:رأس الموضوع:
نشأته وتطوره
ولد محمد طلعت حرب باشا في 25 نوفمبر عام1867 بجهة الجمالية بالقاهرة ، حصل على شهادة مدرسة الحقوق (الليسانس) فبدأ حياته الوظيفية مترجماً بقلم القضايا بالدائرة السنية التي كانت تتولى الأراضي الزراعية المملوكة للدولة ، وتدرج في السلك الوظيفي حتى عين مديراً لأقلام القضايا بالرغم من ميله إلى الأعمال الحرة ، ثم إشتغل مديراً لشركة كوم أمبو التي كانت تعمل في استصلاح وبيع الأراضي، ثم مديراً للشركة العقارية المصرية التي كانت تعمل في مجال تقسيم وبيع الأراضي وعمل على تمصيرها حتى أصبحت غالبية أسهمها في يد المصريين ، وانصرف إلى دراسة الشئون الاقتصادية وعكف على تزويد نفسه بالعلوم والفنون والأدب ودرس اللغة الفرنسية وأتقنها، وقد مارس محمد طلعت حرب باشا التأليف ولاقت كتبه نجاحاً ورواجاً، ومن مؤلفاته كتاب علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك المصريين أو بنك الأمة " نوفمبر سنه 1911" وقد جاء به:
مازالت الحاجة إلى إنشاء مصرف مصري حقيقي يعمل بجانب المصارف الموجودة الآن في مصر يمد يد المساعدة للمصريين، يحثهم على الدخول في أبواب الصناعة والتجارة، ويحرضهم على الاقتصاد والاستفادة من الأعمال المالية التي تزداد يوماً بعد يوم ومازالت الفكرة في تحقيق هذا الغرض تتجسم آنا بعد آخر تظهر أياماً على صفحات الجرائد ، ثم تختفي·
فكرة إنشـاء البنك
وفى المؤتمر المصري الأول انتهز محمد طلعت حرب باشا اجتماع أعيان البلاد وكبرائها وعرضت لجنة المؤتمر فكرة إنشاء بنك مصري وقرر المؤتمر بالإجماع وجوب إنشاء بنك مصري برؤوس أموال مصرية، كما قرر اختيار محمد طلعت حرب باشا للسفر إلى أوربا لدراسة فكرة إنشاء البنك بعد عمل دراسة كافية عن المصارف الوطنية وأسلوب عملها في الدول الأوربية، فلما صدر كتاب محمد طلعت حرب باشا بعد هذا، آمن كل مصري بالفكرة التي يدعوا لها وإلى تنفيذها، ولكن الحرب العالمية الأولى التي أعلنت في 4 أغسطس سنه 1914 وقفت بالفكرة حيث هي: كلمات في كتاب، وانتهت الحرب قبيل نهاية سنه 1918 وشبت الثورة المصرية العظيمة في سنه 1919، فكان انطلاقها الطلقة الأولى في وجوب إنشاء البنك حتى يتحقق استقلال الوطن الإقتصادي، ليكون عضداً وسنداً للاستقلال السياسي·
وعاد محمد طلعت حرب باشا يدعوا لمشروعه أو لفكرته عند بعض المسئولين فحاولت سلطات الاحتلال معه كل الأساليب للتشكيك في قيمة المشروع وفى عدم أهلية المصريين للقيام بمثل هذه المشروعات المالية.
