يزداد الاهتمام العالمي يومًا بعد يوم على مستوى الدول والشعوب بموضوع العولمة ومظاهرها المختلفة، ويكاد أن يستأثر هذا الموضوع على مساحة كبيرة من الرأي والفكر والحوار والنقاش في وسائل الإعلام والمؤتمرات والندوات الدولية والإقليمية، وهذا يعني أن العولمة من القضايا المهمة التي تشغل بال كثير من العلماء والمفكرين في الوقت الحاضر، وتجعلهم يتطلعون إلى الإسهام في توضيح حقيقتها، وتجلية غموضها، وكشف خباياها، والإجابة على ما يثار حولها من تساؤلات واستفهامات، والتعرف على آثارها المستقبلية.
ظهرت العولمة جلية في مظهريها الاقتصادي والإعلامي، وهي الآن في مرحلة ترسيخ المظهر الثقافي الذي يعد أكثر صعوبة وحساسية من المظاهر الأخرى، نظرًا لأنه يلامس خصوصيات الأمم والمجتمعات، ويعارض تعاليم الأديان وأنماط التقاليد والعادات التي تؤكد على الذاتية والانفراد.
قضية البحث وهدفه:
يعالج البحث ظاهرة العولمة الثقافية ذات التأثير الفكري والاجتماعي، ويتابع حركتها نحو تذويب كل أوجه الاختلاف بين الأمم، وإلغاء عوامل تثبيت ذاتها، وإزالة كل أسباب انفرادها واستقلالها من أجل صياغتها على نمط ثقافي واحد، ومن بين هذه الأمم الأمة الإسلامية ذات الثقافة الخاصة المستوحاة من الكتاب والسنة، والنظرة المنفردة إلى الكون والإنسان والحياة، وذات السمات الشخصية المستمدة من توحيد الله - تعالى -وشريعته ومبادئ الإسلام وقيمه وأخلاقه، ويستهدف البحث التعريف بحقيقة العولمة الثقافية، وتوضيح أخطارها، وبيان الموقف منها؛ لتكون الأمة الإسلامية على بصيرة من هذا الغزو الثقافي الجديد باسم العولمة الذي يريد أن يغير من ملامحها الثقافية، ويصوغ نظرة أفرادها وسلوكياتهم وطرائق تفكيرهم في منهج جديد، ويعمل على بناء حياتهم على نمط يختلف عن نمط الحياة الإسلامية.
أهمية البحث: تتضح أهمية البحث عندما:
* نستحضر الأبعاد الثقافية للعولمة وأخطارها على الأمة.
* ندرك آثارها السلبية على المبادئ والقيم ونظم الحياة الاجتماعية.
* نتعرف على اضطراب المواقف من التعامل معها، ومقدار التباين في تحديد آفاقها المستقبلية، والذي يعود إلى غموض حقيقتها، وإلى الاختلاف في منهجية النظرة إليها.
وإذا كانت أهمية العولمة الثقافية تتضح في امتدادها إلى كل جوانب الحياة، وإلى كل الأمم والمجتمعات فإن الاستجابة لكل تأثيراتها ليس فرضًا لازمًا على كل الأمم التي تصل إليها مؤثراتها، فإنه باستطاعتها أن تتقي سلبياتها، وتتصدى لأخطارها، أو أن تنتقي منها ما ينفعها، ذلك أن العولمة في مسارها الثقافي لا تعدو أن تكون أسلوبًا جديدًا من الغزو الثقافي، إلا أنه أكثر خطرًا، وأشد عمقًا من الأساليب السابقة؛ لكونه يعتمد على المعلومات المتدفقة والسرعة المتناهية والتقنية الحديثة التي تعد نتاجًا ظاهرًا للثورة العلمية والتكنولوجية الحديثة، وللتطورات المذهلة في وسائل الاتصال عبر الحواسب الآلية والأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت، ويمثل ذروة أساليب التأثير البشري لما أحدثته هذه التطورات من تقارب بين المجتمعات وتداخل بين الأمم، وهيأته من فرص التلاقي والتأثير والانصهار.
التمهيد:
لعلنا لن نستطيع أن نلج في عباب هذا الموضوع المثير ذي الأمواج المتلاطمة من الآراء والأفكار قبل أن نعرف العولمة، ونتعرف على نشأتها؛ فإن هذه المعرفة تيسر لنا إدراك حقيقة العولمة الثقافية التي نحن بصدد الحديث عنها، والوقوف على أبعادها الفكرية والاجتماعية.
تعريف العولمة:
في اللغة: كلمة عولمة مصدر قياسي على وزن (فوعلة) مشتق من الفعل الرباعي (عولم) من العالم، مثل: حوقل حوقلة، وهي كلمة تدل على التغير والتحول من حال إلى حال.
وفي الاصطلاح: العولمة مصطلح جديد، له عدة مترادفات، هي الكوكبة والكونية الشاملة.
هذا المصطلح لم يكن له وجود قبل منتصف عقد الثمانينيات الميلادية؛ إذ أنه قبل هذا التاريخ لم يكن له حضور خاص، بل إن قاموس أكسفورد للكلمات الإنجليزية الجديدة أشار إليه لأول مرة عام 1991م واصفًا إياه بأنه من الكلمات الجديدة التي برزت خلال التسعينيات، ثم إنه لو كان موجودًا فيبدو أنه لم يَسْترع أي اهتمام أو انتباه، أو أنه كان يعامل معاملة الكلمات العابرة التي لا تشير إلى مفهوم خاص أو واقع خاص؛ لكن الحال تغير بعد التسعينيات حيث بدأ يتكون له مفهوم لم يستقر بعد، وصار من أكثر المصطلحات تناولا وتداولا ونقاشًا[1].
ومع هذا التداول المتزايد لا بد من الاعتراف من أن العولمة من حيث الواقع تمثل ظاهرة سياسية واقتصادية وثقافية، بل واجتماعية غير محددة المعالم، وغير مجمع على صورتها، ولا مجمع على هيمنتها؛ ولكن يراد لها أن تكون سمة هذا العصر، ومصير الشعوب، وهذا يعود إلى كونها في الأصل تواري خلفها نظامًا خفيًّا على الشعوب، بل حتى على العلماء والمفكرين، هذا الخفاء هو أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تباين تعريفات العولمة، وتضارب الآراء حول تحديد مفهومها حتى بين أصحاب الاتجاه الواحد؛ وقد تجاوز هذا الاختلاف صورة التعريف إلى حقيقة ما تعنيه العولمة على وجه التحديد، بالإضافة إلى سبب آخر هو كون هذه التعريفات صيغت متأثرة بانتماءات أصحابها السياسة والفكرية، وهو ما يمكن استقراؤه من خلال إمعان النظر في تعريفات العولمة الآتية:
* هي: اتجاه الحركة الحضارية نحو سيادة نظام واحد، تقوده في الغالب قوة واحدة.
