عنوان
كبير ومقصود يتصدر أحيانًا العديد من وسائل الإعلام "انشقاق داخل جماعة
الإخوان المسلمين"، فما هي حقيقة الأمر؟ وما هي دواعي وأسباب الانشقاق
داخل أي تنظيم؟ وما هي طرق تخفيف ومحاصرة هذا السلوك؟ ولماذا يتم تهويل
السلوك الفردي داخل جماعة الإخوان؟ وهل لدى الجماعة ضمانات تحول دون
حدوثه؟... جملة من التساؤلات المشروعة تُطرح من بعض المهتمين بالشأن
المصري بصفة عامة وجماعة الإخوان بصفة خاصة حبًّا وإشفاقًا على هذا الفصيل
ذي الثقل والشعبية في عالمنا العربي والإسلامي والذي يراهن عليه الملايين
في الحفاظ على ثوراتنا العربية الرائدة وتحقيقًا لمطالبها العادلة
والمشروعة في حياة كريمة لشعوب حرة أبية.
تقديم
العمل
الجماعي المنظَّم ضرورة بشرية وحاجة إنسانية، وهو وسيلة لازمة لكل مشروع
مجتمعي للإصلاح، والانتماء لجماعة ما فرصةٌ لتوحيد الجهود وتوظيف الطاقات
وتعظيم العائد وتحقيق الأهداف والطموحات المنشودة، هذا العمل الجماعي-
خاصةً في مجال الدعوة إلى الله- له جملة متطلبات ويعاني العديد من
التهديدات قد تختلف في كثير من الأحيان عن أي عمل جماعي حزبي أو نقابي؛
لاعتبارات كثيرة ترجع إلى سموِّ مقاصده وغاياته، فضلاً عن منظومة القيم
والأعراف التي يرتكز عليها ويدعو إليها.
مهددات العمل الجماعي
هي حزمة من النقاط الشائكة والحرجة التي تعانيها كل الكيانات والتنظيمات دون استثناء ومنها :
- الاختراق:
وهو نمط شائع في الدول ذات النظم الشمولية السلطوية التي تغولت فيها أجهزة
الأمن على ما سواها من مؤسسات الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع
المدني، حين يتم تجنيد بعض أفراد هذه الكيانات أو الجماعات بصورة أو أخرى
ولأهداف عدة منها، الحصول على المعلومات وتتبع سير الحركة وخطط العمل وكذا
التوظيف الأمني "راجع ملف الاختراق الأمني للجماعات الإسلامية في مصر
والدول العربية".
- الانشقاق:
بمعنى الانفصال العضوي لفرد أو مجموعة من أبناء التنظيم عن الكيان الأم
لأسباب متعددة ترتبط أحيانًا بالظروف الشخصية للأفراد "الاجتماعية-
النفسية- الفكرية- السلوكية"، أو الكيانات من حيث ضخامة المشروع أو طول
الطريق أو كثرة التكاليف والتبعات أو نمط الإدارة أو تغيُّر الأولويات أو
الاختلاف وعدم الاتفاق حول القضايا والمسائل والمواقف الأساسية أو المناخ
العام الذي يتحرك فيه الكيان.
- الانحراف:
بمعنى تبني أفكار وبرامج ومفاهيم تصطدم مع الأصول والثوابت والمنطلقات
التي قام عليها الكيان الجامع، وهو أخطر مهددات الكيانات التنظيمية على
الإطلاق، لارتباطه بسلامة وصحة الغايات والوسائل والإجراءات، كأن يتحول
البعض باختزال الأهداف والغايات الكلية إلى أهداف جزئية أو مرحلية، أو
التحول من الوسائل السلمية المتدرجة في الإصلاح والتغيير إلى وسائل فورية
انقلابية تعتمد العنف، أو ينتهج البعض قيمًا مغايرة ومخالفة للقيم التي
أُسس عليها البنيان الأول.
