انتشار الثقافة :
تنتشر وتتطور عناصر الثقافة من مجتمع إلى مجتمع بالاتصال المباشر أو غير المباشر بين الأفراد و الجماعات أو الجماعات والجماعات ، وبعملية يمكن تسميتها بالانتشار. بعد أنْ وصل المستكشفون الأوروبيون إلى أقصى الشرق والى الأمريكيتين في القرن الخامس عشر ، استُعيرت استعارة واسعة عناصر ثقافية من قارات مختلفة في كل العالم. وجيء بمحاصيل زراعية جديدة من الأمازون إلى إفريقيا ، والعكس صحيح.
وضمن التطور المتواصل في وسائل الاتصال وسُبلْ السفر ، ازداد تبادل عناصر الثقافة ازدياداً مطردا. ومع ذلك مازالت هناك اختلافات ثقافية كبيرة قائمة ليس فقط بين بعض الأمم بل أيضاً بين مجموعات عرقية وأُخرى غير عرقية بحسب الإقليم. وعلاوة على ذلك ، لا تنتشر كل عناصر الثقافة بنفس السرعة والسهولة. يميل الأفراد إلى الأسهل والأيسر والأنجع بغض النظر عن الأصل.
ومع ذلك يكون النظام السياسي ، أو الديني ، نموذجاً مثالياً لما هو جميل وبالتالي يكون أكثر قدرة على الانتشار من الجوانب المادية للثقافة. الثورة الثقافية الاشتراكية التي قام بها في الصين ماو تسي تونغ ، بدأت في 1966، في محاولة لإعادة إحياء الغيرة والحس الثوري في الصين. في ذلك الحين نظم الطلبة الراديكاليون ودربوا الحرس الأحمر وسيروا المظاهرات وقادوا الشارع الصيني مراراً وتكراراً في الهجوم العنيف على "الأربعة القدماء" وهى: الأفكار القديمة ، والثقافة القديمة ، والقيم الاجتماعية القديمة ، والعادات القديمة. وخلال الحملة الشاملة على المثقفين وما هو مستجلب من خارج الصين مما أعتبر من الأشياء الأجنبية ، أُتهم هؤلاء بأنهم "عناصر قديمة" بحاجة إلى "إصلاح"، وأُجبروا على القيام بعمل سنوي وتم إذلالهم جماهيرياً في "مقابلات نضالية". وفي 1968 عندما صارت الصين على شفا حرب أهلية ، وذلك عندما حاربت الفصائل الراديكالية بعضها البعض ، تم عندها إلغاء الحرس الأحمر ، وتم إحضار الجيش ليفرض النظام بينما الثورة تتواصل. لقد دَمرت الثورة الثقافية مصداقية وأخلاق الحزب الشيوعي. وانتهت الثورة رسمياً في 1969 لكن العديد من وسائلها ظل متواصلاً حتى موت ماو تسي تونع في 1976. كانت تشيانغ تشنغ زوجة ماو تسي تونغ قائدة للثورة الثقافية التي انتهت بموت الآلاف من أبناء الشعب الصيني.
بين الثقافة والفوضى :
في مقال بعنوان (الثقافة والفوضى) (1869) ، عرض الشاعر والناقد الإنجليزي ماتثيو أرنولد للخطر الذي سماه "الخلط بين الثقافة والفوضى" ، وقد قام أرنولد بتشخيص المجتمع البريطاني باعتباره يتكون من ثقافات عدة قسمها بحسب التوزيع الطبقي الذي جعله من ثلاثة طبقات عامة: أولاً : البربر (الطبقة العليا) ، وثانياً : الانتهازيون (الطبقة الوسطى) و ثالثاً : الرعاع (الطبقة العاملة). وأن لكل من هذه الطبقات خصوصيتها ولغتها وأجوائها وطموحاتها ، وقد أردف قائلاً أنّ الأمل في المجتمع الصادق يكمن في تأثير أهل الثقافة على المجتمع ، وتأثير المدافعون عن الجمال والحقيقة على مجتمعهم بل وقد اعتبرهم "الرسول الحقيقي للمساواة الاجتماعية".