* أو هي بعبارة أخرى: استقطاب النشاط السياسي والاقتصادي في العالم حول إرادة مركز واحد من مراكز القوة في العالم. [2]
* أو هي: تحويل العالم إلى قرية واحدة يتحكم فيها نظام رأسمالي واحد، يلزمها بالتخلي عن ديانتها وقيمها وحضارتها شرطًا لتحقيق النجاح في مجال تنمية الاقتصاد والسوق وجودة الأسعار. [3]
* أو هي اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش[4]
* أو هي مصطلح لما يدار من قبل السياسات الاقتصادية، والتفاعلات المالية، والضغوط السياسية لمجموعة متنوعة من الفاعلين الذين يضمون دولا كبرى وشركات متعددة الجنسيات ومؤسسات دولية عملاقة [5]
* أو هي: سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على نطاق كوني [6]
ومن تأمل هذه التعريفات واستقراء مدلولاتها يتبين لنا أن العولمة شاملة لكل النواحي النظرية والعملية وإن ظهرت في صورة معينة أو شكل محدد، وأنها ذات أبعاد متعددة ومستقبلية تتناول كل الشعوب، وتتجه نحو الهيمنة على المستقبل.
نشأة النظام الجديد (العولمة):
بعد انتهاء الحرب الباردة بين القطبين أمريكا والاتحاد السوفييتي التي دامت أكثر من 45 سنة، وإن لم يحدث بينهما حرب عسكرية مباشرة، لكن وقعت حروب في العالم بسبب سياستهما، وتبعية بعض الدول لإحداهما بلغت أكثر من أربعمائة حرب إقليمية، راح ضحيتها أكثر من عشرين مليون نسمة، وفاقت خسائرها المادية خسائر الحربين العالميتين حدد الرئيس الأمريكي بوش الأب في 6 / 3 / 1991م إطار هذا النظام في خطابه الذي ألقاه أمام قوات التحالف في الكويت بعد انتصارها في حرب الخليج الثانية قائلا: "إننا نرى الآن ظهور نظام عالمي جديد....، عالم تصبح فيه الأمم المتحدة بعد تحررها من الطريق المسدود للحرب الباردة قادرة على تحقيق الرؤية التاريخية لمؤسسيها، عالم تحترم فيه جميع الأمم الحرية وحقوق الإنسان"، وقد ركزت وسائل الإعلام على تحليل عبارات هذا الخطاب، وجعلته جديدًا، وضخمته كأنه الأمر الواقع الذي لا مفر منه.[7]
لعل الرئيس بوش كان يقصد من تحقيق الرؤية التاريخية قيام وحدة عالمية تتجاوز أسباب الصراع، وتستبعد عوامل التناقض بين الشعوب، وهذا يقتضي التساؤل: علام تقوم هذه الوحدة؟ إن كثيرًا من المفكرين والمحللين يرون أنها ستقوم على أساس سيادة النموذج الرأسمالي، ومن هؤلاء المفكر الياباني الأصل فوكوياما الذي اعتبر نهاية الشيوعية وسقوط الاتحاد السوفيتي نهاية للتاريخ بانتصار الرأسمالية. [8]وحضارتها وانفرادها بالهيمنة العالمية.
وإذا صح هذا الرأي فإن الوحدة التي سيسعى إليها النظام الرأسمالي ستؤدي إلى الحيلولة دون انفراد أي حضارة سوى الحضارة الغربية الأنجلوسكسونية بهوية خاصة ومبادئ وقيم ومفاهيم تمثل شخصيتها الظاهرة، وتعبر عن نظرتها للحياة، وتنم عن تصورها للوجود؛ لأن ترك هذا النظام مسخ الثقافات الأخرى سيدفع بالأمم إلى الحرص على استمرارها والمحافظة على عناصرها، ووقايتها من عوارض الزمن، وصراع الأفكار، وسيؤدي بهذه الأمم إلى أن تبذل في سبيل رسوخها وثباتها كل ما تملك من نفس ونفيس وجهد جهيد، وهذا لا يعني التخلي عن الثقافة بالكلية بما تحتوي عليه من مبادئ وقيم ونظم ومفاهيم، وإنما يعني صياغة ثقافة الشعوب من جديد في نطاق وحدة ثقافية تتماشى مع عناصر الفكر الرأسمالي الغالب والمهيمن؛ خصوصًا بعد سقوط المنافس الشيوعي العالمي، هذه الثقافة التي يراد لها أن تكون الثقافة العالمية السائدة لا تعتد بالفوارق العقدية والقيمية، ولا تأبه بالتشريع الإلهي أو الأعراف المحلية، وتسعى إلى عولمة القيم الغربية في مختلف نواحي الحياة عن طريق قسر العالم على قبول نمط هذه الحياة التي تقوم في الاعتقاد على حرية الاعتقاد، وفي الاقتصاد على النظام الحر والمنافسة الحرة والأسواق المفتوحة، وفي السياسة على النظام الديمقراطي الحديث الذي يجعل الشعوب مصدر السيادة والتشريع، وفي الاجتماع على الإباحية وإضعاف دور الأسرة، وساعد على انتشار هذه الثقافة هيمنة الدول الغربية على صياغة مواثيق المنظمات السياسية الدولية وقراراتها، وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة، وتحكمها في مسارها عن طريق الفيتو، واتباعها أسلوب حمل الدول ولا سيما الفقيرة على الانصياع السلمي لإستراتيجية الدوائر الاقتصادية الدولية: كالبنك الدولي، والاتفاقية الدولية التجارية، واستغلالها للنشاط التقني والإعلامي المتعاظم لديها، والذي يعد سلعة ذات جاذبية كبيرة لدى الشعوب الراغبة في مواكبة التطور العلمي الغربي السريع.
دوافع العولمة:
إذا كانت العولمة حديثة من ناحية الاصطلاح، فإنها قديمة نوعًا ما من ناحية التخطيط لها والسعي لتنفيذها، ذلك أن محاولة الهيمنة على الأسواق العالمية ونشر المفاهيم والقيم الغربية كانت من أهداف الدول الغربية بعد الحرب العالمية الأولى عن طريق فرض الوصاية والانتداب، وبعد الحرب العالمية الثانية عن طريق الاستعمار والتنصير والاستشراق، لكن أطماعها تزايدت بعد تهيؤ الظروف الآتية:
1- ظهور الثورة التقنية التي سميت بالثورة الصناعية الثالثة، وتمثلت في التقدم الصناعي الغربي الهائل، ولا سيما في مجال الاتصالات والمعلومات والفضاء والحاسب الآلي والإلكترونيات الدقيقة والهندسة الوراثية.
