ذا كانت باريس تباهى العالم ببرج إيفل، وإيطاليا تجتذب السياح ببرج بيزا المائل، فالقاهرة تفتخر أيضاً ببرج القاهرة الذى يتوسط فرعى النيل، ورُوعى فى تصميمه، وارتفاعه أن يكون فريداً من نوعه فى الشرق الأوسط.
برج القاهرة تحفة معمارية، بنى على شكل زهرة اللوتس الفرعونية، رمزاً لحضارتهم العريقة، ويعد أحد المزارات التى تجتذب السائحين من أنحاء العالم.
أنشئ فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر بين عامى 1956 و1961 من الخرسانة المسلحة، و يقع فى قلب القاهرة على جزيرة الزمالك بنهر النيل، ويصل ارتفاعه إلى 187 متراً، وهو ما يجعله أعلى مبنى فى العاصمة، بل يزيد فى ارتفاعه عن الهرم الأكبر بحوالى 43 متراً.
يتكون من 16 طابقاً، ويقف على قاعدة من أحجار الجرانيت الأسوانى، التى سبق أن استخدمها المصريون القدماء فى بناء معابدهم، ويوجد فى قمته مطعم سياحى على منصة دوارة، تلف برواده، ليرى من بداخله معالم القاهرة من كل اتجاه.
اشترك فى بنائه 500 عامل، وتكلف 6 ملايين جنيه، أعطتها الولايات المتحدة لمصر، بهدف التأثير على موقفها المؤيد للقضية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسى.
يقول المؤرخ العسكرى جمال حماد: إن البرج كان له اسمان، فالأمريكان أطلقوا عليه «شوكة عبدالناصر»، أما المصريون فأطلقوا عليه اسم «وقف روزفلت»، نسبة إلى الرئيس الأمريكى «فرانكلين روزفلت»، ويعتبر رمزاً لأكبر وأطول «لا» فى التاريخ، لأن الملايين الستة لم تخدع عيون الرئيس عبدالناصر ليغير موقفه تجاه القضايا العربية، بل ورفض حتى أن يخصصها للإنفاق على البنية الأساسية، رغم احتياج البلاد لهذا المبلغ آنذاك، ولكن عبدالناصر أراد أن يبنى علماً يظل بارزاً مع الزمن على كرامة مصر، حتى وإن كانت فى أشد الاحتياج.
الستة ملايين جاء بها حسن التهامى، مستشار رئيس الجمهورية، وقتها وسلمها للرئيس بعد عودته من زيارة للولايات المتحدة.
أضاف إيهاب حسن، مدير برج القاهرة حالياً، إن عبدالناصر قام بتكليف المهندس «نعوم شبيب» اللبنانى الجنسية، المشهور بتصميماته للعديد من المنشآت والمبانى العالمية والمصرية، ومنها الكاتدرائية المرقسية، لتصميم البرج، واشترك معه المهندس عقيد عز الدين فرج، وأشرف على البناء اللواء حلمى نجيب سويلم، واستغرق 5 سنوات، فكان «نعوم» يقوم بتنفيذ كل أفكاره على الورق بطريقة يدوية، واخترع طريقة تنفيذ فريدة، عن طريق تشكيل الشكل المطلوب لقالب صب خرسانى من تربة الأرض، ثم قام بوضع أسياخ الحديد وتشكيلها طبقاً للتصميم الإنشائى فى قلب القالب، من ثم يتم صب الخرسانة فوقها، وبعد تماسك الخرسانة تم رفعها بالروافع لتوضع فى مكانها على ارتفاعات وصلت إلى 12 متراً، وقام بتسجيل براءة اختراع لهذه التقنية فى التنفيذ تحت اسم «أقواس شبيب».
بالنسبة للتربة غير القادرة على تحمل الأحمال المركزة، فإن «نعوم» ابتكر لها طريقة هى الأخرى، وقام بتصميم قواعد إنشائية فريدة تعتمد على توزيع الأحمال على أكبر قدر ممكن من مسطح الأرض عن طريقة زيادة عدد نقاط الاتصال، بارتفاع متر تقريباً، وكانت تنفذ بنفس طريقة «أقواس شبيب» من قوالب على الأرض، وبالتالى استخدام هذه «القواعد الطائرة» وفر نقاط اتصال واسعة بين القواعد والأرض، تستمد قوتها من هذا القطع المكافئ.
