عزَّ وجلَّ. وأساسه التقوى، وهى خوفُ الله ورأسُ الحكمة. وجماعُ كل ذلك،
حُسن اتابع، السيد المكرَّم رسول الله. وأولُ طريق
المتابعة، حُسنُ القدوة، عملا بحديث «إنما الأعمال بالنيَّات» ألا ترون أن
رسول الله، قال لرجلٍ يريد الجهاد فى سبيل الله، وهو يبتغى عرض الدنيا؛
إنه: لا أجرَ له !يْ أخى، أنت أحسن منى. رحمتك ذِلَّةُ
التلقِّى، وأنا أخذتنى سكرةُ التعليم.. أى أخى، إن أنا غلبتُ نفسيَ
المسكينة، وقلتُ لها: علَّمكِ الله وأوجب عليكِ تعليم الإخوان، لأن كاتم
العلم يُلجم بلجام من نار.. قِفى عند حدِّكِ، فربما كان فيهم من هو عند
الله أجلُّ منك، ولكن أخفاه عنك (الله) ليختبرك! وبعد ذلك، سكنتْ ثائرتها
الكاذبة، وعرفتْ قدرها، فلها الحظ الأوفر. وكذلك أنتَ.. أى أخى إن غلبتَ
نفسك وألزمتها التعلُّم، وذبحت الهوى بسكين الاقتداء، وأخذتَ الحكمة
غاضَّاً طرفك عن شرفك وعلمك وحسبك وأبيك ومالك وحالك، فقد فزتَ فوزا عظيما.أى سادة، أنا لستُ بشيخ. لستُ بمقدَّمٍ على
هذا الجمع. لست بواعظٍ. لست بمعلِّم. حُشِرْتُ مع فرعون وهامان، إن خَطَرَ
لى، أنى شيخٌ على أحدٍ من خلق الله. إلا أن يتغمدنى الله برحمته، فأكون
كآحاد المسلمين.. كل الفقراء ورجال هذه الجمعية الغراء، خيرٌ منى. أنا
أعبيد الحقُّ يُقال،
التقى مَنْ صفَّى سِرَّه من كدورات الأكوان، وما رأى لنفسه على غيره
مزية. هكذا كَتَبَ الله وحَكَمَ، وهذا واللهِ خُلُق عبيده، الذين طهَّرهم
من رؤية غيره.أى أخى، أنت غيرٌ، ونفسك غيرٌ، وغيرك غيرٌ.
كُلُّ ما أدركه بصرك، واختلج بشكله وكيفيته سرُّك، فهو غيرٌ. ربُّنا لا
تكيِّفه الأفكار، ولا تدركه الأبصار.. ماذا تريد يا شيخ، يا فقيه، يا من
جمع بين الشأنين؟ تريد أن تَسُبَّ العباد وتبغى عليهم، وأن تعلو وتغلو! ما
هذه واللهِ طريقة نبيِّك، ولا سُنة وليِّك. كان (النبى) إذا نهى عن خُلُق لم يُسَمِّ
فاعلَه، ويقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، أو: ما بال الرجل يقول كذا.. وما
أغلظ رسول الله فى مواعظه بشتمٍ وَسبٍّ، ولا صرَّح باسم أحد، ولا طار، ولا
تسلَّط بقوة المعجزة على الطباع (ولو كنت فظاً غليظ القلب، لانفضُّوا من
حولك).. فإذا وعظتم الناس، إياكم والتصريح. وخذوا بالتلويح. فإن هناك
رائحةَ السُّنة، وشَمَّة النفحة النبوية، وبها واللهِ يُصلح الله القلوب.
أفلا نقول للذى يعجبه علوُّه على الناس، ويحبُّ انقياد الرقاب إليه: خَلِّ
عنك يا مسكين! انقادتْ لك الرقاب وما انقادتْ لك القلوب، متى سقطتَ من
حالك تقلبتْ عنك القلوبُ، وداستْك الأقدام، وبَقِيْتَ أَسْوَدَ الوجه.
التجاوزُ عَلَمُ نقصٍ، ينشر على رأس
صاحبه. يشهد عليه بالدعوى، يشهد عليه بالغفلة، يشهد عليه بالزهو، يشهد
عليه بالحجاب.. الولايةُ ليست بفرعونيةٍ ولا بنمرودية! قال فرعون (أنا
ربكم الأعلى) وقال قائد الأولياء وسيد الأنبياء: «لست بملك ولا جبار، أنا
ابن امرأة من قريش، كانت تأكل القديد».
أى سادة، ما قلتُ لكم إلا ما
فعلتُه وتخلَّقتُ به. فلا حجةً لكم علىَّ. إذا رأيتم واعظاً أو قاصَّاً أو
مدرِّساً، فخذوا منه كلام الله تعالى وكلام رسوله، وكلام أئمة الدين الذين
يحكمون عدلا ويقولون حقاً، واطَّرحوا ما زاد. وإن أتى (الواعظ) بما لم
يأتِ به رسول الله، فاضربوا به وجهه. الحذرَ، الحذرَ، من مخالفة أمر النبى
العظيم. قال تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره، أن تصيبهم فتنةٌ أو
يصيبهم عذابٌ أليم). كان العراق أخَّاذةَ المشايخ، وغيبةَ العارفين. مات
القوم. (فخلف من بعدهم خَلْفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات).
أى
إخوانى، لا تخجلونى غداً بين يدى العزيز سبحانه، وقد سبقكم أصحابُ الأعمال
المرضيات.. عليكم بالأدب، فإن الأدب باب الأَرَب. اللهم اجعلنا ممن
ركَّبْتَ على جوارحهم من المراقبة، غلاظَ القيود. وأقمتَ على سرائرهم من
المشاهدة، دقائقَ الشهود. فهجم عليهم أنسُ الرقيب، مع القيام والقعود
(الصلاة) فنكَّسوا رؤوسَهم وجباهَهم للسجود، وفرشوا لفرط ذلهِّم على بابك،
نواعمَ الخدود. فأعطيتهم برحمتك، غايةَ المقصود.
صحِّح اللهم فيك
مرامنا، ولا تجعل فى غيرك اهتمامنا، وأَذْهِبْ من الشر ما خلفنا وأمامنا..
محمداً عبدك ورسولك قال رضى الله عنه سنة ثمانٍ وسبعين وخمسمائة، قبل وفاته بأيام قلائل، ويقال إنه آخر مجالسه المباركة:الحمد
لله حَمْدَ المعتصمين بحبله.. أَىْ رجال الحضرة، طالما خفقتْ فى مجالسنا
أعلامُ الإرشاد، تحت ظلال قوله تعالى (الذين إن مكنَّاهم فى الأرض أقاموا
الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة
الأمور).. وإنى لأقول كما قال خليل الله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة
والسلام (إنى ذاهب إلى ربى سيهدين، رَبِّ هَبْ لى من الصالحين) أستودعكم
الله، وأسأل الله أن يفتق رتق قلوبكم، بمفتاح الفضل والحكمة.
لكم جل احترامى
فارس الكلمة وملك البيان
وحكيم هذا الزمان][/[/