلم من أين حصل عليها، ألا أن مقطعها الثاني من موقع لقط المرجان·
في دراسة علمية نشرت في القاهرة، أكدت مجموعة من العلماء في قسم علوم الأغذية بكلية الزراعة <جامعة الفاتح ليبيا>، أن ألبان الإبل هي الأفضل من حيث ثرائها بمكونات الغذاء، ومن حيث سلامتها تماماً· ركز العلماء في البداية في أبحاثهم على لبن الناقة، والمقارنة بين خواصه الحيوية وألبان الأبقار، بعد كارثة أمراض جنون البقر التي تتجدد بين فترة وأخرى، وفي أكثر من بلد أوروبي وغيرها من الأمراض التي يمكن أن تصيب الأغنام كذلك· بينما لم يسمع أحد إصابة إنسان بأي أمراض جراء تناوله ألبان النوق·
وفي هذه الدراسة العلمية والمعملية التي شارك فيها مجموعة من أساتذة كلية زراعة <جامعة الفاتح>، أثبت العلماء أن حليب الإبل يحتوي على كمية فائقة من فيتامين <ج> بما يعادل ثلاثة أمثال مثيله من ألبان الأبقار، في حين تصل نسبة <الكازين> إلى 70% من البروتين في ألبان الإبل، الأمر الذي يجعله سهل الهضم والامتصاص مقارنة بحليب الأبقار الذي تصل النسبة فيه إلى 80%، وكشفت الدراسة أن نسبة الدهون في حليب النوق هي أقل منها في حليب الأبقار, كما أنها حبيبات أقل حجماً يسهل امتصاصها وهضمها· فضلاً عن ذلك فإن ألبان النوق تحتوي على مواد تقاوم السموم والبكتريا، ونسبة كبيرة من الأجسام المناعية المقاومة للأمراض، وبخاصة للمولودين حديثاً· ويمكن وصف حليب الإبل لمرضى الربو، و السكري، والدرن، والتهاب الكبد الوبائي، وقرح الجهاز الهضمي، السرطان·
لكن الدراسة العلمية كشفت عن مفاجأة أكبر، وهي احتواء ألبان الإبل على نسبة عالية من المياه تتراوح بين 84% و91% وهي نسبة غير موجودة في أي نوع من الألبان الأخرى, وقد تجلت قدرة الله تعالى في دور هرمون (البرولاكتين) في عملية دفع المياه في ضرع الناقة لتزيد كمية المياه في اللبن، ولوحظ أن هذه العملية تتم عند الإبل وقت اشتداد الحر التي يحتاج فيها مولودها الرضيع لهذه الكمية من الماء, وكذلك الإنسان العابر معها الصحراء إلى كميات متزايدة من المياه ليطفىء ظمأه· التجارب العلمية الليبية أثبتت أيضاً أن حليب النوق يحتفظ بجودته وقوامه مدة 12 يوماً في درجة حرارة (أم) في حين أن حليب الأبقار يحتفظ بخواصه مدة لا تزيد على يومين في درجة الحرارة عينها، وينصح أصحاب الدراسة بتناول كوب من لبن الإبل قبل النوم مع ملعقة من عسل النحل للتمتع بنوم هادئ وصحة جيدة· وصدق الله العظيم اذ يقول (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت)· وفي حياة الحيوان الكبرى يقول المؤلف: وبول الإبل ينفع من ورم الكبد·
هل لك بجرعة من لبن الإبل؟
استُخدمت الإبل على مدى آلاف السنين كوسيلة لتنقل الإنسان ونقل بضائعه· غير أن النظر إليها على أنها مجرد <سفن الصحراء> هو انتقاص من قدرها الحقيقي· فالإبل عنصر لا غنى عنه في حياة سكان المناطق القاحلة لأسباب كثيرة تتخطى ذلك· فمن وبرها تُنسج البُسط، والخيام، والملابس؛ ومن جلودها تُصنع القِرَب؛ ويُحرق بعرها كوقود؛ إلى جانب أنها مصدر ممتاز للحوم والألبان في بقاع يصعب فيها إنتاج الغذاء· وفي حين أن لبن الإبل يستخدم بالفعل للاستهلاك البشري، إلا أنه قلّما يُستعمل في صنع الأجبان· ومن بين أسباب ذلك صعوبة تخثر هذا النوع من اللبن مقارنة بألبان المواشي الأخرى· وقد أصدرت المنظمة الآن مطبوعاً لمساعدة الناس على التغلّب على مشكلة التخثر هذه· والمبدأ الأساسي في صناعة الجبن هو ترويب اللبن ليشكل الخثارة والمصل· وتساعد الطرق الحديثة لصنع الأجبان عملية التخثر بإضافة الخُمْرة، وهي زريعة بكتيرية تنتج حامض اللكتيك، والمِنفحة، وهي مادة مستخلصة من العجول وتحتوي على أنزيمات الترويب· وتكفل هذه الأنزيمات التعجيل بوتيرة فصل لسوائل عن الجوامد· ويقول <جان كلود لامبرت>، خبير الألبان: <إن صناعة الجبن من لبن الأبقار أو الماعز عملية سهلة· فكل جوانب هذه العملية معروف من الناحية التكنولوجية>· غير أن لبن الإبل مسألة مغايرة لأن المنفحة التقليدية تعجز عن ترويبه· ويضيف <لامبرت> قوله: <قبل ست سنوات لم يكن هناك من يعتقد بأنه باستطاعتنا تحويل لبن الإبل إلى جبن>· وسعياً وراء حل مشكلات التخثر المتعلقة بلبن الإبل فقد كلَّفت المنظمة البروفسور <جـ·ب· راميه>، في المعهد العالي الوطني الفرنسي للزراعة والصناعات الغذائية، بدراسة الأمر· وبعد بحوث واختبارات في كل من المملكة العربية السعودية وتونس تمكّن البرفسور <راميه> من اكتشاف طريقة لترويب اللبن بإضافة الكالسيوم، والفوسفات، ومنفحة نباتية>·
ونشرت نتائج هذه البحوث في كتيب يحمل عنوان <تكنولوجيا صناعة الجبن من لبن الإبل>، ظهر أخيراً باللغة الإنكليزية· ويصف الكتيب تركيب لبن الإبل، ويقارنه بالألبان الأخرى، ويشرح طريقة ترويبه لصناعة الجبن· كما أن هذا الكتيب، صادر ضمن سلسلة الوثائق التقنية لقسم الإنتاج الحيواني وصحة الحيوان في المنظمة، ومتوافر بالفرنسية أيضا·
ويقول <لامبرت>: <إن هذه هي ثورة عظيمة· فنصف كميات لبن الإبل التي ينتجها البدو الرحّل تضيع هباء لأن الكثير من المجتمعات تكتفي باستهلاك اللبن الطازج فقط· وصناعة الجبن هي طريقة من طرق حفظ اللبن، مما يوفر فرصة للاتجار به·
التغلّب على العقبات العملية وبعد حل الكثير من مصاعب التجهيز، كانت الخطوة التالية هي التعرّف على مدى نجاح إنتاج أجبان الإبل على الصعيد العملي· وفي العام 1994م بدأت المنظمة بمساعدة شركة ألبان موريتانية على إنتاج جبن الإبل· ووفر البرنامج، المستند إلى خبرات البروفسور <راميه>، المساعدة التقنية وقدم إعانات لشراء الآلات اللازمة· وأنتجت الشركة المذكورة نوعين من أجبان الإبل إضافة إلى منتجاتها المعتادة من ألبان الأبقار، والماعز، والإبل·
ورغم أن الكثير من المشكلات التقنية سوِّيت على ما يبدو فقد برزت عقبات كثيرة· وتقول <نانسي عبد الرحمن>، صاحبة الشركة، <إن الموريتانيين لم يكونوا معتادين على تناول الجبن إضافة إلى أن أسعاره كانت مرتفعة· وبما أن الغاية من صناعة الجبن هي امتصاص فائض اللبن الموسمي غير المستهلك على أي حال، فقد سعينا إلى تصدير ما ننتجه من أجبان>·
وكانت المشكلة هي أن الاختبارات المعتادة لمدى بسترة اللبن المطبقة على ألبان الأنواع الأخرى من الماشية عجزت عن أن تقيس بدقة مستويات بسترة لبن الإبل·
ومن ثم فإن هذا اللبن لم يكن مشمولاً بمعظم لوائح الألبان القائمة، ولا سيما في البلدان التي لا تمتلك قطعاناً من الإبل· وأدى ذلك إلى الحد بشدة من الأسواق المتاحة، وتوقفت شركة الألبان الموريتانية عن إنتاج جبن الإبل العام 1995م· غير أن <نانسي عبد الرحمن> ليست من النوع الذي يقبل بالاستسلام· وهكذا فإن شركتها التي تنتج 13000 لتراً من ألبان الإبل، والأبقار، والماعز يومياً وتوفر الرزق لنحو 800 أسرة بدوية، استأنفت أخيراً إنتاج جبن الإبل· ورغم أن الأسواق ليست واسعة بعد، فإنها بدأت ببيع كميات صغيرة من جبن الإبل في العاصمة الموريتانية نواكشوط·
وتقول <نانسي عبد الرحمن>، <إننا ننتج نوعاً واحداً من الجبن· إن عملية الصنع عسيرة، والغلة متدنية للغاية، وليس لدينا سوق في الواقع>· وتضيف <نانسي>: <إن هذا الجبن جيد حقا>· ولجبن الإبل ميزات أخرى أيضاً· إذ يتسم بوفرة الفيتامينات، وقلة الكوليسترول، وانخفاض اللكتوز مما يجعله مناسباً لأولئك المصابين بالحساسية من منتجات الألبان الأخرى·
وثمة دلائل مشجعة أخرى· إذ تباع الآن مادة متاحة باسم <كاميفلوك>، وهي منتج يضم عوامل تخثير لبن الإبل، في مغلفات صغيرة سهلة الاستخدام في كل من مالي، الإمارات العربية المتحدة· ويرى الخبير <لامبرت> أن هناك فرصاً عظيمة للجمع بين <الكاميفلوك> ووحدات صناعة الجبن النقالة ذات التكاليف الزهيدة التي تعمل المنظمة على ترويجها في الوقت الراهن· ويقول <لامبرت>: <لقد أدخلنا هذه الأجهزة في النيجر أخيراً لتصنيع منتجات ألبان الأبقار· وهذه الأجهزة زهيدة الثمن، إذ يصل سعر كل منها إلى نحو 50 دولاراً فقط، كما كان بمقدور النساء المحليات البدء بالإنتاج بعد دورة تدريبية على صناعة الأجبان استمرت يومين فقط>·
ويمكن لهذين الابتكارين، عند تضافرهما، أن يشكّلا نعمة على الجماعات البدوية في المناطق القاحلة· ويؤكد <لامبرت> أن <هذه التكنولوجيا واعدة للغاية بالنسبة للكثير من البلدان التي تضم مجموعات بدوية واسعة، فهي تمتلك قدرة هائلة على زيادة مستويات دخلها>· ويشير خبير المنظمة إلى أن المطبوع سيتاح، كما هو منتظر، باللغة العربية في أوائل العام المقبل، مما يوفر فرصة أكبر لنشر هذه المعرفة في صفوف تلك المجموعات السكانية التي يمكن أن يعود عليها بأعظم النفع·