السلام عليكم و رحمة الله...
كاتب هذه
السطور مصري حتى النخاع ، مقيم خارج مصر للدراسة ، ساب اللي قدامه و اللي
وراه و نزل شارك في ثورة يناير. المقدمة دي هتوفر علينا اسئلة كتير . من
ناحية اخرى انتمي لحزب الوسط ، وهو حزب متوسط الشعبية مصلحته الشخصية في
تأجيل الانتخابات لكنه يرى ان مصلحة البلد كلها في التعجيل بالانتخابات.
برضه عشان نوفر أسئلة أخرى عن الانتماء للاخوان و لا حاجة.
قد
يكون البقاء بعيدا عن مسرح الاحداث نقطة ضعف عند اصدار مثل هذه التحليلات
الا انها نقطة قوة من حيث صفاء الذهن و الالمام بجوانب مختلفة للصورة و
الوقت للاستماع للكثير من الشهادات المختلة من جميع الاطراف على حد سواء. و
التحليل يحتاج الى درجة من الهدوء لان الاندفاع يؤدي في الغالب الى التحيز
و فقدان الحيادية في الرأي.
برضه لتوفير المزيد من الأسئلة ،
كاتب هذه السطور يرى ان الجيش و الشرطة خانوا الأمانة (سواء عن عمد او عن
جهل : ماتفرقش) وان الموجودين بالتحرير (أغلبهم) شرفاء (لا قابضين و لا
غيره). ولكن... (اخد الحق صنعة ، و القائد الجيد هو الذي يختار موعد و مكان
المعركة و لا ينساق الى اي فخ)!
المجرم في وجهة نظري هو
قيادات النظام السابق التي لا تزال في الخدمة في جهاز الشرطة و التي لا
تزال تتلقى اوامر من طرة ، و هي المسؤولة عن حالات الفوضى السابقة و
البلطجية المأجورين و خلافه ، و يدعمها مجموعة كبيرة من رجال الاعمال
المتربحين من النظام السابق و الفلول التي لا يمكن أن تصدقوا الى اي مدى هم
مستعدون للذهاب لافشال هذه الثورة!
هذا التحليل مبني على
شهادات الثقات من أصدقائي الموجودين بالميدان و المستشفيات الميدانية
بالقاهرة و الاسكندرية ثم على البث المباشر (و ليس التقارير الاخبارية)
لقناة الجزيرة.
إليكم سرد الأحداث من وجهة نظري:
1-
واضع وثيقة السلمي (وهم من اوحوا اليه بهذه الافكار) كان يتصور حدوث
سيناريو من اتنين: الاول (وهو الاقل احتمالا) ان تنجح الكتلة الموافقة لهذه
الأفكار في تمرير الوثيقة تحت اي مسمى تعرفونه جيدا ، و الثاني ان تؤدي
الوثيقة الى حالة غضب و استفزاز شديد للتيار الاسلامي و الكثير من الجماهير
التي لا تود ان ترى العسكر متسلطين على رقابنا للأبد ، وهو ما كان. الخطة
كانت تقوم على استغلال حالة التوتر و تصعيدها لإيجاد سبب قوي لتأجيل
الانتخابات و لكسب المزيد من الأرض لمصلحة انصار المجلس العسكري و حزب
الكنبة و الفلول و خلافه ، و كذلك الوقيعة بين عناصر الثورة و تياراتها.
