مبارك عندما يواصل مسيرة الاستهبال!!
جمال سلطان |
اندهشت كثيرا عندما بلغني خبر أن الرئيس السابق حسني مبارك سيوجه كلمة عبر قناة العربية ، لأنه في مثل حالات مبارك يدرج "الطغاة" عادة على الابتعاد عن المشهد تماما ، لأن مجرد ظهورهم من جديد بأي صورة من الصور يستفز الناس ويحرك مشاعر الغضب فيهم حتى من تكون قد خمدت لديه تلك المشاعر ويذكرهم بأيامه السوداء ، غير أن ما قاله مبارك في كلمته المسجلة صوتيا أتى بالمزيد من الاستفزاز للناس والاحتقار لعقول المصريين .
حاول مبارك في كلمته أن يوحي لنا بأنه مواطن مصري كادح ومكافح هو وأبناؤه ، وأنهم كانوا ملتزمين بالقانون وأمناء على المال العام ، وأن أبناءه لم يستغلوا النفوذ من أجل حصد ثرواتهم التي أشار إليها مجرد إشارة ولم يعط تفاصيل ، ووصل في تبتله الكاذب وخشوعه المزيف إلى حد التهديد بمقاضاة من تعرض له أو لأسرته بالنقد على خلفية الفساد الواسع الذي خلفوه في البلاد ، ودع عنك حديثه المتعالي والذي لم ينس فيه بذرة الاستبداد التي يبدو أنها طبعت في داخله بحيث استحال عليه نسيانها أو تجاوزها حتى وهو مطرود من السلطة ، بأنه سيمنح النائب العام حق طلب أي مكاتبات تكشف عن ثروته ، وكأن النائب العام سيتحرك بناء على توجيهات جنابه ، وتكلم بوصفه قد أصدر حكما ببراءة نفسه وبالتالي سوف يفعل كذا وكذا .
إذا لم يكن لمبارك من حظ في الفساد سوى أنه صنع تلك المنظومة الكبيرة من الفساد التي تتساقط يوما بعد الآخر بتحقيقات النائب العام والكسب غير المشروع وغيرها ، من وزراء ومسؤولين وقيادات أمنية وحزبية وبرلمانية ، لكان كافيا لمحاكمته بتهمة الفساد والإفساد ، لأنه هو ـ وليس غيره ـ الذي صنع هذه المنظومة الفاسدة الإجرامية ورعاها على مدار ثلاثين عاما ، وهو الذي مكن لهؤلاء المفسدين في الأرض ، وهو الذي تستر عليهم ، وهو الذي شل يد القضاء والعدالة من الوصول إليهم وهو الذي منع ذراع المؤسسات الرقابية من أن تطولهم ، وهو الذي وزع أراضي مصر وثرواتها على المحاسيب والحاشية ودجالي السياسة .
وأما فساده هو الشخصي فالمؤكد أن تحقيقات داخلية ستكشف ذلك عندما تفتح ملف مئات الملايين من الدولارات التي يملكها هو وأبناؤه داخل مصر في أرصدة بنكية وحصص في شركات كبيرة ومن أين أتوا بهذا كله ، وأما المنهوبات التي استحوذ عليها وهربها إلى خارج البلاد وإن كانت ستطول نسبيا ، إلا أن عناوينها كانت واضحة وحاسمة منذ الأسبوع الأول لخروجه من السلطة ، عندما أعلنت أكثر من دولة أوربية عن تجميدها أرصدة خاصة بالرئيس مبارك وعائلته ، وعندما يقول الأوربيون ذلك فإنهم يعنون ما قالوا ، كما أن الأرصدة التي يؤسسها الطغاة في الخارج لا تكون بالملايين عادة ، وإنما بالمليارات من الدولارات ، فعندما ينفي مبارك أن يكون له أرصدة أو ثروات خارج مصر فهو استهبال زائد عن الحد ، وكانت مجلات اقتصادية متخصصة قد حددت ثروة مبارك في الخارج بما يتراوح بين أربعين وسبعين مليارا من الدولارات ، وهو ما لم ينفه مبارك ولا أبناؤه ، وظل على صمته طوال شهرين تواردت فيهما تقارير عن جهود محمومة من خلال خبراء دوليين ـ بمعونة شخصيات خليجية نافذة ـ للبحث عن طريقة لإخفاء تلك الأرصدة .
