والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
من تأمل قوله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»
(متفق عليه). ونظائره من الأحاديث يدرك الارتباط الوثيق بين العبادة
الظاهرة وبين العقائد والأعمال القلبية، فالعامل إنما يعمل إيمانًا بخبر
الوحي، محتسبًا وراجيًا الثواب من عند الله عز وجل وهذا يصح في كل
العبادات، وغالبًا ما يوجد في كل عبادة مزيد من العبادات القلبية المرتبطة
بها، وصوم يوم عاشوراء من العبادات الثرية بمعاني: (الولاء والبراء).
والولاء والبراء: عبادتان قلبيتان لهما شأن عظيم في دين الله عز وجل تجد
ذلك في كثرة بيانهما في دين الله عز وجل، كما تجد ذلك في كثرة الفروع
الفقهية المنبثقة عنهما والمدعِمة لهما في قلب المؤمن، ويكفي أن تعرف أن
قاعدة النهي عن التشبه بالكافرين وهي إحدى فروع البراءة منهم، قد ورد في
تفصيلها أكثر من ثلاثين حديثًا صحيحًا موزعين على أبواب العبادات
والمعاملات، ذكرها العلامة الألباني في معرض كلامه عن حرمة تشبه المسلمة
بالكافرات في ثيابها وذلك في كتاب (حجاب المرأة المسلمة).
ومما يؤسف له أن تتحول عقيدة الولاء والبراء في سلم اهتمامات الدعاة
المهتمين بها إلى قضية موسمية، تثار في أوقات تكون الشبهات فيها على
أشدها، من مسارعة بعض المنتسبين إلى الدين في مودة الذين كفروا لشبهات
وقعت لهم وعلل تعللوا بها، بينما توجد بفضل الله عز وجل عبادات مفعمة بهذه
المعاني، ولكن تحتاج فقط إلى إشارة وتنبيه، عندها سيجد كل منصف متلبس بهذه
العبادة في نفسه تسليمًا اضطراريًا إلى هذه المعاني الشرعية.
ومعنى الولاء والبراء في صوم عاشوراء: يتمثل في سبب مشروعية صيام ذلك
اليوم، وأنه يوم نجى الله فيه موسى -عليه السلام-، كما ثبت ذلك من إقرار
النبي صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة ووجدهم يصومون ذلك اليوم،
فسألهم عن صيامه، فقالوا ذلك يوم نجى الله فيه موسى فقال: «أنا أولى بموسى منهم» (رواه البخاري). وهذا يؤكد وينمي رابطة الولاء بين المؤمنين على مر الأزمان، وبغض النظر عن اللون أو الجنس.
وهؤلاء الإسرائيليون في زمن موسى -عليه السلام- هم إخوة لنا في الإيمان،
منهم موسى -عليه السلام- ثالث أفضل رجل في تاريخ البشرية بعد محمد
وإبراهيم صلى الله عليهما وسلم، وفي هؤلاء الإسرائيليين من فيهم من
الصالحين، وإن كان الغالب عليهم نقص الإيمان إلى الدرجة التي جعلت
المصطفين منهم الذين اصطفاهم موسى -عليه السلام- للقاء ربه سبعين رجلًا
وحسب، إلا أنه في ذلك الوقت كان بنو إسرائيل هم أمة التوحيد لذلك انصرف حب
المؤمنين وولاؤهم لإخوانهم في العقيدة.
ومن نافلة القول أن نشير إلى أن أداء العبادات شكرًا لله على النعم أمر
مشروع في الجملة، ولكن الاعتناء بيوم معين واعتقاد فضيلة خاصة له، فضلاً
عن اعتقاد أن هذه الفضيلة تتكرر سنويًا فلابد فيه من تشريع، ومن هذا يتضح
أن يوم عاشوراء نجى الله فيه موسى -عليه السلام- ثم شرع له تعظيم ذلك
اليوم من كل عام، وأن هذا مما أُثبت في شرعنا ولم ينسخ، تأكيدًا على
الرابطة الإيمانية بين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانهم من أتباع
إخوانه من الأنبياء قبله، ومن المعاني اللطيفة بالنسبة لأهل مصر هو أن هذا
اليوم يمثل أيضًا براء من قومية بغيضة أراد أعداء الأمة إحياءها لتكون
بديلاً عن رابطة الإيمان.
