أقوال العلماء فيمن سب أو استهزاء بالرسول الكريم
وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده ، نبينا و حبيبنا ،وقرة عيونيننا ،وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، الطاهرين الطيبين ، وآل كلٍّ ، وسائر التابعين إلى يوم الدين .
أما بعد : إن سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والانتقاص منه والطعن فيه وفي رسالته من نواقض الإيمان، التي توجب الكفر ظاهراً وباطناً، سواء استحل ذلك أولم يستحله.. لعدة اعتبارات منها:
(أ) جاء في القران الكريم آيات كثيرة تدل على كفر من آذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسب أو استهزاء أو طعن أو تشكيك، فمن ذلك:
1/ قوله - تعالى -: ((ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين امنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم، يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق إن يرضوه إن كانوا مؤمنين، ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم))[التوبة: 61-63]، يقول ابن تيمية: "فعُلم أن إيذاء رسول الله محادة لله ورسوله، لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً إذ أمكن أن يقال: إنه ليس بمحاد، ودلّ ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر؛ لأنه أخبر أن له جهنم خالداً فيها، ولم يقل هي جزاؤه، وبين الكلاميين فرق، بل المحادة هي المعاداة والمشاقة وذلك كفر ومحاربة، فهو أغلظ من مجرد الكفر، فيكون المؤذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كافرا عدوا لله ورسوله، لأن المحادة اشتقاقها من المباينة بأن يصير كل منهما في حد".
2/ قوله - تعالى -: ((يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون، ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين))[التوبة: 64-66] يقول ابن تيمية: "وهذا نص في أن الاستهزاء بالله، وبآياته وبرسوله كفر، فالسب المقصود بطريق الأولى، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاداً أو هازلاً فقد كفر".
3/ قوله - تعالى -: ((إن شانئك هو الأبتر))، أخبر - سبحانه وتعالى - أن شانئه أي مبغضه هو الأبتر، والبتر هو القطع فبين - سبحانه - أنه هو الأبتر بصيغة الحصر والتوكيد، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "إن الله - سبحانه - بترَ شانئ رسوله من كل خير فيبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك في الآخرة ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولا يتزود فيها صالحاً لمعاده ويبتر قلبه فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفته ومحبته والإيمان برسله ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعته ويبتره من الأنصار فلا يجد ناصراً ولا عوناً ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعماً ولا يجد لها حلاوة وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها".
(ب) وردت أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على كفر الساب له - صلى الله عليه وسلم - منها:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رجلاً أعمى كانت له أم ولد تشتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشتمه، فاخذ المغول فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجمع الناس فقال: انشد الله رجلاً فعل ما فعل، لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك، وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وازجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته على بطنها، واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اشهدوا أن دمها هدر)، يقول الخطابي: "فيه بيان أن ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - مهدر الدم، وذلك أن السب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتداد عن الدين، ولا أعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله".
وثبت في الصحيحين من حديث مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه، وابن خطل رجل من بني تميم يقال له ابن عبد العزى بن خطل لما أسلم سمي عبد الله، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدقاً وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولىً له فغضب عليه غضبة ً فقتله ثمّ ارتد مشركاً، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، فلهذا أهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه ودم قينتيه فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة.
سرد أقوال أهل العلم فيمن سب أو استهزاء بالرسول الكريم
يقول القاضي عياض: "دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة على تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره واحترامه، ومن ثم حرم الله - تعالى -أذاه في كتابه، وأجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه، قال الله - تعالى -: ((إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً))[الأحزاب: 57]، وقال - تعالى -: ((وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلك كان عند الله عظيماً))[الأحزاب: 53].
(ج) أجمع العلماء على كفر شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد حكى الإجماع جمع من كثير من أهل العلم، نذكرهم على النحو التالي:
1/ فهذا ابن تيمية يورد إجماع الصحابة بقوله: - وأما الصحابة فلأن ذلك نقل عنهم في قضايا متعددة ينتشر مثلها ويستفيض، ولم ينكرها احد منهم فصارت إجماعا.. فمن ذلك ما رواه سيف بن عمر التميمي في كتاب (الردة والفتوح): "لما رفع إلى المهاجر بن أبي أمية وكان أميرا على اليمامة ونواحيها أنّ امرأة مغنية تشتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقطع يدها ونزع ثنيتها، فكتب إليه الصديق - رضي الله عنه -: بلغني الذي سرت به في المرأة التي تغنت وزمزمت بشتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلو لا ماقد سبقتني لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود، فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد، أو معاهد فهو محارب غادر، وقد ذكر هذه القصة غير سيف".
2/ وقال اسحق بن راهويه: "قد أجمع العلماء أن من سب الله عزوجل أو سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبياً من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر".
3/ ونقل أبو بكر الفارسي، أحد أئمة الشافعية، في كتاب الإجماع أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - مما هو قذف صريح كفر باتفاق المسلمين فلو تاب لم يسقط عنه القتل، لأن حد قذفه القتل، وحد القذف لا يسقط بالتوبة.
4/ ويقول القاضي عياض: ".. ولا نعلم خلافاً في استباحة دمه يعنى ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره".
5/ وقال ابن حزم: "ومن أوجب شيئاً من النكال على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو وصفه، وقطع عليه بالفسق، أو بجرح شهادته فهو كافر مشرك مرتد كاليهود والنصارى حلال الدم والمال، بلا من أحد من المسلمين".
6/ ويقول السبكي: "أما سب النبي - صلى الله عليه وسلم - فالإجماع منعقد على أنه كفر والاستهزاء به كفر".
