قال - تعالى -: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)، وأمَر الله - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يُجاهد المنافقين، فقال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ).
من الدين كشفُ السترِ عن كل كاذبِ *** وعن كلِّ بدعيٍّ أتى بالعجائبِ
ولولا رجـالٌ مؤمنونَ لهُـدِّمـت *** صوامعُ دينِ الله ِ من كلِّ جانبِ
إنّ الأمة الإسلامِ بُلِيَت وأُصيبَت في هذهِ الأزمنة بدعاةٍ على أبوابِ الشرِّ والفساد، يجُرُّونَ شبابَ الأمةِ وفتياتِها إليها جرّاً، ويدعونهم إلى مُقارفةِ السوءِ والفحشاءِ سراً وجهراً، ألوانهم شتّى، لكنَّ أهدافَهم واحدة..
وظهرَ من دعاة التغريب ومتَّبعي الأهواء والشهوات مَن يدعو بقوله وفعله إلى وأدِ الفضيلة ونشرِ الرذيلة بتحوُّل النساء من الحجاب والقرار في البيوت إلى السفور والاختلاط بالرجال، واشتدَّ نعيقُهُم، وعلا صُراخُهُم وعويلُهم، مُطالبينَ باحترامِ المرأةِ وتحريرِها، وإكرامها وتقديرِها، وهذا حقٌ؛ لكنْ أريدَ بهِ سوءٌ وشرّ، وصدقٌ؛ لكنُّ لُبِّسَ لبوسَ الباطلِ والفساد.
فغضّوا أبصارهم عن حقوقِ المرأةِ الشرعية، وصمّوا آذانهم عن ظلمِ المرأةِ الحقيقيّ، وراحوا يطلبونَ لها ما حرَّمَ اللهُ تعالى؛ من تفسُّخٍ وتكشُّفٍ وعُريّ، تحقيقاً لِرغباتهم، وطاعةً لأهوائهم وشهواتهِم، فهم يُريدونها بهيميّة، ويبغونها شهوانية حيوانية، فعندهم:
الخنا ليسَ بعيبٍ والرِّبا مثل التجارة *** والتعرِّي من ثيابِ الطُهرِ عنوانُ الطهارة
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ).
ولأن من أمِن العقوبة أساء الأدب، و مَن وثَّقَ الظهرَ أتقنَ القهرَ.. فقد طالعتنا بعضُ صحُفِ السوء، صوراً ونماذجَ لِبعضِ الفتياتِ المخدوعاتِ، وهنّ يرتدينَ زياً رياضياً يُمارِسنَ بهِ لعبةَ كرةِ القدم، كما ظهرت دعواتٌ هنا وهناك لاختلاطِ الرجالِ بالنساء في الحفلاتِ والمُلتقيات، في حين ِ أنّ دينَ الإسلام جاءَ لِيُقيمَ مجتمعاَ عفيفاً طاهراً من الفواحشِ والآثام، وأثناءَ وبعدَ مُتابعتي لذلك.. غضِبَ القلبُ وانتفض، وزمجرَ القلمُ وانقضّ، وأبرقَ وأرعدَ، وأرغى وأزبد، وهمَسَ في أذنِ أولئكَ، وإن كانَ حقُّ بعضهمُ الصفعَ بالنعال ليستفيقوا..
همساتٌ تقولُ بقولِ من كرَّم المرأة: " وقرنَ في بيوتكنَّ ولا تبرّجنَ تبرُّجَ الجاهليةَ الأولى ".. وقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، وقوله - تعالى -: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)، وقوله - تعالى -: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ).
همساتُ تنادي: واللهِ، وباللهِ، وتالله، وايمُ الله، لئن لم نأخذ على أيدي هؤلاءِ السفهاء، ونأطرهُم على الحقِّ أطراً، ونُلجمهُم عن قولِ السوءِ إلجاماً، لتغرقنَّ السفينةُ بما فيها.
همساتٌ تصرخ: (لئن لم ينتهِ المنافقونَ والذينَ في قلوبهم مرضٌ والمرجفونَ في المدينةِ لنُغرينَّكَ بهم، ثمّ لا يُجاورونكَ فيها إلا قليلاً.. ).
همساتٌ تُنذر وإذا أردنا أن نُهلِكَ قريةُ أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها فحقًّ عليها القولُ فدمَّرناها تدميراً ).
همساتٌ تُعلن: (واللهُ يريدُ أن يتوبَ عليكم ويريدُ الذينَ يتَّبعونَ الشهواتِ أن تميلوا ميلاً عظيماً ).