2 - تحرير التجارة الخارجية بين الدول عن طريق رفع القيود عن النشاط الاقتصادي، وإبرام الاتفاقيات الدولية الضامنة لذلك: كالاتفاقية الدولية العامة للتعريفات التجارية (الجات) التي سعت إلى فتح الأسواق العالمية أمام التجارة العالمية، وإزالة كل القيود والحواجز أمام التجارة الدولية.
3 - قيام الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، متنوعة النشاطات، المتميزة بضخامة نشاطها وإيراداتها ومبيعاتها، مثل: شركة (ميتسوبيشي) وشركة (جنرال موتورز) وغيرها من الشركات الكبيرة التي تمتلك أرصدة ضخمة، وإمكانات مادية هائلة، وقوة إنتاج واسعة، فقد استطاعت هذه الشركات أن تفرض نفسها على الواقع الاقتصادي بحيث تعجز الدول من أن تحد من تأثيرها في تحقيق التحولات في النشاط الاقتصادي العالمي.
4 - تنامي القوة العسكرية الغربية ولا سيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991م، وقد سبقه في عام 1989م تحول الدول الأوربية الشرقية من النظام الاشتراكي إلى النظام الاقتصادي الغربي، واتباعها لسياسات الانفتاح على أسواق الدول الغربية وعلى الفكر الغربي.
ولا ريب أن هذه الظروف أسهمت في إظهار الغرب على أنه قوة عالمية واحدة، تقود نظامًا جديدًا يسعى إلى نشر نمط الحياة الفكرية الغربية بكل مفاهيمها ونظمها وقيمها بين المجتمعات. [9]
العولمة الثقافية:
لا ريب أن الثقافة ذات خصوصية؛ إذ أن لكل أمة من الأمم مبادئ وقيمًا ومفاهيم تمثل شخصيتها الظاهرة، وتعبر عن نظرتها للحياة، وتنم عن تصورها للوجود، فتحرص على استمرارها والمحافظة على كيانها، ووقايتها من عوارض الزمن، وصراع الأفكار، وتبذل في سبيل رسوخها وثباتها كل ما تملك من نفس ونفيس وجهد جهيد، وحينما نستعرض سلسلة الأحداث الكبيرة التي غيرت تاريخ العالم من حروب وقيام دول وحركات فكرية ونهضات علمية نجد أنها جميعًا تهدف إلى اقتلاع فكرة وإحلال فكرة أخرى مكانها؛ سواء أكانت الفكرة البديلة هي الأمثل أم الأسوأ، وتمثل ظاهرة العولمة في الوقت الحاضر إحدى الحلقات الجديدة في هذه السلسلة الممتدة، والتي يمكن القول بأن العولمة الثقافية أحد وجوهها وأكثرها تميزًا، وأعظمها خطرًا، وهي تعني صبغ ثقافات الشعوب المتراكمة والموروثة بصبغة ثقافة النظام الواحد عن طريق الوسائل الحديثة المستخدمة من أجل إحداث التحول المطلوب. [10]
وبالتحديد لتحل محلها الثقافة اللبرالية الغربية التي تأتي ثقافة الولايات الأمريكية في مقدمة دولها، وهذا ما يؤكده ديفيد روشكوبف الأستاذ في جامعة كولمبيا في قوله: " يتعين على الولايات المتحدة ألا تتردد في الترويج لقيمها، وفي سعيهم لأن يكونوا مهذبين أو سياسيين ينبغي على الأمريكيين ألا ينكروا حقيقة أنه بين كل الأمم التي عرفها تاريخ العالم فإن أمتهم هي الأكثر عدلا والأكثر تسامحًا والأكثر حرصًا على إعادة تقييم الذات وتحسينها، وهي النموذج الأفضل للمستقبل "[11]
وإذا كانت العولمة عرفت بعولمة الاقتصاد، فهذا يرجع إلى كون الاقتصاد أول المنافذ إلى التأثير في حياة الشعوب والأداة الضاغطة على مصالحها، ولا أدل على هذا من أن سقوط الاتحاد السوفيتي كان فشلا ذريعًا للنظام الاقتصادي الشيوعي، وهو في الوقت نفسه انتصار للاقتصاد الرأسمالي القائم على المنافسة الحرة والأسواق المفتوحة والهيمنة على المال العالمي من خلال الشركات الكبرى ومراكز المال الدولية؛ ويعني أيضًا انتصار الفكر الرأسمالي الذي لا يعترف بحدود جغرافية أو حواجز ثقافية، ويسعى إلى تقنين العلاقات داخل المجتمعات وبين بعضها والبعض الآخر على أساس أوضاع ثقافية تصون قوانين الرأسمالية ووجودها[12] ذلك أنه لا يمكن القول بأنه انتصار اقتصادي محض دون تحسب لانعكاسات الفكر الرأسمالي على الفرد والمجتمع، ذلك أن: " العولمة وفقًا لرأي الناقد الأمريكي إدموند ويلسون إلى جانب كونها نسقًا اقتصاديًّا فإنها أيدلوجية تخدم هذا النسق"[13]
وإذا كانت العولمة الاقتصادية ظهرت من خلال إنشاء الأسواق المالية والتجارية العالمية مثل: السوق الأوربية المشتركة التي أنشئت في أواخر أكتوبر عام 1991م، وبرزت عن طريق المؤسسات والشركات العالمية العملاقة عابرة القارات الخارجة عن سيطرة الدول، مثل شركة (ميتسوبيشي) وشركة (جنرال موتورز) ذات النشاط التجاري الضخم، فإنها تستمد حيويتها من انجذاب العالم بأسره انجذابًا كاملا لفكر النظام الرأسمالي الحر الذي حقق أكبر نجاحاته بعد تراجع النموذج الاشتراكي، وتطبيق الدول الأوربية الشرقية الاشتراكية سابقًا لمبادئ التجارة الحرة، وهذا يعني أن العالم الذي كان مقسمًا إلى معسكرين: اشتراكي، ورأسمالي أصبح موحدًا اقتصاديًّا، مقتنعًا بالخصخصة وتحرير الاقتصاد، مؤملا بأن يجلب له توحد الشعوب في النظام الاقتصادي الرفاهية والنمو، وبل وربما السعادة الشخصية، وهذا التوجه العالمي واضح من الناحية الاقتصادية، إلا أن العولمة الثقافية دون ذلك تمامًا، فهي إلى الآن لم تبلغ ما بلغته العولمة الاقتصادية من التجليات في حياة الشعوب السلوكية والتطبيقات المادية التي ترعاها المؤسسات الاقتصادية العالمية، وذلك يعود إلى أن العولمة الاقتصادية محصلة تطورات تجارية ومالية تسارعت في العقدين السبعينيات والتسعينيات من هذا القرن. [14]
بخلاف العولمة الثقافية التي لا تزال مستعصية في كثير من المجتمعات ومنها المجتمع الإسلامي على النظام الدولي في التخلي عن ذاتيتها وهويتها الخاصة رغم محاولات الغزو الفكري القديمة التي كانت تسعى إلى تحقيق قدر من جذب الشعوب إليها عن طريق التقليد والتبعية المطلقة.
