الصراع بين السلفيين والعلمانيين في حقيقته ليس صراعاً فكرياً. فهناك سلفية علمانية وهناك علمانية سلفية. هو صراع على السلطة، ونيل الحظوة.
والصراع بين السلفيين والعلمانيين في حقيقته ليس صراعاً فكرياً. فهناك سلفية علمانية وهناك علمانية سلفية. هو صراع على السلطة، ونيل الحظوة لدى الحاكم، والتسرب إلى أجهزة الدولة ومَواطن السلطة فيها اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية بل وقضائية. وقد استثمر الحكام هذا الصراع على السلطة والتسابق إليها بالاعتماد على العلمانيين مرة لاستبعاد السلفيين أو بالاعتماد على السلفيين مرة أخرى لإقصاء العلمانيين حتى يضعف الجناحان ويقوى القلب ولا يكون هناك بديل آخر، لا "الإسلام هو الحل" ولا "العلمانية هي الحل" بل "الحكومة هي الحل".
والحقيقة أن الاستقطاب الحالي بين السلفيين والعلمانيين هو استقطاب مفتعل نظراً لوجود تيارات علمانية داخل الحركة السلفية تقول بالدولة المدنية وبأن السلطة للشعب، وتدافع عن التعددية السياسية، وتلجأ إلى صناديق الاقتراع. فالمسافة بينها وبين العلمانيين ليست كبيرة. والإطار المرجعي العام الإسلامي أو الغربي يلتقيان في المصالح العامة. فالمصلحة أساس التشريع. والشريعة وضعية كما قرر الشاطبي مثل القانون الوضعي. ومن العلمانيين من يسلم بأن الإسلام هو التراث القومي للأمة وثقافتها الوطنية. هناك إذن جسور التقاء بين السلفيين والعلمانيين تسمح بالحوار الفكري والوطني بينهما من أجل مواجهة العدو المشترك، القهر والفساد في الداخل والتبعية للخارج والاعتماد عليه. وحركة النهضة التي يعتز بها العلمانيون، الأفغاني، ومحمد عبده وقاسم أمين والطهطاوي وطه حسين والعقاد، جذورها ومنطلقاتها وأطرها المرجعية سلفية، في نظر كثيرين.
السلفية في النهاية، رد فعل طبيعي، يقول البعض، على الحركات العلمانية للتحديث التي تمت تجربتها في حياتنا المعاصرة من ليبرالية وقومية وماركسية. وكانت النتيجة مزيداً من الاحتلال. فقد ضاع نصف فلسطين في 1948 في العصر الليبرالي. وضاع النصف الثاني في 1967 في العصر القومي. وازدادت المسافة بين الأغنياء الجدد والفقراء الجدد. واشتد القهر. وضاعت قيم الحرية والعدالة معاً. وهي عند هؤلاء تبدو كما لو كانت صرخة احتجاج ضد مآسي العصر، تبعية بعض النظم وعجز الشعوب.
تشتعل الفتنة بالهجوم المستمر للعلمانيين على السلفيين وملء الصحف بالسخرية منهم. فيلجأ السلفيون إلى القضاء للثأر منهم. ويستصرخ العلمانيون حرية الرأي والتعبير دون الدعوة إلى الحوار الوطني بين فرقاء الأمة. ويستنجدون بالرأي العام بل وبالدولة لحمايتهم من أحكام القضاء ضدهم بالتعويض. وهو ما تتخذه القوى الأجنبية ذريعة للدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتبشير بالديمقراطية وبقيَم العالم الحُر. وينشغل الناس بالفتنة بين مؤيد لهذا الفريق ومناصر للفريق الآخر. فتنقسم الأوطان إلى فريقين متصارعين تاركين الصراع الحقيقي بين الداخل والخارج، بين الاستقلال الوطني والتبعية الخارجية. وتفتح جبهة جديدة تشتت الجهود، وتبعد الناس عن الجبهات الحقيقية في الداخل، حرية الصحافة والرأي ضد قانون حبس الصحفيين، مواجهة الفساد والقهر والتزوير، ومعارك العمال وإضراباتهم لنيل حقوقهم، والمخاطر التي تواجه سوريا ولبنان والسودان. وبدلاً من الهجوم في الصحف من العلمانيين واللجوء إلى القضاء من السلفيين هناك الحوار الوطني بين اتجاهات الأمة المختلفة. فالكل راد والكل مردود عليه. كلا الفريقين ضحية لعقلية "الفرقة الناجية". فالسلفيون يعتبرون أنفسهم الفرقة الناجية، والعلمانيين الفرق الضالة. والعلمانيون يعتبرون أنفسهم الفرقة الناجية والسلفيين الفرق الضالة. والحكومة تعتبر نفسها الفرقة الناجية والمعارضة ممثلة في بعض الجماعات الدينية واليسارية، هي الفرق الضالة. البنية واحدة في تكفير المخالفين في الرأي. وهو ضد الإسلام الذي يقر بحق الاختلاف وضد التعددية التي تقرها العلمانية باسم حرية الرأي والتعبير.
إن الفتنة نائمة. لعن الله من أيقظها.
ممما راق لى