ذو الإصبع العدواني ونسبه وخبره
هو حرثان بن الحارث بن محرث بن ثعلبة بن سيار بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان بن عمر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار أحد بني عدوان وهم بطن من جديلة شاعر فارس من قدماء الشعراء في الجاهلية وله غارات كثيرة في العرب ووقائع مشهورة .
قال الأصمعي
:نزلت عدوان على ماء فأحصوا فيهم سبعين ألف غلام أغرل سوى من كان مختونا لكثرة عددهم ثم وقع بأسهم بينهم فتفانوا فقال ذو الإصبع
عذير الحي من عدوان كانوا حية الأرضِ
بغى بعضهم بعضا فلم يبقوا على بعضِ
فقد صاروا أحاديث برفع القول والخفضِ
ومنهم كانت السادات والموفون بالقرضِ
ومنهم من يجيز الناس بالسنة والفرضِ
ومنهم حكم يقضي فلا ينقض ما يقضي
وقول ذي الإصبع "ومنهم حكم يقضي"فإنه يعني عامر بن الظرب العدواني كان حكما للعرب تحتكم إليه
خبر من قرعت له العصا
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي عن محمد بن حبيب قال : قيس تدعي هذه الحكومة وتقول إن عامر بن الظرب العدواني هو الحكم وهو الذي كانت العصا تقرع له وكان قد كبر فقال له الثاني من ولده إنك ربما أخطأت في الحكم فيحمل عنك قال فاجعلوا لي أمارة أعرفها فإذا زغت فسمعتها رجعت إلى الحكم والصواب فكان يجلس قدام بيته ويقعد ابنه في البيت ومعه العصا فإذا زاغ أو هفا قرع له الجفنة فرجع إلى الصواب ،
وفي ذلك يقول المتلمس
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا
ومــــا علــــم الإنسان إلا ليعلمــــــــا
قال ابن حبيب وربيعة تدعيه لعبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام واليمن تدعيه لربيعة بن مخاشن وهو ذو الأعواد وهو أول من جلس على منبر أو سرير وتكلم وفيه يقول الأسود بن يعفر
ولقد علمت لو أن علمي نافعي
أن السبيل سبيل ذي الأعواد
عبد الملك بن مروان يسأل عن ذي الإصبع العدواني
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة قال أخبرني محمد بن زياد الزيادي وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة ولم يسنده إلى أحد وروايته أتم أن عبد الملك بن مروان لما قدم الكوفة بعد قتله مصعب بن الزبير جلس لعرض أحياء العرب وقال عمر بن شبة إن مصعب بن الزبير كان صاحب هذه القصة فقام إليه معبد بن خالد الجدلي وكان قصيرا دميما فتقدمه إليه رجل منا حسن الهيئة قال معبد فنظر عبد الملك إلى الرجل وقال ممن أنت فسكت ولم يقل شيئا وكان منا فقلت من خلفه نحن يا أمير المؤمنين من جديلة فأقبل على الرجل وتركني فقال من أيكم ذو الإصبع قال الرجل لا أدري قلت كان عدوانيا فأقبل على الرجل وتركني وقال لم سمي ذا الإصبع قال الرجل لا أدري فقلت نهشته حية في إصبعه فيبست فأقبل على الرجل وتركني فقال وبما كان يسمى قبل ذلك قال الرجل لا أدري قلت كان يسمى حدثان فأقبل على الرجل وتركني فقال من أي عدوان كان فقلت من خلفه من بني ناج الذين يقول فيهم الشاعر
وأما بنو ناج فلا تذكرنهم
ولا تتبعن عينيك ما كان هالكا
إذا قلت معروفا لأصلح بينهم
يقول وهيب لا أسالم ذلكا
فأضحى كظهر الفحل جب سنامه
يدب إلى الأعداء أحدب باركا
فأقبل على الرجل وتركني وقال أنشدني قوله "عذير الحي من عدوان " قال الرجل لست أرويها قلت يا أمير المؤمنين إن شئت أنشدتك قال ادن مني فإني أراك بقومك عالما فأنشدته
وليس المرء في شيء من الإبرام والنقض
إذا أبرم أمرا خاله يقضي وما يقضي
يقول اليوم أمضيه ولا يملك ما يمضي
عذير الحي من عدوان كانوا حية الأرض
بغى بعضهم بعضا فلم يبقوا على بعض
فقد صاروا أحاديث برفع القول والخفض
ومنهم كانت السادات والموفون بالقرض
ومنهم حكم يقضي فلا ينقض ما يقضي
ومنهم من يجيز النا س بالسنة والفرض
وهم من ولدوا أشبوا بسر الحسب المحض
وممن ولدوا عامر ذو الطول وذو العرض
وهم بووا ثقيفا دار لا ذل ولا خفض
فأقبل على الرجل وتركني وقال كم عطاؤك فقال ألفان فأقبل علي فقال كم عطاؤك فقلت خمسمائة فأقبل على كاتبه وقال اجعل الألفين لهذا والخمسمائة لهذا فانصرفت بها ، وقوله ومنهم من يجيز الناس فإن إجازة الحج كانت لخزاعة فأخذتها منهم عدوان فصارت إلى رجل منهم يقال له أبو سيارة أحد بني وابش بن زيد بن عدوان وله يقول الراجز
خلوا السبيل عن أبي سياره
وعن مواليه بني فزاره
حتى يجيز سالما حماره
مستقبل الكعبة يدعوا جاره