استخفاف زائد بعقول الناس ما قاله مبارك عن ثروات أنجاله ، هو لم يتحدث عما نهبته زوجته من أموال مكتبة الاسكندرية والمشروعات الخيرية الأخرى ، ومستفز جدا أن يتحدث عن أن أبناءه كانوا حريصين على المال العام وأنهم حصلوا على ثرواتهم بدون أي استغلال للسلطة والنفوذ ، جمال مبارك الذي كان يعين رئيس البنك المركزي أو يعزله بكلمة منه ويختار بنفسه وزراء المجموعة الاقتصادية ، ويضع سياسات الدولة المالية والاقتصادية وهو الآمر الناهي فعليا في كل شؤون اقتصاد مصر وماليتها ، أراد مبارك العجوز أن يفهمنا أنه كان مواطنا صالحا كادحا يقف في طوابير الحصول على التوقيعات والتصاريح مثل أي مواطن ، لكي يكون في النهاية ثروة ضخمة جاري محاولات حصرها ، استهبال زائد أن يتكلم مبارك عن نزاهة أبنائه بينما كان كل رجاله ورجالهم فسدة وانتهازيين وناهبين للمال العام بأسوأ صوره ، استهبال زائد أن يحاول تصويرهم كملكين بين مجموعة شياطين .
كلمة مبارك ـ بكل تأكيد ـ زادت من ورطته ، لأنه أحرجت الجميع الآن ، وأصبحت محاكمته ـ سياسيا وماليا ـ مطلبا ملحا .
جمال سلطان |
اندهشت كثيرا عندما بلغني خبر أن الرئيس السابق حسني مبارك سيوجه كلمة عبر قناة العربية ، لأنه في مثل حالات مبارك يدرج "الطغاة" عادة على الابتعاد عن المشهد تماما ، لأن مجرد ظهورهم من جديد بأي صورة من الصور يستفز الناس ويحرك مشاعر الغضب فيهم حتى من تكون قد خمدت لديه تلك المشاعر ويذكرهم بأيامه السوداء ، غير أن ما قاله مبارك في كلمته المسجلة صوتيا أتى بالمزيد من الاستفزاز للناس والاحتقار لعقول المصريين .
حاول مبارك في كلمته أن يوحي لنا بأنه مواطن مصري كادح ومكافح هو وأبناؤه ، وأنهم كانوا ملتزمين بالقانون وأمناء على المال العام ، وأن أبناءه لم يستغلوا النفوذ من أجل حصد ثرواتهم التي أشار إليها مجرد إشارة ولم يعط تفاصيل ، ووصل في تبتله الكاذب وخشوعه المزيف إلى حد التهديد بمقاضاة من تعرض له أو لأسرته بالنقد على خلفية الفساد الواسع الذي خلفوه في البلاد ، ودع عنك حديثه المتعالي والذي لم ينس فيه بذرة الاستبداد التي يبدو أنها طبعت في داخله بحيث استحال عليه نسيانها أو تجاوزها حتى وهو مطرود من السلطة ، بأنه سيمنح النائب العام حق طلب أي مكاتبات تكشف عن ثروته ، وكأن النائب العام سيتحرك بناء على توجيهات جنابه ، وتكلم بوصفه قد أصدر حكما ببراءة نفسه وبالتالي سوف يفعل كذا وكذا .
إذا لم يكن لمبارك من حظ في الفساد سوى أنه صنع تلك المنظومة الكبيرة من الفساد التي تتساقط يوما بعد الآخر بتحقيقات النائب العام والكسب غير المشروع وغيرها ، من وزراء ومسؤولين وقيادات أمنية وحزبية وبرلمانية ، لكان كافيا لمحاكمته بتهمة الفساد والإفساد ، لأنه هو ـ وليس غيره ـ الذي صنع هذه المنظومة الفاسدة الإجرامية ورعاها على مدار ثلاثين عاما ، وهو الذي مكن لهؤلاء المفسدين في الأرض ، وهو الذي تستر عليهم ، وهو الذي شل يد القضاء والعدالة من الوصول إليهم وهو الذي منع ذراع المؤسسات الرقابية من أن تطولهم ، وهو الذي وزع أراضي مصر وثرواتها على المحاسيب والحاشية ودجالي السياسة .
وأما فساده هو الشخصي فالمؤكد أن تحقيقات داخلية ستكشف ذلك عندما تفتح ملف مئات الملايين من الدولارات التي يملكها هو وأبناؤه داخل مصر في أرصدة بنكية وحصص في شركات كبيرة ومن أين أتوا بهذا كله ، وأما المنهوبات التي استحوذ عليها وهربها إلى خارج البلاد وإن كانت ستطول نسبيا ، إلا أن عناوينها كانت واضحة وحاسمة منذ الأسبوع الأول لخروجه من السلطة ، عندما أعلنت أكثر من دولة أوربية عن تجميدها أرصدة خاصة بالرئيس مبارك وعائلته ، وعندما يقول الأوربيون ذلك فإنهم يعنون ما قالوا ، كما أن الأرصدة التي يؤسسها الطغاة في الخارج لا تكون بالملايين عادة ، وإنما بالمليارات من الدولارات ، فعندما ينفي مبارك أن يكون له أرصدة أو ثروات خارج مصر فهو استهبال زائد عن الحد ، وكانت مجلات اقتصادية متخصصة قد حددت ثروة مبارك في الخارج بما يتراوح بين أربعين وسبعين مليارا من الدولارات ، وهو ما لم ينفه مبارك ولا أبناؤه ، وظل على صمته طوال شهرين تواردت فيهما تقارير عن جهود محمومة من خلال خبراء دوليين ـ بمعونة شخصيات خليجية نافذة ـ للبحث عن طريقة لإخفاء تلك الأرصدة .
استخفاف زائد بعقول الناس ما قاله مبارك عن ثروات أنجاله ، هو لم يتحدث عما نهبته زوجته من أموال مكتبة الاسكندرية والمشروعات الخيرية الأخرى ، ومستفز جدا أن يتحدث عن أن أبناءه كانوا حريصين على المال العام وأنهم حصلوا على ثرواتهم بدون أي استغلال للسلطة والنفوذ ، جمال مبارك الذي كان يعين رئيس البنك المركزي أو يعزله بكلمة منه ويختار بنفسه وزراء المجموعة الاقتصادية ، ويضع سياسات الدولة المالية والاقتصادية وهو الآمر الناهي فعليا في كل شؤون اقتصاد مصر وماليتها ، أراد مبارك العجوز أن يفهمنا أنه كان مواطنا صالحا كادحا يقف في طوابير الحصول على التوقيعات والتصاريح مثل أي مواطن ، لكي يكون في النهاية ثروة ضخمة جاري محاولات حصرها ، استهبال زائد أن يتكلم مبارك عن نزاهة أبنائه بينما كان كل رجاله ورجالهم فسدة وانتهازيين وناهبين للمال العام بأسوأ صوره ، استهبال زائد أن يحاول تصويرهم كملكين بين مجموعة شياطين .
كلمة مبارك ـ بكل تأكيد ـ زادت من ورطته ، لأنه أحرجت الجميع الآن ، وأصبحت محاكمته ـ سياسيا وماليا ـ مطلبا ملحا .