نشوف ازاي الكلام ده مع بعض
.2- قامت المليونية يوم الجمعة
18 نوفمبر ، و حيث ان اغلب التيارات تعلمت من دروس العديد من الملوينات
الفاشلة السابقة و التي انتهت بحالات فوضى عارمة و اصطدام مع الشرطة و
الجيش قرر أغلب الموجودين عدم الاعتصام و العودة لمنازلهم على وعد بتكرار
هذه المليونيات حتى تحقيق اهدافها المطلوبة
.3- هذا القرار
كان عكس ما يحتاجه جهاز الشرطة تماما ، و هذا يفسد خطتهم ، فقاموا
بزرع بعض العناصر التي كانت تدعو الناس للاعتصام و البقاء في الميدان ، و
لم تنجح هذه العناصر الا في اقناع 400 شخص تقريبا بالبقاء في الميدان. و
لكن هذا كان كافيا للمرحلة التالية من الخطة. طبعا هذه العناصر اختفت بعد
ذلك في صبيحة اليوم التالي (شهود)
.4- في صبيحة اليوم
التالي ، بدا تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة و التي تهدف لحشد الناس في
الميدان و تأجيج اشتباك مستمر بينهم و بين الشرطة و الجيش ، و اسميها مرحلة
الفخ! و تم ذلك عن طريق استخدام القوة المفرطة في فض اعتصام 400 شخص! كلنا
لاحظنا ذلك و لا حظنا انه من غير المنطقي احداث هذا الكم الهائل من
الاصابات لفض 400 شخص. النتيجة ان المصريون تصرفوا بتلقائية شديدة و نزلوا
يدافعوا عن اصحابهم و قرايبهم اللي بيضربوا ، او حتى بيدافعوا عنهم لأننا
رجالة و ما نرضاش الظلم
.5- بحلول المساء كانت الأعداد
تزايدت و لكن بشكل غير كافي للمرحلة التالية من الخطة ، فصدرت الأوامر من
جديد بالضرب بعنف و هنا نلاحظ ان عدد الوفيات اول يوم يشكل اكتر من 80% من
الوفيات في الاحداث كلها! و قد ادت هذه "الغشومية" الى تفجير موجة غضب
هائلة نجحت في دفع اعداد متزايدة من المصريين للنزول للميدان للدفاع عن
اخواتهم.
6- هنا تبدأ المرحلة التالية بعد مرحلة (الفخ) و هي
مرحلة (الاستنزاف) ، و الروايات تشهد بان الأيام التالية و حتى تاريخ
كتابة هذه السطور شهدت السيناريو التالي:تقدم قوات الشرطة و اطلاقها قنابل
الغاز على المتظاهرين و تنتشر بين المتظاهرين فكرة ان الشرطة تنوي اقتحام
الميدان ، يتقدم الشباب للصفوف الأمامية و يبداون في مواجهة الشرطة ، تبدا
الشرطة بالانسحاب شيئا فشيئا ، يندفع الشباب وراءهم فرحين بتقهقرهم ، عندها
تركز عليهم الشرطة الضرب و التصويب في العين الى آخره من البهدلة (الله
ينتقم منهم) فيتراجع الشباب الى الميدان من جديد ، وحالات هدوء متقطعة ،
يتبعها موجة جديدة من الشرطة تقترب من الميدان و هكذا و هكذا.
شواهد
هامة:
- السيناريو نفسه متبع في القاهرة و الاسكندرية و على
مدار عدة ايام فيستحيل ان يكون صدفة.
- الضرب العنيف مقصود لأنه لما
الدم بينزل العقل بيتوقف و الاندفاع بيزيد مما يوقع الطرف الآخر في مزيد
من الاخطاء ، و خصوصا اخوانا و حبايبنا البسطاء اللي كرامته و تاره عنده
اعلى من اي حاجة و لازم ييجوا في التو و اللحظة و مش ممكن ينتظروا لأي سبب.
7-
من ناحية أخرى: من باب التنويع ، استخدمت الشرطة خطة أخرى للاستفزاز في
حالة هدوء المتظاهرين وهي مجموعة من الشباب مندسة وسط المتظاهرين لتسخينهم و
الهجوم على المأموريات و وزارة الداخلية و خلافه في الأوقات المطلوبة مما
يعطي الشرطة مبررا لمعاودة الهجوم و هكذا.
ملاحظات هامة:
-
هذا يفسر ان الثوار صادقين لما قالوا ان الشرطة اللي بتهاجمهم و انهم مش
عاوزين يقتحموا الوزارة او المديرية ، و يفسر الصور و الروايات المستمرة
لناس بتحاول استفزاز الجيش و الاحتكاك بالشرطة و الاندفاع نحو المديرية و
الوزارة!
- الخطة ناجحة تماما بدليل ان بقالنا 6 أيام حتى كتابة
هذه
السطور الوضع معلق عند نقطة واحدة.