قال وكان أبو سيارة يجيز الناس في الحج بأن يتقدمهم على حمار ثم يخطبهم فيقول اللهم أصلح بين نسائنا وعاد بين رعائنا واجعل المال في سمحائنا أوفوا بعهدكم وأكرموا جاركم وأقروا ضيفكم ثم يقول أشرق ثبيركيما نغير وكانت هذه إجازته ثم ينفر ويتبعه الناس ذكر ذلك أبو عمرو الشيباني وال****ي وغيرهما
كان لذي الإصبع أربع بنات وكن يخطبن إليه فيعرض ذلك عليهن فيستحين ولا يزوجهن وكانت أمهن تقول لو زوجتهن فلا يفعل قال فخرج ليلة إلى متحدث لهن فاستمع عليهن وهن لا يعلمن فقلن تعالين نتمنى ولنصدق
فقالت الكبرى
ألا ليت زوجي من أناس ذوي غنى
حديث الشباب طيب الريح والعطرِ
طبيب بأدواء النساء كأنه
خليفة جان لا ينام على وترِ
فقالت الثانية
ألا هل أراها ليلة وضجيعها
أشم كنصل السيف غير مبلدِ
لصوق بأكباد النساء وأصله
إذا ما انتمى من سر أهلي ومحتدي
فقالت الثالثة
ألا ليته يملا الجفان لضيفه
له جفنة يسقى بها النيب والجزر
له حكمات الدهر من غير كبرة
تشين ولا الفاني ولا الضرع الغمر
وقلن للصغرى تمني فقالت ما أريد شيئا قلن والله لا تبرحين حتى نعلم ما في نفسك قالت ((زوج من عود خير من قعود )) فلما سمع ذلك أبوهن زوجهن أربعتهن ’
فمكثن برهة ثم اجتمعن إليه فقال للكبرى يا بنية ما مالكم قالت الإبل قال فكيف تجدونها قالت خير مال نأكل لحومها مزعا ونشرب ألبانها جرعا وتحملنا وضعفتنا معا قال فكيف تجدين زوجك قالت خير زوج يكرم الحليلة ويعطي الوسيلة قال :
مال عميم وزوج كريم .
ثم قال : للثانية يا بنية ما مالكم قالت البقر قال فكيف تجدونها قالت خير مال تألف الفناء وتودك السقاء وتملأ الإناء ونساء في نساء قال فكيف تجدين زوجك قالت خير زوج يكرم أهله وينسى فضله قال : حظيت ورضيت ..
ثم قال : للثالثة ما مالكم قالت : المعزى قال فكيف تجدونها قالت لا بأس بها نولدها فطما ونسلخها أدما قال : فكيف تجدين زوجك قالت : لا بأس به ليس بالبخيل الحكر ولا بالسمح البذر قال : جدوى مغنية :: ثم قال :
للرابعة يا بنية ما مالكم قالت : الضأن قال وكيف تجدونها قالت : شر مال جوف لا يشبعن وهيم لا ينقعن وصم لا يسمعن وأمر مغويتهن يتبعن قال : فكيف تجدين زوجك قالت شر زوج يكرم نفسه ويهين عرسه قال أشبه امرأ بعض بزه .
وذكر الحسن بن عليل العنزي في خبر عدوان الذي رواه عن أبي عمرو بن العلاء أنه لا يصح من أبيات ذي الإصبع الضادية إلا الأبيات التي أنشدها وأن سائرها منحول أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله الحزنبل قال حدثني عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال عمر ذو الإصبع العدواني عمرا طويلا حتى خرف وأهتر وكان يفرق ماله فعذله أصهاره ولاموه وأخذوا على يده فقال : في ذلك
أهلكنا الليل والنهار معاََ
والدهر يعدو مصمما جذعاَ
فليس فيما أصابني عجب إن
كنت شيباَ أنكرت أو صلعاَ
وكنت إذ رونق الشباب به
ماء شبابي تخاله شرعاَ
والحي فيه الفتاة ترمقني
حتى مضى شأو ذاك فانقشعاَ
إنكما صاحبي لم تدعاَ
لومي ومهما أضق فلن تسعا
لم تعقلا جفوة علي ولم
أشتم صديقاَ ولم أنل طبعاَ
إلا بأن تكذبا علي وما
أملك أن تكذبا وأن تلعا
وإنني سوف أبتدي بندى
يا صاحبي الغداة فاستمعا
ثم سلا جارتي وكنّتها
هل كنت فيمن أراب أو خدعا
أو دعتاني فلم أجب ولقد
تأمن مني حليلتي الفجعا
آبى فلا أقرب الخباء إذا
ما ربه بعد هدأة هجعا
ولا أروم الفتاة زورتها
إن نام عنها الحليل أو شسعا
وذاك في حقبة خلت ومضت
والدهر يأتي على الفتى لمعا
إن تزعما أنني كبرت فلم
ألف ثقيلا نكسا ولا ورعا
إما تري شكتي رميح أبي
سعد فقد أحمل السلاح معا *
السيف والرمح والكنانة قد
أكملت فيها معابلا صنعا
والمهر صافي الأديم أصنعه
يطير عنه عفاؤه قزعا
أقصر من قيده وأردعه
حتى إذا السرب ريع أو فزعا
كان أمام الجياد يقدمها
يهز لدنا وجؤجؤا تلعا
فغامس الموت أو حمى ظعنا
أو رد نهبا لأي ذاك سعى
* (أبو سعد ابنه ورميح عصا كانت لابنه يلعب بها مع الصبيان يطاعنهم بها كالرمح فصار يتوكأ هو عليها ويقوده ابنه هذا بها)
وصيته لابنه أسيد عند موته
قال أبو عمرو ولما احتضر ذو الإصبع دعا ابنه أسيدا فقال :
له يا بني إن أباك قد فني وهو حي وعاش حتى سئم العيش وإني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته فاحفظ عني
((ألن جانبك لقومك يحبوك وتواضع لهم يرفعوك وابسط لهم وجهك يطيعوك ولا تستأثر عليهم بشيء يسودوك وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ويكبر على مودتك صغارهم واسمح بمالك واحم حريمك وأعزز جارك وأعن من استعان بك وأكرم ضيفك وأسرع النهضة في الصريخ فإن أجلا لا يعدوك وصن وجهك عن مسألة أحد شيئا فبذلك يتم سوددك )).
