صنعناها.قبل أكثر من عام حينما كتبت فى هذا المكان مقالا بعنوان "لماذا لا يعتزل
مبارك وشحاتة وعادل إمام؟" اتصل بى صحفى صديق وناشط فى الحزب الوطنى،
ليخبرنى باستياء كبير من المقال، وطلب حذفه من على موقع "اليوم السابع"
الإليكترونى.
لم أعرف إن كان هذا طلبه الشخصى، أم رسالة من أحد ما من مؤسسة الرئاسة
السابقة، أو من الحزب الذى كان عضوا فيه، لكننى اعتذرت بكل أدب قائلا: لا
يمكننى طلب حذف المقال، فهو مثل كل مقالاتى جزء من شخصيتى وتاريخى، وكذلك
جزء من المكان الذى نشر فيه، وبالتالى لا يجوز سحبه.
تذكرت هذه الواقعة التى سقطت من ذاكرتى من قبل حينما اتصل بى صديق آخر
ليخبرنى أنه دخل على موقع صحيفة روز اليوسف على الإنترنت لاستعادة مقال
سابق لى كنت أتحدث فيه عن رؤساء تحرير صحف خاصة، تربوا فى أحضان أمن الدولة
والنظام السابقين، لكنهم يرتدون مسوح الشرفاء، وقال أنه فوجئ بحذف جميع
مقالاتى من موقع الصحيفة.
عملت فى روز اليوسف عدة سنوات، وظللت أكتب فيها مقالا يوميا لأكثر من أربع
سنوات متتالية، وقد دخلت على موقعها على الإنترنت فاكتشفت أنه تم حذف جميع
المقالات السابقة على تولى رئيس تحرير جديد، على اعتبار أن كل ما سبقه، إما
لا يمت للصحافة بصلة، أو أنه مكتوب من ناس يمكن وصفهم بأنهم فلول بالزيت
والليمون!
حذف التاريخ عادة متأصلة فى مصر، وقد ذكرنى ما فعله رئيس تحرير روز اليوسف
الحالى، بواقعة شهيرة فى التاريخ المصرى القديم، حين توفت الملكة حتشبسوت،
وخلفها شقيقها تحتمس الثالث على عرش مصر، فسارع بتحطيم تماثيلها، وحذف
اسمها من جدران المعابد، لكن التاريخ تذكر حتشبسوت، ولم ينس لشقيقها تحتمس
الثالث ما فعله بذكراها وآثارها.
وحينما قامت ثورة يوليه 1952 حذفت الملك فاروق من التاريخ، حتى صوره التى
كانت فى الأفلام القديمة، وضع عليها علامة سوداء حتى لا تظهر، وحين انقلب
الضباط الأحرار على محمد نجيب، وعزلوه من الرئاسة، وضعوه فى غياهب النسيان
قيد الإقامة الجبرية حتى مات وحيدا بعدها بسنوات.
وقد قرأت خبرا عجيبا يقول، إن التليفزيون قرر حرق شرائط مدتها أربعين ألف
ساعة يظهر فيها رموز النظام السابق، مع أن هذا النظام بكل ما له وما عليه
جزء من تاريخ مصر، لا يمكن إسقاطه، أو محوه بجرة قلم أو بقرار من أحد
باعتبارهم من الفلول.
ألمانيا رغم ما عانته من ويلات ودمار انسحب على العالم كله بسبب طموحات
زعيمها النازى السابق أدولف هتلر، لم تحذف تاريخه، ولم تحرق الأفلام التى
يظهر فيها، لأن هتلر ببساطة شديدة جزء من تاريخ ألمانيا والبشرية، ويجب أن
يظل كذلك حتى لا تعود دعوته من جديد.. لكننا للأسف لا نؤمن بأهمية التاريخ،
ولا نسعى للحفاظ عليه، ونعتقد دائما أننا نولد مع كل نظام جديد ورئيس جديد
ومدير جديد، فتظل حياتنا تدور فى دوائر مفرغة، وتبدأ من جديد ولا نراكم
الخبرات أبدا، لأننا ببساطة لا نتعلم من الماضى السيئ، ولا نستفيد من أى
إنجازات تحققت قبلنا لأننا لسنا من