7/ قال الإمام أحمد: "من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو تنقصه مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل".
8/ قال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة: "وأيما مسلم سب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كذبه أو عابه أو تنقصه فقد كفر بالله وبانت منه امرأته".
9/ قال ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن سحنون، والمبسوط، والعتبية وحكاه مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب: "من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين قتل ولم يستتب".
10/ أحكام القرآن للجصاص الحنفي : (4/275) دار إحياء التراث ببيروت
(وقال الليث في المسلم يسب النبي صلى الله عليه وسلم : إنه لا يُناظر ولا يُستتاب ويُقتل مكانه ) .
11/ فتح الباري : (12/281 ) دار المعرفة ببيروت
(ونقل أبو بكر أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء ، فلو تاب لم يَسقط عنه القتل ؛ لأن حدَّ قذفه القتل ، وحد القذف لا يسقط بالتوبة ... فقال الخطابي لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلماً ).
12/ ويذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (14/273) مكتبة المعارف ببيروت
في أحداث سنة 761هـ : أنَّ رجلاً كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم فرُفع للقاضي المالكي فأظهر هذا الساب جبناً وتقيةً ، فأمر الحاكم المالكي بقتله .
13/ الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة : (4/159) المكتب الإسلامي ببيروت
( وقال الخرقي : ومن قذف أمَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُتل مسلماً كان أو كافراً ، وقال أبو الخطاب : هل تُقبل توبة من سب الله تعالى ورسوله ؟ على ر****ين : إحداهما : لا تُقبل لأن قتله موجب السب والقذف ، فلا يسقط بالتوبة كحد القذف ).
14/ المغني : (9/88) دار الفكر - ط 1
( وقذف النبي صلى الله عليه وسلم وقذف أمِّه ردةٌ عن الإسلام وخروج عن الملة ، وكذلك سبه بغير القذف )
15/ الإنصاف للمرداوي : (4/257 ) دار إحياء التراث العربي
( قال الشارح : وقال بعض أصحابنا فيمن سب النبيَّ صلى الله عليه وسلم : يُقتل بكل حال ، وذكر أن أحمد نص عليه ) .
16/ منار السبيل : (2/360) مكتبة المعارف بالرياض
( قال أحمد : لا تُقبل توبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا من قذف نبياً أو أمَّه ؛ لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجب للكفر ) .
17/ تفسير القرطبي : (ج2/ص49) ط دار الشعب بالقاهرة
( قال مالك في ذمي سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم : يُستتاب وتوبته الإسلام ، وقال مرة يُقتل ولا يُستتاب كالمسلم ) .
وذلك لأن سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلم أعظم كفراً كما قرره الجصاص رحمه الله في أحكام القرآن (4/276) .
ولذا فإنَّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين الذي يأمر فيه بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ليدل على أنَّ المسلم أولى بهذا الحكم .
18/ تفسير القرطبي ج8/ص82 :
( وقال ابن المنذر : أجمع عامة أهل العلم على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم عليه القتل ، وممن قال ذلك مالك والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي ... ورُوي أن رجلاً قال في مجلس عليٍّ : ما قتل كعب بن الأشراف إلا غدراً . فأمر عليٌّ بضرب عنقه . وقاله آخر في مجلس معاوية فقــام محمد بن مسلمة فقال : أيُقال هذا في مجلسك وتسكت ، والله لا أساكنك تحت سقف أبداً ، ولئن خلوتُ به لأقتلنَّه . قال علماؤنا : هذا يُقتل ولا يُستتاب إن نسبَ الغدر للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي فهمه علي ومحمد بن مسلمة رضوان الله عليهما من قائل ذلك ؛ لأن ذلك زندقة ) .
19/ ويقرر رحمه الله هذه المسألة * كذلك- في تفسيره : ج8/ص84 .
20/ ويذكر الإمام الذهبي مذهب مالك في سير أعلام النبلاء : (8/103) مؤسسة الرسالة * ط 9
( قال مالك : لا يُستتاب من سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من الكفار والمسلمين ) .
21/ التاج والإكليل لمختصر خليل : (2/285-286 ) دار الفكر * ط2
( قال عياض : من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عابه ، أو ألحق به نقصاً في نفسه أو دينه أو نسبه أو خصلة من خصاله ، أو عَرَّضَ به ، أو شبَّهه بشيء على طريق السبِّ له والإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه أو العيب له فهو ساب له ، والحكم فيه حكم الساب يُقتل كما نبينه ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا نمتري فيه ؛ تصريحاً كان أو تلويحاً ، وكذلك من نسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذم ، ومشهور قول مالك في هذا كله أنه يقتل حداً لا كفراً ، لهذا لا تُقبل توبته ، ولا تنفعه استقالته وفيئته )
22/ ثم يستطرد صاحب التاج والإكليل (6/287) مبيناً أنه لا اعتبار لقصده فيقول :
( وقال عياض : إن كان القائل لما قاله في جهته عليه الصلاة والسلام غير قاصد السب والازدراء ولا معتقداً له ، ولكنه تكلم في حقه عليه الصلاة والسلام بكلمة الكفر من لعنه أو سبه أو تكذيبه وظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ذمَّه ، ولم يقصد سبه ؛ إما بجهالة حملته على ما قاله ، أو ضجر ، أو سُكر اضطره إليه ، أو قلة مراقبة أو ضبط للسانه وعجرفة وتهور في كلامه فحكم هذا الوجه حكم الأول دون تلعثم ) . أي : يُقتل بلا استتابة كما سبق ذلك له .
