، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
مصطلح الإسلام السياسي:
إن تسمية بعض الناس بعض الإسلاميين باسم الإسلام السياسي يوهم أنه يوجد إسلام غير سياسي أو أنه توجد طائفة ترى أنه لا دخل للإسلام بالسياسة، وهذا بلا شك تصنيف غير صحيح؛ لأنه لا يجهل مسلم أن الله -عز وجل- أنزل دين الإسلام؛ لصياغة حياة البشر بطريقة شاملة شمولاً تامًّا، يدل عليه قوله ـ تعالى ـ: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162-163).
فشمول الإسلام لحياة البشر كلهم: أفرادًا وجماعات ودولاً أمر بديهي لدى كل الطوائف الإسلامية على اختلاف أنواعها، ونصوص القرآن تثبت تناول الإسلام لكل مناحي الحياة، فمن جهة الفرد غاية وجود الإنسان أن يحقق ما أمره الله -عز وجل- به، وخلقه الله مِن أجله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، عبودية الفرد، وعبودية الأمة.
عبودية الفرد من خلال الإسلام والإيمان والإحسان، وعبودية الأمة من خلال أنظمة الحياة التي تشكل صبغة الحياة ونظام الإسلام لها (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) (البقرة:138).
وأنظمة الحياة موجودة في كل مجتمع من المجتمعات؛ إذ لا بد لكل مجتمع من نظام للحكم وللاقتصاد وللاجتماع وللحرب والسلم وللثواب والعقاب ولفصل الخصومات بين الناس والقضاء ولنظام إعلامي على تفاوت الأزمنة، وقد جاء الإسلام بكل هذه الأنظمة في الحقيقة.
فالنظام السياسي مبني على قاعدة أصلية قال -عز وجل-: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ) (يوسف:40)، (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ) (المائدة:49).
فالحكم في الإسلام ونظام الدولة الإسلامية له مقصد وهو: تحقيق العبودية لله، وأن تقيم الدين وتحرسه، فتحرس الدين: العقيدة والعبادة والأخلاق وثابت الإسلام كلها، وفي نفس الوقت تسوس الدنيا بالدين، فلا بد أن تصاغ أنظمة الحياة البشرية بالإسلام.
وتقسيم الإسلام إلى: إسلام سياسي وإسلام غير سياسي مبني على تصور خاطئ غير سليم؛ لأن أولويات الجماعات والاتجاهات الإسلامية تختلف فيظنونها متناقضة وأن بعضها يرى الفصل وعدم المشاركة في السياسية ونحو ذلك، وإنما كانت هناك أولويات في مراحل سابقة -وما زال- أولوية معينة في إيجاد الشخصية المسلمة الملتزمة التي تقوم -كما ذكرت- على أن يكون الشخص مسلمًا مؤمنًا محسنًا، فهذا حجر الزاوية بالنسبة لنا واللبنة الأولى في البناء الذي نهتم به.
الفصل بين الأهداف الشرعية والأهداف السياسية:
لا بد أن تكون الأهداف السياسية ضمن الأهداف الشرعية، ولا بد حين نعمل عملًا معينًا أن تكون نيتنا لله -سبحانه وتعالى- ولا بد أن تكون متابعة لما ورد في الشرع؛ كي يكون العمل صحيحًا، فلا بد أن تكون هذه الأهداف فقط ترتيب أولويات: ما الأولى بالنسبة لي في هذا التوقيت، في هذا المجتمع، في هذه الظروف؟! وبين آخر يرى أولويات أخرى ولكن في النهاية لا بد أن تصب هذه الأهداف شرعية في غاية واحدة وهي: تحقيق العبودية لله، وفي نفس الوقت تكون متابعة لما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
لماذا قلنا: نعم في الاستفتاءات الدستورية؟
الحق أن الإخوة السلفيين كلهم وكذلك الاتجاهات الإسلامية الأخرى كلها أجمعت -بفضل الله- هذه المرة على الموافقة على التعديلات الدستورية، ليس ذلك لأننا نرى أنها تحقق الكمال المطلوب أو أن الدستور الحالي يشمل كل مطالبنا، بل هناك أشياء كثيرة لا بد من تعديلها، ولكننا نرى أن هذه التعديلات خطوة على طريق الاستقرار.
طرح بعض الناس فعليًا طلب تعديل المادة الثانية وقد صرح بعض السياسيين بأنها طرح تعديل الثانية وذلك بحذف الألف واللام منها فتصبح (مصدر رئيسي للتشريع) بعد أن كانت (المصدر الرئيسي للتشريع) لكن هذا الطلب رفض.
ثم شكلت اللجنة الثانية برئاسة الدكتور طارق البشري وتجنبت المساس بالمادة المحددة لهوية مصر، وبالتالي فنحن أردنا إرسال رسالة تتلخص في أن هذه القضية عندنا قضية كبرى: المحافظة على هوية البلاد من أن دينها الرسمي الإسلام ولغتها اللغة العربية، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، لذلك كانت قضيتنا: ألا تمس هذه المادة.
خصوصًا أن بعض السياسيين المرشحين لرئاسة الدولة طارح لأن يعود لدستور 1923م الذي كان بعد ثورة 19 مباشرة، وكان ينص على أن الدولة دينها الرسمي الإسلام لكن لا ينص على مرجعية التشريع وبالتالي فالقانون الذي يفسره قال بأن معنى الدستور بهذه الطريقة أن يكون الدستور أولاً، القانون ثانيًا، العرف، ثالثًا، القاضي إذا لم يجد يمكنه أن يحكم بالشريعة الإسلامية فجعل الشريعة الإسلامية في الترتيب الرابع بعد المصادر الثلاثة الأولى، وعندنا شرع الله -عز وجل- فوق كل شيء.
وهذا يعبر عن عقيدة الأمة وبعض الناس يسميه: المبادئ العليا للدستور، أو النظام العام الذي يعبر عن عقيدة الأمة، فعقيدة الأمة هي الإسلام وكل الشعب المسلم في مصر لا يبقى بديلاً عن ذلك، فبعض الناس طالب بهذا، وبعضهم قال: نريد تعديلاً بسيطًا، نريد حذف الألف واللام!
فكأن دستور 23 يقول: الشريعة الإسلامية آخر المصادر = الحكم لغير الله إلا عند الضرورة وذلك حين يضطر القاضي ولم يجد شيئًا أن يلجأ إلى الشريعة الإسلامية.
أما دستور 71 قبل تعديل سنة 80 قال: إن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر في التشريع، وهذا يفهم منه أن هناك مصدر أخرى رئيسية أيضًا، وبالتالي فهو لم يلزم أن الحكم لله أيضًا، وبالتالي أباح للمجلس التشريعي أن يسن تشريعات مخالفة للشريعة مأخوذة من شرائع أخرى.
ثم ألزم التعديل الدستوري الذي تم في سنة 80 أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي، وظل الاختلاف في هذه المادة المعروضة على المحكمة الدستورية طيلة ستة عشر سنة، فبعد مقتل السادات في حادثة المنصة حدث نوع من الطعن في دستورية قانون العقوبات أثناء المحاكمة؛ لأنها مخالفة للشريعة.
رفضت المحكمة هذا الطعن وقررت أن كلمة (المصدر الرئيسي) تسمح بوجود مصادر فرعية، وهذا يعني أنه يمكن مخالفة الشريعة الإسلامية أحيانًا.
ثم فصلت المحكمة الدستورية سنة 96 بعد طول بحث لأن كلمة (المصدر الرئيسي) تدل على الحصر، وأنه لا يجوز لأي مصدر فرعي أن يخالف الرئيسي، وبالتالي أصبح التفسير المعتمد لهذه المادة أن أية مخالفة للشريعة الإسلامية تصبح باطلة، وكل قانون يسنه مجلس الشعب أو الشورى مخالفًا للشريعة لا يعتمد ويصبح باطلاً.