وتجرأ «نعوم» فى صنع الخرسانة المسلحة، ووضع أسطحاً خارجية أنيقة وخفيفة وشفافة تقريباً للبرج بارتفاعات غير مسبوقة فى مصر وقتها، ولم تكن تتوافر تكنولوجيا البناء الميسرة له، لمبنى رفيع وحاد برؤية تحمل الكثير من الحداثة للمدينة.
وقال «إيهاب»: هناك روايات حول هذا البناء، منها أن جمال عبدالناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا يبحثون مسألة بناء برج لاسلكى للاتصالات العالمية، التى تقوم بها وزارة الخارجية وإدارات المخابرات، وقيل لعبدالناصر إنه سبق أن تم شراء بعض المعدات، ولما وجد أنه ليست هناك أموال مرصودة فى المي**** لهذا الأمر، قيل له إن المال جاء من اعتماد أمريكى خاص، ودهش عبدالناصر.. إذ كانت هذه أول مرة يسمع فيها بوجود مثل هذا الاعتماد الخاص، وقيل له عندئذ إن وكالة المخابرات الأمريكية وضعت تحت تصرف اللواء محمد نجيب 3 ملايين دولار.
وكان المبلغ قد تم تسليمه بواسطة عميل أمريكى فى حقيبة ضخمة، وسلمت الحقيبة فى الواقع إلى ضابط فى المخابرات المصرية، كان يعمل كضابط اتصال بين المخابرات المصرية ووكالة المخابرات الأمريكية، وتمت عملية الدفع والتسلم فى بيت العميل الأمريكى بناحية المعادى، واستشاط عبدالناصر غضباً عندما سمع بذلك.. وتوجه بالسيارة فوراً إلى مجلس الوزراء، وطلب تفسيراً من محمد نجيب، الذى كان آنذاك رئيساً للوزراء.
وأصر «نجيب» على أنه فهم أنه ليس للمخابرات الأمريكية علاقة بذلك المبلغ، وأنه مرسل من الرئيس أيزنهاور، الذى خصص اعتماداً مالياً لبعض رؤساء الدول ليتمكنوا من تجاوز مخصصاتهم المقيدة بالمي**** من أجل الدفاع عن أنفسهم وعن بلادهم ضد الشيوعية، وهنا طلب عبدالناصر إيداع المال فى خزينة إدارة المخابرات، وأمر بعدم صرف أى شىء منه إلا بإذن من مجلس قيادة الثورة.
وفى النهاية بنى البرج.. وكان مخططاً له فى الأصل أن يكون برجاً بسيطاً وعملياً يعلوه هوائى لاسلكى وشبكة أسلاك تنحدر إلى الأسفل، لكن عبدالناصر قرر أن يبنيه كنصب يشهد على حماقة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فاستخدم الأموال كلها لبناء البرج الفخم المزركش، الذى يطل على منظر القاهرة كلها.
ويتابع «إيهاب» قائلاً: «فى مؤتمر للفدائيين الفلسطينيين بالقاهرة وقف عبدالناصر فى شرفة فندق هيلتون وتطلع إلى برج القاهرة، وقال هازئاً ومشيراً إلى البرج: «لا تتكلموا.. واحذروا، إننا موضع مراقبة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية».
ويذكر الكاتب سليمان الحكيم، فى كتابه «مذكرات محمود الجيار»، السكرتير الشخصى لعبدالناصر، رواية أخرى حول قصة البناء، موضحاً أن السفير الأمريكى حضر فجأة إلى مكتب الرئيس فى منزله بمنشية البكرى وقال له: إن الشعب الأمريكى كلفه بتوصيل هدية خاصة للرئيس عبدالناصر، كانت عبارة عن 5 ملايين دولار لشخصه ولعائلته، فقال عبدالناصر: وأنا قبلت الهدية وبمجرد خروج السفير الأمريكى سعيداً إذا بـ«عبدالناصر» يطلب من الجيار أن يتصل ببعض أساتذة الهندسة الكبار فى الجامعات الخمس وقتها (القاهرة - عين شمس - الإسكندرية - الازهر - أسيوط) لعمل مشروع لا ينساه الأمريكيون بهذه الملايين، وكان وافق من قبل على مشروع برج القاهرة، المواجه بزاوية معينة للسفارة الأمريكية فى جاردن سيتى، وهكذا خلد عبدالناصر الرشوة الأمريكية.