23/ وفيه (أي : التاج والإكليل) : 6/288
( من سبَّ الله سبحانه ، أو سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر قُتل ولم يُستتب) .
24/ التلقين في الفقه المالكي لعبد الوهاب بن علي الثعلبي : (2/506 ) المكتبة التجارية بمكة * ط 1
( ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم قُتل ولم تُقبل توبته ) .
25/ الكافي لابن عبد البر : (1/585) الكتب العلمية ببيروت * ط 1
(كل من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُتل مسلماً كان أو ذمياً على كل حالٍ)
26/ حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب : (2/412 * 213) ط دار الفكر
( من عاب النبي صلى الله عليه وسلم أو ألحق به نقصاً " قُتل حداً إن تاب الخ " أي : أو أنكر ما شهدت به عليه البينة يُستعجل بقتله وإن ظهر أنه لم يرد ذمَّ النبي صلى الله عليه وسلم لجهل أو سكر أو لأجل تهور في الكلام، ولا يُقبل منه دعوى سبق اللسان ولا دعوى سهو أو نسيان ... وقيل : إنه يخير الإمام في قتل الساب المسلم أو صلبه حياً ... قوله " لأنه حدٌّ وجب فلا تسقطه التوبة " أي : كالزاني والشارب والقاتل والسارق سوى المحارب فإن حدَّ الحرابة يسقط عنه بإتيانه للإمام طائعاً ، أو ترك ما هو عليه . أما إن لم يتب فإن قتله كفر. اعلم أن ظاهر كلامهم أنه يُستعجل بقتل الساب ومثله الزنديق ولو كان قتلهما كفراً ؛ لأن التأخير ثلاثاً إنما هو في المرتد غيرهما ).
27/ بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للصاوي : (4/241) دار الكتب العلمية - ط1
يقول الشيخ أبو اسحاق الحويني
أما سب الدين فكفر مخرج من الملة ولا يعذر صاحبه بالجهل عندي وكذلك سب الله عز وجل وسب النبي صلى الله عليه وسلم أما ما يذكره البعض من أن الرجل قد يسب الدين وهو يقصد دين الشخص أخلاقه فهذا خيال لا حقيقة له ولم يصادفني في حياتي كلها أن رجلا سب الدين وهو يقصد هذا المعنى إنما يقصد الدين بمعناه المعروف ومن الأدلة على ذلك أنه بعد السب يأتي فيقول أنا كفرت رد عليّ ديني . فلولا أنه كان يقصد الدين بمعناه المعروف لما أقر على نفسه بالكفر .
هذه أقوال أهل العلم الأجلاء في حكم الاستهزاء بالله ورسوله وآياته وصحب النبي الكرام عليهم أفضل الرضوان كما نقلها فضيلة الشيخ عبد الملك القاسم :
والسب كما عرفة ابن تيمية: هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يُفهم منه السبّ في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم، كاللعن والتقبيح ونحوه.
ولا ريب أن سب الله عزّ وجلّ يُعد أقبح وأشنع أنواع المكفِّرات القولية، وإذا كان الاستهزاء بالله كفراً سواء استحله أم لم يستحله، فإن السب كفر من باب أولى.
يقول ابن تيمية: إن سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السَّاب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده.
وقال ابن راهويه: قد أجمع المسلمون أن من سب الله تبارك وتعالى أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بما أنزل الله.
قال تعالى: { إنَّ الذين يُؤذون الله ورسوله لعلنهم الله في الدُّنيا والآخرة وأعدَّ لهم عذاباً مٌّهيناً. والَّذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً ميبناً } فرَّق الله عزّ وجلّ في الآية بين أذى الله ورسوله، وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً، وجعل على ذلك اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد له العذاب المهين، ومعلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم وفيه الجلد، وليس فوق ذلك إلا الكفر والقتل.
قال القاضي عياض: لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم.
وقال أحمد في رواية عبد الله في رجل قال لرجل: يا بن كذا وكذا- أعني أنت ومن خلقك-: هذا مرتد عن الإسلام تضرب عنقه.
وقال ابن قدامة: من سب الله تعالى كفر، سواءً كان مازحاً أو جاداً.
• سُئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز السؤال التالي:
ما حكم سب الدين أو الرب؟- أستغفر الله رب العالمين- هل مَنْ سبّ الدين يعتبر كافراً أو مرتداً، وما هي العقوبة المقررة عليه في الدين الإسلامي الحنيف؟ حتى نكون على بينة من أمر شرائع الدين وهذه الظاهرة منتشرة بين بعض الناس في بلادنا أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب رحمه الله تعالى: سب الدين من أعظم الكبائر ومن أعظم المنكرات وهكذا سب الرب عزّ وجلّ، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام، ومن أسباب الردة عن الإسلام، فإذا كان مَنْ سب الرب سبحانه أو سب الدين ينتسب للإسلام فإنه يكون مرتداً بذلك عن الإسلام ويكون كافراً يستتاب، فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة الشرعية، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يستتاب بل يقتل؛ لأن جريمته عظيمة، ولكن الأرجح أن يستتاب لعل الله تعالى يمن عليه بالهداية فيلزم الحق، ولكن ينبغي أن يعزر بالجلد والسجن حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة، وهكذا لو سب القرآن أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإنَّ سب الدين أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو سب الرب عزّ وجلّ من نواقض الإسلام، وهكذا الاستهزاء بالله أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بالجنة أو بالنار أو بأوامر الله تعالى كالصلاة والزكاة، فالاستهزاء بشيء من هذه الأمور من نواقض الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى: { قُل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } نسأل الله العافية.