التوزيع الجغرافي للثقافة :
في العادة تكون منطقة الثقافة إقليماً جغرافاًي يعيش فيه سكان يشتركون في سمات ثقافية متشابهة ، وأنماط من البيئة الثقافية ، وطرائق حياة متماثلة. السمات الثقافية تتضمن أي شيء له شكل مادي ، ووظيفة معلومة ، وقيمة متعارف عليها عند المجموعة الثقافية الواحدة. هذا ويمكن تصنيف أنماط السلوك الثقافي باعتبارها مؤسسات اجتماعية تمتلك كل وسائل التحكم في المجتمع ، وتمتلك ما يحكم التفاعل الداخلي بين أعضائها ؛ وهى مؤسسات أيديولوجية تتضمن كُليةُ المعرفة والمعتقد الذي تشترك فيه الثقافة ووسائلها بغرض الاتصال ؛ وهى مؤسسات تقنية تتضمن كل الأدوات والمهارات والقدرات التكنولوجية ؛ وهى التوجهات الراسخة ، والعواطف ، والمفاهيم التي تتضافر لتؤثر على السلوك الإنساني.
لا يعمل أي من هذه العوامل منفرداً ؛ بل على العكس ، حيث يؤثر كل واحد منها على العوامل الأُخرى في مثيلها من المؤسسات الثقافية العالمية مثل مؤسسة الدين ، والنظم السياسية والاقتصادية ، وتلك الوسائل التي يحاول المجتمع بها أن يحافظ على الاستقرار الداخلي ، ويدافع بها عن نفسه ضد التهديدات الحقيقية أو المتوقعة ، ويبقي على ذاته باستخدامه مصادر بيئية مادية. ترتبط البيئة الثقافية بالعلاقة الجلية التي تفرزها الثقافة ، مع البيئة الطبيعية المحيطة بالثقافة. وتتباين عناصر الأرض في طبيعتها ، ووفرتها ، وطرق الوصول إليها ، وتوزيعها الجغرافي ، ومثل ذلك تماماً تكون أهمية هذه العناصر لكل ثقافة ، وتكون هذه الأهمية نسبية بطبيعة الحال. وبمجرد أن يتم التعرف على عناصر بيئية مفيدة أو قيمة تصبح هذه العناصر مصدراً طبيعياً.
وتصبح المجتمعات الإنسانية بقيادة أنظمتها الثقافية عوامل بيئية فاعلة. وبما أن المجتمعات الإنسانية تستخدم وتعدلعاداتها بوسائل ثقافية متباينة ، فمن الممكن أن تبرز أنماط واضحة ذات طابع ثقافي مميز ، ومن بين هذه الأنماط المرئية نماذج تقسيم الأرض واستخدامها ، والاستيطان ، والتنقل بوسائل مواصلات ، و استغلال المصادر ، وفن العمران ، وزراعة النباتات وتربية الحيوانات ، وتطبيق القيم الأخلاقية.
قام علماء انثروبيولوجيا وجغرافيون وعلماء اجتماع آخرين باستخدام مفهوم منطقة الثقافة (جغرافية الثقافة) كوسيلة للتعرف على ، وتصنيف ، وفهم أفضل للثقافة الإنسانية في بُعدٍ مكاني معروف. ورغم أن ثمة محاولات تمت للتعرف على منطقة الثقافة على مستوى كوني ، إلا أنّ معظم الأدباء ينوون أنْ يُعرفوا منطقة الثقافة في إطار عالمي ، أو ربما في إطار أصغر، في أقاليم جغرافية. وبسبب الاختلاف الكبير في الممارسة الثقافية في كل العالم ، فانه غالباً ما يختلف الأُدباء على العدد والتوزيع المكاني الدقيق لمنطقة الثقافة. تم تعريف المناطق الأساسية للثقافة على أنها مجموعٌ متشابكٌ مِنْ السمات التي تتطور تطوراً كاملاً ، وهى منفصلة الواحدة عن الأُخرى بمناطق انتقالية للاختلاط الثقافي (التوزيع الإقليمي للثقافة).
