الحلقة الأخيرة
استيقظت
من نومى وأنا أعانى من الام متفرقة فى كل جسدى تقريبا لم أنم طوال الليل
..ظللت أتقلب ولم أستطع النوم الا لدقائق معدودة كما هو حالى من عدة أيام
وأبكى فى كل حركة من ثقل جسدى حتى انى كل يوم اتمنى ان ألد فى نفس اليوم
لأتخلص من هذا العذاب ...
.سبحان
الله وكأن التعب يزداد فى الأيام الأخيرة كى تتغلب الأم على خوفها من
الولادة وتتمناها أن تحدث .......آه أكاد أموت من الرعب عندما أتخيل هذه
الساعات وأقرأ دوما سورة الزلزلة وبعض آيات الرعد وفاطر التى تساعد على
تيسير الولادة كما قالوا لى ....
ولا
ترحمنى أى واحدة من قريباتى عندما أخبرها بخوفى من الولادة بل تقص على قصص
مرعبة عن أنها كادت تموت والأخرى التى تمزقت من الألم لساعات طويلة
.....والثالثة التى كادت تقتل الطبيب والممرضات .....ايه يا جماعة الرعب
ده ؟ طيب أعمل ايه يعنى أفضل حامل على طول ولا أعمل ايه ؟.......... ايه
ده عمر بيصرخ كده ليه ؟
- سارة سارة سارة .........تعالى بسرعة !!
- هرولت اليه ولكن بسرعة السلحفاة طبعا وانا اهتف : مالك يا عمر خير ؟
- أنا مش مصدق نفسى يا سارة بجد مش مصدق .......
- ايه يا عمر فيه أيه أنا ولدت وأنا مش واخدة بالى ؟
- فأجاب وقلبه يكاد يتوقف من الفرحة : لا فاكرة الشركة اللى صممت لها المشروع ؟ ولم يختاروه ؟
- فرددت بتململ وأنا أخشى من فتح هذا الموضوع : مالها ؟ عاوزين ايه ؟
-
اتصلوا بى وقالوا ان فيه مقابلة النهاردة الساعة 6 مساء لأصحاب التصميمات
المتميزة اللى ما فازتش لأختيار مهندسين للتعيين فى الشركة بمرتب كبير
.....
- فنسيت تعبى وارهاقى وهتفت : بجد ؟ ...ودى فيها مميزات أحسن من شركتك ؟
-
انتى بتهرجى مفيش مقارنة طبعا دى ضعف الراتب وأكثر... وكمان بالدولار
والأهم من كده ان نظام الترقية فيها زى كل الشركات متعددة الجنسيات
بالمجهود مش بالأقدمية زى عندنا..... يعنى ممكن فى خلال شهور أكون مدير
تنفيذى مثلا ...بجد مش مصدق نفسى ... أدعى لى يا وش الخير ....
-
ربنا يكرمك ويوفقك .....ان الله لايضيع أجر من أحسن عملا .......ان شاء
الله حيختاروك ده رزق يحيى مش وشى أنا ...يالا قوم صلى ركعتين قضاء حاجة
لله قبل ما تروح واتكل على الله ......ربنا وكيلك ومش ح يضيعك أبدا .......
وانصرف
ليصلى ويستعد للخروج وأنا أدعو الله له ..... وفجأة شعرت بضربة ألم حادة
تشمل جسدى كله وتتركز فى منطقة الرحم وكاد توازنى أن يختل من شدة الألم
المفاجىء واستمر دقائق مرت على كساعات ثم اختفى تدريجيا وأنا لا أكاد
أستطيع التنفس من شدة الألم حتى بعد ذهابه ....
وحاولت
تناسيه بأن ذهبت لأصلى خلف عمرجماعة كى ندعو الله سويا أن يكرمنا ويكتب
لنا الخير ...وأطال عمر الدعاء بعد الركوع وأنا أؤمن على دعاؤه بكل ذرة فى
كيانى .... ثم سجدنا .......وجاء الألم العاصف مرة أخرى وأنا ساجدة
.........ياالله جسدى يتمزق ولا أقوى حتى على رفع رأسى وكتمت صرخة ألم
كادت تفلت منى ودعوت الله وأنا أبكى وأشعر أنى ضئيلة ولا أقوى على شىء
أمام جند صغير من جنود الجبار ألا وهو الألم .......