وسُئل فضيلة الشيخ محمّد بن عثيمين السؤال التالي:
ما حكم الشرع في رجل سبَّ الدين في حالة غضب هل عليه كفَّارة وما شرط التّوبة من هذا العمل حيث أنّي سمعت من أهل العلم يقولون: بأنَّك خرجت عن الإسلام في قولك هذا ويقولون بأنّ زوجتك حُرّمت عليك؟
فأجاب فضيلته: الحكم فيمن سبّ الدين الإسلامي أنه يكفُر، فإن سب الدين والاستهزاء به ردّة عن الإسلام وكفر بالله عزّ وجلّ وبدينه، وقد حكى الله تبارك وتعالى عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام، حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون: إنّما كنا نخوض ونلعب، فبين الله عزّ وجلّ أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله وأنهم كفروا به فقال تعالى: { ولئن سألتهم ليقولنَّ إنّما كنا نخوض ونلعب . قُل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون . لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } فالاستهزاء بدين الله، أو سبُّ دين الله، أو سبُّ الله ورسوله، أو الاستهزاء بهما، كفر مخرج عن الملّة. أهـ
واحذر أخي المسلم من مجالسة هؤلاء القوم حتى لا يصيبك إثم وتخل بدارك العقوبة.
سُئل الشيخ محمّد بن عثيمين السؤال التالي:
هل يجوز البقاء لي بين قوم يسبُّون الله عزّ وجلّ؟
فأجاب رحمه الله: لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: { وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم ءايات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتَّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنَّكُم إذاً مِّثلهم إنَّ الله جامع المنافقين والكافرين إلى جهنَّم جميعاً }.
حكم سب الرسول صلى الله عليه وسلم:
للرسول صلى الله عليه وسلم منزلة عظيمة في نفوس أهل الإيمان، فقد بلَّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده، ونحن نحب الرسول صلى الله عليه وسلم كما أمر، محبةً لا تخرجه إلى الإطراء أو إقامة البدع التي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنها وحذّر منها. بل له المكانة السامية والمنزلة الرفيعة نطيعه فيما أمر، ونجتنب ما نهى عنه وزجر.
ولنحذر من سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ذلك من نواقض الإيمان، التي توجب الكفر ظاهراً وباطناً، سواءً استحل ذلك فاعله أو لم يستحله.
يقول ابن تيمية: إن سب الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده.
والأمر في ذلك يصل إلى حتى مجرد لمز النبي صلى الله عليه وسلم في حكم أو غيره كما قال رحمه الله: فثبت أن كل من لمز النبي صلى الله عليه وسلم في حكمه أو قَسمه فإنه يجب قتله، كما أمر به صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته. فاحذر أخي المسلم من هذا المزلق الخطر والطريق السيء وتجنب ما يغضب الله عزّ وجلّ.
سب الصحابة:
الصحابة هم صحابة رسول اله صلى الله عليه وسلم ورفقاء دعوته الذين أثنى الله عزّ وجلّ عليهم في مواضع كثيرة من القرآن قال تعالى: { والسَّابقون الأوَّلون من المهاجرين والأنصار والَّذين اتَّبعوهم بإحسان رَّضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنَّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } وقال تعالى: { مُحمَّدٌ رسول الله والَّذين معه أشداء على الكفار رُحماء بينهم تراهم رُكّعاً سُجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً } ومن سبهم بعد هذه الآيات فهو مكذب بالقرآن.والواجب نحوهم محبتهم والترضي عنهم والدفاع عنهم، ورد من تعرض لأعراضهم، ولا شك أن حبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، وقد أجمع العلماء على عدالتهم، أما التعرض لهم وسبهم وازدراؤهم فقد قال ابن تيمية: إن كان مستحلاً لسب الصحابة رضي الله تعالى عنهم فهو كافر.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: « من سبَّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » [السلسلة الصحيحة 2340].
وقال صلى الله عليه وسلم: « لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحداً أنفق مثل أُحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه » [رواه البخاري].
وسُئل الإمام أحمد عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين فقال: ما أراه على الإسلام.
وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: من شتم أحداً من أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإن قال كانوا على ضلال وكفر قُتل.
قال الشيخ محمّد بن عبد الوهاب: فمن سبهم فقد خالف ما أمر الله تعالى من إكرامهم، ومن اعتقد السوء فيهم كلهم أو جمهورهم فقد كذّب الله تعالى فيما أخبر من كمالهم وفضلهم ومكذبه كافر.
أما من قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها فإنَّه كذّب بالقرآن الذي يشهد ببراءتها، فتكذيبه كفر، والوقيعة فيها تكذيب له، ثم إنها رضي الله تعالى عنها فراش النبي صلى الله عليه وسلم والوقيعة فيها تنقيص له، وتنقيصه كفر.
قال ابن كثير عند تفسيره قوله تعالى: { إنَّ الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعنوا في الدُّنيا والآخرة ولهم عذابٌ عظيمٌ } وقد أجمع العلماء رحمهم الله تعالى قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في الآية فإنه كافر، لأنه معاند للقرآن.
ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد، لما ذَكَرَ رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عزّ وجلّ: { الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ }.
فإن كانت عائشة رضي الله تعالى عنها خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده ، نبينا و حبيبنا ،وقرة عيونيننا ،وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، الطاهرين الطيبين ، وآل كلٍّ ، وسائر التابعين إلى يوم الدين .