-ابراهيم عيسى و هو معروف بعداؤه
للمجلس العسكري خرج يؤيد هذه النظرية و يقسم على ان المسؤول عن تحريك
الشرطة هو اللواء سامي سيدهم و تاريخه معروف و ولاؤه للنظام السابق.
8-
قام اخوانا الفلول بالاستغلال الأمثل لهذه الظروف و اللعب على جميع
الأوتار (ضرب البيض جميعا بحجر واحد):
أ- تشويه صورة الثوار
امام المجتمع و سحب المزيد من الأرض من تحت ارجلهم بدليل انه فعلا عدد
الناس الموجود اقل من اي يوم من ايام الثورة!
ب- الوقيعة بين عناصر
الثورة بنشر نغمة الاخوان و السلفيين هينزلوا و لا لأ؟ الاخوان فهموا انهم
يستدرجوا لمعركة ليست معركتهم ، و قرروا عدم النزول ، و السلفيين قالوا
هننزل نفصل بين المتعاركين ، و هنا احب اؤكد ان هذا القرار من جانب الاخوان
لا يصب في مصلحتهم الانتخابية اطلاقا بل هم اختاروا ان يخسروا جزءا من
شعبيتهم بين الثوار على الاقل في مقابل عدم اعطاء الفرصة للعدو لتصعيد
الموقف.
ج- ملاحظة: ليه ما سمعناش الناس بتقول الوفد ما نزلش و
خان
الثورة ، الشيوعيون ما نزلوش و خانوا الثورة ، مثلا ؟ لأنه كان المقصود
بالضربة هنا هم الاخوان تحديدا.
9- الجيش - بفهمه البطيء -
قرر انه يتصرف بعد 6 أيام للقيام بفصل حقيقي بين المتظاهرين و الشرطة حتى
يلغي حجة كل طرف ان الطرف الآخر عايز يهاجمه. الموقف لا يزال معلق عند هذه
النقطة حتى الآن.
في الجزء التالي من هذه المقالة احب اوضح
رأيي في مجموعة من المسائل الساخنة:
1- الله يلعن
الانتخابات على دماغ اللي عايزينها ، انتم مش شايفين الناس بتموت ، هي
الانتخابات كانت هتحل ايه يعني؟
ده شعور
مفهوم في ضوء التأثر بالاحداث لكنه غلبته العاطفة فلم يتنبه للواقع:- مجلس
الشعب المنتخب اعلى سلطة من الجيش و من الدستور نفسه ! أي و الله! ليه ؟
لأن مجلس الشعب بأغلبية التلتين من حقه أن يغير الدستور دون الرجوع الى
رئيس الدولة ، بمعنى ان كل حقوقنا اللي الجيش واكلها ممكن نجيبها من خلال
مجلس الشعب حتى لو الجيش فرض مبادئ فوق دستورية باعلان دستوري يقدر المجلس
باغلبية التلتين ينقدها! - اي قرار الجيش يتخذه خاطئ هنقدر نثور عليه و
داخل البرلمان من غير ما نعتصم و لا نحتل ميادين و لا نقدم شهداء في كل مرة
نحتاج نصلح فيها البلد.
2- يعني انت فاكر انه في ظل
نظام فاسد و فلول هيبقى في انتخابات نزيهة؟
الانتخابات
المرة دي مختلفة من حيث ان هيكون عليها مراقبة شعبية و دولية عنيفة ،
الفلول مش هيسكتوا و هيحاولوا يعملوا الاعيبهم بس المرة دي في الدرا ، يعني
اللي هيوزع فلوس هيوزعها في البيت مش في الطابور ، و مش هيبقى فيه صناديق
جاية بالاصوات جاهزة و مش هيبقى فيه اوتوبيسات تجمع موظفين الدولة بالاجبار
و تجبرهم على التصويت للوطني مقابل مبلغ تافه او وجبة. طبعا من باب
الموضوعية لازم في منهم مجموعة هتنجح و مستحيل نتخيل ان الشعب كله هيختار
صح من اول مرة!
صدقني.. لو كان الفلول واثقين انهم
هيقدروا يكسبوا بالتزوير و بفلوسهم مكانوش لجأوا إلى الخطة المكلفة اللي
بيتبعوها حاليا بتاعت توقيع الناس في بعض عشان يأجلوا الانتخابات! الوضع
الحالي هو اقوى دليل انهم خايفين من الانتخابات و مش ماللين ايديهم منها.