في أبسط أوليات مناطق الثقافة يمكن تعريف واقع الثقافة في إرهاصاته الأولى ، ومن ثم في مراحله الثانية ، وغالباً الثالثة. منطقة الثقافة الأوروبية ، على سبيل المثال ، يمكن أنْ تقسم بسهولة إلى ما لا يقل عن ثلاثة مناطق ثقافية فرعية وهى: البحر المتوسط ، والشمال الغربي ، والشمال الشرقي ، وكل واحدة منها له أحزمة محيطة انتقالية. ويمكن عمل تمايز ثقافي إضافي على أساس العرق (القومية) وعلى أساس الكتل اللغوية التي توجد في كل مكان. وربما أن أوروبا أفضل من أي إقليم رئيسي آخر في تبسيط مفهوم الدولة/الأُمة ؛ معظم الدول الأوروبية تحمل اسم اللغة المهيمنة أو المجموع العرقي السائد ، فعلى سبيل المثال ، إنجلترا إنجليز ، وفنلندا فنلنديون ، وفرنسا فرنسيون.
الحواجز الثقافية غالباً تتصادف مع الحواجز الطبيعية التي تفصل بين السكان البشريين. هذه الموانع هي أجسام من المياه ، وسلاسل جبال ، و صحاري ، وأراض واسعة وممتدة غير مأهولة. والحواجز الاجتماعية ، والسياسية ، والدينية ، والحواجز التاريخية يمكن أن تحفظ أيضاً ، ليس بالموانع الطبيعية ولكن بشكل منفرد على أساس الالتصاق القوي من مجموعة واحدة أو من كُلٍ المجموعتين من أجل طريقة تقليدية في الحياة.
منذ القرن السادس عشر تغير التمدد الكوني للثقافة الأوروبية ، إذا لم تكن تلك الثقافة قد مسحت العديد من الأنماط الثقافية القومية وريفها.
في الأمريكيتين ، على سبيل المثال ، يصعب أنْ تجد أمثلة لم تتغير من ثقافة السكان الأصليين ؛ بل لأكثر مرارة أن الثقافات الأوروبية والايبيرية (ثقافة إسبانيا والبرتغال) تهيمن على الثقافة الأُم. و مع وسائل النقل ووسائل الاتصال المتطورة ، والتعليم الرسمي ، والتجارة ، والنشاط العسكري ، وجهود دعاة التبشير ، وبرامج المساعدات ، تم تسهيل الهجرة المباشرة ، ظهرت نماذج غير مباشرة من الانتشار الثقافي ، وقد ساهمت كل هذه المؤثرات الهائلة في تغيير الممارسات الثقافية التقليدية في معظم أنحاء العالم تقريباً.
ضعف الثقافة وهوانها :
الهوان والضعف الثقافي هو جانب ثقافي يجيء من الماضي ثم يصعب المحافظة عليه مع طرق الحياة المعاصرة. وفي عملية التغير الثقافي نرى بعض العوامل التي تتغير ببطء أشد من عوامل أُخرى تنوي البقاء في المجتمع حتى بعد أنْ تكون عناصر منطقية وكافية قد تطورت لتحل محلها. غالباً ما ينتج الهوان والضعف الثقافي عن حواجز طبيعية واقتصادية متوافرة في مناطق بعيدة.
الاعتماد على مصباح الكيروسين ، على سبيل المثال ، يثابر خارج مناطق تُضاء بالكهرباء ، وحتى في بعض المدن حيث لا يستطيع سكان الأحياء الفقيرة جداً أنْ يوفروا خط كهرباء أو أنْ يدفعوا فاتورة الكهرباء. بعض الهوان والضعف الثقافي لم يعد له أي وظيفة مفيدة وينتج عن مجرد عادات متأصلة. من هوان وضعف الثقافة الخمول ، ونمطية الأسلوب (مثلاً استخدام أزرار الأكمام المعطف). ومن هوان وضعف الثقافة أيضاً العباءات الأكاديمية التي تُلبس عند التخرج من الجامعة أو من دورة دراسية ، وهى عباءات يتم المحافظة عليها من أجل الوظيفية الاحتفالية التي يريدونها. وفي العام 1922م ولأول مرة جاء عالم الاجتماع ويليام ف أوغبيرن بتعبير "الهوان والضعف الثقافي".