وكان ذلك مكسبًا كبيرًا جدًّا، ومنع ذلك بالفعل تشريعات كانت مفروضة على مصر، فقد وقعت مصر على اتفاقيات مؤتمرات السكان العالمية التي كان لها مقررات فيها مخالفة خطيرة جدًّا، وهي تفرض على الدول الموقعة على هذه المقررات أن تسن التشريعات الموافقة لها، وقعت مصر بتحفظ وكان التحفظ على أشياء غير محتملة على سبيل المثال تكوين الأسرة، فتكوين الأسرة في عرف كل أهل الإسلام: رجل وامرأة بينهما علاقة زواج، أما مؤتمرات السكان فتسمح بتكوين أسرة بين رجل ورجل، وبين رجل وامرأة من غير زواج، وبين أنثى وأنثى، ومن هذه المقررات أيضًا: أن التفضيل في الميراث بين الذكر والأنثى من اضطهاد المرأة، وهذا بلا شك مناقض لصريح القرآن.
فعرضت هذه الأشياء على مجمع البحوث الإسلامية التزامًا بأنه لا بد أن تكون موافقة للشريعة، فرفض المجلس هذه التشريعات؛ لأنها مخالفة للشريعة، ولم تسن هذه القوانين بناء على هذه المادة، فكانت هذه المادة بلا شك مكسب كبير جدًّا.
وهذه المادة تمنع وصف المنازعة لله -عز وجل- في الحكم على المجالس التشريعية المصرية، ومعناها أن هذه المجالس لا تملك أن تنازع الله في حكمه، وأن شرع الله -سبحانه وتعالى- إذا ثبت فلا يمكن لأحد منازعته، كذلك حين يقسم رئيس الدولة ورئيس الوزراء وضباط الجيش والشرطة وأعضاء مجلس الشعب والشورى يقسموا على احترام الدستور الذي ينص على أن حكم الله لا يمكن أن يعارض، فهذا شيء عظيم جدًّا.
والبديل أن يقسم على دستور يقول: يجوز أن نخالف شرع الله، يجوز سن قوانين تخالف شرع الله، فهذه المسألة ليست صغيرة، وبالتالي رفض طلب تعديل هذه المادة رغم وجود كثيرين يطالبون به ونزعت مع أن المعركة لا زالت مستمرة إلى ستة أشهر لأنه سيكتب دستورًا جديدًا والجميع متفق على أنه هناك قوانين لا بد أن تغير لكن نقول هذه المادة لا بد أن تظل محافظة على هوية الأمة وربما تكون أكثر تأكيدًا وتوضيحًا؛ لأن هوية مصر أنها إسلامية وأنها عربية تنتمي إلى العالم العربي والإسلامي قضية عظيمة الأهمية وتصبغ كل مواد الدستور بعد ذلك بهذه الصبغة، أي أن معناها أن مادة مقدمة على غيرها؛ لأنها أصلاً مِن مبادئ العليا لأمة بل للدستور -النظام العام- التي في الحقيقة لو خالفها؛ لكان غير دستوريًا.
السلفيون وصناديق الاقتراع بين الماضي والوضع الحالي:
كان عزوفنا عن المشاركة السياسية قبل ذلك لم يكن لأجل أنه لا دين في السياسية ولا سياسية في الدين، بل عقيدتنا أن الإسلام ينظم كل شئون الحياة بما فيها السياسية، ولم يكن السلفيون هم الوحيدون الذين عزفوا عن السياسية بل كان كل الشعب في الحقيقة، والجميع يعلم أن عدد جميع من كانوا يشاركون الانتخابات والاستفتاءات كلها لا يتجاوز المليون، بعد الثورة حدثت تغييرات كبيرة جدًّا، ونحن أولًا جزء من الشعب المصري المسلم وبلا شك لنا وجودنا السابق، وقد مارسنا -ومعنا الاتجاهات الإسلامية الأخرى- دور المعارضة الحقيقي والذي من أجلها سن "قانون الطوارئ"، ومِن أجلها دخل الناس السجون وقد دخلت السجن ثلاث مرات ومن أجلها وقع اضطهاد للملتزمين خصوصًا الملتحين في قطاعات عريضة جدًّا في العمل وفي التعليم، ومن الجهات الأمنية طيلة خمسة وثلاثين سنة.
ثم تغيرت الموازين وشعر الناس أن هذا الاستفتاء خطوة إيجابية وأنها تحترم الجماهير وتحترم إرادة الشعب، وفي نفس الوقت هناك فرصة للتغيير من خلال المشاركة الإيجابية، أما في الماضي -قبل الثورة- فكانت موازين القوى تفرض على كل من يشارك أن يتنازل عن ثوابت عقدية لا يمكن أن نتنازل نحن عنها، لا بد أن يقبل أن يقال له على سبيل المثال: إذا جاءت صناديق الاقتراع برئيس قبطي أو زنديق هل تقبل أم لا؟!
أنا لا أخجل أن أقول: قال الله -عز وجل-: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء:141)، وكما أو العالم كله قبل أن يكون رئيس إسرائيل ورئيس وزرائها لا يمكن أن يكون غير يهودي، وقبلتم أن تكون ملكة أو ملكها انجلترا هو رئيس الكنيسة البروتستانتية وأن رئيس دولة الفاتيكان لا بد أن يكون بابا الكاثوليك، وهناك سبع دول في أوروبا -أعضاء في الاتحاد الأوروبي- تنص دساتيرها على ديانة ومذهب رئيس الدولة، فلم يفرض علينا أن يكون الرئيس غير مسلم؟! ونهتم بأننا نريد فتنة طائفية.
كذلك أيضًا لا بد عندهم أن نوافق على الأدب الإباحي وأدب الزندقة وإلا كنا غير ديمقراطيين، أما نحن فنقبل منن الديمقراطية ما يوافق الشرع منها، فقد أخذت الديمقراطية بعض محاسن النظام الإسلامي وضمت إليه قاعدة غير محتملة بالنسبة لنا وهو أن السلطة التشريعية أو حق التشريع يكون للناس.
وقد شهدت العصور الوسطى في أوروبا نوعًا من التشريع البشري المصبوغ بالصبغة الإلهية، وهي الدولة الدينية عند أوروبا وهي تعني: أن الحاكم يحكم بالحق الإلهي، لا يحكم على أساس أنه بشر من البشر أو وكيل عن الأمة، ولذلك فهم لا يعرفون الدولة الدينية إلا الدولة الثيوقراطية التي فيها الحاكم إذا قال؛ فقد قضى الرب، وإذا حكم فقد حكم الرب، ومن يخالف يطرد من الجنة، والجنة بيد الحاكم سواء أكان سلطانًا دينيًا أو سلطانًا دنيويًا.
هربوا من هذه الثيوقراطية إلى الديمقراطية وقالوا: الحكم للأغلبية، أما عندنا فالحكم لله -عز وجل-؛ لأن الحاكم والمحكوم عندنا كلاهما محكوم بشرع الله، فأخذوا محاسن من النظام الإسلامي وهو أن الأمة هي التي تعين الحاكم ولها أن تعزله ولها أن تراقبه وتأمره وتنهاه هذه الأمور لمن تكن عندهم وإنما كانت عندنا نحن فقد توفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يستخلف فاختار الصحابة -رضي الله عنهم- أبو بكر خليفة للمسلمين، فأهل الحل والعقد هم ممثلي الأمة، وهذا الواجب أن يكون عندنا، فأهل الحل والعقد هم أهل الخبرة والمشورة وهم الذين يختارون رئيس الدولة ولهم حق عزله أيضًا وقد نص العلماء على ذلك في حالة زيادة الظلم والغشم والجور وزيادة المفاسد عن خلعه فيصير بقاؤه مفسدة كبرى كما هو الحال في ليبيا فبقاؤه تدمير للبلد كلها وسفك دماء الشعب فلا يمكن أن يؤمر الناس بالاستسلام والقتل بحجة أنهم لا بد أن يسمعوا ويطيعوا.