قصة إنشـاء البنك
أقنع محمد طلعت حرب باشا مائة وستة وعشرين من المصريين الغيورين بالاكتتاب لإنشاء البنك، وبلغ ما اكتتبوا به ثمانون ألف جنيه، تمثل عشرين ألف لهم، أي أنهم جعلوا ثمن السهم أربعة جنيهات فقط، وكان أكبر مساهم هو عبد العظيم المصري بك من أعيان مغاغة، فقد أشترى ألف سهم·
وفى الثلاثاء 13ابريل سنه 1920 نشرت الوقائع المصرية في الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى " بنك مصر "·
وكان قد تم قبل ذلك عقد تأسيس الشركة بين ثمانية من المائة والستة والعشرون مساهماً جميعهم مصريون، وحرر بصفه عرفيه في 8 مارس سنه 1920 - أي بعد سنه على نشوب الثورة المصرية - ثم سجل في 3 إبريل - أي بعد أقل من شهر وهؤلاء الثمانية هم:
أحمد مدحت يكن باشا ، يوسف أصلان قطاوى باشا ، محمد طلعت بك ، عبد العظيم المصري بك ، الدكتور فؤاد سلطان، عبد الحميد السيوفى أفندي، اسكندر مسيحه أفندي، عباس بسيونى الخطيب أفندي، والمذكورين يمثلون الأديان الثلاثة، وفى هذا برهان على أصالة الوحدة الوطنية التي شملت جميع أبناء الأمة إبان الثورة المباركة بحق·
ونص عقد الشركة الابتدائي، على أن الغرض من إنشاء البنك هو القيام بجميع أعمال البنوك، من خصم وتسليف على البضائع والمستندات والأوراق المالية والكامبيو والعمولة، وقبول الأمانات والودائع، وفتح الحسابات والإعتمادات، وبيع وشراء السندات والأوراق المالية، والاشتراك في إصدار السندات ، وغير ذلك مما يدخل في أعمال البنوك بلا قيد أو تحديد·
وانه يجوز زيادة رأس المال بقرار من الجمعية العمومية للمساهمين ، على إن يقوم بإدارة الشركة أو البنك مجلس إدارة مكون من تسعة أعضاء على الأقل ومن خمسة عشر عضواً على الأكثر تنتخبهم الجمعية العمومية·
واستثناء من هذه القاعدة عين أعضاء مجلس الإدارة الأول من:
احمد مدحت يكن باشا ، يوسف اصلان قطاوى باشا ، محمد محمد طلعت حرب باشا بك ، عبد العظيم المصري بك ، الدكتور فؤاد سلطان ، على ماهر بك ، يوسف شيكوريل بك ، عبد الحميد السيوفى أفندي ، عباس بسيونى الخطيب أفندي·
وأنتخب المجلس أحمد مدحت يكن باشا رئيساً ، ومحمد محمد طلعت حرب باشا بك نائباً للرئيس وعضواً منتدباً ، وظل شاغلاً كرسيه كذلك إلى سنه 1939·
واشترط العقد أن يملك عضو مجلس الإدارة مائتين وخمسين سهماً على الأقل ، ولا يجوز له التصرف فيها طول مدة عضويته ، وأن لا يكون عضواً بالجمعية العمومية من يملك أقل من خمسة أسهم ، وفى مساء يوم الجمعة 7 مايو سنه 1920 ، احتفل بتأسيس البنك·
وقد تأسس بنك مصر حول المحاور الرئيسية الآتية:
- إنشاء بنك مصري برأسمال مصري وإدارة مصرية وكوادر مصرية ولغة تعامل عربية·
- تحويل تنموي للاقتصاد القومي من الاستثمار الزراعي إلى الاستثمار الصناعي وإثبات القدرات العقلية للإنسان المصري·
حيث تأكد لمحمد طلعت حرب باشا نظريته في إن فشل المحاولات الصناعية لا يرجع بحال من الأحوال إلى نقص إمكانيات البلد أو إلى طبيعتها الزراعية ، وبدأت تتبلور لدية الرؤية حول إمكانية تأسيس قطاع صناعي تنبثق منه قنوات صحية توجه فيها مدخرات المصريين بتجميعها في بنك وطني مصري ليخلق بهذا الوعي الصناعي المفقود ، ومن ناحية أخرى الوعي الادخاري والاستثماري بدلاً من عادة الاكتناز المتخلفة وبذلك تبلورت أهداف تأسيس بنك مصر ليصبح همزة الوصل بين أفراد الشعب وشتى القطاعات الاقتصادية بالبلد فوجود قطاع صناعي يعتبر أساسي ورئيسي لإتاحة الفرصة للقطاعات المساعدة ومنها النقل والتجارة والمال كي تزاول إنتاجها في كفاية اكبر·
