بدأت بوادر الفتنة في الظهور في أواخر عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه على يَدِ يهودي يُسَمَّى "عبد الله بن سبأ"، وكان أوَّلُ ظهوره في اليمن عام (30هـ)، حيث أظهر الإسلام ولكنَّه طعن فيه بما تَلقَّاهُ من تعاليم المجوسية.
وأخذ يتنقَّل بين بلاد المسلمين ناشرًا أفكاره وآراءه فذهب إلى الحجاز والعراق والبصرة، وكان له اتباع منهم الأشتر النَّخَعِيُّ وحُكَيْم بن جَبَلَة.
ثمَّ انتقل ابنُ سبأ إلى مصر، حيث وجد مناخًا مناسبًا لأفكاره لأن معظم المجاهدين خرجوا إلى الفتوحات في ليبيا وآخرين في السودان، ومَن كان موجودًا إنما هم قِلَّة من المسلمين، فاستطاع أن يجمع حوله قِلَّةً من الناس.
استقرَّ به المقام في مصر وكان لدى ابن سبأ عدد من الأفكار والعقائد الأساسيَّة التي كان يبثُّها في أتباعه ويدعو إليها وينشرها، ومنها (عقيدة الرجعة) المأخوذة عن المجوسية والتي يدَّعي فيها عودة محمد صلى الله عليه وسلم بعد موته و(عقيدة الوصاية)، ويزعم فيها أنَّ أمر النبوَّة منذ آدم وحتى محمد بالوصاية، ويدَّعي فيها أيضًا أن النبي قد أوصي بالأمر لعليٍّ وأَخَذ يُرسل بذلك إلى أهل الأمصار المختلفة.
فتبعه المنافقون والطـامعون في الإمـارة والموتورون، الذين أقام الخليفة الحدَّ على أحدهم فقاموا ضدَّه، وتبعه الجهلة من المسلمين، فبدأ هؤلاء الطعن في الأمراء، ثم وصل إلى الطعن في الخليفة نفسه.
وأعدَّ ابن سبأ قائمة بالطعون في عثمان وأرسلها إلى الأمصار والبُلدان، ووصل الأمر إلى أمراء المسلمين، وإلى الخليفة فأرسل مجموعة من الصحابة يفقِّهون الناس ويعلِّمونهم، ويدفعون عنهم هذه الشبهات، فأرسل محمد بن مَسْلَمَة إلى الكوفة وأسامة بن زيد إلى البصرة، وعمَّار بن ياسر إلى مصر، وعبد الله بن عمر إلى الشام.
وكان أهل الشام أقلَّ الناس تأثُّرًا بهذه الفتنة، لأن معاوية كان يَسُوس الناس بحكمة وحلم، فأحبَّه الناس حبًّا شديدًا، وظهرت الفتنة لأوَّل مرَّة بصورة علنية في الكوفة سنة (33 هـ)، فقد جمع الأشتر النَّخَعي حوله مجموعة من الرجال وبدأ يتحدَّث جهارًا نهارًا عن مطاعن يأخذها على عثمان كلها زورٍ وبهتان.
فأرسل عثمان إلى وُلاته كي يستشيرهم في أمر هذه الفتنة، (معاوية بن أبي سفيان والي الشام، وعبد الله بن عامر والي البصرة، وسعيد بن العاص والي الكوفة، وعبد الله بن أبي سرح والي مصر).
وحضر الولاة الأربعة، وبعد أن عرض عليهم الموقف أشار عبد الله بن عامر أن يشغل الناس بالجهاد حتى لا يتفرَّغوا لهذه الأمور، وأشار سعيد بن العاص باستئصال شأفة المفسدين وقطع دابرهم، وأشار معاوية أن يُرَدَّ كلُّ والٍ إلى مصره فيكفيك أمره.
أما عبد الله بن أبي سرح فكان رأيه أن يتألَّفهم بالمال.