لكن لا ينبغي أن يغيب عمن كان في حالة ترقب لظاهرة العولمة أنه رغم هذا الاستعصاء فإن المرحلة القادمة من الجهود الغربية المبذولة في التحول العالمي ستتجه نحو الاهتمام بالعولمة الثقافية نظرًا للعناية المتزايدة من الدول الغربية وبعض الدول الشرقية التي تسير في ركابها كاليابان بثقافة المعلومات والمعرفة العلمية نتيجة لما تحقق من تطور صناعي سريع ومذهل في العلم وتقنية وسائل الاتصال والإلكترونيات ولا يزال، هذا التطور في وسائل الاتصال حول مسار ثقافة العولمة الغربية من ثقافة الإنتاج إلى ثقافة المعلومات والمعرفة العلمية، وقد أمكن ذلك بسبب هذه الطفرات الجذرية في العلم والتقنية[15] الأمر الذي جعل كثيرًا من المفكرين الغربيين يحلمون ببناء إمبراطورية العصر الإلكتروني وشبكات التحكم والاتصال الجديدة التي سيصبح السوق المالي العالمي واهنًا بالنسبة إليها بفضل تقنيات المستقبل[16].
إن العولمة في اتجاهها الفكري " تطمح إلى صياغة ثقافة كونية شاملة، تغطي مختلف جوانب النشاط الإنساني، فهناك اتجاه صاعد يضغط في سبيل صياغة نسق ملزم من القواعد الأخلاقية الكونية "[17] وأن هذه الثقافة مهما استخدم في صياغتها من صبغة علمية ومعرفية، فإنها كما يراها عبد الوهاب المسيري صيغت داخل التشكيل الحضاري والسياسي الغربي، فهي تحمل معالم هذا التشكيل، وتدور في إطار العلمانية الشاملة التي تدعو إلى إنكار القيم وتأكيد النسبية المعرفية والأخلاقية وتطور العالم، ولا يبعد أن تكون الصفة المعرفية لهذه العولمة وسيلة للتسلل إلى أرجاء العالم من أجل بناء الهيمنة الثقافية الغربية. [18]
التي تسعى الدول الغربية إليها، وتعمل على تحقيقها عن طريق الاتفاقات الثقافية والاقتصادية وغيرها مع الدول الأخرى، والتي غالبًا ما تفرض فيها مصالحها الثقافية وسيادة قيمها على الأطراف الأخرى لكونها تمثل الطرف الأقوى، سواء كانت هذه الاتفاقيات ثنائية أو عن طريق المنظمات الدولية كمنظمة التجارة ومنظمة العمل الدولية، أو عن طريق المؤتمرات التي تقرر فيها القيم الغربية، وتلزم بها الدول الأخرى، وتربط الدول الغربية مساعداتها للدول الأخرى بتنفيذها، أو عن طريق وسائل الإعلام العالمية كالفضائيات وشبكة الإنترنت. [19]
التي تعتمد مادتها الإعلامية على تسويق الفكر الغربي؛ لذا لا يرى الدكتور عبد الرحمن الزنيدي غرابة في أن تصبح العولمة نهجًا جديدًا للغرب يروج بشكل صريح وظاهر من خلاله قيمه ذات البعد الجسدي المادي في القضايا التي تتصل بالمرأة والأسرة والمجتمع، ومعطيات حضارته المادية الشهوانية التي تعد أشد الحضارات فسادًا في الأمور الاجتماعية، وقد تجلت بدايات هذا الترويج في قرارات مؤتمرات السكان والمرأة. [20]
التي عقدت في القاهرة عام (1994م)، وفي بكين عام (1995م) باهتمام ورعاية غربية.
معالم العولمة الثقافية الغربية:
يتعرض العالم اليوم لرياح العولمة الثقافية الغربية، التي أصبحت تهب على مجتمعاته عن طريق منافذ اتصال متنوعة وسريعة التأثير، ناقلة معها أيديولوجيات الفكر الغربي الحديثة ونظرياته الاجتماعية، ومروجة لسلوكيات المجتمع الغربي وأنماط حياة أفراده، لقد استهدفت هذه الرياح تفريغ مجتمعات العالم من ثقافتها لتحل محلها الثقافة الغربية مستغلة فرصة الانفتاح الثقافي الذي يشهده العالم حاليًا والتهيؤ النفسي لدى الشعوب لهذا الانفتاح، ومستخدمة في سبيل ذلك كل مكتسباتها العلمية والتقنية، وتبرز معالم تأثير هذه العولمة على العالم بعامة، وعلى العالم الإسلامي بخاصة في الوقت الحاضر فيما يلي:
* التذويب الكلي أو الجزئي للهوية الثقافية: تسعى العولمة إلى التذويب الكلي أو الجزئي للهوية الثقافية ذات الخصوصية الشديدة لدى المجتمعات التي تكونت لدى كل منها حتى أصبحت نسيجًا يميزها عن الأخرى، وقد قامت الأديان بدور بارز في تشكيل هذه الهوية، كما أسهمت الأعراف والتقاليد في بلورة خصوصيتها لكل مجتمع، وإذا كانت العولمة تستهدف هذا التذويب، وتعمل على زوال هذه الثقافات وذوبانها فإن هذا يعني أن الثقافة بما فيها ثقافتنا الإسلامية ستتعرض لمواجهة شديدة، تنعكس سلبًا على مجتمعنا المتمسك بجذوره الثقافية، وستكون هذه الثقافة في محك الامتحان، فالتي لا تملك مقومات الثبات ستكون أكثر قابلية للاجتياح الثقافي العولمي، وإذا كانت الثقافة الإسلامية أكثر من غيرها مقاومة للعولمة الثقافية الغربية لما تمتلكه من مقومات الثبات، وفي مقدمتها الرصيد العقدي النقي والسند الصحيح والمتسق في تشريعاته مع الفطرة والعقل، والماضي التاريخي المشرق فإن هذا لا يعني أن الثقافة الإسلامية ليست بحاجة إلى تكريس الجهود من أجل تفادي الارتطام مع حركة العولمة العالمية في مسارها الإلزامي، وإلى المحافظة على هويتها الخاصة وصفتها الشخصية، وهذا يستلزم أن نفتح عقولنا، ونعطي الدراسة والبحث العلمي حقهما، وسوف نجد فيهما ما يجعلنا الأقوى في ظل المواجهة الواعية لهذا المد العارم. [21]