وقد اتبع محمد طلعت حرب باشا سياسة تخطيطية من الطراز الأول مبنية أساسا على إيمانه بأهمية الكيان الاقتصادي الذي أسسه في القيام بدور البنك القابض الذي يؤسس مجموعة من الشركات المستقلة التي تدور في فلكه فترفعه والقطاعات الاقتصادية الأخرى تدريجياً نتيجة التفاعل الطبيعي بينها جميعاً وأدت سياسته الرشيدة إلى الكثير من التطورات التي شوهدت في الاقتصاد القومي والتي كانت مرتبطة إلى حد كبير بنشاط بنك مصر وشركاته أو كانت تمثل نتيجة من نتائجه·
تأسيس شركات البنك
وفى مدة قصيرة أسس محمد طلعت حرب باشا شركات عديدة من عام 1920 إلى 1938 وكانت وسيلته في إنشاء هذه الشركات إن يقتطع جزءاً محدداً من أرباح البنك السنوية يظهر في مي**** كل عام تحت باب " مال مخصص لتأسيس أو تنمية شركات مصرية صناعية تجارية " يساهم به في رأسمال الشركة بمقدار يكفل له الإشراف على سياستها ، ويسهم المواطنون في الباقي • ولم يكن البنك الذي نجح محمد طلعت حرب باشا في إنشائه مجرد بنك تجارى عادى بل كان بالنسبة لمؤسسيه مجرد وسيلة لغاية أكثر أن يقوم البنك بتجميع مدخرات المصريين ثم يعمل على إعادة توظيفها في إنشاء شركات مصرية تنتج كافة احتياجات المصريين بالجودة المرتفعة والأسعار المنخفضة ومن ثم تحول البنك إلى ما يشبه الشركة القابضة بل كان ذلك بالفعل حيث أنشاء العديد من الشركات ، ومع كثرة عددها فأنها كانت تربط بهدف واحد " وهو إن تكمل بعضها البعض" وهو ما يعرف بالنشاط الاقتصادي التكاملي.
ولم تكن تلك الشركات مجرد منشآت مالية بحته غرضها الأساسي الربح المادي - ولكنها في الواقع منشات صناعية قومية تسعى لسد بعض الحاجات الضرورية للاستهلاك المحلى وهى في الوقت ذاته معاهد فنية لتدريب اكبر عدد من الأيدي المصرية على جميع الشئون الصناعية والاقتصادية والمالية
وقد انطلق البنك في تحقيق مهمته الضخمة الوطنية، فقدم للشعب ما عجزت أو أحجمت عن تقديمه البنوك الأجنبية، وانتشرت فروعه في كل مكان.
إستقالة محمد طلعت حرب باشا
وعندما تعرض بنك مصر للأزمة التي افتعلها وأعمل شباكها حوله الاحتلال البريطاني والبنك الأهلي المصري - في ذلك الوقت- الذي رفض أن يقرض البنك بضمان محفظة الأوراق المالية، و سكوت الحكومة التي تركت صندوق توفير البريد يسحب كل ودائعه من بنك مصر، تحامل الرجل العظيم على نفسه وذهب إلى وزير المالية "حسين سرى باشا" يرجوه واحدا من ثلاثة أمور، إما أن تصدر الحكومة بيانا بضمان ودائع الناس لدى البنك ، أو أن تحمل البنك الأهلي على أن يقرض بنك مصر مقابل المحفظة، أو أن تأمر بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد، قال سرى باشا " بشرط واحد "
فسأله محمد طلعت حرب باشا : ما هو ؟
قال سرى باشا: أن تترك البنك .
قال محمد طلعت حرب باشا على الفور: من الآن، مادام في تركي حياة للبنك فلأذهب أنا وليعيش البنك .
وجاء هذا دليلا آخر على عبقرية محمد طلعت حرب باشا، فقد أيقن أنه لا دوام للفرد .. و إنما الدوام لذكرى الفرد وعمله. ..
و قد اختار محمد طلعت حرب باشا أن يستبقى عمله .. الذي جسد فكره ..
و هو في نفس الوقت لم يُضح بذكراه فقد حفظها عمله، الذي جسد فكره.