ولم يتوقف دور البرج خلال فترة الستينيات عند كونه معلماً سياحياً بارزاً، وإنما تجاوز ذلك عندما تحول إلى مركز رئيسى لبث الإذاعات السرية والعلنية، التى انطلقت من القاهرة لتغطى قارتى أفريقيا وآسيا، داعمة لحركات التحرر الوطنى.
وقال تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية: إن مصر احتلت فى العام 1960 المرتبة السادسة فى العالم من حيث عدد ساعات الإرسال متعدد اللغات، وبلغت حينذاك 301 ساعة، ارتفعت خلال أعوام قليلة إلى 560 ساعة، وكانت هذه الإذاعات الثورية أحد مبررات العدوان الثلاثى على مصر فى العام 1956. واحتفل العالم بافتتاح برج القاهرة، وعلى واجهته نسر الجمهورية مصنوع من النحاس الأحمر، على ارتفاع 8 أمتار، ويكسو الجدار الداخلى الشكل الشبكى، وحضر الافتتاح كمال الدين حسين، رئيس المجلس التنفيذى للإقليم الجنوبى، نيابة عن الرئيس عبدالناصر، وصلاح الدسوقى، محافظ القاهرة وقتئذ، وصلاح نصر، رئيس جهاز المخابرات العامة، ورشاد مراد، مدير مصلحة السياحة، وفى القاعة الشرقية اجتمع الوزراء احتفالاً بالافتتاح.
وقال رشاد مراد، فى حفل الافتتاح: «إن البرج رمز للانطلاق والتحرر اللذين عما الجمهورية العربية المتحدة منذ قيامها»، وأعقبه المهندس نعوم شبيب قائلاً: «إن هذا البرج عربى فى تنفيذه وإنشائه، وفى كل شىء أُقيم داخله أو خارجه، كما طاف المدعوون واجهات البرج التى اشتركت فيها الوزارات والمصالح الحكومية وشركات أهلية بمعروضاتها، مثل وزارة المواصلات، ووزارة الأشغال العمومية، وهيئة حديد مصر، وهيئة قناة السويس، والهيئة العامة للمصانع الحربية، وغيرها.
وطلب كمال الدين حسين من المشرفين على البرج تغيير المعروضات بصفة دورية، ليطلع الأجانب والسياح على مختلف نواحى التقدم الصناعى والتجارى والزراعى فى البلاد، وزين بهو البرج بالرسومات الشعبية التى تمثل الحياة العربية بالجمهورية، ومنها لوحة كبيرة من السيراميك تبلغ مساحتها 100 متر، تكلفت 1500 جنيه، صنعها أحمد عثمان، أستاذ النحت، وأحمد مظهر، أستاذ الزخرفة بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، واشترك معهما 70 طالباً وطالبة.
وظل سعر تذكرة الدخول 10 قروش فى الأيام العادية، و15 قرشاً فى أيام الجمع والأحاد والأعياد، ومواعيد الدخول من التاسعة صباحاً وحتى الثانية بعد منتصف الليل، ودخول الأطفال بالمجان، قبل أن تتغير الأحوال فى مرحلة السبعينيات.
وتستغرق الرحلة داخل مصعد البرج للوصول إلى نهايته 45 ثانية، لتشاهد عندما تقف على القمة بانوراما كاملة للقاهرة، ترى فيها الأهرامات، ومبنى التليفزيون، وأبا الهول، والنيل، وقلعة صلاح الدين، والأزهر، وتشعر وأنت تنظر فى النظارة المكبرة أنك تزور مصر فى لحظة واحدة، وبعد عمليات ترميم استمرت حوالى 4 سنوات، تكلفت حوالى 15 مليون جنيها افتتح البرج مرة أخرى رسمياً بعد تطويره، فى أبريل 2009، ليعلن للعالم كله بوجوده، فاتحا أبوابه طيلة اليوم للاستمتاع بالمناظر الخلابة للقاهرة، كما احتفل البرج باليوبيل الذهبى، ليظل النجم الساطع فى مصر المحروسة
برج القاهرة تحفة معمارية، بنى على شكل زهرة اللوتس الفرعونية، رمزاً لحضارتهم العريقة، ويعد أحد المزارات التى تجتذب السائحين من أنحاء العالم.