ثم أنشأ يقول
أأسيد إن مالا ملكت فسر به سيرا جميلا
آخ الكرام إن استطعت إلى إخائهم سبيلا
واشرب بكأسهم وإن شربوا به السم الثميلا
أهن اللئام ولا تكن لإخائهم جملا ذلولا
إن الكرام إذا تواخيهم وجدت لهم فضولا
ودع الذي يعد العشيرة أن يسيل ولن يسيلا
أبني إن المال لا يبكي إذا فقد البخيلا
أأسيد إن أزمعت من بلد إلى بلد رحيلا
فاحفظ وإن شحط المزار أخا أخيك أو الزميلا
واركب بنفسك إن هممت بها الحزونة والسهولا
وصل الكرام وكن لمن ترجو مودته وصولا
ودع التواني في الأمور وكن لها سلسا ذلولا
وابسط يمينك بالندى وامدد لها باعا طويلا
وابسط يديك بما ملكت وشيد الحسب الأثيلا
واعزم إذا حاولت أمرا يفرج الهم الدخيلا
وابذل لضيفك ذات رحلك مكرما حتى يزولا
واحلل على الأيفاع للعافين واجتنب المسيلا
وإذا القروم تخاطرت يوما وأرعدت الخصيلا
فاهصر كهصر الليث خضب من فريسته التليلا
وأنزل إلى الهيجا إذا أبطالها كرهوا النزولا
وإذا دعيت إلى المهم فكن لفادحه حمولا
و من جيد شعره
وساع برجليه لآخر قاعد
ومعط كريم ذو يسار ومانع
وبان لأحساب الكرام وهادم
وخافض مولاه سفاها ورافع
ومغض على بعض الخطوب وقد بدت
له عورة من ذي القرابة ضاجع
وطالب حوب باللسان وقلبه
سوى الحق لا تخفى عليه الشرائع
وكان لذي الإصبع ابن عم يعاديه فكان يتدسس إلى مكارهه ويمشي به إلى أعدائه ويؤلب عليه ويسعى بينه وبين بني عمه ويبغيه عندهم شرا فقال فيه وقد أنشدنا الأخفش هذه الأبيات أيضا عن ثعلب والأحول السكري
يا صاحبي قفا قليلا *وتخبرا عني لميسا
عمن أصابت قلبه *في مرها فغدا نكيسا
ولي ابن عم لا يزال* إلي منكره دسيسا
دبت له فأحس بعد* البرء من سقم رسيسا
إما علانية وإما *مخمرا أكلا وهيسا
إني رأيت بني أبيك* يحمجون إلي شوسا
حنقا علي ولن ترى* لي فيهم أثرا بئيسا
أنحوا على حر الوجوه* بحد مئشار ضروسا
لو كنت ماء لم تكن *عذب المذاق ولا مسوسا
ملحا بعيد القعر قد* فلت حجارته الفؤوسا
مناع ما ملكت يداك *وسائل لهم نحوسا
قال أبو عمرو به وكان السبب في تفرق عدوان وقتال بعضهم بعضا حتى تفانوا أن بني ناج بن يشكر بن عدوان أغاروا على بني عوف بن سعد بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان ونذرت بهم بنو عوف فاقتتلوا فقتل بنو ناج ثمانية نفر فيهم عمير بن مالك سيد بني عوف وقتلت بنو عوف رجلا منهم يقال له سنان بن جابر وتفرقوا على حرب وكان الذي أصابوه من بني واثلة بن عمرو ابن عباد وكان سيدا فاصطلح سائر الناس على الديات أن يتعاطوها ورضوا بذلك وأبى مرير بن جابر أن يقبل بسنان بن جابر دية واعتزل هو وبنو أبيه ومن أطاعهم ومن والاهم وتبعه على ذلك كرب بن خالد أحد بني عبس بن ناج فمشى إليهما ذو الإصبع وسألهما قبول الدية وقال قد قتل منا ثمانية نفر فقبلنا الدية وقتل منكم رجل فاقبلوا ديته فأبيا ذلك وأقاما على الحرب فكان ذلك مبدأ حرب بعضهم بعضا حتى تفانوا وتقطعوا فقال ذو الإصبع في ذلك
ويا بؤس للأيام والدهر هالكا
وصرف الليالي يختلفن كذلكا
أبعد بني ناج وسعيك فيهم
فلا تتبعن عينيك ما كان هالكا إ
ذا قلت معروفا لأصلح بينهم
يقول مرير لا أحاول ذلكا
فأضحوا كظهر العود جب سنامه
تحوم عليه الطير أحدب باركا
فإن تك عدوان بن عمرو تفرقت
فقد غنيت دهرا ملوكا هنالكا
وقال أبو عمرو وفي مرير بن جابر يقول ذو الإصبع هذه القصيدة
يا من لقلب شديد الهم محزون
أمسى تذكر ريا أم هارون
أمسى تذكرها من بعد ما شحطت
والدهرو ذو غلظ حينا وذو لين
فإن يكن حبها أمسى لنا شجنا
وأصبح الولي منها لا يواتيني
فقد غنينا وشمل الدار يجمعنا
أطيع ريا وريا لا تعاصيني
نرمي الوشاة فلا نخطي مقاتلهم
بخالص من صفاء الود مكنون
ولي ابن عم على ما كان من خلق
مختلفان فأقليه ويقليني
أزرى بنا أننا شالت نعامتنا
فخالني دونه بل خلته دوني
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب
شيئا ولا أنت دياني فتخزوني
ولا تقوت عيالي يوم مسغبة