* العمل على إبراز الثقافة الغربية بما تشتمل عليه من مفاهيم وقيم ومنطلقات ومواقف إنسانية مشتركة وعابرة لكل المناطق الحضارية، وفرضها على ما سواها من الآراء والأفكار على أساس أنها الثقافة البديلة، ولأنها تمثل الفلسفة التي ينطلق منها التصور الغربي للعولمة، وتنبثق منها العلاقة بين جوانبها، لذا فإن العولمة بحسب التصور الغربي لا تستهدف إيجاد ثقافة عالمية جديدة ممتزجة من ثقافات مختلفة، أو ناشئة من تفاعلها جميعًا، وإنما تستهدف نشأة عالم جديد بلا حدود ثقافية خاصة، ينسلخ من هوياته الماضية، ويتم فيه التبادل الحر للأفكار والمفاهيم عبر المجتمعات، ويُمَكِّن من رواج المفاهيم الغربية وأذواق المجتمع الغربي، وهي من أجل تحقيق هذا الهدف تسعى إلى أن تبلغ البشرية مرحلة من الحرية الكاملة التي تسمح بانتقال الأفكار والمعلومات والاتجاهات والقيم والأذواق على الصعيد العالمي وبأقل قدر من القيود والضوابط[22] وذلك لتسهيل عملية الفرض عن طريق ما تمتلكه من وسائل اقتصادية وإعلامية وسياحية عالمية ذات محتوى فكري لا يمكن الوقاية من التأثر به بمجرد الاستفادة من الوسيلة؛ إذ تضعف مع الزمن خاصية التحكم، فيصبح الإنسان متأثرًا بالمحتوى الفكري رضي أم أبى، مما يقتضي تكثيف الجهود من أجل تحقيق حصانة كافية لأبنائنا وبصفة خاصة أجيالنا القادمة، ووقايتهم من التقليد والتبعية المطلقة للحضارة الغربية، تقوم على بناء العقيدة الصحيحة، وغرس الفضائل والأخلاق الكريمة في النفوس، والعمل على طهارة المجتمع من الفساد والرذيلة.
* استغلال المؤسسات الاقتصادية والوسائل الإعلامية والنشاط السياحي؛ لترويج الفكر الغربي داخل المجتمعات بطريق غير مباشر، فقد أصبحت المؤسسات الاقتصادية القائمة وسائل إلى الاحتكار والتعامل بالفائدة وتجاهل مشاعر الفقراء والمحتاجين وتنمية الفوارق بين فئات المجتمع وتعظيم صورة المال في النفوس والقضاء على الملكيات الصغيرة وتحويل الناس إلى عمال لفئة قليلة من ملاك رؤوس الأموال والشركات الكبرى، الأمر الذي أعطى هذه المؤسسات القدرة على صياغة مثل هذه المعاني السيئة والقيم المادية، وأصبحت وسائل الإعلام الفضائية أداة لتوجيه الشعوب والتأثير عليها في آرائها وأفكارها وأذواقها، وصارت وسائل السياحة سبيلا إلى إلغاء الحدود وتقريب المسافات من خلال ما تهيأ للسائح من أسباب المتعة الجاذبة، وطريقًا إلى التلاقي البشري والتلاقح الفكري بين الشعوب، وهذا يتطلب من المسلمين العمل على إيجاد البدائل الكافية، وتوظيف الوسائل الجديدة الاقتصادية والإعلامية والسياحية من أجل تهيئة أجواء صالحة للدعوة إلى الله - تعالى -ونشر القيم الإسلامية والمحافظة على أخلاق الإسلام الكريمة ومبادئه السامية.
أثر التباين في تحديد الآفاق المستقبلية لظاهرة العولمة على الثقافة:
إن غموض تحديد معنى العولمة أدى إلى إيجاد نوع من التباين في تحديد الآفاق المستقبلية لهذه الظاهرة، يقول الكسندر كينغ أحد مؤسسي نادي روما: " إننا وسط مخاض طويل وشاق سيؤدي بشكل أو آخر إلى ميلاد مجتمع معولم، لا نستطيع أن نتكهن الآن بهيكلته المحتملة "، وهذا يعني أن المستقبل سيكون غامضًا غير واضح المعالم، لذا لا يمكن إسقاط النظرة المتشائمة التي ترى أن دفع الشعوب إلى العولمة سينتهي إلى فوضى حضارية، من أبرز ملامحها الفراغ الروحي وضياع القيم وشيوع الإباحية وضعف العلاقات الأسرية وانعدام الأمن وازدياد البطالة ورواج المخدرات وتدهور الوضع البيئي وتفشي الأمراض الفتاكة والمعدية وانتشار الحروب الطائفية وتفاقم ظاهرة العنف. [23]
وإذا كانت وسائل تحقيق العولمة تقوم على التنظيم والإعداد المسبق، فإن هذا لا يعني أن جميع آثارها ستكون منظمة ومتقنة ومتفقًا عليها بين الدول الغربية التي تقود العولمة، وإذا سلمنا بمظهرية النظام في الأثر المادي الصناعي والاقتصادي فلا يمكن أن نسلم به في الأمور المعنوية التي تتصل بالتدين والفكر والقيم ونظام الحياة والنظرة إلى الإنسان والأسرة والعلاقات البشرية وعقيدة اليوم الآخر، فهل تستطيع العولمة أن تصوغ مواقف الناس منها في قالب واحد لا يتغير، إنها حينما تحاول أن تفرض واقعًا عامًّا ومحددًا لهذه العناصر فإنه يستحيل عليها ذلك، فعن أي طريق تريد أن تفرضه؟ عن طريق الحوار الحضاري واعتماد أسلوب الإقناع؟ فمن الطبيعي أن يبقى الاختلاف بين الأمم والشعوب، وواقع الاتصال بين الحضارات أكبر شاهد على هذا، أم عن طريق القوة العسكرية؟ فإن تاريخ الاستعمار الغربي يدل على أن القوة العسكرية عاجزة عن محو شخصية الشعوب، أم عن طريق القوة الاقتصادية والعلمية؟ فإن المواجهة لن تكون ذات فاعلية في استغفال الشعوب التي أصبحت على جانب من الوعي والفهم بما يراد لمقدراتها، وينال من مقومات شخصيتها، يدل على ذلك تتابع المظاهرات الشعبية الرافضة للعولمة الاقتصادية ابتداء من سياتل وبانكوك ودافوس وأخيرًا في 17 / 3 / 2001م بنابولي في إيطاليا.