3-
انت مش شايف اننا حققنا انتصار و بدرنا موعد انتخابات الرئاسة و اقلنا
الحكومة و المجلس خلاص هيمشي؟
للاسف ده
كلام مش سليم : لو الوضع استمر على ما هو عليه يا اما الانتخابات هتتأجل ،
يا إما هتفشل أمنياً ، و في الحالتين هتتأخر ، و بناء عليه انتخابات
الرئاسة و موعد تسليم السلطة هيتأخر. الحكومة ايامها في السلطة كده كده
معدودة و ممكن نوقعها بمليونيات للضغط من غير اعتصام. و اخيرا المجلس مش
هيسلم لأن عدد الناس المتظاهرين لا يظل غير كافي بالمرة لتمثيل ارادة شعبية
قوية ، اللي هيعمله انه هيدور على حد تاني و يكلفه بالوزارة و يتيح له
المزيد من الصلاحيات ، و طبعا اللي هييجي هيكون انقح من اللي فات (و
الاشاعات دلوقتي بتقول عمرو موسى و السيد البدوي)!! الدكتور البرادعي مش
هيرضى يمسك وزارة منقوصة الصلاحيات و الجيش مش هيسلم صلاحياته للبرادعي!
4-
يعني عايز دم اللي ماتوا و استشهدوا و عيون الناس تروح هدر؟
لا
طبعا ، انا خسرت قريب لي في المظاهرات الحالية ، لكن الطريقة دي مش هتجيب
حق اي حد ، آخر حاجة ممكن تحصل ان الجيش يكلف لجنة تقصي حقائق من وزارة
العدل ، طبعا النتيجة معروفة سلفا ، الشهداء ما شافوش ، و الشرطة ما ضربتش ،
و حق الناس يروح. حق الشهداء لا يسقط بالتقادم ، لما نزيح الجيش و نشكل
حكومة يتولاها ناس شرفاء هنقدر نعمل تحقيقات عادلة و محاكمات سريعة ناجزة و
نجيب حق الجميع.
5- ايه الحل يعني؟
ما
سبق كان تحليل مبني على وقائع ، اما الحل فهو وجهة نظري المتواضعة و اللي
ممكن جدا تكون خطأ :بجانب المطالب المعروفة بوقف اطلاق النار و فتح التحقيق
، و طالما ان الحكومة قد اقيلت يجب ان يعين المجلس العسكري رئيس وزراء
مشهود له بالامانة و الكفاءة ( و مسالة الكفاءة دي مهمة لانها كانت تنقص
الدكتور شرف لأنه كان امين و لكن ضعيف الكفاءة). ممكن نعمل مليونيات عند
اللزوم لكن دون اعتصام.
و الأهم من ده : فض
الاعتصام في ميدان التحرير!
للاسف نعم ، هذه معركة
فرضت علينا في توقيت خاطئ و بطريقة خاطئة ، و الحرب لمجرد الحرب خطا فادح ،
وانا قد وضحت انه مفيش اي نتيجة اتحققت او هتتحقق لهذا الاعتصام الا
المزيد من الضحايا و الخسائر من جانبنا!
انا عارف ان في ناس
هتزعل قوي من الكلام ده ، بس اصعب حاجة انك تقول كلام عكس التيار ، و قبل
ما يبدا سيل الاتهامات يا ريت تقروا الكلام اللي كتبته بالراحة ، و نفكر ان
كل خطوة في المعركة لازم نفكر في المكسب و الخسارة قبل الاقدام عليها.
يجوز وجهة نظري خطأ و يجوز صح ، لذا انا منفتح لجميع الآراء ، لكن ارجو
ايضا من الجميع انه يفكر شوية في منطقية الكلام.
واخيرا
اقتبس هذه الكلمات من الكتاب الصيني العظيم: فن الحرب : القائد الجيد يختار
موعد و موضع المعركة و لا ينساق اليها سوقاً.
و أخد الحق...
صنعة!
كاتب هذا المقال .. / د عمر شكرى صقر .. حزب الوسط .. مصرى رأى الاحداث من وجهة نظرة الخاصة