كنت فتى لا يمل السعى .. خلقتُ فى كبد .. كبدٌ عظيم .. وكانت اول مرة ادخل فيها بيت ذلك الاستاذ الشيخ .. الضئيل البدن القليل اللحم ... الذى ينظر اليك كالمتعجب ... وكان الذى جمعنى به سنة ً للنبى صلى الله وعليه وسلم ... وهى عيادة المريض ... طرقت بابه فى ذلك اليوم على غير ميعاد ففتح لى صغير من حفدته .. وقادنى الى غرفة الشيخ .. فاذا هو جالس على بساط كالح من تقادم الايام ... وعلى يمينه خزانة كتب مطوية فى جوف الجدار ... وامامه صينية صفراء من نحاس فيها اداة القهوة وعلى يسارة كتب مركومة ... فلما سمع صوتى رفع الي بصره وسكن...فسلمت .. ثم قلت .. لابأس عليك .. اذهب الباس رب الناس ... ماذا بك ايها الشيخ .. فقال بصوت خافت ... عندى زائرة ... فقلت له ومن تكون ... فقال هى هى زائرة ابو الطيب المتنبى .. ثم قال بصوت خافت جدا ما كنت لاتبينه لولا انى عرفت الذى يقول وكنت احقظه .... وهى هذه الابيات من شعر المتنبى ...
وزائرتى كأن بها حياءا ..... فليس تزور الا فى الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا ... فعافتها وباتت فى عظامى
يضيق الجلد عن نفسى وعنها ... فتوسعه بأنواع السقام
كأن الصبح يطردها فتجرى ... مدامعها بأربعة سجام
اراقب وقتها من غير شوق .. مراقبة المشوق المستهام
ويصدق وعدها والصدق شر اذا القاك فى الكرب العظام
اذا ما فارقتنى غسلتنى ... كأن عاكفان على حرام
أ بنت الدهر عندى كل بنت ... فكيف وصلت انت من الزحام
جرحت مجرحا لم يبق فيه .. مكان للسيوف ولا السهام
وكان الشيخ حسن التقسيم للشعر حين يقرؤه ... فيقف حيث ينبغى الوقوف .. ويمضى حيث تتصل المعانى .. فاذا سمعت الشعر منه وهو يقرؤه فهمته على ما فيه من غريب او غموض او تقديم او تأخير او اعتراض ... وكان فى صوت الشيخ معنى عجيب من الثقة والاقتدار وفى نبراته حين ينشد الشعر معنى الفهم للذى يتلوه عليه ...فلا تكاد تخطئ المعانى التى ينطوى عليها .. لانها عندئذ ممثلة لك فى صوته ... والصوت الانسانى هو وحده القادر على الابانة عن المعانى الخفية المستكنة فى طوايا النفوس او فى احاديث النفوس ..
ورب رجل او امرأة تسمع كلامه او كلامها وانت لا تعرف عن احدهما شيئا فيخيل اليك وانت تسمع انك قد نفذت على نبرات هذا الصوت الى اعمق الاعماق المدفونة فى هذه النفس الانسانية التى تحادثك ... وهذا شئ لا يكون الا فى ذوى النفوس الصادقة الصافية البريئة من حشو الحياة وسفسافها ....
ولقد عجبت للشيخ يومئذ .. عجبت لخاطرته الفياضة التى تنتزع ما تريد من الشعر على وفق ما به من حال ... اذهب الله عنه كل بأس ...
وزائرتى كأن بها حياءا ..... فليس تزور الا فى الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا ... فعافتها وباتت فى عظامى
يضيق الجلد عن نفسى وعنها ... فتوسعه بأنواع السقام
كأن الصبح يطردها فتجرى ... مدامعها بأربعة سجام
اراقب وقتها من غير شوق .. مراقبة المشوق المستهام
ويصدق وعدها والصدق شر اذا القاك فى الكرب العظام
اذا ما فارقتنى غسلتنى ... كأن عاكفان على حرام
أ بنت الدهر عندى كل بنت ... فكيف وصلت انت من الزحام
جرحت مجرحا لم يبق فيه .. مكان للسيوف ولا السهام
وكان الشيخ حسن التقسيم للشعر حين يقرؤه ... فيقف حيث ينبغى الوقوف .. ويمضى حيث تتصل المعانى .. فاذا سمعت الشعر منه وهو يقرؤه فهمته على ما فيه من غريب او غموض او تقديم او تأخير او اعتراض ... وكان فى صوت الشيخ معنى عجيب من الثقة والاقتدار وفى نبراته حين ينشد الشعر معنى الفهم للذى يتلوه عليه ...فلا تكاد تخطئ المعانى التى ينطوى عليها .. لانها عندئذ ممثلة لك فى صوته ... والصوت الانسانى هو وحده القادر على الابانة عن المعانى الخفية المستكنة فى طوايا النفوس او فى احاديث النفوس ..
ورب رجل او امرأة تسمع كلامه او كلامها وانت لا تعرف عن احدهما شيئا فيخيل اليك وانت تسمع انك قد نفذت على نبرات هذا الصوت الى اعمق الاعماق المدفونة فى هذه النفس الانسانية التى تحادثك ... وهذا شئ لا يكون الا فى ذوى النفوس الصادقة الصافية البريئة من حشو الحياة وسفسافها ....
ولقد عجبت للشيخ يومئذ .. عجبت لخاطرته الفياضة التى تنتزع ما تريد من الشعر على وفق ما به من حال ... اذهب الله عنه كل بأس ...