وقد جمع عثمان بين كل هذه الآراء فأخرج بعض الجيوش للغزو وأعطى المال لبعض الناس، وكلَّف كلَّ والٍ بمسئوليَّته عن مصره ولكنه لم يستأصل شأفتهم.
أراد رءوس الفتنة أن يُشعِلوا الأمر أكثر حتى يجتثُّوا الدولة الإسلاميَّة من جذورها فبدءوا يُكثرون الطعن على عثمان، ويكتبون هذه المطاعن المكذوبة والمفتراة ويُرسلونها إلى الأقطار مُوَقَّعَةً بأسماء الصحابة افتراء عليهم، فيُوَقِّعُون الرسائل باسم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والسيدة عائشة.
وكان الثوَّار قد جمعوا أنفسهم من البصرة، والكوفة، ومصر، وبدءوا في التوجُّه ناحية المدينة المنوَّرة، واتَّفقوا على عزل عثمان واختلفوا فيمن يتولَّى الخلافة بعده، فأرادها أهل مصر لعليِّ بن أبي طالب، في حين أرادها أهل الكوفة للزبير بن العوام، وأرادها أهل البصرة لطلحة بن عبيد الله، فلمَّا وصلوا المدينة وعلم المسلمون بقدومهم لهذا الأمر أرسل عثمان لكلِّ فرقة منهم مَن أرادوه خليفة، فذهب عليٌّ لفرقة أهل مصر فزجرهم وعنَّفهم "لقد علم الصالحون أنكم ملعونون على لسان محمد، فارجعوا لا صبَّحكم الله".
وفعل مثله صاحباه طلحة والزبير رضي الله عنهما، فطلب الثوَّار من الثلاثة مقابلة الخليفة لعرض شكواهم عليه، فدخلوا المدينة، والْتَقَوْا بأمير المؤمنين عثمان t، وأخذوا يُناقشونه فيما أخذوه عليه، ثم أخذوا يَعُدُّونَ عليه المآخذ، وهو يردُّ عليهم ويفنِّد مزاعمهم.
واتفق الجانبان على أن بضع مطالب منها، أن يعود المنفيُّ، ويعطى المحروم، وتَسْتَعْمِلُ ذوي الأمانة والقوَّة، وأن تَعْدل في القسمة.
فوافقهم على ما قالوا، وتم تدوينه في كتابٍ، وشرط عليهم عثمان ألاّ يشقُّوا له عصًا، ولا يُفَرِّقوا جماعة المسلمين، وأعطَوْه عهدًا بذلك، وخرجوا من المدينة راضِين.
لكن الفتنة لم تُخْمَد بتحقيق المطالب لأن قادة الفتنة لم يكونوا في الحقيقة طالبين للحقِّ، وإنما متآمرين للفتنة، وللتفريق بين المسلمين، فبدأت الفِرَقُ في العودة حتى انتشرت بعض الرسائل الملفَّقة، منها رسالة مع الفرقة القادمة من مصر، بأن عثمان أَمَر بقتل محمد بن أبي بكر، وأَمَر والِيَه على مصر بقتل رءوس الفتنة، فعاد رءوس الفتنة إلى المدينة من جديد، وحاصروا عثمان في بيته.
وعندما وجد عثمان أن الأمر وصل إلى هذا الحدِّ، وأن اللين لن يُجدي كتب رسائل إلى ولاته في الأمصار أن يرسلوا إليه بالجيوش لحلِّ هذه الأزمة، فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان بالشام، وإلى أبي موسى الأشعري بالكوفة، وإلى والي البصرة، لكن فكرة قتل الخليفة لم تكن قد ظهرت بعدُ، بل ما يطلبونه هو عزله، ولم يُصرِّحوا بكلمة القتل مطلقًا.
ولكنَّهم اقتحموا داره فدخل عليه كنانة بن بشر "الملعون" وحمل السيف وضربه به، فمات شهيدًا يوم 18 من ذي الحجة 35هـ
للامانة الموضوع منقول