ولا أعرف كيف نطقت التشهد الأخيرولكن الألم بدأ فى الاختفاء عند نهاية الصلاة .......واستدار
عمر الى وفزع من شحوب وجهى الرهيب والعرق المتناثر على وجهى وسألنى بجزع :
مالك يا حبيبتى ؟ انتى تعبانة؟ بتولدى ولا ايه ؟
-
ولم أشأ أن أخبره كى لا يضيع فرصة عمره ويبقى بجوارى : لا يا عمر ده
السجود بس بيتعبنى اوى .......بعد كده ح أصلى وأنا قاعدة .....يالا قوم
استعد واتكل على الله
- أرجوكى ياسارة لو تعبانة قولى وأنا أسيب مواعيد الدنيا علشانك
- فحاولت الابتسام وانا أرد عليه: يالا بلاش دلع لسه اسبوع كامل على ميعاد الولادة انا كويسة خالص وحأدخل أنام كمان .......
فصدقنى
وانصرف وأنا أدعو له ....... وما كاد يغلق الباب وراءه حتى عاد الوحش
ثانية و انهمرت دموعى وكدت أتخلى عن شجاعتى المؤقتة وأناديه كى لا يتركنى
وحيدة وهذا الألم يفتت كل ذرة فى جسدى ..........وكتمت أنفاسى فى وسادة
وصرخت بكل قوتى من شدة الألم .......
وانتظرت
حتى اختفى وكلمت أمى وأنا أبكى وقبل أن أشرح لها أى شىء فهمت أنى ألد
وأخبرتنى أنها ستأتى على الفور مع أبى وطلبت منى أن أبدل ملابسى وأحضر
حقيبة المولود وأستعد للذهاب الى المستشفى أول ما يصلون .......
وجريت
قبل أن يأتى الاعصار مرة أخرى وبدلت ملابسى وكنت جهزت حقيبة يحيى من قبل
ولم أنس الآيس كاب واللوشن !!.........آه لا أستطيع حتى الابتسام ...أين
أنت يا عمر كى أحتمى بك من الزلزال الذى يأتينى بلا رحمة ....
-
اين انتى يا سارة ...ياليتك كنتى معى ......دقائق الانتظار قاتلة والجميع
يبدو على وجوههم علامات القلق الشديد ولكن العدد ليس كبير ....يارب يارب
يارب
وأخيييييرا
وصلوا ماما وبابا وأنا تكاد روحى تخرج من حلقى من شدة الألم الذى يزداد
عنفا كل مرة وتتقارب نوباته حتى تكاد تلتحم .........وما ان رآنى أبى فى
هذه الحالة حتى أجهش فى البكاء وضمنى اليه وكأنه يهدهد طفلته الصغيرة التى
ستصبح أما ........أما ماما فكانت متماسكة جدا وكأنها تحولت فجأة الى
طبيبة نساء وهى تسألنى عن مدة الألم وتباعد نوباته وعندما أخبرتها
.....قالت لى بهدوء ( لسه بدرى ....أقعدوا وأنا أعمل لكم شاى .....أصل البكرية بتطول شوية !!!)
فكدت أصرخ ولكن بابا سبقنى وصرخ فيها هو ( يالا على المستشفى بسرعة يمكن يدوها مسكن ولا يريحوها بأى شكل !! )
فردت أمى بسخرية ( مسكن ؟! ليه حتعمل اللوز ؟....أصل الولادة دى .....)
ولم
يمهلها أبى عندما رأى نوبة الألم تجيئنى بلا رحمة حتى لم أستطع الوقوف على
قدمى فحملنى كالطفلة الصغيرة وهرع خارج المنزل وأمى لا تكاد تلاحقه ...
-
يارب ما هذا الاحساس ؟ الله يكون فى عونك يا سارة .......أنا أشعروكأن
مستقبلى كله سيولد من هذا المكان كما ستلد هى ابننا ....آه ما أصعبه من
شعور.....يالله يا مغيث .....
-
يا الله يا مغيث ...يارب أغثنى من هذا العذاب .....علمت الآن لم تمنت
السيدة مريم الموت قبلا عندما جاءتها آلام الولادة وهى خير نساء العالمين
......ماذا سأفعل أنا ؟ الا يوجد سبيل أن يخفت الألم قليلا ؟ قلبى يكاد
يتوقف .......