أما بعد : إن سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والانتقاص منه والطعن فيه وفي رسالته من نواقض الإيمان، التي توجب الكفر ظاهراً وباطناً، سواء استحل ذلك أولم يستحله.. لعدة اعتبارات منها:
(أ) جاء في القران الكريم آيات كثيرة تدل على كفر من آذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسب أو استهزاء أو طعن أو تشكيك، فمن ذلك:
1/ قوله - تعالى -: ((ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين امنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم، يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق إن يرضوه إن كانوا مؤمنين، ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم))[التوبة: 61-63]، يقول ابن تيمية: "فعُلم أن إيذاء رسول الله محادة لله ورسوله، لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً إذ أمكن أن يقال: إنه ليس بمحاد، ودلّ ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر؛ لأنه أخبر أن له جهنم خالداً فيها، ولم يقل هي جزاؤه، وبين الكلاميين فرق، بل المحادة هي المعاداة والمشاقة وذلك كفر ومحاربة، فهو أغلظ من مجرد الكفر، فيكون المؤذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كافرا عدوا لله ورسوله، لأن المحادة اشتقاقها من المباينة بأن يصير كل منهما في حد".
2/ قوله - تعالى -: ((يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون، ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين))[التوبة: 64-66] يقول ابن تيمية: "وهذا نص في أن الاستهزاء بالله، وبآياته وبرسوله كفر، فالسب المقصود بطريق الأولى، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاداً أو هازلاً فقد كفر".
3/ قوله - تعالى -: ((إن شانئك هو الأبتر))، أخبر - سبحانه وتعالى - أن شانئه أي مبغضه هو الأبتر، والبتر هو القطع فبين - سبحانه - أنه هو الأبتر بصيغة الحصر والتوكيد، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "إن الله - سبحانه - بترَ شانئ رسوله من كل خير فيبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك في الآخرة ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولا يتزود فيها صالحاً لمعاده ويبتر قلبه فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفته ومحبته والإيمان برسله ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعته ويبتره من الأنصار فلا يجد ناصراً ولا عوناً ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعماً ولا يجد لها حلاوة وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها".
(ب) وردت أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على كفر الساب له - صلى الله عليه وسلم - منها:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن رجلاً أعمى كانت له أم ولد تشتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشتمه، فاخذ المغول فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجمع الناس فقال: انشد الله رجلاً فعل ما فعل، لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك، وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وازجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته على بطنها، واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اشهدوا أن دمها هدر)، يقول الخطابي: "فيه بيان أن ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - مهدر الدم، وذلك أن السب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتداد عن الدين، ولا أعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله".
وثبت في الصحيحين من حديث مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه، وابن خطل رجل من بني تميم يقال له ابن عبد العزى بن خطل لما أسلم سمي عبد الله، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدقاً وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولىً له فغضب عليه غضبة ً فقتله ثمّ ارتد مشركاً، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين، فلهذا أهدر النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه ودم قينتيه فقتل وهو متعلق بأستار الكعبة.
سرد أقوال أهل العلم فيمن سب أو استهزاء بالرسول الكريم
يقول القاضي عياض: "دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة على تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره واحترامه، ومن ثم حرم الله - تعالى -أذاه في كتابه، وأجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه، قال الله - تعالى -: ((إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً))[الأحزاب: 57]، وقال - تعالى -: ((وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إن ذلك كان عند الله عظيماً))[الأحزاب: 53].
(ج) أجمع العلماء على كفر شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد حكى الإجماع جمع من كثير من أهل العلم، نذكرهم على النحو التالي:
1/ فهذا ابن تيمية يورد إجماع الصحابة بقوله: - وأما الصحابة فلأن ذلك نقل عنهم في قضايا متعددة ينتشر مثلها ويستفيض، ولم ينكرها احد منهم فصارت إجماعا.. فمن ذلك ما رواه سيف بن عمر التميمي في كتاب (الردة والفتوح): "لما رفع إلى المهاجر بن أبي أمية وكان أميرا على اليمامة ونواحيها أنّ امرأة مغنية تشتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقطع يدها ونزع ثنيتها، فكتب إليه الصديق - رضي الله عنه -: بلغني الذي سرت به في المرأة التي تغنت وزمزمت بشتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلو لا ماقد سبقتني لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود، فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد، أو معاهد فهو محارب غادر، وقد ذكر هذه القصة غير سيف".
2/ وقال اسحق بن راهويه: "قد أجمع العلماء أن من سب الله عزوجل أو سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبياً من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر".
3/ ونقل أبو بكر الفارسي، أحد أئمة الشافعية، في كتاب الإجماع أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - مما هو قذف صريح كفر باتفاق المسلمين فلو تاب لم يسقط عنه القتل، لأن حد قذفه القتل، وحد القذف لا يسقط بالتوبة.
4/ ويقول القاضي عياض: ".. ولا نعلم خلافاً في استباحة دمه يعنى ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره".
5/ وقال ابن حزم: "ومن أوجب شيئاً من النكال على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو وصفه، وقطع عليه بالفسق، أو بجرح شهادته فهو كافر مشرك مرتد كاليهود والنصارى حلال الدم والمال، بلا من أحد من المسلمين".
6/ ويقول السبكي: "أما سب النبي - صلى الله عليه وسلم - فالإجماع منعقد على أنه كفر والاستهزاء به كفر".
7/ قال الإمام أحمد: "من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو تنقصه مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل".
8/ قال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة: "وأيما مسلم سب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو كذبه أو عابه أو تنقصه فقد كفر بالله وبانت منه امرأته".
9/ قال ابن القاسم عن مالك في كتاب ابن سحنون، والمبسوط، والعتبية وحكاه مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب: "من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين قتل ولم يستتب".