ولا بنفسك في العزاء تكفيني
فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي
فإن ذلك مما ليس يشجيني
ولا ترى فيَ غير الصبر منقصة
وما سواه فإن الله يكفيني
لولا أواصر قربى لست تحفظها
ورهبة الله في مولى يعاديني
إذا بريتك بريا لا انجبار له
إني رأيتك لا تنفك تبريني
إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها
إن كان أغناك عني سوف يغنيني
الله يعلمكم والله يعلمني
والله يجزيكم عني ويجزيني
ماذا علي وإن كنتم ذوي رحمي
ألا أحبكم إن لم تحبوني
لو تشربون دمي لم يرو شاربكم
ولا دماؤكم جمعا ترويني
ولي ابن عم لو ان الناس في كبدي
لظل محتجزا بالنبل يرميني
يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي
أضربك حتى تقول الهامة اسقوني
كل امرىء صائر يوما لشيمته
وإن تخلق أخلاقا إلى حين
إني لعمرك ما بابي بذي غلق
عن الصديق ولا خيري بممنون
ولا لساني على الأدنى بمنطلق
بالمنكرات ولا فتكي بمأمون
لا يخرج القسر مني غير مغضبة
ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
وأنتم معشر زيد على مائة
فأجمعوا أمركم شتى فكيدوني
فإن علمتم سبيل الرشد فانطلقوا
وإن غبيتم طريق الرشد فأتوني
يا رب ثوب حواشيه كأوسطه
لا عيب في الثوب من حسن ومن لين
يوما شددت على فرغاء فاهقة
يوما من الدهر تارات تماريني
ماذا علي إذا تدعونني فزعا
ألا أجيبكم إذ لا تجيبوني
وكنت أعطيكم مالي وأمنحكم
ودي على مثبت في الصدر مكنون
يارب حي شديد الشغب ذي لجب
ذعرت من راهن منهم ومرهون
رددت باطلهم في رأس قائلهم
حتى يظلوا خصوما ذا أفانين
يا عمرو لو كنت لي ألفيتني يسرا
سمحا كريما أجازي من يجازيني
رثاء ذي الإصبع لقومه / قال أبو عمرو وقال ذو الإصبع يرثي قومه ، وقد مضى بعض هذه القصيدة متقدما في صدر هذه الأخبار وتمامها
وليس المرء في شيء من الإبرام والنقض
إذا يفعل شيئا خاله يقضي وما يقضي
جديد العيش ملبوس وقد يوشك أن ينضى
وأمر اليوم أصلحه ولا تعرض لما يمضي
فبينا المرء في عيش له من عيشة خفض
أتاه طبق يوما على مزلقة دحض
وهم كانوا فلا تكذب ذوي القوة والنهض
وهم إن ولدوا أشبوا بسر الحسب المحض
لهم كانت أعالي الأرض فالسران فالعرض
إلى ما حازه الحزن فما أسهل للحمض
إلى الكفرين من نحلة فالداءة فالمرض
لهم كان جمام الماء لا المزجى ولا البرض
فكان الناس إذا هموا بيسر خاشع مغضي
تنادوا ثم ساروا برئيس لهم مرضي
فمن ساجلهم حربا ففي الخيبة والخفض
وهم نالوا على الشنا ن والشحناء والبغض
معالي لم ينلها الناس في بسط ولا قبض
رثاء أمامة بنت ذي الإصبع لقومها /قال أبو عمرو قالت أمامة بنت ذي الإصبع وكانت شاعرة ترثي قومها
كم من فتى كانت له ميعة أبلج مثل القمر الزاهر
قد مرت الخيل بحافاته كمر غيث لجب ماطر
قد لقيت فهم وعدوانها قتلا وهلكا آخرالغابر
كانوا ملوكا سادة في الذرى دهرا لها الفخر على الفاخر
حتى تساقوا كأسهم بينهم بغيا فيا للشارب الخاسر
بادوا فمن يحلل بأوطانهم يحلل برسم مقفر داثر
قال أبو عمرو ولأمامة ابنته هذه يقول ذو الإصبع ورأته قد نهض فسقط وتوكأ على العصا فبكت فقال
جزعت أمامة أن مشيت على العصا وتذكرت إذ نحن م الفتيان
فلقبل ما رام الاله بكيده إرما وهذا الحي من عدوان
بعد الحكومة والفضيلة والنهى طاف الزمان عليهم بأوان
وتفرقوا وتقطعت أشلاؤهم وتبددوا فرقا بكل مكان
جدب البلاد فأعقمت أرحامهم والدهر غيرهم مع الحدثان
حتى أبادهم على أخراهم صرعى بكل نقيرة ومكان
لا تعجبن أمام من حدث عرا فالدهر غيرنا مع الأزمان
——————
من كتاب الأغاني الجزء الثالث من 85- 93
هو حرثان بن الحارث بن محرث بن ثعلبة بن سيار بن ربيعة بن هبيرة بن ثعلبة بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان بن عمر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار أحد بني عدوان وهم بطن من جديلة شاعر فارس من قدماء الشعراء في الجاهلية وله غارات كثيرة في العرب ووقائع مشهورة .