الصدمة الحضارية :
يستخدم علماء الاجتماع تعبير الصدمة الحضارية لوصف الشعور بالكآبة ، التي تظهر في صورة الحنين إلى الوطن في أوائل أيام الغربة، وهو شعور يسببه العيش في بيئة أجنبية ذات ثقافة مغيرة للثقافة التي تربى فيها ذلك الفرد ، ويتزايد ذلك الشعور عند الاصطدام بلغة أجنبية غير معروفة ومفاهيم ثقافية غريبة وعادات وتقاليد مغايرة لتي يعيش فيها هذا المغترب أصلاً، ويبدو ذلك الشعور حتى لو كان مفهوم المغترب للثقافة الجديدةً ضعيفاً ومختلطاً برموز مختلفة تتعلق بالسلوك ، وبأطعمة غير مألوفة ، وحتى بمحيط مادي غير مألوف ، وربما ينظر المسافر أو القاطن الجديد إلى الناس والسلوك الذي لم يعتاد عليه ، نظرة ليس لها مذاق ، وأحياناً ينظر إليها بخوف وتوجس. و يتم تجاوز الصدمة الثقافية إذا ما تم التعرف عليها بهذا المعنى. و قد يحدث أيضاً أنْ يمر الناس بصدمة ثقافية معاكسة عندما يعودون إلى مجتمعهم المحلي بعد أن يمضوا عدة شهور أو سنين بعيداً عنه خاصة إذا انتقلوا من مجتمع تتوافر فيه سبل حياة الرغد و الرفاهية إلى مجتمع إحدى دول العالم الثالث.
**************************************************
تنتشر وتتطور عناصر الثقافة من مجتمع إلى مجتمع بالاتصال المباشر أو غير المباشر بين الأفراد و الجماعات أو الجماعات والجماعات ، وبعملية يمكن تسميتها بالانتشار. بعد أنْ وصل المستكشفون الأوروبيون إلى أقصى الشرق والى الأمريكيتين في القرن الخامس عشر ، استُعيرت استعارة واسعة عناصر ثقافية من قارات مختلفة في كل العالم. وجيء بمحاصيل زراعية جديدة من الأمازون إلى إفريقيا ، والعكس صحيح.
وضمن التطور المتواصل في وسائل الاتصال وسُبلْ السفر ، ازداد تبادل عناصر الثقافة ازدياداً مطردا. ومع ذلك مازالت هناك اختلافات ثقافية كبيرة قائمة ليس فقط بين بعض الأمم بل أيضاً بين مجموعات عرقية وأُخرى غير عرقية بحسب الإقليم. وعلاوة على ذلك ، لا تنتشر كل عناصر الثقافة بنفس السرعة والسهولة. يميل الأفراد إلى الأسهل والأيسر والأنجع بغض النظر عن الأصل.