الآن يوجد قدر كبير من الحرية يمنع أن تفرض علينا تنازلات، ويوم يفرض علينا تنازل عن ثوابت عقدية لا يمكن أن نشارك.
وكان أيضًا من ضمن أسباب عدم المشاركة سابقًا: أن الثمن المدفوع مكلف جدًّا والنتيجة معلومة مسبقًا، وكل استفتاء سبق قبل ذلك كانت نتيجته معروفة أنها نعم، ولا يمكن لأحد أن يطعن بالتزوير.
ولذلك صدم بعض الناس لأن الإعلام عامته سواء الجرائد أو التليفزيون الحكومي أو محطات فضائية ومعهم العالمانيين والليبراليين كان يؤكدون على الناس أن يقول: لا للاستفتاءات على التعديلات الدستورية؛ فجاء قول الشعب: نعم مخالفًا لتوقعاتهم جميعًا.
فكان الثمن مكلف جدًّا والمكسب محدود جدًّا؛ لأن التزوير معروف كنتيجة أساسية وفي النهاية نصبح ديكورًا لنظام يريد معارضة ديكورية وفي النهاية النتائج محسومة، وما جرى في الانتخابات الأخيرة جعل كثيرًا من الإسلاميين ينسحبون؛ لأن النسبة الضئيلة التي كانت تمنح لهم تقلصت فبعد أن كانت ثلاثين بدلًا من ثمانين بالمائة تقلصت إلى 3 أو 2% فكانت هذه المقاطعة إيجابية وليست سلبية.
الثورة المصرية والأنموذج التركي:
الأنموذج التركي لم يتم بثورة، فقد تعرضت تركيا لمأساة كبيرة جدًّا، والأنموذج التركي يطرح البعض كطريق للإسلام السياسي المعتدل الذي يقبله الغرب ، ويمكن أن تكون التجربة أقصى ما يحلم به الناس في تركيا؛ لأن الإسلام في تركيا تعرض لاضطهاد فظيع لم ير مثله حيث فرضت العالمانية بالحديد والنهار.
ولا يزال فيها قوانين تقول: من يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية يعاقب بالسجن ثماني سنوات، ولو كان في جماعة منظمة فالسجن مدى الحياة، ومن يحفظ أولاده القرآن خارج المقررات المدرسية يعاقب بالسجن ثلاث سنوات، مما أدى بالشعب التركي نفسه إلى عدم فهمه لكثير جدًّا من القضايا عظيمة الأهمية جدًّا.
فالبرلمان التركي الذي تسيطر عليه الأغلبية من حزب العدالة، وقد ضغطت أوروبا على البرلمان ضغطًا شديدًا؛ لكي يسن تشريعًا يلغي تجريم الزنا -إذا أردوا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي- مع أنه تجريم أعرج في الحقيقة؛ لأنه تجريم يجعله حق للزوج فقط، وإذا كانت المرأة غير متزوجة وسنها فوق الثامنة عشرة فقط وكان الزنا من غير **** ولا إكراه، ومع ذلك لم يعجبهم هذا القانون، وفرضوا على البرلمان التركي أن يغير ذلك ويقول: الزنا ليس بجريمة.
والذي دفع البرلمان التركي الذي يسيطر عليه حزب ذو أصل إسلامية إلى سن ذلك القانون أن هذه القضية ليست كبيرة عندهم أنهم لم يتعلموا هذه القضية ولم يدرسوها ولا يعلمون أن القول بأن الزنا ليس بجريمة استحلال لما حرم الله -عز وجل- وهذا كفر، ولكنهم لا يعلمون وكان أقصى ما يحلمون به أن تدخل طالبة الجامعة بحجابها أو تسير به في الشارع، فقد كان الحجاب ممنوعًا.
ووضعنا -بلا شك- ليس كذلك، وقد حافظ الشعب المصري على تدينه عبر التاريخ رغم أنه قد حاولت جهات متعددة صبغ الشعب بالصبغة العالمانية إلا أن الشعب قاوم خصوصًا مع وجود الصحوة الإسلامية القوية منذ أربعين سنة فغيرت كثيرًا من الموازين وعاد الشعب إلى طبيعته الأصلية وإلى فطرته وإلى عقده الاجتماعي إلى عقيدته إلى الإسلام بنسبة كبيرة جدًّا.
تجربة الجزائر في المشاركة السياسية في التسعينات:
الفرق الكبير بيننا وبين تجربة الجزائر في التسعينات أن موقف الجيش كان مختلفًا تمامًا، دخل الإسلاميون بكل قوتهم رغم أن الجيش كان على العالمانية الصرفة وبالتالي فرض إلغاء الانتخابات رغم اكتساح الإسلاميين لها، أما الجيش المصري فوضعه مختلف فهو أولاً جزء من الشعب، والشعب بطبعه متدين، وهذا موجود في قطاعات عريضة جدًّا من الجيش المصري، وبالتالي لم يقف الجيش -بفضل الله- ضد إرادة الأمة بل وقف معها وأيد إرادتها في التغيير، وبالتالي لا أظن أبدًا أن الجيش سيقف ضد إرادة الأمة في المحافظة على هوية مصر الإسلامية بل وتفعيل هذه الهوية إلى المزيد؛ لأن هذه هي إرادة الأمة فعلاً.
المشاركة في العمل السياسي:
بالتأكيد أن الفرصة الآن أكبر بكثير جدًّا مما سبق فليس في الانتخابات تزوير، كما أنه يوجد احترام لكل إنسان أن يعرض ما يريد دون أن تفرض علينا إملاءات معينة، ولا شك أن جزء من هذه القوى تغير داخل مصر وفي المنطقة كلها وإن كانت موازين القوى لا زالت مؤثرة وفي العالم كله ونحن نستوعب ذلك، وندرك أنه فرق كبير بين الواجب المطلوب المرجو وبين المتاح الممكن وهو حسب الطاقة (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن:16).
فليس كل ما نحلم به نتوقع تحقيقه مع أننا نرجو الله -سبحانه وتعالى- ونأمل أن ينتشر دين الله ويعم الأرض كلها، وهذا وعد الله -عز وجل-، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلامَ، وَذُلاً يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
(بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ) أي: صحراء وبادية، فالإسلام سينتشر ويملأ الأرض كلها، ولكن هذا الأمر في أزمنة مختلفة وقد قال -عز وجل-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33).
وقد أنزل الله ـ عز وجل ـ في مكة: (إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) فعالمية الإسلام كانت منذ اللحظة الأولى، وكان الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة يدرك أنه غير آمن على نفسه ولا على أصحابه.
إذن هناك تقدير للممكن وهناك إيمان بالواجب، نحن نرجو الله -عز وجل- ولكن ندرك ما في الواقع فنقوم بما نقدر فنصلح قدر الإمكان (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
وأنا أرى أن هناك إمكانية كبيرة للإصلاح -بإذن الله تبارك وتعالى-، وإمكان تحقيق السعادة لأهل مصر من خلال الاقتراب من العمل بدين الله -تبارك وتعالى- لمسلمهم وغير المسلمين.