ومن المعلوم أن أهل مصر لا ينحدرون كلهم من جنس القبط، فمنهم من العرب
والبربر والترك، بل والروم واليونان، وإن كان الإسلام قد وحد بين كل هذه
الأجناس بفضل الله تعالى، ومن ثم لا يصح إطلاق أننا أحفاد الفراعنة، وحتى
من كان بالفعل من أحفادهم فقد ضرب الله لنا هذه الأسوة: {قَدْ
كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ
إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ
وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}
[الممتحنة: 4]. وصيام يوم عاشوراء يؤكد هذا المعنى، حيث نصوم لله شكرًا
على نجاة موسى ومن معه -وإن كانوا من بني إسرائيل- من فرعون وملئه -وإن
كانوا من المصريين-.
يبقى جانب آخر من جوانب البراء، يتمثل في
الحكمة من ضم يوم إلى اليوم العاشر قبله أو بعده أو كليهما، وذلك أن النبي
صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة كان يحب أن يوافق اليهود فيما لم
ينه عنه تأليفًا لقلوبهم، ولما وجدهم يصومون يوم عاشوراء أمر بصيامه،
وقال: «أنا أولى بموسى منهم»
ولم يشرع للمسلمين مخالفة لهم في طريقة الصوم، ثم لما تبين عنادهم شرع
الله له مخالفتهم في كل شئونهم، حتى الأمور المشروعة لنا ولهم شرع الله
للمسلمين مخالفتهم في بعض صفاتها، وقد استقر هذا الأمر فعلمه المسلمون
واليهود على حد سواء حتى قالت اليهود: "ما يريد هذا الرجل -يعنون محمدًا
صلى الله عليه وسلم- أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه".
وأما المسلمون وكأنهم ومع استقرار هذه القاعدة عندهم لاحظوا أن صيام
عاشوراء على خلافها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم قائلين: -وكان هذا
قبل وفاته بعام- إنه يوم تعظمه اليهود فقال: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» (رواه مسلم). أي والعاشر، فلم يأت العام الذي بعده حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورد عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده» (حسنه الحافظ).
وهذه المخالفة في الصفة في أمر مشروع لنا ولهم هي من باب التنبيه بالأدنى
على الأعلى، فيدل من باب أولى على مخالفتهم فيما نسخ في شريعتنا، وأكد من
ذلك مخالفتهم فيما أحدثوه لاسيما ما كان كفرًا أو شعارًا للكفر، ومن ذلك
أعيادهم الكفرية.
نسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين إلى ما يحب ويرضى.
وبعد:
من تأمل قوله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»
(متفق عليه). ونظائره من الأحاديث يدرك الارتباط الوثيق بين العبادة
الظاهرة وبين العقائد والأعمال القلبية، فالعامل إنما يعمل إيمانًا بخبر
الوحي، محتسبًا وراجيًا الثواب من عند الله عز وجل وهذا يصح في كل
العبادات، وغالبًا ما يوجد في كل عبادة مزيد من العبادات القلبية المرتبطة
بها، وصوم يوم عاشوراء من العبادات الثرية بمعاني: (الولاء والبراء).
والولاء والبراء: عبادتان قلبيتان لهما شأن عظيم في دين الله عز وجل تجد
ذلك في كثرة بيانهما في دين الله عز وجل، كما تجد ذلك في كثرة الفروع
الفقهية المنبثقة عنهما والمدعِمة لهما في قلب المؤمن، ويكفي أن تعرف أن
قاعدة النهي عن التشبه بالكافرين وهي إحدى فروع البراءة منهم، قد ورد في
تفصيلها أكثر من ثلاثين حديثًا صحيحًا موزعين على أبواب العبادات
والمعاملات، ذكرها العلامة الألباني في معرض كلامه عن حرمة تشبه المسلمة
بالكافرات في ثيابها وذلك في كتاب (حجاب المرأة المسلمة).
ومما يؤسف له أن تتحول عقيدة الولاء والبراء في سلم اهتمامات الدعاة
المهتمين بها إلى قضية موسمية، تثار في أوقات تكون الشبهات فيها على
أشدها، من مسارعة بعض المنتسبين إلى الدين في مودة الذين كفروا لشبهات
وقعت لهم وعلل تعللوا بها، بينما توجد بفضل الله عز وجل عبادات مفعمة بهذه
المعاني، ولكن تحتاج فقط إلى إشارة وتنبيه، عندها سيجد كل منصف متلبس بهذه
العبادة في نفسه تسليمًا اضطراريًا إلى هذه المعاني الشرعية.