- قلبى يكاد يتوقف من القلق عند كل سؤال يسأله لى المدير الأجنبى وأتمتم بآيات القرآن وكل الأدعية التى أعرفها .....يارب يارب
-
يارب يارب .....أنا خلاص مش عاوزة أولد رجعت فى كلامى ....لأ حرام حأموت
بجد مش قادرة ........طيب ح أولد أمتى ؟ ولا مجيب ....الدكتورة فحصتنى
وقالت باقى حوالى ساعتين ........ايه ؟ ساعتين كاملتين فى هذا العذاب ؟
.......الدقيقة تسوى دهر كامل ....يارب مش قادرة خلاص .....
-
يااااه مش قادر خلاص على هذا الانتظار المدمر للأعصاب ........المدير
يتفحص السيرة الذاتية الخاصة بى بدقة بعد عشرات الأسئلة الدقيقة .....ثم
ابتسم أخيرا وأخبرنى أن أكون مستعدا للعمل معهم الأسبوع المقبل ....يالله
يكاد نبضى يتوقف من شدة الفرح .....اللهم لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك
وعظيم سلطانك ....وطلبت سارة لأبشرها وأشركها سعادتى .........
فردت
على والدتها وأخبرتنى بأن سارة بتولد فى المستشفى !! ياالله يعنى كانت
تعبانة فعلا قبل ماأنزل وما رضيتش تقول لى علشان ما أضيعش مقابلة العمل !!
وتحملت كل هذا العذاب وحدها من أجلى ؟ يارب كيف أكافىء هذا الملاك ؟
يااااااااااااااااه
أخيرا وصلت المستشفى بعد ما كسرت عشر اشارات واتخانقت مع كل الدنيا علشان
يفتحوا لى الطريق وأكاد أصرخ فى وسط الشارع : مراتى بتولد
يااااااااااااعالم !!
ووصلت
لها لأجدها تحولت الى كتلة ألم .....والعرق الغزير يغطى جبينها و المحاليل
تخترق كل جسدها وأبيها يبكى ويتلو القرآن وأمها تروح وتذهب مع الطبيبة
وتأتى لها بأغراضها ....فلم أتمالك نفسى لما رأيتها وقبلت يديها أمام
الجميع وبكينا سويا .....وهمست فى أذنها بأنى عينت فى الشركة الجديدة
فحمدت الله فى وهن .....
وجاءت الطبيبة تخبرنا أنها ستنقلها الى غرفة العمليات فاستأذنتها أن أكون معها ....فرفضت فى البداية ولما أصرت سارة وبكت وافقت .....
ودخلت
معها وهى تصرخ من الألم العاصف وأنا أشد على يديها وأهمس فى أذنها بكلمات
الصبر والتشجيع وأذكرها بكل لحظاتنا الجميلة التى تشاركناها .......وهى لا
تكاد تعى ما أقول ولكنها تقبض على يدى بكل قوة وكأنها تخشى أن أتركها
ثانية .. وتمر الدقائق طويلة وأنا وهى نكاد نصبح كيانا واحدا صهره الألم
بين يدى الرحمن نسأله أن يرزقنا قطعة منا ....
ويمر
الوقت ثقيلا حتى جاءت البشرى ... صوت بكاء ابننا يشق الكون وكأنه يعلن
للعالم وجوده ....أخذته الطبيبة ولفته بعناية ووضعته فى أحضان سارة
وأحضانى وأخذنا نتفحصه بحنان بالغ وقد زال كل ألم سارة عندما رأته
.......اخذنا نتلمسه غير مصدقين أن رحمة الله وعطاءه تتجسد فى هذا الكائن
مغمض العينين جميل الوجة كأنه أحد الملائكة ....وحملته بحرص وتلوت كلمات
الآذان والقرآن فى أذنيه حتى استكان بين يدى وكأنه يعى نداء خالقه ....
وأخذته سارة وسالت دموعها وهى تتلمس قطعة منها نما بجوار قلبها وقالت بصوت واهن ولكن سعيد : حلو أوى مش كده ياعمر ؟
فرد
الأب بداخلى لأول مرة : تبارك الله أحسن الخالقين .......أجمل كائن رأته
عينى ..... ربنا يخليكوا لى انتى وهو يا أم يحيى يا أغلى انسانة لى فى
الوجود..........