حول التساؤل بإنشاء السلفيين لحزب أو مؤسسة تتولى الدفاع عنهم:
هذه القضية ما زالت مطروحة للبحث وليست ملغاة من حساباتنا ولكن -كما ذكرت- أولويتنا ونظرتنا إلى التغيير الحقيقي أنه يبدأ من إيجاد شخص مسلم متكامل الشخصية وعملنا من المسجد والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن؛ لتكوين هذه الشخصية؛ ثم لإيجاد طائفة مؤمنة قادرة على أداء فروض الكفاية التي شرعها الله -عز وجل-، وهي بذرة أنظمة الحياة الإسلامية، فنسعى لإيجاد كل ما نقدر من ذلك.
فهدفنا الأول: حراسة الدين، وتربية الناس على عقيدة صحيحة وعبادة سليمة وعلى أخلاق سوية، وهذا هو الأساس الذي نعمل له، أما الجزء المتعلقة بالمشاركة السياسية سواء أكانت بصورة فردية أو بتكوين حزب كل هذه أمور مطروحة وبالتأكيد غرضها أيضًا: إصلاح ما يمكننا إصلاحه مع تحقيق العبودية لله -عز وجل- وتقواه قدر الإمكان، أما الوسائل ودرجة المشاركة فإنها محل بحث -بإذن الله تبارك وتعالى-، وتعلن في وقتها -إن شاء الله-.
شعورنا بعد 25 يناير:
في أثناء الثورة كنت قلقًا وخائفًا للغاية بسبب ما حدث من ثورات قبل ذلك، وكنت مشفقًا غاية الإشفاق أن تحدث هذه الأحداث عندنا، وأظن أنه كانت هناك توجيهات بذلك، ولولا لطف الله -عز وجل-؛ لوقعت، وها نحن الآن نرى ما يجري في ليبيا، فكان من الممكن أن تجري الدماء أنهارًا كما هو الحال في ليبيا مع أن تعداد سكانها عشر سكان مصر، فلو تعرضت البلاد لمثل هذا الاعتداء فإن عدد الشهداء والقتلى سيكون كثيرًا جدًّا، لذلك؛ كنت قلقًا جدًّا، كما أنني كنت قلقًا ومتوجسًا على البلاد من الفوضى التي كانت تنتظر الجبهة الداخلية بعد غياب الشرطة.
وكنا -بفضل الله تعالى- أول مَن قام بتشكيل لجان شعبية وكان لها آثار إيجابية جدًّا وبالدعوة إلى الله -عز وجل- دون قهر للناس أو إلزامهم بشيء، بل كانت الدعوة هي الأصل فيها.
وبفضل الله -عز وجل- مرت هذه الأمور إلى ما نحب مِن المنع مِن سفك الدماء، وكذلك موقف الجيش الذي أيد الشعب واحترم إرادته وكذلك موقف الجماهير المصرية فعليًا التي استجابت استجابة عظيمة للمحافظة على الجبهة الداخلية، كما حدث أيضًا وأد لهذه الفتنة الطائفية المزعومة، وقد أعلن السلفيون في هذا التوقيت أنهم سيقومون بحماية أرواح وممتلكات النصارى كما نحمي المسلمين، وأن اللص الذي يكسر محل نصراني فإنه سيكسر دكان رجل مسلم، وفي هذا التوقيت بعث الجيش رسالة شكر للجماعة السلفية بالعريش؛ لمنعهم اعتداء بعض البلطجية على الكنيسة، كإثبات لدور الإخوة الإيجابي في هذا الباب، وقد أثنى بعض رموز الأقباط على مثل هذه الأعمال عمومًا، وهذا مما يدحض تهمة السلفيين بتفجير كنسية الإسكندرية، وقد رأيت بعض الناس الذين كانوا قبل مدة بلطجية يشاركون الناس في اللجان الشعبية في حماية الناس، وخاب -فيما أظن- ظن من رغب في سيادة الفوضى والمجازر -بفضل الله سبحانه وتعالى-.
إعادة العلاقة والثقة بين الشعب:
نحن نقول: لا بد من صفحة جديدة، ولا بد أولًا من أن تتغير السلوكيات عما كان قبل ذلك، وأنا أرى قيادات كبيرة عندنا في الإسكندرية وغيرها في اتجاه قوي جدًّا التغيير، كذلك تعويض من سبق الاعتداء عليه بأي طريقة، وهذا حقهم بلا شك، ونحن نرغب كل الناس في امتثال قول الله ـ عز وجل ـ: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) (النور:22)، مع احتفاظه بحقه؛ لأن حقه لا يمكن أن يساومه عليه أحد، ولكن نقول نبدأ صفحة جديدة، ونحن نسعى للمشاركة في إعادة هذه الثقة، ونحن نعد الآن لعقد مؤتمرات مشتركة للإخوة الدعاة وعلماء أفاضل من الأزهر وقيادات من الجيش ومن الشرطة لبدء صفحة جديدة -بإذن الله تبارك وتعالى-، وكذلك أرى أنه ينبغي تغير الشخصيات التي لها تاريخ مؤلم عند بعض الناس ويعين غيرها.
أما رؤية لمصر في المستقبل فأرجو أن تكون إلى أفضل -بإذن الله تبارك وتعالى-.
رسالة إلى شعب ليبيا:
أنا أدعو في كل وقت الله -عز وجل- لشعب ليبيا أن يفرج كربهم وأن يذهب عنهم الغمة، وأن يكونوا يدًا واحدة ضد الظلم والعدوان، وأن يكون حرصهم على استقلال ليبيا وعدم نزول قوات أجنبية فيها حرص أكيد، وأدعو الله -عز وجل- أن يزيل عنهم الغمة, وأن يزول الحكم الظالم القائم حاليًا.
رسالة إلى اليمن:
اللهم عافي المسلمين في كل مكان، أؤكد أن الدم لا يجلب إلا الدمار في كل مكان ولا يمكن لحاكم أن يقوي أو يثبت نظام حكمه بنزف الدماء بهذه، فالمجازر التي حدثت لن تؤدي إلى الاستقرار، فالدم يعني: وقود على النار يزيدها اشتعالاً، وفي يوم 26 يناير أي: بعد الثورة بيوم كتبت مقالة قلت فيها: إن أي دماء معناها: مزيد من الثورة ولن تتوقف، ولذلك فإن الحل العسكري أو الحل الأمني لا يمكن أن يكون حلًا، بل لا بد من استجابة حقيقية لطلبات الإصلاح الحقيقي، لذلك أؤكد على الامتناع عن سفك الدماء والحرص على السلمية.
أحداث البحرين:
أما ما يجري في البحرين فليس من نوع الثورات الموجودة في مصر واليمن وغيرها مِن البلاد، وإنما هي ثورة طائفية وفتنة شيعية؛ لمحاولة الانقضاض على البحرين، ومحاولة إيجاد نظام موالي لإيران باستعمال الشيعة في البحرين، وهذا من أخطر الأمور، وهو أن يظن الشيعة أن ولاءهم الطائفي مقدم على ولائهم لبلادهم، وهم بذلك يخسرون كل شيء، ولذلك؛ أرجو من الله ـ عز وجل ـ أن يسود الهدوء البحرين وألا يكون هناك فيها نظام يخالف عقيدة أهل السنة.
رسالة إلى القنوات الدينية:
على القنوات الدينية أن تبدأ صفحة جديدة متواكبة مع الأحداث، ولا تستعمل أبدًا مواقف المداهنة مع أي تيار بل لا بد أن تقول الحق وتستقبل كل الدعاة -بإذن الله تبارك وتعالى- بطريقة توصل الدعوة بحق إلى الناس جميعًا -بإذن الله-.