نشأته وتطوره
ولد محمد طلعت حرب باشا في 25 نوفمبر عام1867 بجهة الجمالية بالقاهرة ، حصل على شهادة مدرسة الحقوق (الليسانس) فبدأ حياته الوظيفية مترجماً بقلم القضايا بالدائرة السنية التي كانت تتولى الأراضي الزراعية المملوكة للدولة ، وتدرج في السلك الوظيفي حتى عين مديراً لأقلام القضايا بالرغم من ميله إلى الأعمال الحرة ، ثم إشتغل مديراً لشركة كوم أمبو التي كانت تعمل في استصلاح وبيع الأراضي، ثم مديراً للشركة العقارية المصرية التي كانت تعمل في مجال تقسيم وبيع الأراضي وعمل على تمصيرها حتى أصبحت غالبية أسهمها في يد المصريين ، وانصرف إلى دراسة الشئون الاقتصادية وعكف على تزويد نفسه بالعلوم والفنون والأدب ودرس اللغة الفرنسية وأتقنها، وقد مارس محمد طلعت حرب باشا التأليف ولاقت كتبه نجاحاً ورواجاً، ومن مؤلفاته كتاب علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك المصريين أو بنك الأمة " نوفمبر سنه 1911" وقد جاء به:
مازالت الحاجة إلى إنشاء مصرف مصري حقيقي يعمل بجانب المصارف الموجودة الآن في مصر يمد يد المساعدة للمصريين، يحثهم على الدخول في أبواب الصناعة والتجارة، ويحرضهم على الاقتصاد والاستفادة من الأعمال المالية التي تزداد يوماً بعد يوم ومازالت الفكرة في تحقيق هذا الغرض تتجسم آنا بعد آخر تظهر أياماً على صفحات الجرائد ، ثم تختفي·
فكرة إنشـاء البنك
وفى المؤتمر المصري الأول انتهز محمد طلعت حرب باشا اجتماع أعيان البلاد وكبرائها وعرضت لجنة المؤتمر فكرة إنشاء بنك مصري وقرر المؤتمر بالإجماع وجوب إنشاء بنك مصري برؤوس أموال مصرية، كما قرر اختيار محمد طلعت حرب باشا للسفر إلى أوربا لدراسة فكرة إنشاء البنك بعد عمل دراسة كافية عن المصارف الوطنية وأسلوب عملها في الدول الأوربية، فلما صدر كتاب محمد طلعت حرب باشا بعد هذا، آمن كل مصري بالفكرة التي يدعوا لها وإلى تنفيذها، ولكن الحرب العالمية الأولى التي أعلنت في 4 أغسطس سنه 1914 وقفت بالفكرة حيث هي: كلمات في كتاب، وانتهت الحرب قبيل نهاية سنه 1918 وشبت الثورة المصرية العظيمة في سنه 1919، فكان انطلاقها الطلقة الأولى في وجوب إنشاء البنك حتى يتحقق استقلال الوطن الإقتصادي، ليكون عضداً وسنداً للاستقلال السياسي·
وعاد محمد طلعت حرب باشا يدعوا لمشروعه أو لفكرته عند بعض المسئولين فحاولت سلطات الاحتلال معه كل الأساليب للتشكيك في قيمة المشروع وفى عدم أهلية المصريين للقيام بمثل هذه المشروعات المالية.