10/ أحكام القرآن للجصاص الحنفي : (4/275) دار إحياء التراث ببيروت
(وقال الليث في المسلم يسب النبي صلى الله عليه وسلم : إنه لا يُناظر ولا يُستتاب ويُقتل مكانه ) .
11/ فتح الباري : (12/281 ) دار المعرفة ببيروت
(ونقل أبو بكر أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء ، فلو تاب لم يَسقط عنه القتل ؛ لأن حدَّ قذفه القتل ، وحد القذف لا يسقط بالتوبة ... فقال الخطابي لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلماً ).
12/ ويذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (14/273) مكتبة المعارف ببيروت
في أحداث سنة 761هـ : أنَّ رجلاً كان يسب النبي صلى الله عليه وسلم فرُفع للقاضي المالكي فأظهر هذا الساب جبناً وتقيةً ، فأمر الحاكم المالكي بقتله .
13/ الكافي في فقه ابن حنبل لابن قدامة : (4/159) المكتب الإسلامي ببيروت
( وقال الخرقي : ومن قذف أمَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُتل مسلماً كان أو كافراً ، وقال أبو الخطاب : هل تُقبل توبة من سب الله تعالى ورسوله ؟ على ر****ين : إحداهما : لا تُقبل لأن قتله موجب السب والقذف ، فلا يسقط بالتوبة كحد القذف ).
14/ المغني : (9/88) دار الفكر - ط 1
( وقذف النبي صلى الله عليه وسلم وقذف أمِّه ردةٌ عن الإسلام وخروج عن الملة ، وكذلك سبه بغير القذف )
15/ الإنصاف للمرداوي : (4/257 ) دار إحياء التراث العربي
( قال الشارح : وقال بعض أصحابنا فيمن سب النبيَّ صلى الله عليه وسلم : يُقتل بكل حال ، وذكر أن أحمد نص عليه ) .
16/ منار السبيل : (2/360) مكتبة المعارف بالرياض
( قال أحمد : لا تُقبل توبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا من قذف نبياً أو أمَّه ؛ لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجب للكفر ) .
17/ تفسير القرطبي : (ج2/ص49) ط دار الشعب بالقاهرة
( قال مالك في ذمي سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم : يُستتاب وتوبته الإسلام ، وقال مرة يُقتل ولا يُستتاب كالمسلم ) .
وذلك لأن سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلم أعظم كفراً كما قرره الجصاص رحمه الله في أحكام القرآن (4/276) .
ولذا فإنَّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين الذي يأمر فيه بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ليدل على أنَّ المسلم أولى بهذا الحكم .
18/ تفسير القرطبي ج8/ص82 :
( وقال ابن المنذر : أجمع عامة أهل العلم على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم عليه القتل ، وممن قال ذلك مالك والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي ... ورُوي أن رجلاً قال في مجلس عليٍّ : ما قتل كعب بن الأشراف إلا غدراً . فأمر عليٌّ بضرب عنقه . وقاله آخر في مجلس معاوية فقــام محمد بن مسلمة فقال : أيُقال هذا في مجلسك وتسكت ، والله لا أساكنك تحت سقف أبداً ، ولئن خلوتُ به لأقتلنَّه . قال علماؤنا : هذا يُقتل ولا يُستتاب إن نسبَ الغدر للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي فهمه علي ومحمد بن مسلمة رضوان الله عليهما من قائل ذلك ؛ لأن ذلك زندقة ) .
19/ ويقرر رحمه الله هذه المسألة * كذلك- في تفسيره : ج8/ص84 .
20/ ويذكر الإمام الذهبي مذهب مالك في سير أعلام النبلاء : (8/103) مؤسسة الرسالة * ط 9
( قال مالك : لا يُستتاب من سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من الكفار والمسلمين ) .
21/ التاج والإكليل لمختصر خليل : (2/285-286 ) دار الفكر * ط2
( قال عياض : من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عابه ، أو ألحق به نقصاً في نفسه أو دينه أو نسبه أو خصلة من خصاله ، أو عَرَّضَ به ، أو شبَّهه بشيء على طريق السبِّ له والإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه أو العيب له فهو ساب له ، والحكم فيه حكم الساب يُقتل كما نبينه ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا نمتري فيه ؛ تصريحاً كان أو تلويحاً ، وكذلك من نسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذم ، ومشهور قول مالك في هذا كله أنه يقتل حداً لا كفراً ، لهذا لا تُقبل توبته ، ولا تنفعه استقالته وفيئته )
22/ ثم يستطرد صاحب التاج والإكليل (6/287) مبيناً أنه لا اعتبار لقصده فيقول :
( وقال عياض : إن كان القائل لما قاله في جهته عليه الصلاة والسلام غير قاصد السب والازدراء ولا معتقداً له ، ولكنه تكلم في حقه عليه الصلاة والسلام بكلمة الكفر من لعنه أو سبه أو تكذيبه وظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ذمَّه ، ولم يقصد سبه ؛ إما بجهالة حملته على ما قاله ، أو ضجر ، أو سُكر اضطره إليه ، أو قلة مراقبة أو ضبط للسانه وعجرفة وتهور في كلامه فحكم هذا الوجه حكم الأول دون تلعثم ) . أي : يُقتل بلا استتابة كما سبق ذلك له .
23/ وفيه (أي : التاج والإكليل) : 6/288
( من سبَّ الله سبحانه ، أو سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر قُتل ولم يُستتب) .