قال الأصمعي
:نزلت عدوان على ماء فأحصوا فيهم سبعين ألف غلام أغرل سوى من كان مختونا لكثرة عددهم ثم وقع بأسهم بينهم فتفانوا فقال ذو الإصبع
عذير الحي من عدوان كانوا حية الأرضِ
بغى بعضهم بعضا فلم يبقوا على بعضِ
فقد صاروا أحاديث برفع القول والخفضِ
ومنهم كانت السادات والموفون بالقرضِ
ومنهم من يجيز الناس بالسنة والفرضِ
ومنهم حكم يقضي فلا ينقض ما يقضي
وقول ذي الإصبع "ومنهم حكم يقضي"فإنه يعني عامر بن الظرب العدواني كان حكما للعرب تحتكم إليه
خبر من قرعت له العصا
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي عن محمد بن حبيب قال : قيس تدعي هذه الحكومة وتقول إن عامر بن الظرب العدواني هو الحكم وهو الذي كانت العصا تقرع له وكان قد كبر فقال له الثاني من ولده إنك ربما أخطأت في الحكم فيحمل عنك قال فاجعلوا لي أمارة أعرفها فإذا زغت فسمعتها رجعت إلى الحكم والصواب فكان يجلس قدام بيته ويقعد ابنه في البيت ومعه العصا فإذا زاغ أو هفا قرع له الجفنة فرجع إلى الصواب ،
وفي ذلك يقول المتلمس
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا
ومــــا علــــم الإنسان إلا ليعلمــــــــا
قال ابن حبيب وربيعة تدعيه لعبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام واليمن تدعيه لربيعة بن مخاشن وهو ذو الأعواد وهو أول من جلس على منبر أو سرير وتكلم وفيه يقول الأسود بن يعفر
ولقد علمت لو أن علمي نافعي
أن السبيل سبيل ذي الأعواد
عبد الملك بن مروان يسأل عن ذي الإصبع العدواني
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني يعقوب بن نعيم قال حدثنا أحمد بن عبيد أبو عصيدة قال أخبرني محمد بن زياد الزيادي وأخبرني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة ولم يسنده إلى أحد وروايته أتم أن عبد الملك بن مروان لما قدم الكوفة بعد قتله مصعب بن الزبير جلس لعرض أحياء العرب وقال عمر بن شبة إن مصعب بن الزبير كان صاحب هذه القصة فقام إليه معبد بن خالد الجدلي وكان قصيرا دميما فتقدمه إليه رجل منا حسن الهيئة قال معبد فنظر عبد الملك إلى الرجل وقال ممن أنت فسكت ولم يقل شيئا وكان منا فقلت من خلفه نحن يا أمير المؤمنين من جديلة فأقبل على الرجل وتركني فقال من أيكم ذو الإصبع قال الرجل لا أدري قلت كان عدوانيا فأقبل على الرجل وتركني وقال لم سمي ذا الإصبع قال الرجل لا أدري فقلت نهشته حية في إصبعه فيبست فأقبل على الرجل وتركني فقال وبما كان يسمى قبل ذلك قال الرجل لا أدري قلت كان يسمى حدثان فأقبل على الرجل وتركني فقال من أي عدوان كان فقلت من خلفه من بني ناج الذين يقول فيهم الشاعر
وأما بنو ناج فلا تذكرنهم
ولا تتبعن عينيك ما كان هالكا
إذا قلت معروفا لأصلح بينهم
يقول وهيب لا أسالم ذلكا
فأضحى كظهر الفحل جب سنامه
يدب إلى الأعداء أحدب باركا
فأقبل على الرجل وتركني وقال أنشدني قوله "عذير الحي من عدوان " قال الرجل لست أرويها قلت يا أمير المؤمنين إن شئت أنشدتك قال ادن مني فإني أراك بقومك عالما فأنشدته
وليس المرء في شيء من الإبرام والنقض
إذا أبرم أمرا خاله يقضي وما يقضي
يقول اليوم أمضيه ولا يملك ما يمضي
عذير الحي من عدوان كانوا حية الأرض
بغى بعضهم بعضا فلم يبقوا على بعض
فقد صاروا أحاديث برفع القول والخفض
ومنهم كانت السادات والموفون بالقرض
ومنهم حكم يقضي فلا ينقض ما يقضي
ومنهم من يجيز النا س بالسنة والفرض
وهم من ولدوا أشبوا بسر الحسب المحض
وممن ولدوا عامر ذو الطول وذو العرض
وهم بووا ثقيفا دار لا ذل ولا خفض
فأقبل على الرجل وتركني وقال كم عطاؤك فقال ألفان فأقبل علي فقال كم عطاؤك فقلت خمسمائة فأقبل على كاتبه وقال اجعل الألفين لهذا والخمسمائة لهذا فانصرفت بها ، وقوله ومنهم من يجيز الناس فإن إجازة الحج كانت لخزاعة فأخذتها منهم عدوان فصارت إلى رجل منهم يقال له أبو سيارة أحد بني وابش بن زيد بن عدوان وله يقول الراجز
خلوا السبيل عن أبي سياره
وعن مواليه بني فزاره
حتى يجيز سالما حماره
مستقبل الكعبة يدعوا جاره
قال وكان أبو سيارة يجيز الناس في الحج بأن يتقدمهم على حمار ثم يخطبهم فيقول اللهم أصلح بين نسائنا وعاد بين رعائنا واجعل المال في سمحائنا أوفوا بعهدكم وأكرموا جاركم وأقروا ضيفكم ثم يقول أشرق ثبيركيما نغير وكانت هذه إجازته ثم ينفر ويتبعه الناس ذكر ذلك أبو عمرو الشيباني وال****ي وغيرهما
كان لذي الإصبع أربع بنات وكن يخطبن إليه فيعرض ذلك عليهن فيستحين ولا يزوجهن وكانت أمهن تقول لو زوجتهن فلا يفعل قال فخرج ليلة إلى متحدث لهن فاستمع عليهن وهن لا يعلمن فقلن تعالين نتمنى ولنصدق
فقالت الكبرى
ألا ليت زوجي من أناس ذوي غنى
حديث الشباب طيب الريح والعطرِ
طبيب بأدواء النساء كأنه
خليفة جان لا ينام على وترِ
فقالت الثانية
ألا هل أراها ليلة وضجيعها
أشم كنصل السيف غير مبلدِ
لصوق بأكباد النساء وأصله
إذا ما انتمى من سر أهلي ومحتدي
فقالت الثالثة
ألا ليته يملا الجفان لضيفه
له جفنة يسقى بها النيب والجزر
له حكمات الدهر من غير كبرة
تشين ولا الفاني ولا الضرع الغمر
وقلن للصغرى تمني فقالت ما أريد شيئا قلن والله لا تبرحين حتى نعلم ما في نفسك قالت ((زوج من عود خير من قعود )) فلما سمع ذلك أبوهن زوجهن أربعتهن ’
فمكثن برهة ثم اجتمعن إليه فقال للكبرى يا بنية ما مالكم قالت الإبل قال فكيف تجدونها قالت خير مال نأكل لحومها مزعا ونشرب ألبانها جرعا وتحملنا وضعفتنا معا قال فكيف تجدين زوجك قالت خير زوج يكرم الحليلة ويعطي الوسيلة قال :
مال عميم وزوج كريم .
ثم قال : للثانية يا بنية ما مالكم قالت البقر قال فكيف تجدونها قالت خير مال تألف الفناء وتودك السقاء وتملأ الإناء ونساء في نساء قال فكيف تجدين زوجك قالت خير زوج يكرم أهله وينسى فضله قال : حظيت ورضيت ..
ثم قال : للثالثة ما مالكم قالت : المعزى قال فكيف تجدونها قالت لا بأس بها نولدها فطما ونسلخها أدما قال : فكيف تجدين زوجك قالت : لا بأس به ليس بالبخيل الحكر ولا بالسمح البذر قال : جدوى مغنية :: ثم قال :
للرابعة يا بنية ما مالكم قالت : الضأن قال وكيف تجدونها قالت : شر مال جوف لا يشبعن وهيم لا ينقعن وصم لا يسمعن وأمر مغويتهن يتبعن قال : فكيف تجدين زوجك قالت شر زوج يكرم نفسه ويهين عرسه قال أشبه امرأ بعض بزه .
وذكر الحسن بن عليل العنزي في خبر عدوان الذي رواه عن أبي عمرو بن العلاء أنه لا يصح من أبيات ذي الإصبع الضادية إلا الأبيات التي أنشدها وأن سائرها منحول أخبرني عمي قال حدثني محمد بن عبد الله الحزنبل قال حدثني عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال عمر ذو الإصبع العدواني عمرا طويلا حتى خرف وأهتر وكان يفرق ماله فعذله أصهاره ولاموه وأخذوا على يده فقال : في ذلك
أهلكنا الليل والنهار معاََ
والدهر يعدو مصمما جذعاَ
فليس فيما أصابني عجب إن
كنت شيباَ أنكرت أو صلعاَ
وكنت إذ رونق الشباب به
ماء شبابي تخاله شرعاَ
والحي فيه الفتاة ترمقني
حتى مضى شأو ذاك فانقشعاَ
إنكما صاحبي لم تدعاَ
لومي ومهما أضق فلن تسعا
لم تعقلا جفوة علي ولم
أشتم صديقاَ ولم أنل طبعاَ
إلا بأن تكذبا علي وما
أملك أن تكذبا وأن تلعا
وإنني سوف أبتدي بندى
يا صاحبي الغداة فاستمعا
ثم سلا جارتي وكنّتها
هل كنت فيمن أراب أو خدعا
أو دعتاني فلم أجب ولقد
تأمن مني حليلتي الفجعا
آبى فلا أقرب الخباء إذا
ما ربه بعد هدأة هجعا
ولا أروم الفتاة زورتها
إن نام عنها الحليل أو شسعا
وذاك في حقبة خلت ومضت
والدهر يأتي على الفتى لمعا
إن تزعما أنني كبرت فلم
ألف ثقيلا نكسا ولا ورعا
إما تري شكتي رميح أبي
سعد فقد أحمل السلاح معا *
السيف والرمح والكنانة قد
أكملت فيها معابلا صنعا
والمهر صافي الأديم أصنعه
يطير عنه عفاؤه قزعا
أقصر من قيده وأردعه
حتى إذا السرب ريع أو فزعا
كان أمام الجياد يقدمها
يهز لدنا وجؤجؤا تلعا
فغامس الموت أو حمى ظعنا
أو رد نهبا لأي ذاك سعى
* (أبو سعد ابنه ورميح عصا كانت لابنه يلعب بها مع الصبيان يطاعنهم بها كالرمح فصار يتوكأ هو عليها ويقوده ابنه هذا بها)
وصيته لابنه أسيد عند موته
قال أبو عمرو ولما احتضر ذو الإصبع دعا ابنه أسيدا فقال :
له يا بني إن أباك قد فني وهو حي وعاش حتى سئم العيش وإني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته فاحفظ عني
((ألن جانبك لقومك يحبوك وتواضع لهم يرفعوك وابسط لهم وجهك يطيعوك ولا تستأثر عليهم بشيء يسودوك وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ويكبر على مودتك صغارهم واسمح بمالك واحم حريمك وأعزز جارك وأعن من استعان بك وأكرم ضيفك وأسرع النهضة في الصريخ فإن أجلا لا يعدوك وصن وجهك عن مسألة أحد شيئا فبذلك يتم سوددك )).