إلا أنه لا يمكن من حيث الواقع إنكار تأثير العولمة بالكلية في الشعوب، ولا يمكن تجاهل وجود فئات ذات قابلية مستوعبة تمامًا للمنظومة القيمية والمعرفية والاستهلاكية الغربية، وهذا يعني وفي أقل الأحوال أنه لن يوجد واقع عام يتفق بكل فئاته على قبول العولمة بكل عناصرها؛ لهذا السبب تخلى صناع العولمة عن سياسة المواجهة، ولجئوا إلى سياسة الالتفاف الخفي التي تتخذ من شعار إقامة
العدل ونشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان غطاء لها للهيمنة على الشعوب[24]
أخطار العولمة الثقافية:
قد يصعب حصر الأخطار التي تنشأ عن العولمة بصفة عامة، بل قد يطول الحديث عن أخطارها الثقافية، ولكن يمكن الاقتصار على أهمها، وهي:
* تغييب المبادئ الدينية والخلقية تحت وطأة تأثير الفكر الغربي والنظريات المنحرفة عن الدين[25]،
والقيم، وتحييد الانتماءات الدينية عدا الانتماء إلى اليهودية والنصرانية، الذي لا نجد في حركة العولمة الغربية ما يدل على الإلزام بالتخلي عنه؛ لأنه يعد نوعًا من أنواع الحرية الشخصية في الفكر العلماني الغربي، ذلك أن واقع الدول الغربية التي تروج للعولمة، وتسعى إلى فرضها على الشعوب عن طريق تحييد الانتماء الديني لا تزال على رغم علمانيتها تسير على الخط النصراني في توجهها العام، وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية، يدل على هذا قول الرئيس الأمريكي الأسبق ريغان أحد صناع السياسة الأمريكية الحديثة: " إن الدين يؤدي دورًا حاسمًا في الحياة السياسية لأمتنا "[26] وأمام هذا القول يتبين أن الغرب لا يزال يؤمن بتأثير الدين في توجيه الحياة السياسية في الوقت الذي يسعى إلى أن يتخلى المسلمون عن دينهم، ولا ريب أن هذا يزيد المسلم إيمانًا بحقيقة قرآنية، هي أن أهل الكتاب حريصون على ردته عن دينه، قال - تعالى -: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[27]
* فرض التكيف مع الحضارة الغربية والتبعية لها: ذلك أن العولمة ليست محصورة في الاقتصاد وحرية التجارة الدولية التي تعد المحرك الرئيس للعولمة، وليست مجرد وسائل تنقل العقائد والقيم والنظم بشكل سريع يمكن أن تستفيد منها كل أمة في ترسيخ عقائدها وقيمها ونظمها، وليست فكرة خاضعة لحرية الفرد أو حريات الشعوب كل يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد، وإنما هي تكيف وتبعية لمعطيات الحضارة الغربية بخيرها وشرها، وتوجه يعمل على إزالة الخطوط التي تفصل بين الأمم وتمايز بينها من عقائد وشرائع وقيم من أجل إقامة عالم واحد لغته المشتركة هي اللغة الإنجليزية، وقانونه العام القانون الدولي الذي يرعاه ويعده الغرب، ومقاييسه ومواصفاته وقيمه موحدة هي مقاييس الحضارة الغربية ومواصفاتها وقيمها، إنهم يدركون أن المحتوى الثقافي هو الذي يقود العالم، ويصبغ الشعوب بصبغته. [28]
* إخضاع القيم والأخلاق للعصرنة والنسبية: ذلك أن العولمة الغربية لا تؤمن بأي قيم ثابتة لغيرها، ولا تعترف بوجود كليات ملزمة من خارجها، بل تسعى إلى إخضاع العقائد والموروثات والقيم الأصيلة للآخرين إلى ما تقتضيه نظرتها التطورية التي تقوم عليها فكرة العصرنة والنسبية من التغير وعدم الثبات وتجاوز كل قديم وثابت من الأخلاق والقيم، وهذا يعني أن العولمة محاولة لإخضاع كل القيم بما فيها القيم الثابتة والأصيلة للآخرين لمفهوم العصرنة والنسبية، انطلاقًا من منظومة معرفية قيمية خفية متكاملة وراءها، تسعى إلى الاعتلاء على غيرها من القيم الثابتة والتاريخية[29]؛ إذ يستحيل أن تنشأ العولمة الغربية وتنمو بمجرد الصدفة والسذاجة، فحقيقة العولمة الغربية أنها تهدم ما لدى الشعوب من قِيَم خاصة نابعة من الأديان والأعراف، وتبني فوقها قِيَم الحضارة الغربية المضطربة والمتطورة.
الموقف من العولمة الثقافية:
مضت سُنَّة الله - تعالى -في حصول التدافع بين الناس والصراع بين البشر، وتمثل ظاهرة العولمة أحد صوره الحديثة، قال - تعالى -: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)[30] هذا التدافع يستلزم أن يتم بين طرفين مختلفين، لكن لا يستلزم أن يرفض أحدهما ما عند الآخر كليًّا، وعلى الخصوص لا يصح أن يقبل ما عنده كليًّا؛ لأن القبول يتنافى مع معنى التدافع المقتضي للرفض ولو جزئيًّا.
إن اتخاذ المسلمين موقفًا من العولمة في ظل التدافع القائم بين الحضارات، ولا سيما مع الدول الغربية التي تقود هذه العولمة يحتاج إلى حكمة ووعي، فليس القبول المطلق للعولمة التي تفرضها هذه الدول على الشعوب الإسلامية صائبًا؛ لأن فيه انسياقًا وتعجلا وتجاهلا لمنطق العقل الذي يقتضي الانتفاع بما فيها من إيجابيات وتفادي السلبيات، وليس رفض العولمة جملة صحيحًا أيضًا؛ لأنه مناف للحكمة، ويعرض الشعوب الإسلامية لضرر أكبر، إن قرار الرفض أسهل ما يمكن اتخاذه، ولكنه أصعب ما يمكن التعايش معه مستقبلا، ذلك أن ظاهرة العولمة من الناحية الواقعية تنامت وأصبحت تمثل صورة جديدة من العلاقات بين الدول والأمم والشعوب، من يرفضها سيبقى معزولا عن العالم، وسيحرم من كل عطاءات الحضارة الحديثة، وإذا كان أحد قد اتخذ قرار الرفض عن اقتناع فليعلن أنه ليس بحاجة إلى الاستفادة من التقنية العالية، وتبادل المعلومات، وأجهزة الاتصال، والأقمار الصناعية، وأجهزة الطب الحديث، والتنقيب الجيولوجي، والإلكترونيات، ومثل هذا الموقف يعني اتخاذ قرار يفرض عزلة قاسية على النفس والمجتمع الذي يخضع له، ويعني كذلك التعرض لطائل الحصار الدولي الذي سيؤدي في النهاية إلى التنازل بالعزيز والنفيس في سبيل رفع هذا الحصار والتعايش مع الآخرين.