الهمسةُ الأولى: إنَّ دينَ اللهِ - عز وجل - وشريعتهِ كاملانِ تامّان، واللهُ عز وجلّ الذي خلَقَ المرأةَ هوَ أعلمُ بها وبما يُناسِبُها، فلا يحقُّ لأيِّ أحدٍ أن يدَّعي أنَّ للمرأةِ حقوقاً أنكرها الشرعُ أو قصَّرَ فيها، ومنِ ادَّعى ذلكَ فقد زعمَ بأنَّ الدينَ ناقصٌ والعياذً بالله - وأنَّ اللهَ جلّ جلالهُ ظلمَ المرأةَ وهضمَ حقوقها.
الهمسةُ الثانية: إنَّ التمسُّكَ بشرعِ الإسلام سببُ عزِّ هذهِ الأمةِ وتمكينها، والتشبُّث بمنهجِ القرآنِ سبيلُ نُصرتها وتأييدها، وسببُ رُعبِ الأعداءِ وخوفهم، وإنَّ ما يُنادي بهِ دعاةُ التغريبِ اليومَ لهوَ من الإعراضِ والابتعادِ عن منهجِ اللهَ - عز وجل - وشرعه، فأنى يأتي النصرُ ونحنُ نتتبعُ منهجَ الغربِ الكافرِ وطريقَته؟! وما فُتِحَ بابُ الشرِّ على مصراعيه إلا لمَّا تخلَّت الأمةُ عن سبيلِ ربها..
الهمسةُ الثالثة: يا دعاةَ التغريبِ والتخريب.. تأمّلوا ما قالَهُ أحدُ أركانِ النهضة الانجليزية وهوَ يُدعى بـ « سامويل سمايلس » قال: إن النظـام الذي يقضي بتشغيل المـرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد فإن النتيجة كانت هادمـة لبنـاء الحياة المنزلية، لأنه هاجم هيكـل المنزل، وقـوّض أركـان الأسـرة، ومـزّق الـروابط الاجتماعية.. وشهِدَ شاهدٌ من بني إسرائيلَ على مثلِه.. فالقومُ قد خاضوا هذا الطريقَ وجرّبوه، ثم هاهم اليومَ يُعلنونَ فشلَ وانهيارَ ما طلبوهُ وسعوْا إليه، أفلا يكونُ ذلكَ مدعاةً للانتباهِ والتأمل؟!
الهمسةُ الرابعة: يقولُ النبيُّ المُصطفى، والحبيبُ المُرتضى، نبيُنا محمدٌ - عليه الصلاة والسلام -: ((ما تركتُ [في] أمتي فتنةً هي أضرّ من فتنةِ [النساء على الرجال]))، ويقول: ((اتَّقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإنّ هلاكَ بني إسرائيل كان في النساء))، وإنّ الدعوةَ إلى إخراجِ المرأةِ من بيتِها والزجِّ بها في أماكنِ الرجالِ ومُلتقياتهم لهُوَ من أعظمِ فتنِ النساء، إذ أنهُ معلومٌ ومُتقرّرٌ ما يترتبُ على هذا الاختلاطِ من الفسادِ والانحلالِ والفجور، فاتّقوا اللهَ يا دعاةَ التغريب.
الهمسةُ الخامِسة: سأتركُ الحديثَ هنا موجَّهاً لدعاةِ التغريب منَ الشيخِ عليٍ الطنطاويِّ - رحمةُ اللهِ تعالى عليه- إذ يقول: ((ألا مَن كان له قلبٌ فليتفطر ِ اليومَ أسفاً على الحياء، مَن كانت له عينٌ فلتَبْكِ اليوم دماً على الأخلاق، مَن كان له عقل فليُفكر بعقله... فإذا كنتم تحسبون أن إطلاق الغرائز من قيد الدين والخلق، والعورات من أسر الحجاب والستر، إذا ظننتم ذلك من دواعي التقدم ولوازم الحضارة، وتركتم كل إنسان وشهوته وهواه، فإنكم لا تحمدون مغبة ما تفعلون... )).. وصدَقَ عليهِ رحمةُ اللهِ -تعالى -.
الهمسةُ السادسة: وهنا أيضاً كلامٌ رصينٌ متين، قالهُ مؤسِّسُ بلادِ الحرمينِ الشريفين، الملكُ عبد العزيز طيّبَ اللهُ ثراه وكأنِّي بهِ يُعلنها صفعةَ في وجهِ كلِّ تغريبيٍّ تخريبيٍ في عصرهِ وما بعده، إذ يقول: ((أقبحُ ما هنالك في الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهنَّ وفتح المجال لهنّ في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذن وظائفهن الأساسية: من تدبير المنزل، وتربية الأطفال، وتوجيه الناشئة ـ الذين هم فلذات أكبادهن وأمل المستقبل ـ إلى ما فيه حب الدين والوطن ومكارم الأخلاق، ونسين واجباتهن الخُلُقية من حب العائلة التي عليها قوام الأمم، وإبدال ذلك بالتبرج والخلاعة، ودخولهن في بؤرات الفساد والرذائل، وادعاء أن ذلك من عمل التقدم والتمدن، فلا ـ والله! ـ ليس هذا (التمدن) في شرعنا وعرفنا وعادتنا، ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان وإسلام ومروءة أن يرى زوجته أو أحداً من عائلته أو من المنتسبين إليه في هذا الموقف المخزي)). فيا ليتَ شعري ماذا سيقولُ إذا بلغهُ ما نحنُ فيهِ اليوم؟! والأملُ معقودٌ بعدَ اعتمادنا على ربِّنا على من ليس فوق يده إلا يدُ الله، خادمُ الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -، لِيوقفَ هذا الزحفَ التغريبيّ، ويُنهيَ هذا المدّ التخريبيّ، وفقهُ اللهُ وإخوانهُ لنُصرةِ الحق.