ثم أنشأ يقول
أأسيد إن مالا ملكت فسر به سيرا جميلا
آخ الكرام إن استطعت إلى إخائهم سبيلا
واشرب بكأسهم وإن شربوا به السم الثميلا
أهن اللئام ولا تكن لإخائهم جملا ذلولا
إن الكرام إذا تواخيهم وجدت لهم فضولا
ودع الذي يعد العشيرة أن يسيل ولن يسيلا
أبني إن المال لا يبكي إذا فقد البخيلا
أأسيد إن أزمعت من بلد إلى بلد رحيلا
فاحفظ وإن شحط المزار أخا أخيك أو الزميلا
واركب بنفسك إن هممت بها الحزونة والسهولا
وصل الكرام وكن لمن ترجو مودته وصولا
ودع التواني في الأمور وكن لها سلسا ذلولا
وابسط يمينك بالندى وامدد لها باعا طويلا
وابسط يديك بما ملكت وشيد الحسب الأثيلا
واعزم إذا حاولت أمرا يفرج الهم الدخيلا
وابذل لضيفك ذات رحلك مكرما حتى يزولا
واحلل على الأيفاع للعافين واجتنب المسيلا
وإذا القروم تخاطرت يوما وأرعدت الخصيلا
فاهصر كهصر الليث خضب من فريسته التليلا
وأنزل إلى الهيجا إذا أبطالها كرهوا النزولا
وإذا دعيت إلى المهم فكن لفادحه حمولا
و من جيد شعره
وساع برجليه لآخر قاعد
ومعط كريم ذو يسار ومانع
وبان لأحساب الكرام وهادم
وخافض مولاه سفاها ورافع
ومغض على بعض الخطوب وقد بدت
له عورة من ذي القرابة ضاجع
وطالب حوب باللسان وقلبه
سوى الحق لا تخفى عليه الشرائع
وكان لذي الإصبع ابن عم يعاديه فكان يتدسس إلى مكارهه ويمشي به إلى أعدائه ويؤلب عليه ويسعى بينه وبين بني عمه ويبغيه عندهم شرا فقال فيه وقد أنشدنا الأخفش هذه الأبيات أيضا عن ثعلب والأحول السكري
يا صاحبي قفا قليلا *وتخبرا عني لميسا
عمن أصابت قلبه *في مرها فغدا نكيسا
ولي ابن عم لا يزال* إلي منكره دسيسا
دبت له فأحس بعد* البرء من سقم رسيسا
إما علانية وإما *مخمرا أكلا وهيسا
إني رأيت بني أبيك* يحمجون إلي شوسا
حنقا علي ولن ترى* لي فيهم أثرا بئيسا
أنحوا على حر الوجوه* بحد مئشار ضروسا
لو كنت ماء لم تكن *عذب المذاق ولا مسوسا
ملحا بعيد القعر قد* فلت حجارته الفؤوسا
مناع ما ملكت يداك *وسائل لهم نحوسا
قال أبو عمرو به وكان السبب في تفرق عدوان وقتال بعضهم بعضا حتى تفانوا أن بني ناج بن يشكر بن عدوان أغاروا على بني عوف بن سعد بن ظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان ونذرت بهم بنو عوف فاقتتلوا فقتل بنو ناج ثمانية نفر فيهم عمير بن مالك سيد بني عوف وقتلت بنو عوف رجلا منهم يقال له سنان بن جابر وتفرقوا على حرب وكان الذي أصابوه من بني واثلة بن عمرو ابن عباد وكان سيدا فاصطلح سائر الناس على الديات أن يتعاطوها ورضوا بذلك وأبى مرير بن جابر أن يقبل بسنان بن جابر دية واعتزل هو وبنو أبيه ومن أطاعهم ومن والاهم وتبعه على ذلك كرب بن خالد أحد بني عبس بن ناج فمشى إليهما ذو الإصبع وسألهما قبول الدية وقال قد قتل منا ثمانية نفر فقبلنا الدية وقتل منكم رجل فاقبلوا ديته فأبيا ذلك وأقاما على الحرب فكان ذلك مبدأ حرب بعضهم بعضا حتى تفانوا وتقطعوا فقال ذو الإصبع في ذلك
ويا بؤس للأيام والدهر هالكا
وصرف الليالي يختلفن كذلكا
أبعد بني ناج وسعيك فيهم
فلا تتبعن عينيك ما كان هالكا إ
ذا قلت معروفا لأصلح بينهم
يقول مرير لا أحاول ذلكا
فأضحوا كظهر العود جب سنامه
تحوم عليه الطير أحدب باركا
فإن تك عدوان بن عمرو تفرقت
فقد غنيت دهرا ملوكا هنالكا
وقال أبو عمرو وفي مرير بن جابر يقول ذو الإصبع هذه القصيدة
يا من لقلب شديد الهم محزون
أمسى تذكر ريا أم هارون
أمسى تذكرها من بعد ما شحطت
والدهرو ذو غلظ حينا وذو لين
فإن يكن حبها أمسى لنا شجنا
وأصبح الولي منها لا يواتيني
فقد غنينا وشمل الدار يجمعنا
أطيع ريا وريا لا تعاصيني
نرمي الوشاة فلا نخطي مقاتلهم
بخالص من صفاء الود مكنون
ولي ابن عم على ما كان من خلق
مختلفان فأقليه ويقليني
