استشرت ظاهرة القول على الله بغير علم، والتطاول على مسلمات الشريعة من قبل كتَّاب وكاتبات، لا علم لأغلبهم بأدلة الشرع، ولا دراية عندهم بمعانيها، فيفسرون كتاب الله بآرائهم، ويردون الأحاديث النبوية بأهوائهم، ويتهمون علماء الأمة افتراءاً وبهتاناً، ويجعلون نصوص الشريعة الغراء، وأحكام الشرع المطهر، وعلماء الملة الراسخين ميداناً للحوارات المضللة، والجدل العقيم، والمقالات الساقطة في الصحف والقنوات، فيحصل فيها من التسفيه للأقوال العلمية، والتحريف للنصوص الشرعية، ما يُضعف هيبتها، ويُقلل قيمتها، ويحولها إلى نصوص ميتة، لا تُؤثر على سامع، ولا تغير في واقع، ويتجرأ خلالها من ليس له حظ من العلم الشرعي، بل ومن العقل والحكمة أحياناً، على تأويل كلام الله، و كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، على ما يريد من معان ومفاهيم، مدعياً أن هذا مراد الله ومراد رسوله، بدعوى حرية الرأي وحق التعبير عن وجهات النظر الشخصية، فلا استشهاد بالنصوص الشرعية، ولا رجوع إلى العلماء المتخصصين، إلا ما يوافق آرائه، ظناً منه أنَّ ما لديه من ثقافة يؤهله للحديث في كل فنّ حتى في تفاصيل الشريعة وجزئياتها، متجاهلاً أن الله - تعالى - حصر الكلام في ذلك على ورثة الأنبياء فقال: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وما أحسن كلمات الرجل العاقل الحصيف الأمير نايف حين قال: " إن العصر عصر علم فإذا كان من يعمل في الطب أو غيره يستعين بصاحب الاختصاص فمن باب أولى أنه لا يكتب عن العقيدة، إلا وقد استشار من هو أهلٌ ومؤهلٌ لهذا العلم، وأما أن يتحدث بكل بساطة وهو لا يفقه من الأمر شيئاً فهذا لا يجوز"أ. هـ
فمن تقوَّل في دين الله بغير الحق افتراءً وتخرصاً واتباعا للهوى فإنه لا يفلح أبداً قال - عز وجل -: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب هذا حَلاَلٌ وهذا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ على الله الكذب إِنَّ الذين يفتَرون على الله الكذب لاَ يفلحون، متاعٌ في الدنيا ثم إلينا مرجعهم)، قال العلماء: أي لا تحرِّموا وتحلِّلوا من تلقاء أنفسكم بما تصفه ألسنتكم، وتحكيه وتنطق به بدون بينة أو برهان، كذبا وافتراء على الله، وتنسبوا ذلك إلى الله، فإن انطلى كذبكم على بعض الناس، وأخذتم من ورائه منفعة عاجلة ومتاعٌ قليل، فعمَّا قليل سيُفتضح أمركم، وينكشف كذبكم، وتنقطع مصالحكم (فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُون)، يوم يسأل الصادقين عن صدقهِم فما الظن بالكاذبين؟!
وحفاظاً على المجتمعات المسلمة، وذباً عن دين الأمة وثوابتها، وغيرة أن تنتهك حرمات الله وينتقص دينه ونحن أحياء، لابد لكل من يؤمن بالله واليوم الآخر من ذكرٍ أو أنثى أن يكون له دور إيجابي أياً كان موضعه، ومهما كانت إمكانياته وقدراته نحو هذه الظاهرة السيئة التي إن لم يستدركها عقلاء قومي ليكوننَّ لها عواقب وخيمة، ومفاسد لا حدود لها، فقد يعمنا البلاء ويدركنا الشقاء بسكوتنا وتخاذلنا...
فمن المواقف الحكيمة التي ينبغي اتخاذها مقابل هذه الهجمة الخائبة على دين الله وشرعه وعلماء الملة والمجتمع المسلم - التي يقودها من تجرأ على القول على الله بغير علم - إبراءً للذمة وإقامة للحجة:
أولاً: الرد عليهم من أهل العلم والاختصاص، وذوي الرأي السديد من حكماء وفقهاء الأمة، وبيان أوجه الخطأ في أقوالهم، والقول الصواب في ذلك، بكل وسيلة متاحة: بالبحوث والمقالات والمحاضرات والدروس والبرامج عبر وسائل الإعلام المسموعة، والمرئية والمقروءة، قال - تعالى -: (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين)، فإنّ الناس يثقون بكلام أهل العلم وردودهم..
ثانياً: أن يحتسب كل مؤمن ومؤمنة استنكار ما يكتبونه- أولئك السفهاء - من خلال كتابة التعليقات على مقالاتهم، أو بالاتصال على القنوات التي تجري معهم اللقاءات، والإنكار عليهم ولو بكلمة، وتأييد من يرد عليهم بالدليل والبرهان، مستحضراً قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ أحدكم ليتكَلم بِالكَلمة من رضوانِ الله ما يظن أَن تبلغ ما بلغت فيكتب الهل له بِها رضوانه إِلَى يوم يَلقاه... )) [رواه أحمد وغيره]، قال بن بطال - رحمه الله -: "والكلمة التي يكتب الله له بها رضوانه الكلمة يريد بها وجه الله بين أهل الباطل"أ. هـ، ليعلم هؤلاء أن المجتمع يرفض آرائهم، ولا يرضى بأقوالهم..
ثالثاً: الرفع بهم إلى الجهات المعنية والمحاكم الشرعية بالطرق النظامية، بعد توثيق أقوالهم وجمع مخالفاتهم، وبيان ما يترتب على جرأتهم من تحريف للشريعة، وإخلال بالأمن وإثارة للفتن، وتفريق للكلمة إلى غير ذلك من المفاسد، والاستعانة بأهل الاختصاص في ذلك، للأخذ على أيديهم، وإيقاع العقوبة الرادعة بهم، لكفّ شرهم، وردّ كيدهم في نحورهم، وليُشرد بهم من خلفهم، وهذا من أقوى والوسائل وأنفعها فقد ثبت عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال: ((إنّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن))
رابعاً: تذكير- هؤلاء - بالله، وتخويفهم من عقوبته، ووعظهم بالرفق واللين والكلمة الطيبة، وبخاصة من له علاقة شخصية بأحدٍ منهم، أو عن طريق الإيميلات أو الرسائل الخاصة عسى أن يتبين لهم خطأ ما وقعوا فيه، وضرره ما ارتكبوه، فيرعووا ويرتدعوا، متذكراً قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم)) [رواه البخاري].
خامساً: - الدعاء لهم بالهداية والصلاح، وأن يهدي الله قلوبهم للحق، ويبعدهم عن مواطن الزلل، وأن يجعلهم هادين مهدين غير ضالين ولا مضلين، وأن يأخذ بنواصيهم للبر والتقوى وما يحب ويرضى، وإن تمادوا في ضلالهم أن يقي الأمة شرهم، ويرد كيدهم في نحورهم ويكشف زيف باطلهم، ويفضحهم ويجعلهم عبرة للمعتبرين، فرب دعوة من تقي خفي تفتّح لها أبواب السماء...
ولن يعدم صادقٌ سبيلاً ينصر به دينه، ويبرئ به ذمته، فكلٌ منا على ثغر.. فالله.. الله.. أن يؤتى الدين من قبله.. فلا تتأخروا ولا تترددوا بل: (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين).