أحكام الزنا بين حكمة التشريع الإلهية وعبث الفكر البشري
مختارات من : موقع الرحمة المهداة www.mohdat.com
للقوانين الوضعية مواقف مختلفة وشاذة من جريمة الزنا، وعقوبتها فمنها:
(1) قوانين لا تعاقب على الزنا إطلاقًا؛ (كالقانون الإنجليزي والروسي).
(2) قوانين تعاقب على الجريمة، دون تفرقة بين زنا الزوج، أو الزوجة (كالقانون الألماني).
(3) قوانين تعاقب على الجريمة، مع التفرقة بين جريمة الزوج، والزوجة (كالقانون الفرنسي)، الذي نُقِل عنه التشريع المصري على سبيل المثال.
وقد عالجها قانون العقوبات المصري، في المواد (272- 277- عقوبات)، مقتبسة من المواد (336- 339)، الواردة في قانون العقوبات الفرنسي.
ميراث الحضارات المتصدعة
والتفرقة بين زنا الزوج والزوجة، هو في الحقيقة أثر من آثار القانون الروماني، الذي يحصر جريمة الزنا في فعل الزوجة فقط، وهو من آثار الانحلال الأخلاقي في روما القديمة، والتي كان أكبر أسباب انهيار دولتها، ومدنيتها قديمًا، ثم هو أعظم معاول الهدم في الحضارة المعاصرة، وريثة الانحلال الروماني، ويتضح هذا الخلط العجيب المعيب في هذه القوانين "الأصل والفرع" في مواضع عديدة، ومنها في القانون المصري، على سبيل المثال:
(ا) زنا الزوجة يثبت في أي مكان ترتكب فيه الجريمة، بينما لا يثبت زنا الزوج إلا إذا ارتكب الجريمة في منزل الزوجية، (المادتان 247، 277 - عقوبات).
(ب) تعاقب الزوجة بالحبس، مدة أقصاها سنتان، بينما لا يعاقب الزوج، إلا لمدة أقصاها ستة شهور، (277- عقوبات).
(ج) ليس للزوجة أن تعفو عن زوجها بعد الحكم النهائي عليه، (وتستطيع قبل ذلك)، بينما للزوج حق عنها ولو بعد الحكم النهائي، (مادة 274).
(د) قيد القانون حق النيابة العامة في رفع دعوى الزنا ضد الزوجة ال****، فلا يصح للنيابة إقامة الدعوى إلا بناء على شكوى من الزوج نفسه، أو من يوكله توكيلًا خاصًّا بهذه الدعوى.
(هـ) يمنع القانون الزوج من طلب محاكمة زوجته ال****، ولو توافرت الأركان القانونية للجريمة، في حالات؛ منها ـ على سبيل العجب ـ إذا سبق الحكم على الزوج بجريمة الزنا!!
وهذا القانون يعطي تخفيفًا للزوج إذا قتل زوجته، ومن يزني بها عند التلبس، بينما هي لا تُعطى هذا التخفيف إذا قتلته.
وإنما تحدثنا عن "زنا الزوجية"؛ لأن هذا القانون نفسه لا يعتبر المواقعة جريمة زنا، إلا إذا وقعت بين رجل متزوج وامرأة متزوجة!! أو كان أحدهما متزوجًا بالشروط والأوضاع التي حددها!!
وهذا القانون يقرر أنه: (لا عقاب على مواقعة أنثى، برضاها، إذا جاوزت الثامنة عشر، إلا إذا تم ذلك في منزل الزوجية).
ثم هو يُخرج جريمة الاغتصاب ـ أي هتك عرض أنثى، دون رضاها ـ من باب الزنا، ويدخلها تحت باب خاص يسميه: "جرائم العرض".
بين حكمة التشريع الإلهية وعبث الفكر البشري
ولو قيل لإنسان أجهد نفسك، واستخرج أظلم ما لدى البشر من مكنونات الصدور، ثم شاقِّ بهذا نفسك، وربك، ودينك، لما فعل أكثر من هذا الذي تناقض به القوانين الوضعية شريعة القرآن، ودين الرحمن.
فالقانون أولًا: يركز الزنا كله في الزوجين، مع أن دعوى الزوج على الزوجة هي الحالة الوحيدة التي جعل لها القرآن الكريم وضعًا خاصًا، هو "اللعان"، وأخرجها بذلك من باب العقوبات الجنائية.
أما دعواها عليه؛ فتخضع لنفس الشروط والمعايير العامة، شأنها في ذلك شأن غيرها من المسلمين والمسلمات، (البينة، أو تحدُّ بالقذف).
والقانون ثانيًا: يجعل التراضي ـ في غير الزوجة ـ، مبطلًا لتجريم الفعل، والعقاب عليه، بينما التراضي في شريعة الله أشد جرمًا وأشمل عقابًا للطرفين، بخلاف الاغتصاب، فلا إثم، ولا عقوبة فيه، إلا على الغاصب.