الهمسةُ السابعة: يا دعاةَ التغريب.. تأملوا هنا ما قالتهُ هذهِ المرأةُ الانجليزيةُ مُحذِّرةً من مغبَّةِ الاختلاط، ومُنذرةً بما عانتهُ المرأةُ الغربية: إن الاختلاط يألفهُ الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يُخالفُ فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وهنا البلاء العظيم على المرأة، ثم تقول: أما آن لنا أن نبحث عما يخفف هذه المصائب العائدة بالعار على المدينة الغربية؟ أما آن لنا أن نتخذ طرقاً تمنع قتل ألوف الآلاف من الأطفال الذين لا ذنب لهم، بل الذنب على الرجل الذي أغرق المرأة المجبولة على رقة القلب.. والحقُّ ما شهِدت بهِ الأعداءُ.. فهل يعي دعاةُ التخريبِ ذلك؟!
الهمسةُ الثامنة: إنّ المرأةَ في بعضِ مجتمعاتنا تُعاني من ظلمٍ كبير، من التقصيرِ في التربيةِ والاهتمام، والتعرُّضِ للضربِ والإهانة، ومحاولةِ عضلِ بعضِ الآباءِ، وسوءِ المعاشرةِ الزوجية، ومنعهنّ من حقوقهنّ الشرعية كالنفقةِ وغيرها، فلِمَ لا يتحرّكُ دعاةُ التغريبِ للحدِّ من مثلِ هذهِ الأمور؟ وأينَ جهودهم لحصولِ المرأةِ على حقوقها الشرعية التي كفِلها لها الشرع؟ سؤالٌ يبحثُ عن إجابةِ أولئكَ القومِ الذين يكذبونَ صباحاً ومساءاً من أجلِ حصولِ المرأة على حقوقها زعموا وإنما هم يريدونَ الفجورَ والفُحشَ والفساد.
الهمسةُ التاسِعة: إلى العلماءِ والدعاةِ وطلبةِ العلمِ أقول: إنّ مَوجةَ التغريبِ قادمة، بل ظهرت بوادِرُها، وإنّ مدَّ الإفسادِ والتخريبِ مُقبِل، وإنَّ اللهَ - جل وعلا - قد أخذَ الميثاقَ والوعدَ على أهلِ العلم أن يُبيِّنوا الحقَّ للناسِ ولا يكتمونه، وما ظهرت هذهِ المُنكراتُ ولا استقرَّت إلا لما فعلَ فلانٌ المنكَر وسكتَ فلانٌ عن توبيخهِ والإنكارِ عليه، وواللهِ لئن لم نتعاون جميعاً على إنكارِ ذلكَ والتحذيرِ منه والصدعِ بالحقِّ الذي بيَّنهُ الله لتغرقنَّ السفينةُ بركَّابها جميعاً.. فالمسئوليةُ عظيمة، ولا عذرَ لأحدٍ في السكوتِ أو الخضوع، وأسألُ الله أن يُباركَ جهودَ العلماءِ المحتسبين، والدعاةِ الناصحين، وأن يُكلِّلَ مساعيهم بالنجاح، وأن يحفظهم من كلِّ سوء.
الهمسةُ العاشرة: إليكِ يا أمةَ اللهِ أقول.. أيتُها الصالحةُ الطاهرةُ العفيفة.. أمامكِ تحدِّياتٌ في غايةِ الصعوبة، فلا تغرَّنكِ عباراتُ صبيانِ العلمانيةِ، بدعاواهمُ الشهوانية، وعباراتهمُ الجاهلية، ولْتعلمي أنَّ في اِتِّباعكِ لدينِ اللهِ عز وجلّ ضمانٌ لكِ من كيدِ هؤلاءِ ومكرِهم.
دعيهم لينهقَ كلُّ دعيّ *** بعلمنةٍ فجةٍ سافِرة
وسيري على سَننِ المرسلين *** تطيبُ حياتُكِ والآخرة
أخيراً أقول.. أسألُ الله - عز وجل - أن يهديَ ضالّ المسلمين، وأن يردّهم إليهِ رداً جميلاً..