24/ التلقين في الفقه المالكي لعبد الوهاب بن علي الثعلبي : (2/506 ) المكتبة التجارية بمكة * ط 1
( ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم قُتل ولم تُقبل توبته ) .
25/ الكافي لابن عبد البر : (1/585) الكتب العلمية ببيروت * ط 1
(كل من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُتل مسلماً كان أو ذمياً على كل حالٍ)
26/ حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب : (2/412 * 213) ط دار الفكر
( من عاب النبي صلى الله عليه وسلم أو ألحق به نقصاً " قُتل حداً إن تاب الخ " أي : أو أنكر ما شهدت به عليه البينة يُستعجل بقتله وإن ظهر أنه لم يرد ذمَّ النبي صلى الله عليه وسلم لجهل أو سكر أو لأجل تهور في الكلام، ولا يُقبل منه دعوى سبق اللسان ولا دعوى سهو أو نسيان ... وقيل : إنه يخير الإمام في قتل الساب المسلم أو صلبه حياً ... قوله " لأنه حدٌّ وجب فلا تسقطه التوبة " أي : كالزاني والشارب والقاتل والسارق سوى المحارب فإن حدَّ الحرابة يسقط عنه بإتيانه للإمام طائعاً ، أو ترك ما هو عليه . أما إن لم يتب فإن قتله كفر. اعلم أن ظاهر كلامهم أنه يُستعجل بقتل الساب ومثله الزنديق ولو كان قتلهما كفراً ؛ لأن التأخير ثلاثاً إنما هو في المرتد غيرهما ).
27/ بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك للصاوي : (4/241) دار الكتب العلمية - ط1
يقول الشيخ أبو اسحاق الحويني
أما سب الدين فكفر مخرج من الملة ولا يعذر صاحبه بالجهل عندي وكذلك سب الله عز وجل وسب النبي صلى الله عليه وسلم أما ما يذكره البعض من أن الرجل قد يسب الدين وهو يقصد دين الشخص أخلاقه فهذا خيال لا حقيقة له ولم يصادفني في حياتي كلها أن رجلا سب الدين وهو يقصد هذا المعنى إنما يقصد الدين بمعناه المعروف ومن الأدلة على ذلك أنه بعد السب يأتي فيقول أنا كفرت رد عليّ ديني . فلولا أنه كان يقصد الدين بمعناه المعروف لما أقر على نفسه بالكفر .
هذه أقوال أهل العلم الأجلاء في حكم الاستهزاء بالله ورسوله وآياته وصحب النبي الكرام عليهم أفضل الرضوان كما نقلها فضيلة الشيخ عبد الملك القاسم :
والسب كما عرفة ابن تيمية: هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يُفهم منه السبّ في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم، كاللعن والتقبيح ونحوه.
ولا ريب أن سب الله عزّ وجلّ يُعد أقبح وأشنع أنواع المكفِّرات القولية، وإذا كان الاستهزاء بالله كفراً سواء استحله أم لم يستحله، فإن السب كفر من باب أولى.
يقول ابن تيمية: إن سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السَّاب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده.
وقال ابن راهويه: قد أجمع المسلمون أن من سب الله تبارك وتعالى أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بما أنزل الله.
قال تعالى: { إنَّ الذين يُؤذون الله ورسوله لعلنهم الله في الدُّنيا والآخرة وأعدَّ لهم عذاباً مٌّهيناً. والَّذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً ميبناً } فرَّق الله عزّ وجلّ في الآية بين أذى الله ورسوله، وبين أذى المؤمنين والمؤمنات، فجعل على هذا أنه قد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً، وجعل على ذلك اللعنة في الدنيا والآخرة وأعد له العذاب المهين، ومعلوم أن أذى المؤمنين قد يكون من كبائر الإثم وفيه الجلد، وليس فوق ذلك إلا الكفر والقتل.
قال القاضي عياض: لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم.
وقال أحمد في رواية عبد الله في رجل قال لرجل: يا بن كذا وكذا- أعني أنت ومن خلقك-: هذا مرتد عن الإسلام تضرب عنقه.
وقال ابن قدامة: من سب الله تعالى كفر، سواءً كان مازحاً أو جاداً.
• سُئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز السؤال التالي:
ما حكم سب الدين أو الرب؟- أستغفر الله رب العالمين- هل مَنْ سبّ الدين يعتبر كافراً أو مرتداً، وما هي العقوبة المقررة عليه في الدين الإسلامي الحنيف؟ حتى نكون على بينة من أمر شرائع الدين وهذه الظاهرة منتشرة بين بعض الناس في بلادنا أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب رحمه الله تعالى: سب الدين من أعظم الكبائر ومن أعظم المنكرات وهكذا سب الرب عزّ وجلّ، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام، ومن أسباب الردة عن الإسلام، فإذا كان مَنْ سب الرب سبحانه أو سب الدين ينتسب للإسلام فإنه يكون مرتداً بذلك عن الإسلام ويكون كافراً يستتاب، فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة الشرعية، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يستتاب بل يقتل؛ لأن جريمته عظيمة، ولكن الأرجح أن يستتاب لعل الله تعالى يمن عليه بالهداية فيلزم الحق، ولكن ينبغي أن يعزر بالجلد والسجن حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة، وهكذا لو سب القرآن أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإنَّ سب الدين أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو سب الرب عزّ وجلّ من نواقض الإسلام، وهكذا الاستهزاء بالله أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بالجنة أو بالنار أو بأوامر الله تعالى كالصلاة والزكاة، فالاستهزاء بشيء من هذه الأمور من نواقض الإسلام، قال الله سبحانه وتعالى: { قُل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } نسأل الله العافية.