أنشئ فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر بين عامى 1956 و1961 من الخرسانة المسلحة، و يقع فى قلب القاهرة على جزيرة الزمالك بنهر النيل، ويصل ارتفاعه إلى 187 متراً، وهو ما يجعله أعلى مبنى فى العاصمة، بل يزيد فى ارتفاعه عن الهرم الأكبر بحوالى 43 متراً.
يتكون من 16 طابقاً، ويقف على قاعدة من أحجار الجرانيت الأسوانى، التى سبق أن استخدمها المصريون القدماء فى بناء معابدهم، ويوجد فى قمته مطعم سياحى على منصة دوارة، تلف برواده، ليرى من بداخله معالم القاهرة من كل اتجاه.
اشترك فى بنائه 500 عامل، وتكلف 6 ملايين جنيه، أعطتها الولايات المتحدة لمصر، بهدف التأثير على موقفها المؤيد للقضية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسى.
يقول المؤرخ العسكرى جمال حماد: إن البرج كان له اسمان، فالأمريكان أطلقوا عليه «شوكة عبدالناصر»، أما المصريون فأطلقوا عليه اسم «وقف روزفلت»، نسبة إلى الرئيس الأمريكى «فرانكلين روزفلت»، ويعتبر رمزاً لأكبر وأطول «لا» فى التاريخ، لأن الملايين الستة لم تخدع عيون الرئيس عبدالناصر ليغير موقفه تجاه القضايا العربية، بل ورفض حتى أن يخصصها للإنفاق على البنية الأساسية، رغم احتياج البلاد لهذا المبلغ آنذاك، ولكن عبدالناصر أراد أن يبنى علماً يظل بارزاً مع الزمن على كرامة مصر، حتى وإن كانت فى أشد الاحتياج.
الستة ملايين جاء بها حسن التهامى، مستشار رئيس الجمهورية، وقتها وسلمها للرئيس بعد عودته من زيارة للولايات المتحدة.
أضاف إيهاب حسن، مدير برج القاهرة حالياً، إن عبدالناصر قام بتكليف المهندس «نعوم شبيب» اللبنانى الجنسية، المشهور بتصميماته للعديد من المنشآت والمبانى العالمية والمصرية، ومنها الكاتدرائية المرقسية، لتصميم البرج، واشترك معه المهندس عقيد عز الدين فرج، وأشرف على البناء اللواء حلمى نجيب سويلم، واستغرق 5 سنوات، فكان «نعوم» يقوم بتنفيذ كل أفكاره على الورق بطريقة يدوية، واخترع طريقة تنفيذ فريدة، عن طريق تشكيل الشكل المطلوب لقالب صب خرسانى من تربة الأرض، ثم قام بوضع أسياخ الحديد وتشكيلها طبقاً للتصميم الإنشائى فى قلب القالب، من ثم يتم صب الخرسانة فوقها، وبعد تماسك الخرسانة تم رفعها بالروافع لتوضع فى مكانها على ارتفاعات وصلت إلى 12 متراً، وقام بتسجيل براءة اختراع لهذه التقنية فى التنفيذ تحت اسم «أقواس شبيب».
بالنسبة للتربة غير القادرة على تحمل الأحمال المركزة، فإن «نعوم» ابتكر لها طريقة هى الأخرى، وقام بتصميم قواعد إنشائية فريدة تعتمد على توزيع الأحمال على أكبر قدر ممكن من مسطح الأرض عن طريقة زيادة عدد نقاط الاتصال، بارتفاع متر تقريباً، وكانت تنفذ بنفس طريقة «أقواس شبيب» من قوالب على الأرض، وبالتالى استخدام هذه «القواعد الطائرة» وفر نقاط اتصال واسعة بين القواعد والأرض، تستمد قوتها من هذا القطع المكافئ.