ومعنى الولاء والبراء في صوم عاشوراء: يتمثل في سبب مشروعية صيام ذلك
اليوم، وأنه يوم نجى الله فيه موسى -عليه السلام-، كما ثبت ذلك من إقرار
النبي صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة ووجدهم يصومون ذلك اليوم،
فسألهم عن صيامه، فقالوا ذلك يوم نجى الله فيه موسى فقال: «أنا أولى بموسى منهم» (رواه البخاري). وهذا يؤكد وينمي رابطة الولاء بين المؤمنين على مر الأزمان، وبغض النظر عن اللون أو الجنس.
وهؤلاء الإسرائيليون في زمن موسى -عليه السلام- هم إخوة لنا في الإيمان،
منهم موسى -عليه السلام- ثالث أفضل رجل في تاريخ البشرية بعد محمد
وإبراهيم صلى الله عليهما وسلم، وفي هؤلاء الإسرائيليين من فيهم من
الصالحين، وإن كان الغالب عليهم نقص الإيمان إلى الدرجة التي جعلت
المصطفين منهم الذين اصطفاهم موسى -عليه السلام- للقاء ربه سبعين رجلًا
وحسب، إلا أنه في ذلك الوقت كان بنو إسرائيل هم أمة التوحيد لذلك انصرف حب
المؤمنين وولاؤهم لإخوانهم في العقيدة.
ومن نافلة القول أن نشير إلى أن أداء العبادات شكرًا لله على النعم أمر
مشروع في الجملة، ولكن الاعتناء بيوم معين واعتقاد فضيلة خاصة له، فضلاً
عن اعتقاد أن هذه الفضيلة تتكرر سنويًا فلابد فيه من تشريع، ومن هذا يتضح
أن يوم عاشوراء نجى الله فيه موسى -عليه السلام- ثم شرع له تعظيم ذلك
اليوم من كل عام، وأن هذا مما أُثبت في شرعنا ولم ينسخ، تأكيدًا على
الرابطة الإيمانية بين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانهم من أتباع
إخوانه من الأنبياء قبله، ومن المعاني اللطيفة بالنسبة لأهل مصر هو أن هذا
اليوم يمثل أيضًا براء من قومية بغيضة أراد أعداء الأمة إحياءها لتكون
بديلاً عن رابطة الإيمان.
ومن المعلوم أن أهل مصر لا ينحدرون كلهم من جنس القبط، فمنهم من العرب
والبربر والترك، بل والروم واليونان، وإن كان الإسلام قد وحد بين كل هذه
الأجناس بفضل الله تعالى، ومن ثم لا يصح إطلاق أننا أحفاد الفراعنة، وحتى
من كان بالفعل من أحفادهم فقد ضرب الله لنا هذه الأسوة: {قَدْ
كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ
إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ
وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}
[الممتحنة: 4]. وصيام يوم عاشوراء يؤكد هذا المعنى، حيث نصوم لله شكرًا
على نجاة موسى ومن معه -وإن كانوا من بني إسرائيل- من فرعون وملئه -وإن
كانوا من المصريين-.
يبقى جانب آخر من جوانب البراء، يتمثل في
الحكمة من ضم يوم إلى اليوم العاشر قبله أو بعده أو كليهما، وذلك أن النبي
صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة كان يحب أن يوافق اليهود فيما لم
ينه عنه تأليفًا لقلوبهم، ولما وجدهم يصومون يوم عاشوراء أمر بصيامه،
وقال: «أنا أولى بموسى منهم»
ولم يشرع للمسلمين مخالفة لهم في طريقة الصوم، ثم لما تبين عنادهم شرع
الله له مخالفتهم في كل شئونهم، حتى الأمور المشروعة لنا ولهم شرع الله
للمسلمين مخالفتهم في بعض صفاتها، وقد استقر هذا الأمر فعلمه المسلمون
واليهود على حد سواء حتى قالت اليهود: "ما يريد هذا الرجل -يعنون محمدًا
صلى الله عليه وسلم- أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه".
وأما المسلمون وكأنهم ومع استقرار هذه القاعدة عندهم لاحظوا أن صيام
عاشوراء على خلافها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم قائلين: -وكان هذا
قبل وفاته بعام- إنه يوم تعظمه اليهود فقال: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» (رواه مسلم). أي والعاشر، فلم يأت العام الذي بعده حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورد عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده» (حسنه الحافظ).
وهذه المخالفة في الصفة في أمر مشروع لنا ولهم هي من باب التنبيه بالأدنى
على الأعلى، فيدل من باب أولى على مخالفتهم فيما نسخ في شريعتنا، وأكد من
ذلك مخالفتهم فيما أحدثوه لاسيما ما كان كفرًا أو شعارًا للكفر، ومن ذلك
أعيادهم الكفرية.
نسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين إلى ما يحب ويرضى.