مصطلح الإسلام السياسي:
إن تسمية بعض الناس بعض الإسلاميين باسم الإسلام السياسي يوهم أنه يوجد إسلام غير سياسي أو أنه توجد طائفة ترى أنه لا دخل للإسلام بالسياسة، وهذا بلا شك تصنيف غير صحيح؛ لأنه لا يجهل مسلم أن الله -عز وجل- أنزل دين الإسلام؛ لصياغة حياة البشر بطريقة شاملة شمولاً تامًّا، يدل عليه قوله ـ تعالى ـ: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162-163).
فشمول الإسلام لحياة البشر كلهم: أفرادًا وجماعات ودولاً أمر بديهي لدى كل الطوائف الإسلامية على اختلاف أنواعها، ونصوص القرآن تثبت تناول الإسلام لكل مناحي الحياة، فمن جهة الفرد غاية وجود الإنسان أن يحقق ما أمره الله -عز وجل- به، وخلقه الله مِن أجله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، عبودية الفرد، وعبودية الأمة.
عبودية الفرد من خلال الإسلام والإيمان والإحسان، وعبودية الأمة من خلال أنظمة الحياة التي تشكل صبغة الحياة ونظام الإسلام لها (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) (البقرة:138).
وأنظمة الحياة موجودة في كل مجتمع من المجتمعات؛ إذ لا بد لكل مجتمع من نظام للحكم وللاقتصاد وللاجتماع وللحرب والسلم وللثواب والعقاب ولفصل الخصومات بين الناس والقضاء ولنظام إعلامي على تفاوت الأزمنة، وقد جاء الإسلام بكل هذه الأنظمة في الحقيقة.
فالنظام السياسي مبني على قاعدة أصلية قال -عز وجل-: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ) (يوسف:40)، (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ) (المائدة:49).
فالحكم في الإسلام ونظام الدولة الإسلامية له مقصد وهو: تحقيق العبودية لله، وأن تقيم الدين وتحرسه، فتحرس الدين: العقيدة والعبادة والأخلاق وثابت الإسلام كلها، وفي نفس الوقت تسوس الدنيا بالدين، فلا بد أن تصاغ أنظمة الحياة البشرية بالإسلام.
وتقسيم الإسلام إلى: إسلام سياسي وإسلام غير سياسي مبني على تصور خاطئ غير سليم؛ لأن أولويات الجماعات والاتجاهات الإسلامية تختلف فيظنونها متناقضة وأن بعضها يرى الفصل وعدم المشاركة في السياسية ونحو ذلك، وإنما كانت هناك أولويات في مراحل سابقة -وما زال- أولوية معينة في إيجاد الشخصية المسلمة الملتزمة التي تقوم -كما ذكرت- على أن يكون الشخص مسلمًا مؤمنًا محسنًا، فهذا حجر الزاوية بالنسبة لنا واللبنة الأولى في البناء الذي نهتم به.
الفصل بين الأهداف الشرعية والأهداف السياسية:
لا بد أن تكون الأهداف السياسية ضمن الأهداف الشرعية، ولا بد حين نعمل عملًا معينًا أن تكون نيتنا لله -سبحانه وتعالى- ولا بد أن تكون متابعة لما ورد في الشرع؛ كي يكون العمل صحيحًا، فلا بد أن تكون هذه الأهداف فقط ترتيب أولويات: ما الأولى بالنسبة لي في هذا التوقيت، في هذا المجتمع، في هذه الظروف؟! وبين آخر يرى أولويات أخرى ولكن في النهاية لا بد أن تصب هذه الأهداف شرعية في غاية واحدة وهي: تحقيق العبودية لله، وفي نفس الوقت تكون متابعة لما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
لماذا قلنا: نعم في الاستفتاءات الدستورية؟
الحق أن الإخوة السلفيين كلهم وكذلك الاتجاهات الإسلامية الأخرى كلها أجمعت -بفضل الله- هذه المرة على الموافقة على التعديلات الدستورية، ليس ذلك لأننا نرى أنها تحقق الكمال المطلوب أو أن الدستور الحالي يشمل كل مطالبنا، بل هناك أشياء كثيرة لا بد من تعديلها، ولكننا نرى أن هذه التعديلات خطوة على طريق الاستقرار.
طرح بعض الناس فعليًا طلب تعديل المادة الثانية وقد صرح بعض السياسيين بأنها طرح تعديل الثانية وذلك بحذف الألف واللام منها فتصبح (مصدر رئيسي للتشريع) بعد أن كانت (المصدر الرئيسي للتشريع) لكن هذا الطلب رفض.
ثم شكلت اللجنة الثانية برئاسة الدكتور طارق البشري وتجنبت المساس بالمادة المحددة لهوية مصر، وبالتالي فنحن أردنا إرسال رسالة تتلخص في أن هذه القضية عندنا قضية كبرى: المحافظة على هوية البلاد من أن دينها الرسمي الإسلام ولغتها اللغة العربية، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، لذلك كانت قضيتنا: ألا تمس هذه المادة.
خصوصًا أن بعض السياسيين المرشحين لرئاسة الدولة طارح لأن يعود لدستور 1923م الذي كان بعد ثورة 19 مباشرة، وكان ينص على أن الدولة دينها الرسمي الإسلام لكن لا ينص على مرجعية التشريع وبالتالي فالقانون الذي يفسره قال بأن معنى الدستور بهذه الطريقة أن يكون الدستور أولاً، القانون ثانيًا، العرف، ثالثًا، القاضي إذا لم يجد يمكنه أن يحكم بالشريعة الإسلامية فجعل الشريعة الإسلامية في الترتيب الرابع بعد المصادر الثلاثة الأولى، وعندنا شرع الله -عز وجل- فوق كل شيء.
وهذا يعبر عن عقيدة الأمة وبعض الناس يسميه: المبادئ العليا للدستور، أو النظام العام الذي يعبر عن عقيدة الأمة، فعقيدة الأمة هي الإسلام وكل الشعب المسلم في مصر لا يبقى بديلاً عن ذلك، فبعض الناس طالب بهذا، وبعضهم قال: نريد تعديلاً بسيطًا، نريد حذف الألف واللام!
فكأن دستور 23 يقول: الشريعة الإسلامية آخر المصادر = الحكم لغير الله إلا عند الضرورة وذلك حين يضطر القاضي ولم يجد شيئًا أن يلجأ إلى الشريعة الإسلامية.
أما دستور 71 قبل تعديل سنة 80 قال: إن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر في التشريع، وهذا يفهم منه أن هناك مصدر أخرى رئيسية أيضًا، وبالتالي فهو لم يلزم أن الحكم لله أيضًا، وبالتالي أباح للمجلس التشريعي أن يسن تشريعات مخالفة للشريعة مأخوذة من شرائع أخرى.
ثم ألزم التعديل الدستوري الذي تم في سنة 80 أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي، وظل الاختلاف في هذه المادة المعروضة على المحكمة الدستورية طيلة ستة عشر سنة، فبعد مقتل السادات في حادثة المنصة حدث نوع من الطعن في دستورية قانون العقوبات أثناء المحاكمة؛ لأنها مخالفة للشريعة.
رفضت المحكمة هذا الطعن وقررت أن كلمة (المصدر الرئيسي) تسمح بوجود مصادر فرعية، وهذا يعني أنه يمكن مخالفة الشريعة الإسلامية أحيانًا.
ثم فصلت المحكمة الدستورية سنة 96 بعد طول بحث لأن كلمة (المصدر الرئيسي) تدل على الحصر، وأنه لا يجوز لأي مصدر فرعي أن يخالف الرئيسي، وبالتالي أصبح التفسير المعتمد لهذه المادة أن أية مخالفة للشريعة الإسلامية تصبح باطلة، وكل قانون يسنه مجلس الشعب أو الشورى مخالفًا للشريعة لا يعتمد ويصبح باطلاً.