وتجرأ «نعوم» فى صنع الخرسانة المسلحة، ووضع أسطحاً خارجية أنيقة وخفيفة وشفافة تقريباً للبرج بارتفاعات غير مسبوقة فى مصر وقتها، ولم تكن تتوافر تكنولوجيا البناء الميسرة له، لمبنى رفيع وحاد برؤية تحمل الكثير من الحداثة للمدينة.
وقال «إيهاب»: هناك روايات حول هذا البناء، منها أن جمال عبدالناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا يبحثون مسألة بناء برج لاسلكى للاتصالات العالمية، التى تقوم بها وزارة الخارجية وإدارات المخابرات، وقيل لعبدالناصر إنه سبق أن تم شراء بعض المعدات، ولما وجد أنه ليست هناك أموال مرصودة فى المي**** لهذا الأمر، قيل له إن المال جاء من اعتماد أمريكى خاص، ودهش عبدالناصر.. إذ كانت هذه أول مرة يسمع فيها بوجود مثل هذا الاعتماد الخاص، وقيل له عندئذ إن وكالة المخابرات الأمريكية وضعت تحت تصرف اللواء محمد نجيب 3 ملايين دولار.
وكان المبلغ قد تم تسليمه بواسطة عميل أمريكى فى حقيبة ضخمة، وسلمت الحقيبة فى الواقع إلى ضابط فى المخابرات المصرية، كان يعمل كضابط اتصال بين المخابرات المصرية ووكالة المخابرات الأمريكية، وتمت عملية الدفع والتسلم فى بيت العميل الأمريكى بناحية المعادى، واستشاط عبدالناصر غضباً عندما سمع بذلك.. وتوجه بالسيارة فوراً إلى مجلس الوزراء، وطلب تفسيراً من محمد نجيب، الذى كان آنذاك رئيساً للوزراء.
وأصر «نجيب» على أنه فهم أنه ليس للمخابرات الأمريكية علاقة بذلك المبلغ، وأنه مرسل من الرئيس أيزنهاور، الذى خصص اعتماداً مالياً لبعض رؤساء الدول ليتمكنوا من تجاوز مخصصاتهم المقيدة بالمي**** من أجل الدفاع عن أنفسهم وعن بلادهم ضد الشيوعية، وهنا طلب عبدالناصر إيداع المال فى خزينة إدارة المخابرات، وأمر بعدم صرف أى شىء منه إلا بإذن من مجلس قيادة الثورة.
وفى النهاية بنى البرج.. وكان مخططاً له فى الأصل أن يكون برجاً بسيطاً وعملياً يعلوه هوائى لاسلكى وشبكة أسلاك تنحدر إلى الأسفل، لكن عبدالناصر قرر أن يبنيه كنصب يشهد على حماقة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فاستخدم الأموال كلها لبناء البرج الفخم المزركش، الذى يطل على منظر القاهرة كلها.
ويتابع «إيهاب» قائلاً: «فى مؤتمر للفدائيين الفلسطينيين بالقاهرة وقف عبدالناصر فى شرفة فندق هيلتون وتطلع إلى برج القاهرة، وقال هازئاً ومشيراً إلى البرج: «لا تتكلموا.. واحذروا، إننا موضع مراقبة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية».
ويذكر الكاتب سليمان الحكيم، فى كتابه «مذكرات محمود الجيار»، السكرتير الشخصى لعبدالناصر، رواية أخرى حول قصة البناء، موضحاً أن السفير الأمريكى حضر فجأة إلى مكتب الرئيس فى منزله بمنشية البكرى وقال له: إن الشعب الأمريكى كلفه بتوصيل هدية خاصة للرئيس عبدالناصر، كانت عبارة عن 5 ملايين دولار لشخصه ولعائلته، فقال عبدالناصر: وأنا قبلت الهدية وبمجرد خروج السفير الأمريكى سعيداً إذا بـ«عبدالناصر» يطلب من الجيار أن يتصل ببعض أساتذة الهندسة الكبار فى الجامعات الخمس وقتها (القاهرة - عين شمس - الإسكندرية - الازهر - أسيوط) لعمل مشروع لا ينساه الأمريكيون بهذه الملايين، وكان وافق من قبل على مشروع برج القاهرة، المواجه بزاوية معينة للسفارة الأمريكية فى جاردن سيتى، وهكذا خلد عبدالناصر الرشوة الأمريكية.
