يُحكى أنّ في إحدى المؤسسات التي تخدم مصالح العباد، كان هنالك مدير يُسَيّر هذه المؤسسة بقبضةٍ من حديد، وهو مع ذلك يُؤمن بـ حُرية أي موظفٍ لديه في التعبير عن رأيه بكل صَراحة، حتى وإن كان مُخالفاً لـ هَواه، وكان لدَى هذا المدير مبدأٌ ثابت في أسلوب إدارته، وهو أن الاهتمَام بـ الأشياء البسيطة، حتماً سيقود إلى نجاحات كبيرة، ولو بعد حين.!
في يومٍ ما دخل أحد مكاتب المؤسسة، فوجد مُوظفة تشرب كوباً من الشاي الأحمر، فوجئت الفتاة برؤيته، فـ انزلق منها (كوب الشاي) واندلق على كوُمة الأوراق المَرْصُوصَة أمامها على سطحِ المكْتب، والتي فيها مصالح الكثير من المواطنين، وابتلّ معظمها.!
بعدها مُباشرة أصدر المدير استدعاءات سريعة لكل مُوظفي المُؤسسة لحُضور اجْتماعٍ طارئ ليناقَش فيه أمرٌ مُهم، وأمَر أن تُغلق أبْواب المُؤسسة اليوم من الخارج مَع إلصاق إعْلان للمواطنين يُخبرهم بأن مُوظفي المُؤسسة كُلهم لَديهم اجتماع فوق العادة.!
(2)
بَعد أن جَلَس الجميع في قَاعة الاجتماعات الكُبرى، حَمْحَمَ المدير ثم قال:
- أتدرون ما سبب هذا الإجتماع أيها القوم؟
هزّ الجميعَ رُؤوسهم عَلامة النفي.
أشَار المُدير بأصبعه السّبابة إلى فتاة تَجلس بَعيداً، ثم قال:
-هذه الموظفة إندلق منها كوب الشاي في أوراق المواطنين، ماذا إذا مُسح بسبب هذا رقم شيك أو فاتورة بالملايين .. أمصيبة هذه أم ليس مصيبة؟
هتفوا بصوت واحد:
- مُصيبة!
واصل المدير:
- حسنٌ .. لو أنّ هنالك نقطتان من الشاي استقرّتا أما رقم في مستندات مواطن ما .. وذادت فاتورته مبلغ كبير .. أليست هذه مشكلة؟
هتفوا بصوت واحد:
- مُشكلة!
- إذا أيها القوم .. وحفاظاً على مستندات المواطنين.. وبما لي من صلاحيات.. أنا بصدد إصدار قرار يتم بموجبه عدم شرب الشاي الأحمر في مكاتب المؤسسة.. ما رايكم؟
صَمَتوا بُرهةً، ثم قال أحد الموظفين:
- لكن يا سعادة المدير .. الشاي الأحمر يساعد على التركيز .. ومن دونه لا نستطيع العمل بحماس .. وإذا منعته سيؤثر هذا على أداء سير العمل في المؤسسة .. فـ أنا أقترح بدل إلغاء الشاي ..أن تصدر سعادتك قراراً ، أي موظف يجب أن يشرب الشاي بي كوب له (أذن).. حتى يمسك بها جيدا فـ تنزلق منه تضر مستندات المواطنين.!
قال المدير:
- نعم الرأي يا بنيّ .. ما رأيكم؟
رفع أحد الموظفين يده قائلاً:
- لكن يا سعادة المدير أنا لا أحس بمتعة شرب الشاي بكوب له أُذن.!
وبعدها رفع موظف آخر يده وقال ذات الكلام .. ثم رفع عدد كبير أياديهم وقررّوا بأن مزاجهم لا يعتدل إلاّ إذا شربوا الشاي في كوب بلا (أذن).!!
انقسم القوم إلى قسمين: (جماعة الكوب بـ أذن) و(جماعة الكوب بلا أذن)، وصاروا يتناقشون في هذا الأمر لخمس ساعات كاملة ولم يتوصّلوا لقرار نهائي، بعدها تم فضّ الاجتماع على أن يتم مواصلته غداً.!
3)
لا زالت أبْواب المُؤسسة مُغلقة في وُجوه المواطنين، وتمّ تجديد الإعلان بأنه سيتم مُواصلة الاجتماع اليوم والأيام التالية، وأن كلّ هذا في مصلحتهم لو كانوا يعلمون.!
وفي قاعة الاجتماعات حَضَر المُدير وجميع الموظفين في الصباح الباكر، مَسَحَهُم المدير بنظرة شاملة وقال:
- بما أننا لم نصل إلى إتفاق حتى الآن .. وحتى يكون الأمر مُنظّماً.. أنا أطلب من (جماعة الكوب بـ أذن) أن تنتخب مُمثّلا يتحدث باسمها، و (جماعة الكوب بلا أذن) تنتخب واحداً أيضاً .
رفع أحد الموظفين يده من (جماعة الكوب بلا أذن) مُرشّحاً نَفسه، وأبدى أسبابه بأنه مُوظّف له خبرة طويلة، ومن الكوادر القديمة في العمل الإداري، وهو مؤهّلٌ تماماً لتمثيل (جماعة الكوب بلا أذن)، ولكن مُوظّف آخر من نفس الجماعة رفع يده وترشّح ضدّه مُبدياً أسبابه بأنه لديه مَلَكة القيادة، ويمْتاز بـ الكفاءة العالية التي تجْعله أقْرب رجل للمنصب.!
وذات الأمر حدث في (جماعة الكوب بـ أذن) حيث ترشّح لإدارتها ستّة موظفين كل منهم يرى أنه الأفضل لتمثيل الجماعة.!
(4)
- استمر الخلاف بين (جماعة الكوب بـ أذن) وبين (جماعة الكوب بلا أذن) لمدة شهر، وهم يتناقشون حَول منْ أحقّ بتمثيل جماعته، خاصة أن المدير قد أسهم في تأجيج الصراع، فهو ترك حياده وصار يميل لـ(جماعة الكوب بـ أذن)، لأن (الكوب بـ أذن) -حسب رأيه يساهم في الحفاظ على مستندات المواطنين من الشاي الذي ينزلق صدفة، وطيلة هذه الفترة أغْلقت المؤسسة أبوابها في وجوه المواطنين بحجة أن لديها إصلاحات إدارية بالداخل.!
(5)
- وهذا هو يا أعزائي نموذج للمدير الذي ينشغل بصغائر الأمور.