والقانون ثالثًا: يجعل العقوبة حقًا شخصيًّا، ويجيز فيه والإسقاط بعد ثبوتها، أما دين الله فيجعلها حقًّا لله تعالى، ويجوز لكل مسلم رفعه للحاكم، وعلى الحاكم إقامة الدعوى بشروطها الشرعية، ولو عارض الزوج أو غيره.
والقانون رابعًا: يقصر تجريم الزنا على حالات معينة، وشريعة الله تجعل كل مواقعة محرمة بين بالغين زنا، سواءً كانا محصنين، أو غير محصنين، أو مختلفين.
والقانون خامسًا: يناقض الوحي الإلهي في نوع العقوبة، فيجعلها الحبس، ويفرق بين حبس الزوج أو الزوجة فيهما، والقرآن يجعلها الجلد مائة لغير المحصنين، وقررت السنة رجم المحصنين، بلا تفرقة بين الرجل والمرأة، إلا في نوعية التنفيذ، فيعمل على ستر المرأة أكثر من الرجل ـ على عكس القانون أيضًا ـ، وفي رأي من قال بالتغريب والنفي مع الجلد، خصه بالرجل دون المرأة، رحمةً بها، ومراعاة لظروفها الخاصة، ومصلحة المجتمع عامة، والكلام في هذه المقارنة يطول، والتناقض في القانون الوضعي بيِّن، والتفريط واضح، ومناقضته للوحي الإلهي صارخة.
ولعلنا هنا نفهم سرًا من أسرار القرآن العظيم، حين صدَّر سورة النور يذكر فرضها، حتى لا يكون لأحد سبيل إلى المماحكة، والمعاذير الفارغة، وحين أمر بتجنب الرأفة المفسدة للأفراد والمجتمعات، وحين جعل الالتزام بحكم الله في هذا الباب قضية الإيمان بالله واليوم الآخر، فإن من شأن المؤمن أن يلتزم، وأن يعظم أمر ربه، وأن يكون هواه تبعًا لما جاء به.
أما محادَّة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومناقضة الوحي في الأصول والتفاصيل؛ فإن أهل القانون يعلمون من أي باب تكون؟ وإلى أي وجهة في الحياة تنتسب؟ وإلى أي عاقبة تصير؟ {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة:20].
بقي أن نقول للذين يستبشعون عقوبة الزنا في هذا المنهاج، أن ينظروا للإسلام جملة واحدة، وأن يضعوا أيديهم على كل جزء في مكانه من البناء كله، ولا يجعلوا هذا الدين عضين، فإن هذا إخلال بحقائق الأشياء، ومخالفة لطبيعة هذا المنهاج، ومصادمة لصريح تعاليمه، التي توجب الالتزام به كله، وترفض أن تؤخذ أجزاء وتفاريق.
مختارات من : موقع الرحمة المهداة www.mohdat.com
للقوانين الوضعية مواقف مختلفة وشاذة من جريمة الزنا، وعقوبتها فمنها:
(1) قوانين لا تعاقب على الزنا إطلاقًا؛ (كالقانون الإنجليزي والروسي).
(2) قوانين تعاقب على الجريمة، دون تفرقة بين زنا الزوج، أو الزوجة (كالقانون الألماني).
(3) قوانين تعاقب على الجريمة، مع التفرقة بين جريمة الزوج، والزوجة (كالقانون الفرنسي)، الذي نُقِل عنه التشريع المصري على سبيل المثال.
وقد عالجها قانون العقوبات المصري، في المواد (272- 277- عقوبات)، مقتبسة من المواد (336- 339)، الواردة في قانون العقوبات الفرنسي.
ميراث الحضارات المتصدعة
والتفرقة بين زنا الزوج والزوجة، هو في الحقيقة أثر من آثار القانون الروماني، الذي يحصر جريمة الزنا في فعل الزوجة فقط، وهو من آثار الانحلال الأخلاقي في روما القديمة، والتي كان أكبر أسباب انهيار دولتها، ومدنيتها قديمًا، ثم هو أعظم معاول الهدم في الحضارة المعاصرة، وريثة الانحلال الروماني، ويتضح هذا الخلط العجيب المعيب في هذه القوانين "الأصل والفرع" في مواضع عديدة، ومنها في القانون المصري، على سبيل المثال:
(ا) زنا الزوجة يثبت في أي مكان ترتكب فيه الجريمة، بينما لا يثبت زنا الزوج إلا إذا ارتكب الجريمة في منزل الزوجية، (المادتان 247، 277 - عقوبات).
(ب) تعاقب الزوجة بالحبس، مدة أقصاها سنتان، بينما لا يعاقب الزوج، إلا لمدة أقصاها ستة شهور، (277- عقوبات).
(ج) ليس للزوجة أن تعفو عن زوجها بعد الحكم النهائي عليه، (وتستطيع قبل ذلك)، بينما للزوج حق عنها ولو بعد الحكم النهائي، (مادة 274).
(د) قيد القانون حق النيابة العامة في رفع دعوى الزنا ضد الزوجة ال****، فلا يصح للنيابة إقامة الدعوى إلا بناء على شكوى من الزوج نفسه، أو من يوكله توكيلًا خاصًّا بهذه الدعوى.
(هـ) يمنع القانون الزوج من طلب محاكمة زوجته ال****، ولو توافرت الأركان القانونية للجريمة، في حالات؛ منها ـ على سبيل العجب ـ إذا سبق الحكم على الزوج بجريمة الزنا!!
وهذا القانون يعطي تخفيفًا للزوج إذا قتل زوجته، ومن يزني بها عند التلبس، بينما هي لا تُعطى هذا التخفيف إذا قتلته.
وإنما تحدثنا عن "زنا الزوجية"؛ لأن هذا القانون نفسه لا يعتبر المواقعة جريمة زنا، إلا إذا وقعت بين رجل متزوج وامرأة متزوجة!! أو كان أحدهما متزوجًا بالشروط والأوضاع التي حددها!!
وهذا القانون يقرر أنه: (لا عقاب على مواقعة أنثى، برضاها، إذا جاوزت الثامنة عشر، إلا إذا تم ذلك في منزل الزوجية).
ثم هو يُخرج جريمة الاغتصاب ـ أي هتك عرض أنثى، دون رضاها ـ من باب الزنا، ويدخلها تحت باب خاص يسميه: "جرائم العرض".
بين حكمة التشريع الإلهية وعبث الفكر البشري
ولو قيل لإنسان أجهد نفسك، واستخرج أظلم ما لدى البشر من مكنونات الصدور، ثم شاقِّ بهذا نفسك، وربك، ودينك، لما فعل أكثر من هذا الذي تناقض به القوانين الوضعية شريعة القرآن، ودين الرحمن.
فالقانون أولًا: يركز الزنا كله في الزوجين، مع أن دعوى الزوج على الزوجة هي الحالة الوحيدة التي جعل لها القرآن الكريم وضعًا خاصًا، هو "اللعان"، وأخرجها بذلك من باب العقوبات الجنائية.
أما دعواها عليه؛ فتخضع لنفس الشروط والمعايير العامة، شأنها في ذلك شأن غيرها من المسلمين والمسلمات، (البينة، أو تحدُّ بالقذف).
والقانون ثانيًا: يجعل التراضي ـ في غير الزوجة ـ، مبطلًا لتجريم الفعل، والعقاب عليه، بينما التراضي في شريعة الله أشد جرمًا وأشمل عقابًا للطرفين، بخلاف الاغتصاب، فلا إثم، ولا عقوبة فيه، إلا على الغاصب.
والقانون ثالثًا: يجعل العقوبة حقًا شخصيًّا، ويجيز فيه والإسقاط بعد ثبوتها، أما دين الله فيجعلها حقًّا لله تعالى، ويجوز لكل مسلم رفعه للحاكم، وعلى الحاكم إقامة الدعوى بشروطها الشرعية، ولو عارض الزوج أو غيره.
والقانون رابعًا: يقصر تجريم الزنا على حالات معينة، وشريعة الله تجعل كل مواقعة محرمة بين بالغين زنا، سواءً كانا محصنين، أو غير محصنين، أو مختلفين.
والقانون خامسًا: يناقض الوحي الإلهي في نوع العقوبة، فيجعلها الحبس، ويفرق بين حبس الزوج أو الزوجة فيهما، والقرآن يجعلها الجلد مائة لغير المحصنين، وقررت السنة رجم المحصنين، بلا تفرقة بين الرجل والمرأة، إلا في نوعية التنفيذ، فيعمل على ستر المرأة أكثر من الرجل ـ على عكس القانون أيضًا ـ، وفي رأي من قال بالتغريب والنفي مع الجلد، خصه بالرجل دون المرأة، رحمةً بها، ومراعاة لظروفها الخاصة، ومصلحة المجتمع عامة، والكلام في هذه المقارنة يطول، والتناقض في القانون الوضعي بيِّن، والتفريط واضح، ومناقضته للوحي الإلهي صارخة.
ولعلنا هنا نفهم سرًا من أسرار القرآن العظيم، حين صدَّر سورة النور يذكر فرضها، حتى لا يكون لأحد سبيل إلى المماحكة، والمعاذير الفارغة، وحين أمر بتجنب الرأفة المفسدة للأفراد والمجتمعات، وحين جعل الالتزام بحكم الله في هذا الباب قضية الإيمان بالله واليوم الآخر، فإن من شأن المؤمن أن يلتزم، وأن يعظم أمر ربه، وأن يكون هواه تبعًا لما جاء به.
أما محادَّة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومناقضة الوحي في الأصول والتفاصيل؛ فإن أهل القانون يعلمون من أي باب تكون؟ وإلى أي وجهة في الحياة تنتسب؟ وإلى أي عاقبة تصير؟ {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة:20].
بقي أن نقول للذين يستبشعون عقوبة الزنا في هذا المنهاج، أن ينظروا للإسلام جملة واحدة، وأن يضعوا أيديهم على كل جزء في مكانه من البناء كله، ولا يجعلوا هذا الدين عضين، فإن هذا إخلال بحقائق الأشياء، ومخالفة لطبيعة هذا المنهاج، ومصادمة لصريح تعاليمه، التي توجب الالتزام به كله، وترفض أن تؤخذ أجزاء وتفاريق.