رجال كانوا في سدة الحكم/ جمال سالم
في هذه السلسلة من المقالات سأتعرض للرجال الذين إختارهم الرئيس جمال عبد الناصر ليكونوا قواد للبلد في فترة حكمه وأدى هذا الإختيار إلى الهزيمة المنكرة التي وقعنا فيها في العام 1967 ومن قبلها سلسلة الهزائم الكثيرة منذ الإنفصال وحرب اليمن وقطع العلاقات مع السعودية و..و..و..
ولعل الفكرة جاءتني هذه الأيام وأنا أتناول بين يدي كتاب جميل جدا وشيق – وإن أعترف أنني تناولته متأخرا جدا – ألا وهو كتاب ( عرفت السادات ) لكاتبه الدكتور محمود جامع الطبيب الخاص للرئيس السادات وإن كان بعد شرائي للكتاب أعترف أنني خدعت في عنوانه فبعد قراءتي له ( لازلت أقرأه ) كان مفترض كاتبه أن يسميه ( عرفت عبد الناصر ) أو ( عرفت السادات وعبد الناصر ) مثلا ، لأنه يتناول أحداث كثيرة عن عبد الناصر والتي منها إستلهمت هذه السلسلة من المقالات إن شاء الله .
الهدف من هذه المقالات هو نشر ما أقرأه بين أيديكم لمساعدتي في البحث عن الحقيقة التائهة لهذه الفترة من حكم الرئيس جمال عبد الناصر , فلمن يقرأ هذه السلسلة :- أنا لا أبتغي منها تشويه صورة هذا الرجل , ولكن أنا أبتغي أن أضع الحقائق حتى يكون حكم التاريخ وحكمنا نحن أو أضعف الإيمان أن يكون تثبيت صورته لدينا كما ينبغي أن يكون ..
في حقيقة الأمر ذهلت عندما قرأت بعض السطور في كتاب الدكتور محمود جامع عن هذا الرجل المدعو جمال سالم .. ولكن قبل أن أتعرض لما قرأت أدعوكم للتعرف عليه .. فقد دفعني الفضول من هول ما قرأت أن ابحث في كل المصادر لكي نعرف ما هو أولا .. وثانيا نتعرض لما فعله هذا الجزار من سطور الدكتور جامع ومن بعض المعلومات المتوفرة عنه ..
جمال سالم ولد في 1918 أثناء عمل والده في السودان ، وهو يكبر أخاه صلاح سالم بعامين. تخرج من الكلية الحربية سنة 1938 ، و أوفدته الدولة في بعثات عسكرية خارج مصر إلى إنجلترا و الولايات المتحدة.
إنضم إلى تنظيم الضباط الأحرار ، وشارك في حرب فلسطين. و بعد نجاح حركة يوليو 1952 و سيطرتها على السلطة في مصر، اختير جمال سالم رئيسا للجنة العليا للإصلاح الزراعي التي لعبت دورا بارزا في تصفية ممتلكات كبار ملاك الأراضي الزراعية.
ساهم في الصراع على السلطة بين الرئيس محمد نجيب و جمال عبد الناصر ، و انحاز انحيازا مطلقا إلى عبد الناصر، فيما عُرف في السياسة المصرية بأزمة مارس 1954.
رأس محكمة الثورة التي أصدرت الحكم بالإعدام على عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين.
كانت له آراء متطرفة أوردها عدد من زملائه في مجلس قيادة الثورة في مذكراتهم ، و منها اقتراحه بإعدام جميع ضباط المدفعية الذين اعترضوا على بعض قرارات المجلس في يناير 1953.
اختير وزيرا للمواصلات في سبتمبر 1954 ، ورأس محكمة الثورة في ذلك العام، وقد شكلت هذه المحكمة لمحاكمة قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وأصدر حكما بالإعدام على عدد من قياداتهم البارزة، منهم عبد القادر عودة و محمد فرغلي.
وصف السادات جمال سالم في مذكراته "البحث عن الذات" بأنه كان حاد المزاج، عصبيا إلى حد غير طبيعي، لا يهاب الدم، فلما وجد الناس منصرفة عنه بدأ يثير المعارك هنا وهناك، وفي كل مجال. وهو ما دفع بالرئيس عبد الناصر في النهاية إلى الحد من اختصاصاتة.
أصيب بالسرطان، وتوفي في مايو 1968
كانت المحكمة التي عقدت برئاسة جمال سالم وعضوية حسين الشافعي وأنور السادات أعجوبة الأعاجيب في دنيا المحاكم لم تكن محاكمة لأن الأحكام كانت مقررة ومعروفة قبل صدورها ( مثل محاكمة صدام حسين ) . ولم تكن مناقشات واستيضاحات ولكن مساخر وإهانات فقد طلب من المتهم يوسف طلعت أن يقرأ الفاتحة بالمقلوب . فحين قال له جمال سالم ـ رئيس المحكمة ـ: هل تعرف تقرأ الفاتحة بالمقلوب؟ قال يوسف طلعت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأشار بيده إلى جمال سالم رئيس المحكمة عند قوله "الشيطان الرجيم"، ثم قرأ الفاتحة على الوجه الصحيح، فَكُبِتَ الرئيس.
وحين سأله: إنت بتشتغل إيه؟ أجاب: نجار، فقال الرئيس: كيف تكون رئيس جهاز فيه أساتذة الجامعة وأنت نجار؟ فأجاب: لقد كان سيدنا نوح عليه السلام نجاراً وهو نبي، فكُبِتَ مرة أخرى وسكت، وحين سأله: لماذا لا تستطيع الوقوف؟ قال له يوسف: اسأل نفسك.
كان الأستاذ يوسف طلعت قد تعرَّض لتعذيب شديد القساوة والوحشية، حيث كسروا عموده الفقري وذراعه وجمجمته ولم يبق مكان في جسمه إلا وأصيب بكسر أو جرح أو رضّ، حتى إن المرشد حسن الهضيبي حين حاكمه جمال سالم تحدث الهضيبي عن التعذيب الذي أصاب الإخوان، ونفى جمال سالم، فردَّ عليه الأستاذ الهضيبي: اكشفوا على يوسف طلعت لتروا مقدار التعذيب الذي أصيب به وغيره من الإخوان في سجونكم
بربك هل سمعت بمثل هذه ا لمساخر المضحكة المبكية . وكان أي متهم ينكر ما ذكر على لسانه لأنه صدر تحت إكراه التعذيب يرفع جمال سالم الجلسة ويحيل المتهم إلى رجال السجن الحربي ليروا رأيهم فيه فيعودون به بعد قليل عادلا عن إنكاره معترفا بما جاء في أوراق التحقيق . ذلك لأن المتهم المسكين ظن أنه أمام محكمة حقيقية وأنه ليس أمام محكمة هزلية مأساوية فإذا به والمحكمة نفسها تعيده إلى الزبانية الذين يعودون به معترفا بكل ما لم تجترمه يداه . وكان جمال سالم يسأل عن بعض الآيات في سورة " العمران " وهو يقصد " آل عمران " ظنا منه بأن " آل " هنا أداة تعريف !".
والآن أنقل لكم جزء من كلمات محمد حامد أبو النصر المرشد العام للإخوان المسلمين السابق من محكمة الثورة برئاسة جمال سالم
" وبعدما أخذت لنا صور مختلفة دخلت هيئة المحكمة فوقف الجميع وبعد الجلوس: افتتح الجلسة: جمال سالم رئيس المحكمة ونودي على اسمي فوقفت فسألني:
هل أنت مذنب؟ فأجبت: غير مذنب.
فوقف الأستاذ/ حسين أبو زيد المحامي وقال: أنا حاضر معه، وترافع عني وقال: إن موكلي رجل مزارع ووقته كله مشغول بالزراعة وغير مشغول بالأمور السياسية وهنا قدم صورة من الحديث الذي كان قد دار بيني وبين مندوب الأهرام يوم: 24 من أكتوبر سنة 1954 أي قبل حادث المنشية بيومين، وكان المحامي يريد بذلك أن يثبت للمحكمة أني لم أكن مناهضاً للحكومة حتى آخر لحظة، وكان هدفي التفاهم والتعاون مع الحكومة في سبيل مصلحة البلاد.
فقال رئيس المحكمة: طيب نقرأ الحديث الذي أدلى به لمندوب الأهرام علشان نعرف إذا كان رجل سياسي ويفهم في السياسة أم لا، وأخذ نص الحديث عضو اليسار السيد/ حسين الشافعي وبدأ يقرأه بصوت مرتفع، وبعد قراءته:
قال جمال سالم – رئيس المحكمة للمحامي ده راجل مش سياسي ياسى حسين!! خلينا نشوف شغلنا ياسى حسين... فامتقع وجه الأستاذ حسين أبو زيد المحامي وارتبك وأخذ يتراجع ويقول: لا يا فندم.. إحنا نفتدي الثورة..إحنا بنعمل من أجل الثورة... إحنا مستعدين نخدم الثورة... حاضر يا فندم حاضر يا فندم، وكان عندما سمع جمال سالم عبارة إننا نسدي النصح للحاكم متى اقتضت مصلحة البلاد ذلك – كما جاء في الحديث، صاح في ثورة: ده ينصح الحكومة!! ده ينصح الحكومة!! ده فلاح يقتل جاره عشان كوز ذرة – فسكت المحامي ولم يرد.
وانتهت المحاكمة وحدد يوم السبت التالي الموافق 4 من ديسمبر سنة 1954 للنطق بالحكم ثم رجعنا إلى جهنم العذاب – حيث عدنا أدراجنا إلى السجن الحربي "