قصة إنشـاء البنك
أقنع محمد طلعت حرب باشا مائة وستة وعشرين من المصريين الغيورين بالاكتتاب لإنشاء البنك، وبلغ ما اكتتبوا به ثمانون ألف جنيه، تمثل عشرين ألف لهم، أي أنهم جعلوا ثمن السهم أربعة جنيهات فقط، وكان أكبر مساهم هو عبد العظيم المصري بك من أعيان مغاغة، فقد أشترى ألف سهم·
وفى الثلاثاء 13ابريل سنه 1920 نشرت الوقائع المصرية في الجريدة الرسمية للدولة مرسوم تأسيس شركة مساهمة مصرية تسمى " بنك مصر "·
وكان قد تم قبل ذلك عقد تأسيس الشركة بين ثمانية من المائة والستة والعشرون مساهماً جميعهم مصريون، وحرر بصفه عرفيه في 8 مارس سنه 1920 - أي بعد سنه على نشوب الثورة المصرية - ثم سجل في 3 إبريل - أي بعد أقل من شهر وهؤلاء الثمانية هم:
أحمد مدحت يكن باشا ، يوسف أصلان قطاوى باشا ، محمد طلعت بك ، عبد العظيم المصري بك ، الدكتور فؤاد سلطان، عبد الحميد السيوفى أفندي، اسكندر مسيحه أفندي، عباس بسيونى الخطيب أفندي، والمذكورين يمثلون الأديان الثلاثة، وفى هذا برهان على أصالة الوحدة الوطنية التي شملت جميع أبناء الأمة إبان الثورة المباركة بحق·
ونص عقد الشركة الابتدائي، على أن الغرض من إنشاء البنك هو القيام بجميع أعمال البنوك، من خصم وتسليف على البضائع والمستندات والأوراق المالية والكامبيو والعمولة، وقبول الأمانات والودائع، وفتح الحسابات والإعتمادات، وبيع وشراء السندات والأوراق المالية، والاشتراك في إصدار السندات ، وغير ذلك مما يدخل في أعمال البنوك بلا قيد أو تحديد·
وانه يجوز زيادة رأس المال بقرار من الجمعية العمومية للمساهمين ، على إن يقوم بإدارة الشركة أو البنك مجلس إدارة مكون من تسعة أعضاء على الأقل ومن خمسة عشر عضواً على الأكثر تنتخبهم الجمعية العمومية·
واستثناء من هذه القاعدة عين أعضاء مجلس الإدارة الأول من:
احمد مدحت يكن باشا ، يوسف اصلان قطاوى باشا ، محمد محمد طلعت حرب باشا بك ، عبد العظيم المصري بك ، الدكتور فؤاد سلطان ، على ماهر بك ، يوسف شيكوريل بك ، عبد الحميد السيوفى أفندي ، عباس بسيونى الخطيب أفندي·
وأنتخب المجلس أحمد مدحت يكن باشا رئيساً ، ومحمد محمد طلعت حرب باشا بك نائباً للرئيس وعضواً منتدباً ، وظل شاغلاً كرسيه كذلك إلى سنه 1939·
واشترط العقد أن يملك عضو مجلس الإدارة مائتين وخمسين سهماً على الأقل ، ولا يجوز له التصرف فيها طول مدة عضويته ، وأن لا يكون عضواً بالجمعية العمومية من يملك أقل من خمسة أسهم ، وفى مساء يوم الجمعة 7 مايو سنه 1920 ، احتفل بتأسيس البنك·
وقد تأسس بنك مصر حول المحاور الرئيسية الآتية:
- إنشاء بنك مصري برأسمال مصري وإدارة مصرية وكوادر مصرية ولغة تعامل عربية·
- تحويل تنموي للاقتصاد القومي من الاستثمار الزراعي إلى الاستثمار الصناعي وإثبات القدرات العقلية للإنسان المصري·
حيث تأكد لمحمد طلعت حرب باشا نظريته في إن فشل المحاولات الصناعية لا يرجع بحال من الأحوال إلى نقص إمكانيات البلد أو إلى طبيعتها الزراعية ، وبدأت تتبلور لدية الرؤية حول إمكانية تأسيس قطاع صناعي تنبثق منه قنوات صحية توجه فيها مدخرات المصريين بتجميعها في بنك وطني مصري ليخلق بهذا الوعي الصناعي المفقود ، ومن ناحية أخرى الوعي الادخاري والاستثماري بدلاً من عادة الاكتناز المتخلفة وبذلك تبلورت أهداف تأسيس بنك مصر ليصبح همزة الوصل بين أفراد الشعب وشتى القطاعات الاقتصادية بالبلد فوجود قطاع صناعي يعتبر أساسي ورئيسي لإتاحة الفرصة للقطاعات المساعدة ومنها النقل والتجارة والمال كي تزاول إنتاجها في كفاية اكبر·