وسُئل فضيلة الشيخ محمّد بن عثيمين السؤال التالي:
ما حكم الشرع في رجل سبَّ الدين في حالة غضب هل عليه كفَّارة وما شرط التّوبة من هذا العمل حيث أنّي سمعت من أهل العلم يقولون: بأنَّك خرجت عن الإسلام في قولك هذا ويقولون بأنّ زوجتك حُرّمت عليك؟
فأجاب فضيلته: الحكم فيمن سبّ الدين الإسلامي أنه يكفُر، فإن سب الدين والاستهزاء به ردّة عن الإسلام وكفر بالله عزّ وجلّ وبدينه، وقد حكى الله تبارك وتعالى عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام، حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون: إنّما كنا نخوض ونلعب، فبين الله عزّ وجلّ أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله وأنهم كفروا به فقال تعالى: { ولئن سألتهم ليقولنَّ إنّما كنا نخوض ونلعب . قُل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون . لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } فالاستهزاء بدين الله، أو سبُّ دين الله، أو سبُّ الله ورسوله، أو الاستهزاء بهما، كفر مخرج عن الملّة. أهـ
واحذر أخي المسلم من مجالسة هؤلاء القوم حتى لا يصيبك إثم وتخل بدارك العقوبة.
سُئل الشيخ محمّد بن عثيمين السؤال التالي:
هل يجوز البقاء لي بين قوم يسبُّون الله عزّ وجلّ؟
فأجاب رحمه الله: لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عزّ وجلّ، لقوله تعالى: { وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم ءايات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتَّى يخوضوا في حديثٍ غيره إنَّكُم إذاً مِّثلهم إنَّ الله جامع المنافقين والكافرين إلى جهنَّم جميعاً }.
حكم سب الرسول صلى الله عليه وسلم:
للرسول صلى الله عليه وسلم منزلة عظيمة في نفوس أهل الإيمان، فقد بلَّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده، ونحن نحب الرسول صلى الله عليه وسلم كما أمر، محبةً لا تخرجه إلى الإطراء أو إقامة البدع التي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنها وحذّر منها. بل له المكانة السامية والمنزلة الرفيعة نطيعه فيما أمر، ونجتنب ما نهى عنه وزجر.
ولنحذر من سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ذلك من نواقض الإيمان، التي توجب الكفر ظاهراً وباطناً، سواءً استحل ذلك فاعله أو لم يستحله.
يقول ابن تيمية: إن سب الله تعالى أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده.
والأمر في ذلك يصل إلى حتى مجرد لمز النبي صلى الله عليه وسلم في حكم أو غيره كما قال رحمه الله: فثبت أن كل من لمز النبي صلى الله عليه وسلم في حكمه أو قَسمه فإنه يجب قتله، كما أمر به صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته. فاحذر أخي المسلم من هذا المزلق الخطر والطريق السيء وتجنب ما يغضب الله عزّ وجلّ.
سب الصحابة:
الصحابة هم صحابة رسول اله صلى الله عليه وسلم ورفقاء دعوته الذين أثنى الله عزّ وجلّ عليهم في مواضع كثيرة من القرآن قال تعالى: { والسَّابقون الأوَّلون من المهاجرين والأنصار والَّذين اتَّبعوهم بإحسان رَّضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنَّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم } وقال تعالى: { مُحمَّدٌ رسول الله والَّذين معه أشداء على الكفار رُحماء بينهم تراهم رُكّعاً سُجَّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً } ومن سبهم بعد هذه الآيات فهو مكذب بالقرآن.والواجب نحوهم محبتهم والترضي عنهم والدفاع عنهم، ورد من تعرض لأعراضهم، ولا شك أن حبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، وقد أجمع العلماء على عدالتهم، أما التعرض لهم وسبهم وازدراؤهم فقد قال ابن تيمية: إن كان مستحلاً لسب الصحابة رضي الله تعالى عنهم فهو كافر.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: « من سبَّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » [السلسلة الصحيحة 2340].
وقال صلى الله عليه وسلم: « لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحداً أنفق مثل أُحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه » [رواه البخاري].
وسُئل الإمام أحمد عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين فقال: ما أراه على الإسلام.
وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: من شتم أحداً من أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإن قال كانوا على ضلال وكفر قُتل.
قال الشيخ محمّد بن عبد الوهاب: فمن سبهم فقد خالف ما أمر الله تعالى من إكرامهم، ومن اعتقد السوء فيهم كلهم أو جمهورهم فقد كذّب الله تعالى فيما أخبر من كمالهم وفضلهم ومكذبه كافر.
أما من قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها فإنَّه كذّب بالقرآن الذي يشهد ببراءتها، فتكذيبه كفر، والوقيعة فيها تكذيب له، ثم إنها رضي الله تعالى عنها فراش النبي صلى الله عليه وسلم والوقيعة فيها تنقيص له، وتنقيصه كفر.
قال ابن كثير عند تفسيره قوله تعالى: { إنَّ الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعنوا في الدُّنيا والآخرة ولهم عذابٌ عظيمٌ } وقد أجمع العلماء رحمهم الله تعالى قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في الآية فإنه كافر، لأنه معاند للقرآن.
ساق اللالكائي بسنده أن الحسن بن زيد، لما ذَكَرَ رجل بحضرته عائشة بذكر قبيح من الفاحشة، فأمر بضرب عنقه، فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله، هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عزّ وجلّ: { الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ }.
فإن كانت عائشة رضي الله تعالى عنها خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه، فضربوا عنقه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.