ومع ذلك يكون النظام السياسي ، أو الديني ، نموذجاً مثالياً لما هو جميل وبالتالي يكون أكثر قدرة على الانتشار من الجوانب المادية للثقافة. الثورة الثقافية الاشتراكية التي قام بها في الصين ماو تسي تونغ ، بدأت في 1966، في محاولة لإعادة إحياء الغيرة والحس الثوري في الصين. في ذلك الحين نظم الطلبة الراديكاليون ودربوا الحرس الأحمر وسيروا المظاهرات وقادوا الشارع الصيني مراراً وتكراراً في الهجوم العنيف على "الأربعة القدماء" وهى: الأفكار القديمة ، والثقافة القديمة ، والقيم الاجتماعية القديمة ، والعادات القديمة. وخلال الحملة الشاملة على المثقفين وما هو مستجلب من خارج الصين مما أعتبر من الأشياء الأجنبية ، أُتهم هؤلاء بأنهم "عناصر قديمة" بحاجة إلى "إصلاح"، وأُجبروا على القيام بعمل سنوي وتم إذلالهم جماهيرياً في "مقابلات نضالية". وفي 1968 عندما صارت الصين على شفا حرب أهلية ، وذلك عندما حاربت الفصائل الراديكالية بعضها البعض ، تم عندها إلغاء الحرس الأحمر ، وتم إحضار الجيش ليفرض النظام بينما الثورة تتواصل. لقد دَمرت الثورة الثقافية مصداقية وأخلاق الحزب الشيوعي. وانتهت الثورة رسمياً في 1969 لكن العديد من وسائلها ظل متواصلاً حتى موت ماو تسي تونع في 1976. كانت تشيانغ تشنغ زوجة ماو تسي تونغ قائدة للثورة الثقافية التي انتهت بموت الآلاف من أبناء الشعب الصيني.
بين الثقافة والفوضى :
في مقال بعنوان (الثقافة والفوضى) (1869) ، عرض الشاعر والناقد الإنجليزي ماتثيو أرنولد للخطر الذي سماه "الخلط بين الثقافة والفوضى" ، وقد قام أرنولد بتشخيص المجتمع البريطاني باعتباره يتكون من ثقافات عدة قسمها بحسب التوزيع الطبقي الذي جعله من ثلاثة طبقات عامة: أولاً : البربر (الطبقة العليا) ، وثانياً : الانتهازيون (الطبقة الوسطى) و ثالثاً : الرعاع (الطبقة العاملة). وأن لكل من هذه الطبقات خصوصيتها ولغتها وأجوائها وطموحاتها ، وقد أردف قائلاً أنّ الأمل في المجتمع الصادق يكمن في تأثير أهل الثقافة على المجتمع ، وتأثير المدافعون عن الجمال والحقيقة على مجتمعهم بل وقد اعتبرهم "الرسول الحقيقي للمساواة الاجتماعية".
التوزيع الجغرافي للثقافة :
في العادة تكون منطقة الثقافة إقليماً جغرافاًي يعيش فيه سكان يشتركون في سمات ثقافية متشابهة ، وأنماط من البيئة الثقافية ، وطرائق حياة متماثلة. السمات الثقافية تتضمن أي شيء له شكل مادي ، ووظيفة معلومة ، وقيمة متعارف عليها عند المجموعة الثقافية الواحدة. هذا ويمكن تصنيف أنماط السلوك الثقافي باعتبارها مؤسسات اجتماعية تمتلك كل وسائل التحكم في المجتمع ، وتمتلك ما يحكم التفاعل الداخلي بين أعضائها ؛ وهى مؤسسات أيديولوجية تتضمن كُليةُ المعرفة والمعتقد الذي تشترك فيه الثقافة ووسائلها بغرض الاتصال ؛ وهى مؤسسات تقنية تتضمن كل الأدوات والمهارات والقدرات التكنولوجية ؛ وهى التوجهات الراسخة ، والعواطف ، والمفاهيم التي تتضافر لتؤثر على السلوك الإنساني.
لا يعمل أي من هذه العوامل منفرداً ؛ بل على العكس ، حيث يؤثر كل واحد منها على العوامل الأُخرى في مثيلها من المؤسسات الثقافية العالمية مثل مؤسسة الدين ، والنظم السياسية والاقتصادية ، وتلك الوسائل التي يحاول المجتمع بها أن يحافظ على الاستقرار الداخلي ، ويدافع بها عن نفسه ضد التهديدات الحقيقية أو المتوقعة ، ويبقي على ذاته باستخدامه مصادر بيئية مادية. ترتبط البيئة الثقافية بالعلاقة الجلية التي تفرزها الثقافة ، مع البيئة الطبيعية المحيطة بالثقافة. وتتباين عناصر الأرض في طبيعتها ، ووفرتها ، وطرق الوصول إليها ، وتوزيعها الجغرافي ، ومثل ذلك تماماً تكون أهمية هذه العناصر لكل ثقافة ، وتكون هذه الأهمية نسبية بطبيعة الحال. وبمجرد أن يتم التعرف على عناصر بيئية مفيدة أو قيمة تصبح هذه العناصر مصدراً طبيعياً.