وكان ذلك مكسبًا كبيرًا جدًّا، ومنع ذلك بالفعل تشريعات كانت مفروضة على مصر، فقد وقعت مصر على اتفاقيات مؤتمرات السكان العالمية التي كان لها مقررات فيها مخالفة خطيرة جدًّا، وهي تفرض على الدول الموقعة على هذه المقررات أن تسن التشريعات الموافقة لها، وقعت مصر بتحفظ وكان التحفظ على أشياء غير محتملة على سبيل المثال تكوين الأسرة، فتكوين الأسرة في عرف كل أهل الإسلام: رجل وامرأة بينهما علاقة زواج، أما مؤتمرات السكان فتسمح بتكوين أسرة بين رجل ورجل، وبين رجل وامرأة من غير زواج، وبين أنثى وأنثى، ومن هذه المقررات أيضًا: أن التفضيل في الميراث بين الذكر والأنثى من اضطهاد المرأة، وهذا بلا شك مناقض لصريح القرآن.
فعرضت هذه الأشياء على مجمع البحوث الإسلامية التزامًا بأنه لا بد أن تكون موافقة للشريعة، فرفض المجلس هذه التشريعات؛ لأنها مخالفة للشريعة، ولم تسن هذه القوانين بناء على هذه المادة، فكانت هذه المادة بلا شك مكسب كبير جدًّا.
وهذه المادة تمنع وصف المنازعة لله -عز وجل- في الحكم على المجالس التشريعية المصرية، ومعناها أن هذه المجالس لا تملك أن تنازع الله في حكمه، وأن شرع الله -سبحانه وتعالى- إذا ثبت فلا يمكن لأحد منازعته، كذلك حين يقسم رئيس الدولة ورئيس الوزراء وضباط الجيش والشرطة وأعضاء مجلس الشعب والشورى يقسموا على احترام الدستور الذي ينص على أن حكم الله لا يمكن أن يعارض، فهذا شيء عظيم جدًّا.
والبديل أن يقسم على دستور يقول: يجوز أن نخالف شرع الله، يجوز سن قوانين تخالف شرع الله، فهذه المسألة ليست صغيرة، وبالتالي رفض طلب تعديل هذه المادة رغم وجود كثيرين يطالبون به ونزعت مع أن المعركة لا زالت مستمرة إلى ستة أشهر لأنه سيكتب دستورًا جديدًا والجميع متفق على أنه هناك قوانين لا بد أن تغير لكن نقول هذه المادة لا بد أن تظل محافظة على هوية الأمة وربما تكون أكثر تأكيدًا وتوضيحًا؛ لأن هوية مصر أنها إسلامية وأنها عربية تنتمي إلى العالم العربي والإسلامي قضية عظيمة الأهمية وتصبغ كل مواد الدستور بعد ذلك بهذه الصبغة، أي أن معناها أن مادة مقدمة على غيرها؛ لأنها أصلاً مِن مبادئ العليا لأمة بل للدستور -النظام العام- التي في الحقيقة لو خالفها؛ لكان غير دستوريًا.
السلفيون وصناديق الاقتراع بين الماضي والوضع الحالي:
كان عزوفنا عن المشاركة السياسية قبل ذلك لم يكن لأجل أنه لا دين في السياسية ولا سياسية في الدين، بل عقيدتنا أن الإسلام ينظم كل شئون الحياة بما فيها السياسية، ولم يكن السلفيون هم الوحيدون الذين عزفوا عن السياسية بل كان كل الشعب في الحقيقة، والجميع يعلم أن عدد جميع من كانوا يشاركون الانتخابات والاستفتاءات كلها لا يتجاوز المليون، بعد الثورة حدثت تغييرات كبيرة جدًّا، ونحن أولًا جزء من الشعب المصري المسلم وبلا شك لنا وجودنا السابق، وقد مارسنا -ومعنا الاتجاهات الإسلامية الأخرى- دور المعارضة الحقيقي والذي من أجلها سن "قانون الطوارئ"، ومِن أجلها دخل الناس السجون وقد دخلت السجن ثلاث مرات ومن أجلها وقع اضطهاد للملتزمين خصوصًا الملتحين في قطاعات عريضة جدًّا في العمل وفي التعليم، ومن الجهات الأمنية طيلة خمسة وثلاثين سنة.
ثم تغيرت الموازين وشعر الناس أن هذا الاستفتاء خطوة إيجابية وأنها تحترم الجماهير وتحترم إرادة الشعب، وفي نفس الوقت هناك فرصة للتغيير من خلال المشاركة الإيجابية، أما في الماضي -قبل الثورة- فكانت موازين القوى تفرض على كل من يشارك أن يتنازل عن ثوابت عقدية لا يمكن أن نتنازل نحن عنها، لا بد أن يقبل أن يقال له على سبيل المثال: إذا جاءت صناديق الاقتراع برئيس قبطي أو زنديق هل تقبل أم لا؟!
أنا لا أخجل أن أقول: قال الله -عز وجل-: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء:141)، وكما أو العالم كله قبل أن يكون رئيس إسرائيل ورئيس وزرائها لا يمكن أن يكون غير يهودي، وقبلتم أن تكون ملكة أو ملكها انجلترا هو رئيس الكنيسة البروتستانتية وأن رئيس دولة الفاتيكان لا بد أن يكون بابا الكاثوليك، وهناك سبع دول في أوروبا -أعضاء في الاتحاد الأوروبي- تنص دساتيرها على ديانة ومذهب رئيس الدولة، فلم يفرض علينا أن يكون الرئيس غير مسلم؟! ونهتم بأننا نريد فتنة طائفية.
كذلك أيضًا لا بد عندهم أن نوافق على الأدب الإباحي وأدب الزندقة وإلا كنا غير ديمقراطيين، أما نحن فنقبل منن الديمقراطية ما يوافق الشرع منها، فقد أخذت الديمقراطية بعض محاسن النظام الإسلامي وضمت إليه قاعدة غير محتملة بالنسبة لنا وهو أن السلطة التشريعية أو حق التشريع يكون للناس.
وقد شهدت العصور الوسطى في أوروبا نوعًا من التشريع البشري المصبوغ بالصبغة الإلهية، وهي الدولة الدينية عند أوروبا وهي تعني: أن الحاكم يحكم بالحق الإلهي، لا يحكم على أساس أنه بشر من البشر أو وكيل عن الأمة، ولذلك فهم لا يعرفون الدولة الدينية إلا الدولة الثيوقراطية التي فيها الحاكم إذا قال؛ فقد قضى الرب، وإذا حكم فقد حكم الرب، ومن يخالف يطرد من الجنة، والجنة بيد الحاكم سواء أكان سلطانًا دينيًا أو سلطانًا دنيويًا.
هربوا من هذه الثيوقراطية إلى الديمقراطية وقالوا: الحكم للأغلبية، أما عندنا فالحكم لله -عز وجل-؛ لأن الحاكم والمحكوم عندنا كلاهما محكوم بشرع الله، فأخذوا محاسن من النظام الإسلامي وهو أن الأمة هي التي تعين الحاكم ولها أن تعزله ولها أن تراقبه وتأمره وتنهاه هذه الأمور لمن تكن عندهم وإنما كانت عندنا نحن فقد توفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يستخلف فاختار الصحابة -رضي الله عنهم- أبو بكر خليفة للمسلمين، فأهل الحل والعقد هم ممثلي الأمة، وهذا الواجب أن يكون عندنا، فأهل الحل والعقد هم أهل الخبرة والمشورة وهم الذين يختارون رئيس الدولة ولهم حق عزله أيضًا وقد نص العلماء على ذلك في حالة زيادة الظلم والغشم والجور وزيادة المفاسد عن خلعه فيصير بقاؤه مفسدة كبرى كما هو الحال في ليبيا فبقاؤه تدمير للبلد كلها وسفك دماء الشعب فلا يمكن أن يؤمر الناس بالاستسلام والقتل بحجة أنهم لا بد أن يسمعوا ويطيعوا.