أزرى بنا أننا شالت نعامتنا
فخالني دونه بل خلته دوني
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب
شيئا ولا أنت دياني فتخزوني
ولا تقوت عيالي يوم مسغبة
ولا بنفسك في العزاء تكفيني
فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي
فإن ذلك مما ليس يشجيني
ولا ترى فيَ غير الصبر منقصة
وما سواه فإن الله يكفيني
لولا أواصر قربى لست تحفظها
ورهبة الله في مولى يعاديني
إذا بريتك بريا لا انجبار له
إني رأيتك لا تنفك تبريني
إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها
إن كان أغناك عني سوف يغنيني
الله يعلمكم والله يعلمني
والله يجزيكم عني ويجزيني
ماذا علي وإن كنتم ذوي رحمي
ألا أحبكم إن لم تحبوني
لو تشربون دمي لم يرو شاربكم
ولا دماؤكم جمعا ترويني
ولي ابن عم لو ان الناس في كبدي
لظل محتجزا بالنبل يرميني
يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي
أضربك حتى تقول الهامة اسقوني
كل امرىء صائر يوما لشيمته
وإن تخلق أخلاقا إلى حين
إني لعمرك ما بابي بذي غلق
عن الصديق ولا خيري بممنون
ولا لساني على الأدنى بمنطلق
بالمنكرات ولا فتكي بمأمون
لا يخرج القسر مني غير مغضبة
ولا ألين لمن لا يبتغي ليني
وأنتم معشر زيد على مائة
فأجمعوا أمركم شتى فكيدوني
فإن علمتم سبيل الرشد فانطلقوا
وإن غبيتم طريق الرشد فأتوني
يا رب ثوب حواشيه كأوسطه
لا عيب في الثوب من حسن ومن لين
يوما شددت على فرغاء فاهقة
يوما من الدهر تارات تماريني
ماذا علي إذا تدعونني فزعا
ألا أجيبكم إذ لا تجيبوني
وكنت أعطيكم مالي وأمنحكم
ودي على مثبت في الصدر مكنون
يارب حي شديد الشغب ذي لجب
ذعرت من راهن منهم ومرهون
رددت باطلهم في رأس قائلهم
حتى يظلوا خصوما ذا أفانين
يا عمرو لو كنت لي ألفيتني يسرا
سمحا كريما أجازي من يجازيني
رثاء ذي الإصبع لقومه / قال أبو عمرو وقال ذو الإصبع يرثي قومه ، وقد مضى بعض هذه القصيدة متقدما في صدر هذه الأخبار وتمامها
وليس المرء في شيء من الإبرام والنقض
إذا يفعل شيئا خاله يقضي وما يقضي
جديد العيش ملبوس وقد يوشك أن ينضى
وأمر اليوم أصلحه ولا تعرض لما يمضي
فبينا المرء في عيش له من عيشة خفض
أتاه طبق يوما على مزلقة دحض
وهم كانوا فلا تكذب ذوي القوة والنهض
وهم إن ولدوا أشبوا بسر الحسب المحض
لهم كانت أعالي الأرض فالسران فالعرض
إلى ما حازه الحزن فما أسهل للحمض
إلى الكفرين من نحلة فالداءة فالمرض
لهم كان جمام الماء لا المزجى ولا البرض
فكان الناس إذا هموا بيسر خاشع مغضي
تنادوا ثم ساروا برئيس لهم مرضي
فمن ساجلهم حربا ففي الخيبة والخفض
وهم نالوا على الشنا ن والشحناء والبغض
معالي لم ينلها الناس في بسط ولا قبض
رثاء أمامة بنت ذي الإصبع لقومها /قال أبو عمرو قالت أمامة بنت ذي الإصبع وكانت شاعرة ترثي قومها
كم من فتى كانت له ميعة أبلج مثل القمر الزاهر
قد مرت الخيل بحافاته كمر غيث لجب ماطر
قد لقيت فهم وعدوانها قتلا وهلكا آخرالغابر
كانوا ملوكا سادة في الذرى دهرا لها الفخر على الفاخر
حتى تساقوا كأسهم بينهم بغيا فيا للشارب الخاسر
بادوا فمن يحلل بأوطانهم يحلل برسم مقفر داثر
قال أبو عمرو ولأمامة ابنته هذه يقول ذو الإصبع ورأته قد نهض فسقط وتوكأ على العصا فبكت فقال
جزعت أمامة أن مشيت على العصا وتذكرت إذ نحن م الفتيان
فلقبل ما رام الاله بكيده إرما وهذا الحي من عدوان
بعد الحكومة والفضيلة والنهى طاف الزمان عليهم بأوان
وتفرقوا وتقطعت أشلاؤهم وتبددوا فرقا بكل مكان
جدب البلاد فأعقمت أرحامهم والدهر غيرهم مع الحدثان
حتى أبادهم على أخراهم صرعى بكل نقيرة ومكان
لا تعجبن أمام من حدث عرا فالدهر غيرنا مع الأزمان
——————
من كتاب الأغاني الجزء الثالث من 85- 93