ضمانات "نقاط القوة"
وهي
جملة من المواصفات والمعايير الآمنة والضامنة لا زالت تمتلكها جماعة
الإخوان وهي سبب البقاء والصمود أمام التحديات والتهديدات فضلاً عن
تحقيقها لأهدافها الطموحة في تنفيذ المشروع الحضاري الإسلامي في مواجهة
المشروع الصهيوني الأمريكي ، ومنها :
- شروط
العضوية: وهي جملة من المواصفات والمعايير اللازمة لاعتماد الانتماء
والعضوية، حزمة من المواصفات الحاكمة "الأخلاقية- الفكرية- الإيمانية-
الحركية- النفسية- السلوكية" هذا بخلاف الفترة الزمنية الكافية للتأكد من
صحة وسلامة وثبات هذه المواصفات والمعايير.
- استمرارية
الرعاية والتعهد: ويقصد بها مجموعة الوسائل والمناشط والمحاضن التربوية
التي يعيشها الأفراد لاستكمال المواصفات والمعايير المؤهلة للعضوية، وفقًا
للبرامج والمناهج المحققة لهذه المواصفات "المعارف والمعلومات- المهارات
والأداءات القيم والوجدانيات"، وهي مدرسة تربوية تميزت بها جماعة الإخوان
عن غيرها من جماعات العمل السياسي والدعوي وقد قدمت للمجتمعات العربية
والإسلامية نماذج نوعية مميزة في الفكر والعلم والعمل والوطنية، والتي
قامت بأدوار رائعة وقوية في مقاومة المحتل الغاصب أو المستبد الفاسد.
- التوظيف
والمتابعة: بمعنى أن لكل فرد في الجماعة وظيفة ودور "دعوي- سياسي-
وخدمي-..." وفقًا لجدول زمني معتمد ولا يترك للعمل العشوائي، مع وجود نظم
ومعايير وآليات لقياس مدى النجاح والإنجاز في تحقيق الأهداف المنشودة،
بحيث تنطلق كل الأدوار والوظائف من وحدة المرجعية وتنوع الوظيفة وتكامل
المشروع.
- مؤسسية
الإدارة: تعمد الجماعة إلى نمط الإدارة بالأهداف، وهي إدارة مؤسسية وفقًا
للسياسات العامة والإستراتيجيات المعلنة، إدارة لا ترتبط بالأشخاص بقدر ما
ترتبط بالنظم والآليات اللازمة لاتخاذ القرار، آليات تعتمد وفرة المعلومات
وشفافية المعاملات وسلامة الإجراءات، من هنا تميزت غالبية مواقف وقرارات
الجماعة بالصحة والسلامة والمسئولية.
- ثقل
التجارب: بمعنى أن الجماعة على مستوى الأفراد والمؤسسات خاضت تجارب عديدة
ومحنًا متتالية خرجت منها أصلب عودًا وأكثر خبرة وأقوى مناعة وعلى عكس ما
أراد البعض، كانت المحن منحًا جعلت الأفراد أشد ولاءً وانتماءً وارتباطًا
بهذا الكيان ورسالته النبيلة "عدد السجناء والمعتقلين في عهد مبارك فقط
تجاوز 40 ألف عضو، بين المحاكم العسكرية ونيابات أمن الدولة العليا طوارئ،
بمتوسط سنوات سجن تصل إلى 20 ألف سنة، خرجوا جميعًا إلى بيتهم الدعوي دون
مغادرة أو مفارقة أو انشقاق".
خلاصة الطرح
جماعة
الإخوان هيئة إسلامية جامعة تقوم على أسس وثوابت ومنطلقات عقدية راسخة
وتنظيمية متينة وقيمية ثابتة وواقعية مرنة وطموحة، لذا فقد نجحت في وقاية
نفسها من مخاطر الاختراق والانشقاق والانحراف، وإن أصابها بعض الخدوش
السطحية بفعل عوامل التعرية السياسية والإعلامية والمجتمعية، لكنها تبقى
دائمًا في منطقة الأمان، هذا ما شهد به التاريخ وأكده الواقع.
-------------------------