الآن يوجد قدر كبير من الحرية يمنع أن تفرض علينا تنازلات، ويوم يفرض علينا تنازل عن ثوابت عقدية لا يمكن أن نشارك.
وكان أيضًا من ضمن أسباب عدم المشاركة سابقًا: أن الثمن المدفوع مكلف جدًّا والنتيجة معلومة مسبقًا، وكل استفتاء سبق قبل ذلك كانت نتيجته معروفة أنها نعم، ولا يمكن لأحد أن يطعن بالتزوير.
ولذلك صدم بعض الناس لأن الإعلام عامته سواء الجرائد أو التليفزيون الحكومي أو محطات فضائية ومعهم العالمانيين والليبراليين كان يؤكدون على الناس أن يقول: لا للاستفتاءات على التعديلات الدستورية؛ فجاء قول الشعب: نعم مخالفًا لتوقعاتهم جميعًا.
فكان الثمن مكلف جدًّا والمكسب محدود جدًّا؛ لأن التزوير معروف كنتيجة أساسية وفي النهاية نصبح ديكورًا لنظام يريد معارضة ديكورية وفي النهاية النتائج محسومة، وما جرى في الانتخابات الأخيرة جعل كثيرًا من الإسلاميين ينسحبون؛ لأن النسبة الضئيلة التي كانت تمنح لهم تقلصت فبعد أن كانت ثلاثين بدلًا من ثمانين بالمائة تقلصت إلى 3 أو 2% فكانت هذه المقاطعة إيجابية وليست سلبية.
الثورة المصرية والأنموذج التركي:
الأنموذج التركي لم يتم بثورة، فقد تعرضت تركيا لمأساة كبيرة جدًّا، والأنموذج التركي يطرح البعض كطريق للإسلام السياسي المعتدل الذي يقبله الغرب ، ويمكن أن تكون التجربة أقصى ما يحلم به الناس في تركيا؛ لأن الإسلام في تركيا تعرض لاضطهاد فظيع لم ير مثله حيث فرضت العالمانية بالحديد والنهار.
ولا يزال فيها قوانين تقول: من يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية يعاقب بالسجن ثماني سنوات، ولو كان في جماعة منظمة فالسجن مدى الحياة، ومن يحفظ أولاده القرآن خارج المقررات المدرسية يعاقب بالسجن ثلاث سنوات، مما أدى بالشعب التركي نفسه إلى عدم فهمه لكثير جدًّا من القضايا عظيمة الأهمية جدًّا.
فالبرلمان التركي الذي تسيطر عليه الأغلبية من حزب العدالة، وقد ضغطت أوروبا على البرلمان ضغطًا شديدًا؛ لكي يسن تشريعًا يلغي تجريم الزنا -إذا أردوا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي- مع أنه تجريم أعرج في الحقيقة؛ لأنه تجريم يجعله حق للزوج فقط، وإذا كانت المرأة غير متزوجة وسنها فوق الثامنة عشرة فقط وكان الزنا من غير **** ولا إكراه، ومع ذلك لم يعجبهم هذا القانون، وفرضوا على البرلمان التركي أن يغير ذلك ويقول: الزنا ليس بجريمة.
والذي دفع البرلمان التركي الذي يسيطر عليه حزب ذو أصل إسلامية إلى سن ذلك القانون أن هذه القضية ليست كبيرة عندهم أنهم لم يتعلموا هذه القضية ولم يدرسوها ولا يعلمون أن القول بأن الزنا ليس بجريمة استحلال لما حرم الله -عز وجل- وهذا كفر، ولكنهم لا يعلمون وكان أقصى ما يحلمون به أن تدخل طالبة الجامعة بحجابها أو تسير به في الشارع، فقد كان الحجاب ممنوعًا.
ووضعنا -بلا شك- ليس كذلك، وقد حافظ الشعب المصري على تدينه عبر التاريخ رغم أنه قد حاولت جهات متعددة صبغ الشعب بالصبغة العالمانية إلا أن الشعب قاوم خصوصًا مع وجود الصحوة الإسلامية القوية منذ أربعين سنة فغيرت كثيرًا من الموازين وعاد الشعب إلى طبيعته الأصلية وإلى فطرته وإلى عقده الاجتماعي إلى عقيدته إلى الإسلام بنسبة كبيرة جدًّا.
تجربة الجزائر في المشاركة السياسية في التسعينات:
الفرق الكبير بيننا وبين تجربة الجزائر في التسعينات أن موقف الجيش كان مختلفًا تمامًا، دخل الإسلاميون بكل قوتهم رغم أن الجيش كان على العالمانية الصرفة وبالتالي فرض إلغاء الانتخابات رغم اكتساح الإسلاميين لها، أما الجيش المصري فوضعه مختلف فهو أولاً جزء من الشعب، والشعب بطبعه متدين، وهذا موجود في قطاعات عريضة جدًّا من الجيش المصري، وبالتالي لم يقف الجيش -بفضل الله- ضد إرادة الأمة بل وقف معها وأيد إرادتها في التغيير، وبالتالي لا أظن أبدًا أن الجيش سيقف ضد إرادة الأمة في المحافظة على هوية مصر الإسلامية بل وتفعيل هذه الهوية إلى المزيد؛ لأن هذه هي إرادة الأمة فعلاً.
المشاركة في العمل السياسي:
بالتأكيد أن الفرصة الآن أكبر بكثير جدًّا مما سبق فليس في الانتخابات تزوير، كما أنه يوجد احترام لكل إنسان أن يعرض ما يريد دون أن تفرض علينا إملاءات معينة، ولا شك أن جزء من هذه القوى تغير داخل مصر وفي المنطقة كلها وإن كانت موازين القوى لا زالت مؤثرة وفي العالم كله ونحن نستوعب ذلك، وندرك أنه فرق كبير بين الواجب المطلوب المرجو وبين المتاح الممكن وهو حسب الطاقة (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن:16).
فليس كل ما نحلم به نتوقع تحقيقه مع أننا نرجو الله -سبحانه وتعالى- ونأمل أن ينتشر دين الله ويعم الأرض كلها، وهذا وعد الله -عز وجل-، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلامَ، وَذُلاً يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
(بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ) أي: صحراء وبادية، فالإسلام سينتشر ويملأ الأرض كلها، ولكن هذا الأمر في أزمنة مختلفة وقد قال -عز وجل-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33).
وقد أنزل الله ـ عز وجل ـ في مكة: (إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) فعالمية الإسلام كانت منذ اللحظة الأولى، وكان الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة يدرك أنه غير آمن على نفسه ولا على أصحابه.
إذن هناك تقدير للممكن وهناك إيمان بالواجب، نحن نرجو الله -عز وجل- ولكن ندرك ما في الواقع فنقوم بما نقدر فنصلح قدر الإمكان (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
وأنا أرى أن هناك إمكانية كبيرة للإصلاح -بإذن الله تبارك وتعالى-، وإمكان تحقيق السعادة لأهل مصر من خلال الاقتراب من العمل بدين الله -تبارك وتعالى- لمسلمهم وغير المسلمين.
