سار أبو الحسين أحمد بن بُويه،
الملقّب بمُعزّ الدولة، إلى كَرمان. وسبب ذلك أنّ عماد الدولة بن بويه وأخاه ركن الدولة لّما
تمكّنا من بلاد
فارس وبلاد الجبل، وبقي أخوهما الأصغر أبو الحسين أحمد بغير ولاية يستبدّ بها، رأيا أن يسيّراه إلى كَرمان،
ففعلا ذلك، وسار إلى كَرمان في عسكر ضخم شجعان،؛ فلمّا بلغ السيرجان استولى عليها، وجبى أموالها
وأنفقها في
عسكره. وكان إبراهيم بن سيمجور الدواتيُّ يحاصر محمّد بن إلياس بن ألِيسع بقلعة هناك، بعساكر نصر بن أحمد
صاحب خُراسان، فلمّا بلغه إقبال معزّ الدولة سار عن كَرمان إلى خُراسان، ونفّس عن محمّد بن إلياس،
فتخلّص من
القلعة، وسار إلى مدينة بَمّ، وهي على طرف المفازة بين كَرمان وسِجشسْتان، فسار إليه أحمد بن بويه،
فرحل من مكانه إلى سِجِسْتان بغير قتال، فسار أحمد إلى جِيرَفْت، وهي قصبة كَرمان، واستخلف على بَمّ بعض أصحابه. فلمّا قارب جِيرفت أتاه رسول
عليّ بن الزنجيّ المعروف بعليّ كلويه، وهو رئيس القُفْص، والبَلُوص، وكان هو وأسلافه متغلّبين على تلك
الناحية، إلاّ
أنّهم يجاملون كلّ سلطان يرد البلاد، ويطيعونه، ويحملون إليه مالاً معلوماً ولا يطأون بساطه، فبذل لابن بويه
ذلك المال، فامتنع أحمد من قبوله إلاّ بعد دخول جِيرَفت، فتأخّر عليُّ بن كلويه نحو عشرة فراسخ، ونزل
بمكان صعب المسلك، ودخل
أحمد بن بويه جِيرَفت واصطلح هو وعليّ، وأخذ رهائنه وخطب
له. فلمّا استقرّ الصلح وانفصل الأمر أشار بعض أصحاب ابن
بويه عليه بأن يقصد
عليّاً ويغدر به، ويسري إليه سرّاً على غفلة، وأطمعه في أمواله، وهوّن عليه أمره بسكونه إلى الصلح، فأصغى
الأمير أبو الحسين أحمد إلى ذلك، لحداثة سنّه، وجمع أصحابه وأسرى نحوهم جريدة. وكان عليّ محترزاً ومَن
معه قد وضعوا العيون
على ابن بويه، فساعة تحرّك بلغتْه الأخبار، فجمع أصحابه
ورتّبهم بمضيق على الطريق، فلمّا اجتاز بهم ابن بويه
ثاروا به ليلاً من جوانبه، فقتلوا في أصحابه، وأسروا، ولم يُفلت منهم إلاّ اليسير، ووقعت بالأمير أبي الحسين ضربات كثيرة، ووقعت
ضربة منها في يده اليسرى فقطعتها من نصف الذراع، وأصاب يده اليمنى ضربة أخرى سقط منها بعض أصابعه، وسقط
مثخناً بالجراح
بين القتلى، وبلغ الخبر بذلك إلى جِيرَفت فهرب كلّ من كان بها من أصحابه. ولّما أصبح عليّ كلويه تتّبع
القتلى، فرأى الأمير أبا الحسين قد أشرف على التلف، فحمله إلى جِيرَفت، وأحضر له الأطباء، وبالغ في علاجه، واعتذر إليه، وأنفذ رسله يعتذر إلى أخيه
عماد الدولة بن بويه، ويعرّفه غدر أخيه، ويبذل من نفسه الطاعة، فأجابه عماد الدولة إلى ما بذله، واستقرّ بينهما الصلح، وأطلق عليّ كلّ مَن عنده
من الأسرى وأحسن إليهم.
جَليدٌ عَلى عَتبِ الخُطوبِ إِذا اِلتَوَت |
| وَلَيسَ عَلى عَتبِ الأَخلاءِ بِالجَلدِ |
أَتاني مَعَ الرُكبانِ ظَنٌّ ظَنَنتَهُ |
| لَفَفتُ لَهُ رَأسي حَياءً مِنَ المَجدِ |
لَقَد نَكَبَ الغَدرُ الوَفاءَ بِساحَتي |
| إِذاً وَسَرَحتُ الذَمَّ في مَسرَحِ الحَمدِ |
وَهَتَّكتُ بِالقَولِ الخَنا حُرمَةَ العُلى |
| وَأَسلَكتُ حُرَّ الشِعرِ في مَسلَكِ العَبدِ |
نَسيتُ إِذاً كَم مِن يَدٍ لَكَ شاكَلَت |
| يَدَ القُربِ أَعدَت مُستَهاماً عَلى البُعدِ |
وَمِن زَمَنٍ أَلبَستَنيهِ كَأَنَّهُ |
| إِذا ذُكِرَت أَيّامُهُ زَمَنُ الوَردِ |
وَأَنَّكَ أَحكَمتَ الَّذي بَينَ فِكرَتي |
| وَبَينَ القَوافي مِن ذِمامٍ وَمِن عَقدِ |
وَأَصَّلتَ شِعري فَاِعتَلى رَونَقَ الضُحى |
| وَلَولاكَ لَم يَظهَر زَماناً مِنَ الغِمدِ |
وَكَيفَ وَما أَخلَلتُ بَعدَكَ بِالحِجا |
| وَأَنتَ فَلَم تُخلِل بِمَكرُمَةٍ بَعدي |
أَأُلبِسُ هُجرَ القَولِ مَن لَو هَجَوتُهُ |
| إِذاً لَهَجاني عَنهُ مَعروفُهُ عِندي |
كَريمٌ مَتى أَمدَحهُ أَمدَحهُ وَالوَرى |
| مَعي وَمَتى ما لُمتُهُ لُمتُهُ وَحدي |
وَلَو لَم يَزَعني عَنكَ غَيرَكَ وازِعٌ |
| لَأَعدَيتَني بِالحِلمِ إِنَّ العُلى تُعدي |