وتصبح المجتمعات الإنسانية بقيادة أنظمتها الثقافية عوامل بيئية فاعلة. وبما أن المجتمعات الإنسانية تستخدم وتعدلعاداتها بوسائل ثقافية متباينة ، فمن الممكن أن تبرز أنماط واضحة ذات طابع ثقافي مميز ، ومن بين هذه الأنماط المرئية نماذج تقسيم الأرض واستخدامها ، والاستيطان ، والتنقل بوسائل مواصلات ، و استغلال المصادر ، وفن العمران ، وزراعة النباتات وتربية الحيوانات ، وتطبيق القيم الأخلاقية.
قام علماء انثروبيولوجيا وجغرافيون وعلماء اجتماع آخرين باستخدام مفهوم منطقة الثقافة (جغرافية الثقافة) كوسيلة للتعرف على ، وتصنيف ، وفهم أفضل للثقافة الإنسانية في بُعدٍ مكاني معروف. ورغم أن ثمة محاولات تمت للتعرف على منطقة الثقافة على مستوى كوني ، إلا أنّ معظم الأدباء ينوون أنْ يُعرفوا منطقة الثقافة في إطار عالمي ، أو ربما في إطار أصغر، في أقاليم جغرافية. وبسبب الاختلاف الكبير في الممارسة الثقافية في كل العالم ، فانه غالباً ما يختلف الأُدباء على العدد والتوزيع المكاني الدقيق لمنطقة الثقافة. تم تعريف المناطق الأساسية للثقافة على أنها مجموعٌ متشابكٌ مِنْ السمات التي تتطور تطوراً كاملاً ، وهى منفصلة الواحدة عن الأُخرى بمناطق انتقالية للاختلاط الثقافي (التوزيع الإقليمي للثقافة).
في أبسط أوليات مناطق الثقافة يمكن تعريف واقع الثقافة في إرهاصاته الأولى ، ومن ثم في مراحله الثانية ، وغالباً الثالثة. منطقة الثقافة الأوروبية ، على سبيل المثال ، يمكن أنْ تقسم بسهولة إلى ما لا يقل عن ثلاثة مناطق ثقافية فرعية وهى: البحر المتوسط ، والشمال الغربي ، والشمال الشرقي ، وكل واحدة منها له أحزمة محيطة انتقالية. ويمكن عمل تمايز ثقافي إضافي على أساس العرق (القومية) وعلى أساس الكتل اللغوية التي توجد في كل مكان. وربما أن أوروبا أفضل من أي إقليم رئيسي آخر في تبسيط مفهوم الدولة/الأُمة ؛ معظم الدول الأوروبية تحمل اسم اللغة المهيمنة أو المجموع العرقي السائد ، فعلى سبيل المثال ، إنجلترا إنجليز ، وفنلندا فنلنديون ، وفرنسا فرنسيون.
الحواجز الثقافية غالباً تتصادف مع الحواجز الطبيعية التي تفصل بين السكان البشريين. هذه الموانع هي أجسام من المياه ، وسلاسل جبال ، و صحاري ، وأراض واسعة وممتدة غير مأهولة. والحواجز الاجتماعية ، والسياسية ، والدينية ، والحواجز التاريخية يمكن أن تحفظ أيضاً ، ليس بالموانع الطبيعية ولكن بشكل منفرد على أساس الالتصاق القوي من مجموعة واحدة أو من كُلٍ المجموعتين من أجل طريقة تقليدية في الحياة.
منذ القرن السادس عشر تغير التمدد الكوني للثقافة الأوروبية ، إذا لم تكن تلك الثقافة قد مسحت العديد من الأنماط الثقافية القومية وريفها.