حول التساؤل بإنشاء السلفيين لحزب أو مؤسسة تتولى الدفاع عنهم:
هذه القضية ما زالت مطروحة للبحث وليست ملغاة من حساباتنا ولكن -كما ذكرت- أولويتنا ونظرتنا إلى التغيير الحقيقي أنه يبدأ من إيجاد شخص مسلم متكامل الشخصية وعملنا من المسجد والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن؛ لتكوين هذه الشخصية؛ ثم لإيجاد طائفة مؤمنة قادرة على أداء فروض الكفاية التي شرعها الله -عز وجل-، وهي بذرة أنظمة الحياة الإسلامية، فنسعى لإيجاد كل ما نقدر من ذلك.
فهدفنا الأول: حراسة الدين، وتربية الناس على عقيدة صحيحة وعبادة سليمة وعلى أخلاق سوية، وهذا هو الأساس الذي نعمل له، أما الجزء المتعلقة بالمشاركة السياسية سواء أكانت بصورة فردية أو بتكوين حزب كل هذه أمور مطروحة وبالتأكيد غرضها أيضًا: إصلاح ما يمكننا إصلاحه مع تحقيق العبودية لله -عز وجل- وتقواه قدر الإمكان، أما الوسائل ودرجة المشاركة فإنها محل بحث -بإذن الله تبارك وتعالى-، وتعلن في وقتها -إن شاء الله-.
شعورنا بعد 25 يناير:
في أثناء الثورة كنت قلقًا وخائفًا للغاية بسبب ما حدث من ثورات قبل ذلك، وكنت مشفقًا غاية الإشفاق أن تحدث هذه الأحداث عندنا، وأظن أنه كانت هناك توجيهات بذلك، ولولا لطف الله -عز وجل-؛ لوقعت، وها نحن الآن نرى ما يجري في ليبيا، فكان من الممكن أن تجري الدماء أنهارًا كما هو الحال في ليبيا مع أن تعداد سكانها عشر سكان مصر، فلو تعرضت البلاد لمثل هذا الاعتداء فإن عدد الشهداء والقتلى سيكون كثيرًا جدًّا، لذلك؛ كنت قلقًا جدًّا، كما أنني كنت قلقًا ومتوجسًا على البلاد من الفوضى التي كانت تنتظر الجبهة الداخلية بعد غياب الشرطة.
وكنا -بفضل الله تعالى- أول مَن قام بتشكيل لجان شعبية وكان لها آثار إيجابية جدًّا وبالدعوة إلى الله -عز وجل- دون قهر للناس أو إلزامهم بشيء، بل كانت الدعوة هي الأصل فيها.
وبفضل الله -عز وجل- مرت هذه الأمور إلى ما نحب مِن المنع مِن سفك الدماء، وكذلك موقف الجيش الذي أيد الشعب واحترم إرادته وكذلك موقف الجماهير المصرية فعليًا التي استجابت استجابة عظيمة للمحافظة على الجبهة الداخلية، كما حدث أيضًا وأد لهذه الفتنة الطائفية المزعومة، وقد أعلن السلفيون في هذا التوقيت أنهم سيقومون بحماية أرواح وممتلكات النصارى كما نحمي المسلمين، وأن اللص الذي يكسر محل نصراني فإنه سيكسر دكان رجل مسلم، وفي هذا التوقيت بعث الجيش رسالة شكر للجماعة السلفية بالعريش؛ لمنعهم اعتداء بعض البلطجية على الكنيسة، كإثبات لدور الإخوة الإيجابي في هذا الباب، وقد أثنى بعض رموز الأقباط على مثل هذه الأعمال عمومًا، وهذا مما يدحض تهمة السلفيين بتفجير كنسية الإسكندرية، وقد رأيت بعض الناس الذين كانوا قبل مدة بلطجية يشاركون الناس في اللجان الشعبية في حماية الناس، وخاب -فيما أظن- ظن من رغب في سيادة الفوضى والمجازر -بفضل الله سبحانه وتعالى-.
إعادة العلاقة والثقة بين الشعب:
نحن نقول: لا بد من صفحة جديدة، ولا بد أولًا من أن تتغير السلوكيات عما كان قبل ذلك، وأنا أرى قيادات كبيرة عندنا في الإسكندرية وغيرها في اتجاه قوي جدًّا التغيير، كذلك تعويض من سبق الاعتداء عليه بأي طريقة، وهذا حقهم بلا شك، ونحن نرغب كل الناس في امتثال قول الله ـ عز وجل ـ: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) (النور:22)، مع احتفاظه بحقه؛ لأن حقه لا يمكن أن يساومه عليه أحد، ولكن نقول نبدأ صفحة جديدة، ونحن نسعى للمشاركة في إعادة هذه الثقة، ونحن نعد الآن لعقد مؤتمرات مشتركة للإخوة الدعاة وعلماء أفاضل من الأزهر وقيادات من الجيش ومن الشرطة لبدء صفحة جديدة -بإذن الله تبارك وتعالى-، وكذلك أرى أنه ينبغي تغير الشخصيات التي لها تاريخ مؤلم عند بعض الناس ويعين غيرها.
أما رؤية لمصر في المستقبل فأرجو أن تكون إلى أفضل -بإذن الله تبارك وتعالى-.
رسالة إلى شعب ليبيا:
أنا أدعو في كل وقت الله -عز وجل- لشعب ليبيا أن يفرج كربهم وأن يذهب عنهم الغمة، وأن يكونوا يدًا واحدة ضد الظلم والعدوان، وأن يكون حرصهم على استقلال ليبيا وعدم نزول قوات أجنبية فيها حرص أكيد، وأدعو الله -عز وجل- أن يزيل عنهم الغمة, وأن يزول الحكم الظالم القائم حاليًا.
رسالة إلى اليمن:
اللهم عافي المسلمين في كل مكان، أؤكد أن الدم لا يجلب إلا الدمار في كل مكان ولا يمكن لحاكم أن يقوي أو يثبت نظام حكمه بنزف الدماء بهذه، فالمجازر التي حدثت لن تؤدي إلى الاستقرار، فالدم يعني: وقود على النار يزيدها اشتعالاً، وفي يوم 26 يناير أي: بعد الثورة بيوم كتبت مقالة قلت فيها: إن أي دماء معناها: مزيد من الثورة ولن تتوقف، ولذلك فإن الحل العسكري أو الحل الأمني لا يمكن أن يكون حلًا، بل لا بد من استجابة حقيقية لطلبات الإصلاح الحقيقي، لذلك أؤكد على الامتناع عن سفك الدماء والحرص على السلمية.
أحداث البحرين:
أما ما يجري في البحرين فليس من نوع الثورات الموجودة في مصر واليمن وغيرها مِن البلاد، وإنما هي ثورة طائفية وفتنة شيعية؛ لمحاولة الانقضاض على البحرين، ومحاولة إيجاد نظام موالي لإيران باستعمال الشيعة في البحرين، وهذا من أخطر الأمور، وهو أن يظن الشيعة أن ولاءهم الطائفي مقدم على ولائهم لبلادهم، وهم بذلك يخسرون كل شيء، ولذلك؛ أرجو من الله ـ عز وجل ـ أن يسود الهدوء البحرين وألا يكون هناك فيها نظام يخالف عقيدة أهل السنة.
رسالة إلى القنوات الدينية:
على القنوات الدينية أن تبدأ صفحة جديدة متواكبة مع الأحداث، ولا تستعمل أبدًا مواقف المداهنة مع أي تيار بل لا بد أن تقول الحق وتستقبل كل الدعاة -بإذن الله تبارك وتعالى- بطريقة توصل الدعوة بحق إلى الناس جميعًا -بإذن الله-.