قال تعالى: ] ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً [ الإسراء،
وقال تعالى مادحاً المؤمنين: ] والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً [ الفرقان،
وقال سبحانه يصف قيام الليل: ] إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً [ المزمل.
قال الطبري: " أشد وطأً أي أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة ".
هذا وإن للتهجد في نظر الشرع أهمية كبيرة في حياة المسلم لذا فقد حذَر رسول الله r من ترك قيام الليل لمن اعتاده . فعن عمرو بن العاص t قال: قال لي رسول الله r: " يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل " رواه البخاري.
وأما وقت التهجد فهو الثلث الأخير من الليل، فقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة النبي r
بالليل؟ قالت: " كان ينام أوله ويقوم آخره فيصلي ثم يرجع إلى فراشه فإذا
أذن المؤذن وثب فإن كان به حاجة اغتسل، وإلا توضأ وخرج " رواه البخاري.
وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن النبي r
قال: " إنّ الله تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الأخير ينزل إلى السماء
الدنيا فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل
فأعطيه؟ حتى يطلع الفجر " رواه البخاري ومسلم .
ولكن … ألا تتعارض أهمية النوم للإنسان وضرورته له مع ما يرغب به رب العزة سبحانه وتعالى أولياءه والصالحين من عباده على قيام الليل؟
يجيب الدكتور سمير الحلو على
هذا التساؤل بأن الإنسان ليس جسداً فقط يعمل نهاره ثم يطلب الراحة في
الليل مع ما يتخلل ذلك من طعام ولهو، بل إن له ملكات أخرى لها أثرها
الكبير في نشاطه وحيويته، إنها القوة الروحية الهائلة التي تجعل منه طاقة
عظيمة تخشاها طواغيت الأرض ومردة الجن وتجعل منه ولياً من أولياء الله، ثم
إن دراسة علمية قامت بها الدكتورة سلوى محمد رشدي أثبتت أن المعتادين على قيام الليل يتمتعون بمستوى أداء أعلى بالنسبة لفقرات ظهورهم مقارنة مع الذين لا يقومون الليل.
كما أثبتت الدراسات الطبية أن
الذي ينام على وتيرة واحدة ساعات طويلة يتعرض للإصابة بأمراض القلب بنسبة
عالية، ذلك أن هذا السكون الطويل يؤدي إلى تصلب الشرايين وتضيق في لمعتها
لترسب الشحوم في بطانتها، وتنصح الدراسة أن يقوم النائم بعد أربع ساعات من
نومه لإجراء بعض الحركات الرياضية أو المشي لربع ساعة من الزمن للحفاظ على
مرونة شرايينه ووقايتها من الترسبات الدهنية وما يليها من إصابات وعائية -
قلبية، وفي دعوة الإسلام أتباعه إلى قيام الليل سبق طبي رائع لوقايتهم من
الإصابات المذكورة.
كل هذا يعتبر من دون شك جانباً من المنافع الصحية التي أشار إليها النبي r
حين قال: " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، قربة إلى الله
تعالى ومنهاة عن الإثم وتكفير عن السيئات ومطردة للداء عن الجسم".
وإن نظرة منصفة إلى قول النبي r
" ومطردة للداء عن الجسد " ومقارنتها لما أورده الأطباء اليوم من فوائد
لقيام الليل للجسد تؤكد الإعجاز الطبي في هذا الحديث النبوي الشريف البليغ.