على مفترق طرق، أجدني أمام مشروعين عملاقين، كل منهما عكس الآخر وضد الآخر تمامًا، المشروع الأول: هو مشروع كتاب "نبي الخراب" Prophet Of Doom للمؤلف كريك ونن Craig Winn الذي وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بقاطع طريق استعمل -حسب زعمه العنف والغدر للوصول إلى الحكم والسلطة، وكان أيضا حسب زعم المؤلف شاذًا جنسًيا!..و الكتاب نال دعمًا من أحد رجال الأعمال المعادين للإسلام، والكتاب حقق شهرة كبيرة!! وقد تم ترجمته إلى أكثر من لغة، وتم دتشين موقع إلكتروني للترويج للكتاب، والموقع هو الآخر يحمل بالطبع اسم الكتاب Prophet Of Doom.
أما المشروع الثاني: فهو مشروع كتاب "نبي الرحمة " الذي شارك فيه مجموعة من الكتاب والباحثين، منهم الدكتور فريد عبد الخالق، ذلك الكتاب الذي نال رعاية ومشاركة نخبة من علماء الأمة، ونشرت عنه بعض الصحف العربية، لحشد الدعم المالي والإعلامي له من أجل طباعة مليون نسخة بعدة لغات حية، ولتوصيل نسخ منه إلى الساسة والمثقفين والإعلاميين الغربيين، لعلهم ينتهون!
وثمة عدة ملاحظات استوقفتني أثناء مشاركتي في حملة دعم مشروع نبي الرحمة والذي لا زال في طور البداية لحشد المسلمين نحوه -:
أولاً: وجود رجال أعمال غربيين معادين للإسلام ولنبي الإسلام، ينفقون أموالهم بسخاء على مشاريع إعلامية تسيء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمنهم من شارك على سبيل المثال لا الحصر - في دعم كتاب نبي الخراب كما قلت، ومنهم من ساهم في نشر كتيب كاريكاتيري، مسيء لخير البرية، اسمه: "محمد: صدق و إلا"، لحساب رسام استعمل اسم مستعار وهو "عبد الله عزيز"، والكتيب عبارة عن 26 صفحة، يتناول السنة النبوية بشكل مهين جدًا، بهدف إقناع السود الأمريكين بعدم التحول إلى الإسلام، وقد قامت شركة دار نشر القمر CRESCENT MOON PUBLISHING، الأمريكية، بنشر هذا الكتيب على نطاق واسع داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
في حين كانت الاستجابة ضعيفة جدًا من رجال أعمال مسلمين نحو مشروع كتاب "نبي الرحمة".. لقد عرضنا مشروع كتاب نبي الرحمة على أكثر من خمسين ثري من أثرياء مدينة الإسكندرية وحدها كلهم أصحاب شركات ومصانع- فلم يستجب واحد منهم! ولم يخرج منهم للمشروع "جنيه واحد".. !
اللهم إلا دعم الأصدقاء المشكور، وبذلهم وتعاونهم معنا.. وإن كان محدودًا على أي حال.
ثانيًا: عندما تم الإعلان عن مشروع المليون نسخة من "كتاب نبي الرحمة"، وتم إرسال خبر المشروع وفكرته إلى الصحف والمجلات والمواقع.. كانت الاستجابة من إعلامنا العربي هي الأخرى ضعيفة، شأنها شأن بخل رجال الأعمال المصريين -إلا ما رحم ربك -، لقد تجاهلت جل الصحف والمواقع خبر الإعلان عن المشروع، باستثناء صحيفة الراية القطرية ومجلة المجتمع الكويتية وموقع ليبيا المستقبل وموقع هدى الإسلام وعدة مواقع إسلامية أخرى..
في حين لو كتبت في أحد محركات البحث كلمة " Prophet Of Doom" اسم الكتاب المسيء لوجدت ذلك الكم الهائل للمواقع والصحف والمجلات التي دعمت الكتاب إعلاميًا، ونشرت قضيته في الإعلام الغربي على أوسع مساحة.. ومن ثم أدعوك أخي القارئ الكريم -بدوري لكتابة كلمة " كتاب نبي الخراب" لترى الفرق بنفسك!
ثالثًا: جاءتنا على البريد الإلكتروني كثير من ردود الفعل المشجعة وأخرى المحبطة، خاصة عندما نتلقى رسالة إلكترونية من أحد الكتاب المعروفين، تسفه مشروعنا، وتثني من عزيمتنا، ويبرهن الكاتب على سفاهة المشروع بحجة أن الكتاب لن تصل رسالته إلى الغرب ولن يؤثر في المعادين قيد أنملة..
قلت: إن الباحثين والمفكرين في بلاد الغرب لا يفكرون بهذه الطريقة، لأنهم يمتثلون لمثل شهير يقول: إن ساطورًا حادًا لن يخرق الصخرة معشار ما تفعله نقطة مياه متتابعة.
ولعمري، كيف نُطالب أنفسنا بعدم الكتابة الموجهة للغرب ونحن أمة القرآن ورسالة الإسلام العالمية..
وآخر يقول: حملة لدعم طباعة مليون نسخة لكتاب ورقي؟! إن الشعب الجائع، لعله يقصد الشعب المصري!، أولى بهذه الأموال من رسول الله الذي ذهب إلى جوار ربه.. !
قلت في نفسي: لقد جوع أعداء الإسلام عقول وبطون المسلمين على حد سواء، فلنصلح ما يمكن إصلاحه، بيد أن العار كل العار أن تمتلئ البطون أو نركن إلى الدعة ورغد العيش ورسول الله يُسب صباح مساء بلا الغرب.
رابعًا: كانت ردود أفعال الشباب ممن يعشقون التطوع والعمل الخيري غاية في الروعة، وآية في السمو والتجرد والإخلاص.. فمن هذه النماذج التي هزتنا وأثرت فينا:
ذلك الشاب الذي يعمل مترجمًا والذي أرسل لنا رسالة إلكترونية ليفصح عن رغبته في تبني ترجمة الكتاب إلى إحدى اللغات، وبالفعل تم إرسال نسخة إلكترونية من الكتاب إلى بريده، فطفق يترجم الكتاب ويرسل لنا جزءًا بعد جزء من المادة المترجمة..
والغريب في الأمر أن هذا الشاب أو الشخص لا نعرف "أصله ولا فصله" فقد رفض أن يفصح لنا عن اسمه أو أي بيانات عنه..فقط يطلب منا عرض المادة المترجمة على أحد المختصين ليقيمها، ليجدها ترجمة على أعلى مستوى وأغنى خبرة.. !
ومثل هذه النماذج كان لها كبير الأثر وجسيم الخبر في رفع معنوياتنا، وشحذ همتنا..
وبين "نبي الخراب" و "نبي الرحمة"، تبقى العناية الإلهية التي تقرر مبدأ: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) يونس: 81، وعن حال الذي ينفقون أموالهم في الباطل يقول عز من قائل: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) الأنفال: 36.