السؤال:
لماذا خلقنا الله عز وجل:
الجواب: خلقنا الله عز وجل لعبادته، قال تعالى:
((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))
[الذريات:56].
ولماذا خلقنا الله عزَّ وجلَّ لعبادته وهو غنيٌ عنَّا ؟
أولاً:
يجبُ أن نعلم أن الله تعالى غنىٌ عن الخلق أجمعين
حتى لو كفروا وأعرضوا عن الطاعة والعبادة
فالله غنىٌ عنهم وعن عبادتهم وطاعتهم
فهو سبحانه لا تَضرُهُ معصيَّة العاصين ولا تنفعُة طاعة الطائعين
فالله جلَّ وعلا غنيٌ عن كل خلقه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية
بل لا يزيد ملكه توحيد الموحدين
ولا حمد الحامدين ولا شكر الشاكرين
ولا ينقص ملكه كفر الكافرين ولا عصيان العاصين
لا إذناب المذنبين أبدًا ..
قال الله جل وعلا:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ
وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ .
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ.
وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ))
[فاطر:15- 17 ]
هو القائل في الحديث القدسيّ الذي رواه مسلم
من حديث أبي ذر وفيه:
(يا عبادي لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم
كانوا على أتقي قلب رجل واحد منكم
ما زاد ذلك في ملكي شيئا
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم
كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم
ما نقص ذلك في ملكي شيئا )
إلي آخر الحديث.
ثانيًا:
خلقنا الله تعالى لعبادته ..
لأن العبادة هي حق الله تبارك وتعالى على عباده
فهل تعرف ما معنى
(حق الله تبارك وتعالى على عباده) ؟ ..
إن الله عزَّ وجل هو الرب، الخالق، الملك، الحق
الذي يستحق أن يُعبد، هذه هي صفاته يا إنسان ..
هذه هي صفاتُ ربك .. صفات الجلال والكمال ..
وهو سبحانه وتعالى يُحِبُ ويَكْرَه ..
فهو سبحانه وتعالى يُحــب أن يُعـبــد
وأن يُوحـد ويُمجـد
فهو عز وجل يُحب العبادات من عباده ..
هذا هو ربنا عز وجلَّ .. إنه يُحِب ويَكْرَه ..
فهل علمت الآن ماذا يُحِبَ وماذا يكرَه ؟
وهل من المُستغرب أن تجِد ملكًا من ملوك الدنيا
يُحب شيئًا أو يكره شيئًا ..
بالطبع لا !
ولله تعالى المَثَلُ الأعلى ...
فالله تعالى يُحب أن يكون له عبيد يعبدونه ويوحدونه ويمجدونه ..
ويحب العبادات من عباده..
روى البخاري ومسلم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه
قال كنت رديف النبي سلم
يوما على حمار فقال النبي لمعاذ
( يا معاذ قلت لبيك يا رسول الله وسعديك
قال أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله
قال معاذ الله ورسوله اعلم
فقال سلم:
حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا
وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا
قال معاذ قلت أفلا أبشر الناس يا رسول الله
قال لا
لا تبشرهم فيتكلو)
فأخبر بها معاذ بن جبل عند موته تأثما أي خشية من وقوعه
في إثم لكتمان العلم عن رسول الله سلم .
فنحن نعبد الله تبارك وتعالى لأنه يستحق أن يعبد ..
وطلبًا لجنته وخوفًا من ناره.
ثالثًا:
خلقنا الله تعالى لعبادته ..
لأن هذا هو مقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العلا
فمن كمال ربوبيتة وألوهيته وأسمائه وصفاته
أن يُــعبد ويُوحد ويُمجد سبحانه وتعالى.
رابعًا:
إن من أعظم وأرق صور الرحمة : أن أمر الله الخلق والعباد بعبادته ! ..
لأن العبادة غذاء لأرواحنا ، حياة لقلوبنا ، سبب لتفريج كروبنا
لأن العبادة تقربنا من ربنا تبارك وتعالى .
فالإنسان مخلوق، جسد وروح ..
