الفصيل الليبرالي ومعه الفصيل العلماني العام في الوطن العربي والعالم الإسلامي كله ما هو إلا نبتة شاذة متسلقة، تفتقد للتناغم العام مع مجتمعاتها وأمتها، ودائما ما تصر على التسلق والصدارة وإن باعت مبادئها وإن داست منهجها وإن تناغمت مع الاستبداد، الذي لا كيان لها بدونه.
يتشدق الليبراليون والعلمانيون بمبادئ الديمقراطية والحرية، فإن أفرزت ديمقراطيتهم النتاج الطبيعي لمجتمعات إسلامية وهو صعود الإسلام بين الجماهير، هنا تكفر الليبرالية بالديمقراطية ويتخلى العلمانيون عن مبادئ الحرية المزعومة، حيث تقتصر الحرية في زعمهم على حرية الكفر وال**** والشذوذ والعهر والإباحية.
بينما تضيق الحريات عندهم عن تقبل الإسلام والطهر والعفاف والنقاء، وهذا ليس بغريب على من تربوا على الفلسفة البرجماتية الاستغلالية اللادينية، وليس بغريب على من تربوا على مائدة ماركس ولينين.
لكن العجيب حقاً هو تصديق بعض المستغفلين لما يتشدق به الليبراليون من مبادئ، وتكون دائماً الصدمة عندما تتخلى الليبرالية عن مبادئ الحرية والشورى إذا ما أفرزت الإسلام واختارته الجماهير.
هنا تسفر العلمانية والليبرالية عن وجهها القبيح، وهنا يكفر العلمانيون والليبراليون بكل مبادئهم، بل وفي كثير من الأحيان يفقدون صوابهم، فيبدون العداوة والبغضاء لكل ما يمت للإسلام بصلة، وما تبدي صدورهم أكبر.
وهنا يأتي التحذير الإلهي من اتخاذهم بطانة أو ائتمانهم على مقدرات المسلمين :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران :118]، قال الإمام ابن كثير رحمه الله :
"يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة أي يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالا أي يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن وبما يستطيعون من المكر والخديعة ويودون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم، وقوله تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْْ} أي: من غيركم من أهل الأديان وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخل أمره وقد روى البخاري والنسائي وغيرهما من حديث جماعة منهم يونس ويحيى بن سعيد وموسى بن عقبة وابن أبي عتيق عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه والمعصوم من عصمه الله».
ثم قال :قال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} أي قد لاح على صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم من العداوة مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله ما لا يخفى مثله على لبيب عامل ولهذا قال تعالى {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ}.أ هـ
لذا كان لزاما على المجتمع المسلم أن يحذر من أصحاب الفلسفات المغايرة للإسلام والمعادية له، وألا يكشف ظهره لأرباب الطابور الخامس في ديار المسلمين من أمثال هؤلاء، حتى لا يعطيهم الفرصة التي ينتظرونها بكل شغف للانقضاض على الإسلام والمسلمين.
وقد ذاقت الأمة الإسلامية ولازالت الكثير من المعاناة والمآسي من تحالف العلمانيين مع الاستبداد.
هذا التحالف الشيطاني الذي يشترك في قاعدته على عداء الإسلام الذي يرفض بداهة الاستبداد والظلم كما يلفظ الإباحية والإلحاد والعهر، فالإسلام لا يسمح للمستبدين بممارسة الاستبداد كما لا يسمح لليبراليين والعلمانيين بممارسة الحريات الشاذة المنافية لفطرة الله التي فطر الناس عليها، فالإسلام لا يقبل حرية الكفر والإلحاد كما لا يقبل حرية العهر والفجور والشذوذ.
لذا كانت قيود الشرع هي العدو الأول لكلا الفريقين، فقيود الشرع تمنع المستبد من بطشه وعلوه في الأرض كما تمنع الفاسد من حرية الفساد.
فكان التحالف المر الذي أذاق الأمة الإسلامية الويلات، وفرض عليها الابتعاد عن شرع ربها، ولا زالت معظم دول الأمة ترزح تحت حكم الاستبداد وحلفاءه من بني علمان.
لذا فكان لزاماً على كل مجتمع مسلم بدأ يتنفس عبير الحرية أن يحذر كل الحذر من تلون المفسدين، ولباسهم لباس المصلحين، وتمسحهم بمبادئ هم أبعد الناس عنها، فإذا ما تمكنوا وسادوا أوسعوا الطريق لحليفهم الطبيعي الذي لا يوفر لهم البيئة التي لا يستطيعون العيش في سواها ألا وهو الاستبداد.
وفي النهاية بشارة: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8].