إنه يتعين على المسلمين أن يرفضوا الانسياق مع العولمة فيما يتعارض مع دينهم وهوية أمتهم وإثبات خصوصيتها نظرًا لأن العولمة تستهدف صهر الأمم والمجتمعات في بوتقة واحدة هي بوتقة الحضارة الغربية وعلى الخصوص الحضارة الأمريكية، وإذا كانت الفوارق بين الحضارات الإقليمية طفيفة، فإن الفرنسيين لا يزالون وهم يشاركون الغربيين في محتوى الحضارة الغربية الأنجلوسكسونية وفي قيادة العولمة على توجس شديد من أن تفرض على حياتهم أنماط سلوكيات الحياة الأمريكية الخاصة، وعلى خشية من مخاطر اجتياح الأنماط الأمريكية لمجتمعهم الفرنسي تحت مظلة العولمة، يدل على هذا المواقف المتشددة التي أبدتها الحكومة الفرنسية أثناء مفاوضات الجات في قطاع الخدمات؛ نظرًا لكون هذا القطاع يحتوي على جوانب ثقافية، متكئين في تشددهم هذا على ما يمتلكون من بدائل اقتصادية مؤثرة تمكنهم من حماية ثقافتهم، ولا ريب أن المسلمين لا يقلون وزنًا وتأثيرًا عن الفرنسيين لو توفرت لديهم إرادة سياسية قوية تمكنهم من استثمار ما لديهم من ثقافة أصيلة تقوم على جوانب روحية عظيمة تحتاج إلى هدايتها البشرية جمعاء، ومن ثروة بشرية كبيرة تزيد على مليار نسمة، ومساحات جغرافية واسعة ومتنوعة الموارد، وثروة معدنية مهمة تعتمد عليها الصناعة الأساسية العالمية، وموقع إستراتيجي يربط القارات، ويتحكم في الممرات البحرية، ويتسم بتنوع المناخ، ويعد من أفضل المناخات للملاحة الجوية الدولية. [31]
فإن هذه الإرادة لو وظفت توظيفًا سليمًا لغيرت موقع المسلمين، ونأت بهم عن التبعية لغيرهم، بالغة بهم إلى موقع القيادة، وفي أقل الأحوال جعلتهم في موقع الاحترام والمهابة بين الأمم والدول.
إن استثمار المسلمين لما يمتلكونه من عقيدة صحيحة لهي من أقوى العناصر المؤثرة في قلوب المجتمعات والشعوب، ذلك أن الخواء الروحي المتفشي بين الناس، وطغيان المادية المتسلطة، وانتشار الأمراض الفتاكة الناشئة من فساد الأخلاق وغياب القيم، ورواج المخدرات بين الأفراد، وابتذال الجنس لهي من أهم الظواهر الفكرية والاجتماعية التي تعاني منها شعوب العالم، ويعالجها الإسلام مُخَلِّصًَا هذه الشعوب من شرورها، وواقعية الإسلام وعنايته بمصلحة الإنسان وبكل متطلبات تكوينه هي من أهم ما يساعد على سرعة انتشاره على رغم جاذبية الحضارة الغربية المادية التي ابتليت مجتمعاتها بهذه الظواهر السيئة بسبب إهمالها للجانب الروحي والخلقي.
ويمثل الإسلام بما يشتمل عليه من صفاء العقيدة، وتكامل التشريع، وحسن الرعاية للعلم والحضارة، وحماية الأخلاق، وتحقيق التوازن بين متطلبات الإنسان في الحياة الروحية والعقلية والجسدية: الصورةَ الصحيحة للعالمية التي اختارها الله - سبحانه - للبشرية، فجعل الإسلام هو خاتم الأديان والرسالات الصحيحة، وأبطل ما دونه، قال - تعالى -: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [32] يدل على عالمية الإسلام: صمودُه على مر التاريخ، وكثرة أتباعه، وازدياد اقتناع الناس به يومًا بعد يوم عن طواعية ذاتية، واختراقه للمجتمعات الغربية التي أصبح في كثير من دولها يمثل الديانة الثانية بين عدد سكانها، الأمر الذي حمل الدول الغربية على الاعتراف بحقوق مواطنيها المسلمين السياسية والثقافية، إن هذا كله يعود إلى كون الإسلام الديانة الوحيدة التي تمتلك أسباب الثبات والمواءمة مع تطور الحياة الصحيح، فمنطقة الحضارة الإسلامية على الرغم من سرعة حركة العولمة بين شعوب العالم، وقوة ضغط الدول الغربية عليها لحملها على الاستجابة لها أكثرُ المناطق بطئًا، وأقلها مجاراة لأيديولوجيا العولمة، وذلك يعود إلى شعور المسلمين بأنها نوع جديد من الغزو الثقافي يعتمد على القوة والقهر وابتزاز الشعوب. [33]
إن التأييد المطلق للعولمة الثقافية بحجة أن الانفتاح على الثقافات الأخرى أصبح من سمات العصر، وأن الرفض المطلق لن يغني فتيلا في إيقاف المد الغربي الثقافي الزاحف على العالم الإسلامي: نوعٌ من الاستسلام الرخيص، المتجاهل لطبيعة الدين الإسلامي، والمتغافل عن تاريخ الأمة الإسلامية وثقافتها، إن الموقف يقتضي أن نرفض العولمة الثقافية الغربية التي لا تؤمن بغير قيمها، وتريد تذويب ثقافتنا الإسلامية، وأن نرفض كل ما يخالف ديننا وقيمنا الشرعية، وأن نرفض كل ما يمسخ شخصيتنا أو يبدل هويتنا، ويقتضي ألا نكتفي بمجرد الرفض وحده؛ بل لا بد أن نكون إيجابيين في الموقف بحيث نتبنى نهج المواجهة لعولمة المسخ الثقافي أو العدوان الثقافي، وهذا يتطلب منا أن نكون متشبثين بهويتنا الثقافية الإسلامية ذات الخصائص المستمدة من عقيدتنا وديننا، إن هذه الهوية هي الحصن الحامي لنا من لوثات الغرب وتحدياته العدوانية، بل هي الدرع المنقذ للبشرية كلها مما تعانيه في ظل انتشار المادية وقيم الغرب، وذلك راجع إلى ما تمتلكه من قيم العدل والحرية وحقوق الإنسان[34] ولعل تنامي الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي يجسد لنا مقدرة المسلمين على التصدي لهذا المسخ الغربي الفكري والعدوان الثقافي، ويبين مدى تشبثهم بهويتهم الثقافية؛ " لأن فعل العدوان الثقافي كما يرى عبد الإله بلقزيز لا يحتل المشهد وحده، بل هو غالبًا ما يستنهض نقيضه بسبب ما ينطوي عليه عنفه الرمزي من استفزاز لشخصية المعتدى عليه، ومن تشبث بثقافته وهويته "[35]