فأنت تعطي البدن ما يشتهية من طعام وشراب وغيره ..
فلو لم تعطِ الروح هي الأخرى غذائها ..
تصرخ الروح في أعماق الجسد تريد هي الأخرى غذاءً وشرابًا ودواء..
وغذاء الروح لا يعلم حقيقته إلا من خلقها
إذ أن الروح لا تقاس بالـ (ترمومتر)
ولا توزن بالـ (جرام)
ولا توضع في بوتقة التجارب في المعامل .
ومن هنا يقول ربنا
((وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيل))
[الإسراء:85] .
فالعبادة هي غذاء الروح
وأنت لاتستطيع أن تحصل على هذا الغذاء إلا عن طريق الرسل
وكيف لك أن تعرف غذاء روحك
إلا عن طريق الأنبياء المبلغين لرسالات الله عز وجل ولأمره ونهيه
هم الذين يأتون بوحي الذي خلق
الذي خلق روحك وهو يعلم غذائها :
((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ))
[الملك:14] .
إذن العبادة غذاء لهذا الشق الآخر في الجسد وهو الروح
لأن الإنسان لا يمكن أن يعيش حياة سوية مستقيمة
بحياة البدن فحسب ..
لابد أن يحيا الروح والبدن معا .
فهل علمت الآن لماذا خلقنا الله عز وجل لعبادته
.. وهو غنيٌ عنَّا ..
الإسلام دين الحياة
صالح لكل زمان ومكان
صالح لكل الشعوب على اختلاف ثقافاتها
من الإسلام نستمد قوتنا وعزتنا
وأيضا نستمد منهج حياتنا
وبه نرتب أمورنا وننير عقولنا
الإسلام طرفان لا طرف واحد
الإسلام يجمع النقيضان في ملف واحد وتفكير واحد أيضا
للمسلم أن يجمع النقيضان في شخصيه واحده
رهبان بالليل فرسان بالنهار
أشداء على الكفار رحماء بينهم
أذله على المؤمنين اعزه على الكافرين
ليس على المسلم أن يجمع الحسنات فقط
بل عليه أن يجتنب السيئات أيضا في نفس الوقت
عليه أن يستغفر الله ليجمع الحسنات وفى نفس الوقت يبتعد عن الموبقات
عليه تأدية الصلوات والابتعاد عن إيذاء العباد أيضا
لا يكفى المسلم أن يجمع حسنات فقط
ولكن عليه أن يبتعد عن مظالم العباد
عليه أن يمشى في قضاء مصالح العباد لجمع الحسنات
ويبتعد عن الغيبة والنميمة أيضا
رسولنا ينبهنا عن المهلكات فيقول
الشرك بالله والإضرار بالناس
أليس الأولى أن نسير سويا
ونجمع الحسنات ونطهر أنفسنا من حقوق العباد
كيف نستقبل رمضان بالصلاة والزكاة
وفى نفس الوقت علينا أحمال كثيرة من ذنوب العباد
التي لا يطهرنا منها سوى رد المظالم إلى أهلها
كيف نعتكف في مساجدنا ونترك قضاء مصالح العباد
وديننا يعلمنا
ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب
إليّ من أن أعتكف في المسجد شهراً
كيف نؤدي الزكاة ونترك عيادة المريض
كيف نجمع الحسنات ونترك الإصلاح بين الناس
قال الله تعالى:
لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ
إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ
فما بالنا بالتفكير الأعوج
أو التفكير الأحول
الذي ينظر للدين من زاوية واحده
هل ديينا دين عبادة بالمساجد
ام دين عبادة فى كل حياتنا
علينا أن نستقيم في تفكيرنا كما نستقيم في صفوفنا للصلاة
اضمنوا لي صفوف منظمة وتفكير منظم أيضا
سيكون لكم الريادة كما كان لآبائكم وأجدادكم
قال تعالى :
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ
خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ
فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
........
قال تعالى :
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ
وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ
وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ
وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا
(60)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
وَإِلَى الرَّسُولِ
رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا
(61)
...........
(فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ)
........
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-
يقول
" إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر
ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد
سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"
( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )