كتب د. حيدر عيد
كنت أتمنى و من كل قلبي الا يصل اي من المنتخبين المصري أو الجزائري لنهائيات كأس العالم المزمع اقامتها في جنوب أفريقيا العام القادم. نعم انا (خائن( للقومية العربية و أعلن براءتي من هكذا (وطنية) اذا كانت هذه الوطنية تتجسد في قدمي لاعب كرة قدم او يدي حارس مرمى! و هل معيار الوطنية و الانتماء القومي هو مدى تفاني الواحد منا في عشق حركة قدمي لاعب كرة قدم؟! من تابع عملية الشحن الغير مسبوقة للجماهير الجزائرية و المصرية, و التعبئة التي لا تقارن باي تعبئة سياسية سابقة لا يصاب فقط بالاحباط, بل بغثيان سارتري (نسبة لجان بول سارتر) و الذي يتميز بقرف شديد من احوال سائدة مسيطر عليها و موجهه من قبل طبقات اجتماعيه غير أصيلة لا تجد حرجا على الاطلاق في بيع كل ما هو وطني لمصلحة طبقية ضيقة, و تحويل مفاهيم الانتماء و الوطنية الى هستيريا جماعية متراكمة بشكل متدحرج وصولا للحظة )الحسم التاريخي) 15-11- 2009.
قامت اسرائيل قبل 11 شهرا بالاعتداء السافرعلى قطاع غزة و ارتكاب مجازر غير مسبوقة قتلت خلالها 1500 شهيد معظمهم من المدنيين النساء و الأطفال, و اصابت أكثر من 5000 الكثير منهم أصبح مقعدا مدى الحياة, و دمرت مايعادل 40.000 منزل و مؤسسة. و يعيش الالاف من متضرري هذه الحرب في خيام أطاحت بها رياح الشتاء العاتية الأسيوع الفائت! ماذا كان رد فعل النظام الرسمي العربي المولع بأقدام لاعبي كرة القدم (الأبطال)؟
لا شك ان المقاربة مؤلمة و قاسية و مثيرة للجدل.
اصبحت الجزائر في نظر الكثير من المصريين (متامرة) على سمعة مصر و تجسد نمطا عدوانيا غير مسبوق لمحاولتها الاطاحة بالحلم المصري الذي ناضل المصريون كثيرا لتحقيقه! لمدة اسبوع و المحطات التلفزيونية المصرية تبث الأغاني الوطنية التي تتغنى بام الدنيا التي تنتظر اولادها الأبطال متعب و زيدان و الحضري كي يقومو برد الكرامة التي (مرمطت) في الجزائر. و في الطرف الاخر اصبح شعار فيفا جزائر Viva Algiers الذي الهم الكثيرين في النضال المعادي للكولونيالية الفرنسية, ملهما للأبطال الجدد, و اصبح العلم المصري, و ليس الاسرائيلي (!) يستحق الحرق علانية. أصبح الحديث عن (العداء التاريخي) بسبب كرة القدم مفبول اعلاميا و لا يوجد اي رادع. و بالرغم من التدخل الشكلي لوزراء الخارجية لاظهار ان (الرعاع) يتصرفون بعيدا عن أي مخطط حكومي, فان الماكنة الاعلامية لم تنس دروس مصطفى سعيد (و حتى جوبلز) و قامت, بعد فترة من التعبئة المسعورة ضد جياع غزة الذين تجراوا و اخترقوا (الأمن القومي), بعملية شيطنة جديدة غاية في الغرابة و الاسفاف. أصبح يوم الجمعة 14-11-2009 يوما للدعاء في الصلاة (لأولادنا) بالنصر في هذا اليوم الحاسم و التاريخي!
و تظل غزة منسية!
ان (صناعة الثقافة( الاستهلاكية المتجسدة في الفيديو كليب, أفلام السوق, مسلسلات تتخلل الاعلانات(!) أفلام ألأكشن, الأشاعات الجنسية عن الفنانين, الأغاني الهابطة...الخ و نموها يشكل هائل بعد مرحلة الانقلاب على القيم الثورية الناصرية و الجزائرية بملايين شهدائها, قد وصلت مرحلة من خلق الوعي الزائف الغير مسبوق تجسد يشكل هزلي فيما حدث من تعبئة اعلامية, مدعومة من الطبقات السياسية الحاكمة, أوصلت المواطن البسيط الى ان يمحور حياته في هذه اللحظة من السؤال عن رغيف الخبز و نصرة أهل فلسطين و كسر الحصار الجائر على غزة الى (هل يحقق أبو تريكة الحلم؟ (
و يموت المريض الغزاوي رقم 400 بسبب الحصار الخانق! و في نفس اليوم يستشهد طفل على الحدود الشرقية. رفم جديد لا يقارن بعدد الأهداف المتوقعة.
ان الشرائح الاجتماعية التي استطاعت سلعنة الوطنية و القومية و تحويل التحالف مع الشعب الفلسطيني الى بكاء و عويل لا معنى له ,لأنه لا يترجم الى خطوات عملية, و مشاعر من السهل التعامل معها كشحنة عاطفية تستطيع أقدام 11 لاعبا ان تزيلها. هذه الأقدام لديها القدرة على التعامل مع ما يمكن أن تولده مناظر ال الساموني, أو هدى غالية , أو أطفال دردونة و ايمان حجو. ان الصلوات و التمتمات على شفاه المتفرجين, و حتى السياسيين(!) قبل و خلال المباراة فاقت في (مصداقيثها) و عددها ما صلي لأهل غزة بين 27-12-2008 و 18-1-2009!
يقول جمال محجوب في رباعياته, و كانه لسان حال غزة:
يا ربي حزين أن بينهم
و أنا منهم و مش منهم!