في الأمريكيتين ، على سبيل المثال ، يصعب أنْ تجد أمثلة لم تتغير من ثقافة السكان الأصليين ؛ بل لأكثر مرارة أن الثقافات الأوروبية والايبيرية (ثقافة إسبانيا والبرتغال) تهيمن على الثقافة الأُم. و مع وسائل النقل ووسائل الاتصال المتطورة ، والتعليم الرسمي ، والتجارة ، والنشاط العسكري ، وجهود دعاة التبشير ، وبرامج المساعدات ، تم تسهيل الهجرة المباشرة ، ظهرت نماذج غير مباشرة من الانتشار الثقافي ، وقد ساهمت كل هذه المؤثرات الهائلة في تغيير الممارسات الثقافية التقليدية في معظم أنحاء العالم تقريباً.
ضعف الثقافة وهوانها :
الهوان والضعف الثقافي هو جانب ثقافي يجيء من الماضي ثم يصعب المحافظة عليه مع طرق الحياة المعاصرة. وفي عملية التغير الثقافي نرى بعض العوامل التي تتغير ببطء أشد من عوامل أُخرى تنوي البقاء في المجتمع حتى بعد أنْ تكون عناصر منطقية وكافية قد تطورت لتحل محلها. غالباً ما ينتج الهوان والضعف الثقافي عن حواجز طبيعية واقتصادية متوافرة في مناطق بعيدة.
الاعتماد على مصباح الكيروسين ، على سبيل المثال ، يثابر خارج مناطق تُضاء بالكهرباء ، وحتى في بعض المدن حيث لا يستطيع سكان الأحياء الفقيرة جداً أنْ يوفروا خط كهرباء أو أنْ يدفعوا فاتورة الكهرباء. بعض الهوان والضعف الثقافي لم يعد له أي وظيفة مفيدة وينتج عن مجرد عادات متأصلة. من هوان وضعف الثقافة الخمول ، ونمطية الأسلوب (مثلاً استخدام أزرار الأكمام المعطف). ومن هوان وضعف الثقافة أيضاً العباءات الأكاديمية التي تُلبس عند التخرج من الجامعة أو من دورة دراسية ، وهى عباءات يتم المحافظة عليها من أجل الوظيفية الاحتفالية التي يريدونها. وفي العام 1922م ولأول مرة جاء عالم الاجتماع ويليام ف أوغبيرن بتعبير "الهوان والضعف الثقافي".
الصدمة الحضارية :
يستخدم علماء الاجتماع تعبير الصدمة الحضارية لوصف الشعور بالكآبة ، التي تظهر في صورة الحنين إلى الوطن في أوائل أيام الغربة، وهو شعور يسببه العيش في بيئة أجنبية ذات ثقافة مغيرة للثقافة التي تربى فيها ذلك الفرد ، ويتزايد ذلك الشعور عند الاصطدام بلغة أجنبية غير معروفة ومفاهيم ثقافية غريبة وعادات وتقاليد مغايرة لتي يعيش فيها هذا المغترب أصلاً، ويبدو ذلك الشعور حتى لو كان مفهوم المغترب للثقافة الجديدةً ضعيفاً ومختلطاً برموز مختلفة تتعلق بالسلوك ، وبأطعمة غير مألوفة ، وحتى بمحيط مادي غير مألوف ، وربما ينظر المسافر أو القاطن الجديد إلى الناس والسلوك الذي لم يعتاد عليه ، نظرة ليس لها مذاق ، وأحياناً ينظر إليها بخوف وتوجس. و يتم تجاوز الصدمة الثقافية إذا ما تم التعرف عليها بهذا المعنى. و قد يحدث أيضاً أنْ يمر الناس بصدمة ثقافية معاكسة عندما يعودون إلى مجتمعهم المحلي بعد أن يمضوا عدة شهور أو سنين بعيداً عنه خاصة إذا انتقلوا من مجتمع تتوافر فيه سبل حياة الرغد و الرفاهية إلى مجتمع إحدى دول العالم الثالث.
**************************************************