في ضوء ما سبق لا بد أن ندرك أن العولمة وضع عالمي جديد لا يمكن تجاهله ليست العولمة الثقافية فحسب، بل جميع أنواع العولمة العلمية والاقتصادية والإعلامية والسياسية، فهل بالوسع أن نرفضها جميعًا، ونقبل أن نعيش في معزل عن العالم وحدنا؟، لا نمتلك فيه القدرة على المواجهة والثبات على وضعنا الحالي الذي يعاني من التشرذم في المواقف السياسية، ويفتقد الإستراتيجية الاقتصادية الموحدة والعملية، ويتصف بالتأخر في السبق العلمي والتكنولوجي الحالي، فما من سبيل أمامنا إلا أن نسلك موقف الوعي والاعتدال، هذا الموقف حدده سمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز في كلمة المملكة في قمة الخليج (19) لما قال: " إن العالم يواجه تيارًا قويًّا عارمًا هو تيار العولمة، الذي ينادي بفتح الحدود وإزالة العوائق أمام حركة البشر والأفكار ورؤوس الأموال والبضائع، وكل الدلائل تشير إلى أن هذا التيار سوف يزداد قوة واندفاعًا في السنوات القادمة، على نحو يحتم علينا أن نتخذ نحوه سياسة واضحة ثابتة، تتجاوز موقف المتفرج الذي يكتفي بالتأييد أو الشجب عن بعد"، ثم عبر سموه عن موقف المملكة من تيار العولمة وهو موقف يتسم بالوسطية، حيث قال: " إننا نرحب بعولمة الاقتصاد وبعولمة الاستثمار، ولكننا نرفض عولمة الفكر الفاسد، ونرفض عولمة الانحراف الذي يختفي تحت أسماء براقة، وهذا لا يعني الجمود في الحركة، فصدورنا وبيوتنا مفتوحة لكل جديد مفيد، ولكنها موصدة في وجه الرياح التي تحاول زعزعة معتقداتنا، وخلخلة مجتمعاتنا، فمنهجنا يستمد قوته من وسطية الإسلام الذي يتخذ موقفًا معتدلا من القديم والجديد، مستنيرين بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبسنة نبيه المختار - عليه أفضل الصلاة والسلام -، ولا يراودني أدنى شك من أن سراج العقيدة سيبين لنا الطريق المستقيم عندما تلتبس الطرق، وتتلبد الأجواء بالغيوم "[36]
الإسلام والعولمة:
يعد الإسلام من أقوى العوائق التي تعوق قبول الانصياع لهيمنة النظام الغربي من خلال ما يعرف بالعولمة، فإذا كان قادة هذا النظام هم صناع القرار في الغرب، فإنه من المؤكد أنهم لم ينسوا أن الصراع مع المسلمين هو أشد الصراعات التي خاضوها في تاريخهم الطويل، وأكثرها ضراوة ابتداء من معارك الفتح الإسلامي مع الدولة الرومية في الشام، ومرورًا بالحروب الصليبية، والفتح العثماني، وحركات التحرر من الاستعمار، ولا يزال هذا الصراع قائمًا من خلال ما يعرف بالمشكلة الفلسطينية التي تعد أصعب مشكلة واجهها العالم في العصر الحديث، وهم يعرفون مدى نفرة المسلمين من إملاءات الفكر الغربي.
إنه مع استحضار تاريخ صراع المسلمين مع الغرب لا يمكن أن يرفض المسلمون ما هو إيجابي ونافع، ولكن في الوقت نفسه لا يمكنهم القبول بالعولمة كأيديولوجيا مهيمنة، تفرض ثقافة لا تتفق والثقافة الإسلامية، وذلك لعدة أسباب:
1 - أن منهاج الإسلام أساسه التوحيد والإيمان بالوحي والآخرة، وهذا الأساس يصبغ كل جزئية من جزئيات المنهج بصبغته، وهو بهذا مناقض لأصول العولمة الثقافية بصبغتها الغربية ومنطلقاتها المادية.
إن الإسلام يُعْنى بتأكيد الهوية الخاصة، ويرفض أطروحات الغرب العقدية والتشريعية، ويأمر بمخالفتها، قال - تعالى -: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ[37]وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((خَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ))[38]، (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون)[39]
2 - أن المسلمين يمثلون المجموعة الثالثة في تشكيل سكان العالم من حيث الكثافة السكانية، والمساحة الجغرافية، فيبلغ عددهم ما يقارب مليارًا وثلث مليار نسمة، وهذا العدد في ازدياد، أي أنهم يمثلون ربع العالم تقريباً.
أنه من الصعوبة بمكان أن يتخلى المسلمون عن شخصيتهم وهويتهم؛ لأن هذا يعني التخلي عن الإسلام الذي يتناول جميع حياتهم بالأمر والنهي والتشريع والتوجيه، ويأمرهم بأن يدخلوا فيه كافة، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[40]
بل أحسب أن هذا ليس خاصًّا بالإسلام وإن كان الإسلام أكثرها صعوبة ومقاومة، ويدل على هذا انتقادات الفاتيكان واعتراضاته على قرارات مؤتمرات الأمم المتحدة في القاهرة عام 1994م وبكين عام 1995م حول المرأة والسكان والأسرة والعلاقات الجنسية التي رفضها المسلمون وتحفظت عليها كثير من الدول الإسلامية، وكانت محط لقاء وتنسيق بين الفاتيكان وبين دول عربية وإسلامية [41] ولكن من المؤسف أن تتجاهل الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الانتقادات والاعتراضات حينما عقدت مؤتمرًا عالميًّا تحت عنوان: (المساواة ا