ولم يتوقف دور البرج خلال فترة الستينيات عند كونه معلماً سياحياً بارزاً، وإنما تجاوز ذلك عندما تحول إلى مركز رئيسى لبث الإذاعات السرية والعلنية، التى انطلقت من القاهرة لتغطى قارتى أفريقيا وآسيا، داعمة لحركات التحرر الوطنى.
وقال تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية: إن مصر احتلت فى العام 1960 المرتبة السادسة فى العالم من حيث عدد ساعات الإرسال متعدد اللغات، وبلغت حينذاك 301 ساعة، ارتفعت خلال أعوام قليلة إلى 560 ساعة، وكانت هذه الإذاعات الثورية أحد مبررات العدوان الثلاثى على مصر فى العام 1956. واحتفل العالم بافتتاح برج القاهرة، وعلى واجهته نسر الجمهورية مصنوع من النحاس الأحمر، على ارتفاع 8 أمتار، ويكسو الجدار الداخلى الشكل الشبكى، وحضر الافتتاح كمال الدين حسين، رئيس المجلس التنفيذى للإقليم الجنوبى، نيابة عن الرئيس عبدالناصر، وصلاح الدسوقى، محافظ القاهرة وقتئذ، وصلاح نصر، رئيس جهاز المخابرات العامة، ورشاد مراد، مدير مصلحة السياحة، وفى القاعة الشرقية اجتمع الوزراء احتفالاً بالافتتاح.
وقال رشاد مراد، فى حفل الافتتاح: «إن البرج رمز للانطلاق والتحرر اللذين عما الجمهورية العربية المتحدة منذ قيامها»، وأعقبه المهندس نعوم شبيب قائلاً: «إن هذا البرج عربى فى تنفيذه وإنشائه، وفى كل شىء أُقيم داخله أو خارجه، كما طاف المدعوون واجهات البرج التى اشتركت فيها الوزارات والمصالح الحكومية وشركات أهلية بمعروضاتها، مثل وزارة المواصلات، ووزارة الأشغال العمومية، وهيئة حديد مصر، وهيئة قناة السويس، والهيئة العامة للمصانع الحربية، وغيرها.
وطلب كمال الدين حسين من المشرفين على البرج تغيير المعروضات بصفة دورية، ليطلع الأجانب والسياح على مختلف نواحى التقدم الصناعى والتجارى والزراعى فى البلاد، وزين بهو البرج بالرسومات الشعبية التى تمثل الحياة العربية بالجمهورية، ومنها لوحة كبيرة من السيراميك تبلغ مساحتها 100 متر، تكلفت 1500 جنيه، صنعها أحمد عثمان، أستاذ النحت، وأحمد مظهر، أستاذ الزخرفة بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، واشترك معهما 70 طالباً وطالبة.
وظل سعر تذكرة الدخول 10 قروش فى الأيام العادية، و15 قرشاً فى أيام الجمع والأحاد والأعياد، ومواعيد الدخول من التاسعة صباحاً وحتى الثانية بعد منتصف الليل، ودخول الأطفال بالمجان، قبل أن تتغير الأحوال فى مرحلة السبعينيات.
وتستغرق الرحلة داخل مصعد البرج للوصول إلى نهايته 45 ثانية، لتشاهد عندما تقف على القمة بانوراما كاملة للقاهرة، ترى فيها الأهرامات، ومبنى التليفزيون، وأبا الهول، والنيل، وقلعة صلاح الدين، والأزهر، وتشعر وأنت تنظر فى النظارة المكبرة أنك تزور مصر فى لحظة واحدة، وبعد عمليات ترميم استمرت حوالى 4 سنوات، تكلفت حوالى 15 مليون جنيها افتتح البرج مرة أخرى رسمياً بعد تطويره، فى أبريل 2009، ليعلن للعالم كله بوجوده، فاتحا أبوابه طيلة اليوم للاستمتاع بالمناظر الخلابة للقاهرة، كما احتفل البرج باليوبيل الذهبى، ليظل النجم الساطع فى مصر المحروسة