وقد اتبع محمد طلعت حرب باشا سياسة تخطيطية من الطراز الأول مبنية أساسا على إيمانه بأهمية الكيان الاقتصادي الذي أسسه في القيام بدور البنك القابض الذي يؤسس مجموعة من الشركات المستقلة التي تدور في فلكه فترفعه والقطاعات الاقتصادية الأخرى تدريجياً نتيجة التفاعل الطبيعي بينها جميعاً وأدت سياسته الرشيدة إلى الكثير من التطورات التي شوهدت في الاقتصاد القومي والتي كانت مرتبطة إلى حد كبير بنشاط بنك مصر وشركاته أو كانت تمثل نتيجة من نتائجه·
تأسيس شركات البنك
وفى مدة قصيرة أسس محمد طلعت حرب باشا شركات عديدة من عام 1920 إلى 1938 وكانت وسيلته في إنشاء هذه الشركات إن يقتطع جزءاً محدداً من أرباح البنك السنوية يظهر في مي**** كل عام تحت باب " مال مخصص لتأسيس أو تنمية شركات مصرية صناعية تجارية " يساهم به في رأسمال الشركة بمقدار يكفل له الإشراف على سياستها ، ويسهم المواطنون في الباقي • ولم يكن البنك الذي نجح محمد طلعت حرب باشا في إنشائه مجرد بنك تجارى عادى بل كان بالنسبة لمؤسسيه مجرد وسيلة لغاية أكثر أن يقوم البنك بتجميع مدخرات المصريين ثم يعمل على إعادة توظيفها في إنشاء شركات مصرية تنتج كافة احتياجات المصريين بالجودة المرتفعة والأسعار المنخفضة ومن ثم تحول البنك إلى ما يشبه الشركة القابضة بل كان ذلك بالفعل حيث أنشاء العديد من الشركات ، ومع كثرة عددها فأنها كانت تربط بهدف واحد " وهو إن تكمل بعضها البعض" وهو ما يعرف بالنشاط الاقتصادي التكاملي.
ولم تكن تلك الشركات مجرد منشآت مالية بحته غرضها الأساسي الربح المادي - ولكنها في الواقع منشات صناعية قومية تسعى لسد بعض الحاجات الضرورية للاستهلاك المحلى وهى في الوقت ذاته معاهد فنية لتدريب اكبر عدد من الأيدي المصرية على جميع الشئون الصناعية والاقتصادية والمالية
وقد انطلق البنك في تحقيق مهمته الضخمة الوطنية، فقدم للشعب ما عجزت أو أحجمت عن تقديمه البنوك الأجنبية، وانتشرت فروعه في كل مكان.
إستقالة محمد طلعت حرب باشا
وعندما تعرض بنك مصر للأزمة التي افتعلها وأعمل شباكها حوله الاحتلال البريطاني والبنك الأهلي المصري - في ذلك الوقت- الذي رفض أن يقرض البنك بضمان محفظة الأوراق المالية، و سكوت الحكومة التي تركت صندوق توفير البريد يسحب كل ودائعه من بنك مصر، تحامل الرجل العظيم على نفسه وذهب إلى وزير المالية "حسين سرى باشا" يرجوه واحدا من ثلاثة أمور، إما أن تصدر الحكومة بيانا بضمان ودائع الناس لدى البنك ، أو أن تحمل البنك الأهلي على أن يقرض بنك مصر مقابل المحفظة، أو أن تأمر بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد، قال سرى باشا " بشرط واحد "
فسأله محمد طلعت حرب باشا : ما هو ؟
قال سرى باشا: أن تترك البنك .
قال محمد طلعت حرب باشا على الفور: من الآن، مادام في تركي حياة للبنك فلأذهب أنا وليعيش البنك .
وجاء هذا دليلا آخر على عبقرية محمد طلعت حرب باشا، فقد أيقن أنه لا دوام للفرد .. و إنما الدوام لذكرى الفرد وعمله. ..
و قد اختار محمد طلعت حرب باشا أن يستبقى عمله .. الذي جسد فكره ..
و هو في نفس الوقت لم يُضح بذكراه فقد حفظها عمله، الذي جسد فكره.