كيف تكون الرؤية الشرعية إلى المخطوبة
طرفان ووسط:
الطرف الأول: طرف متشدد متعصب لا يرى أهمية الرؤية والنظر إلى المخطوبة بل ويمنع رؤية الخاطب للمخطوبة إلا بعد الزفاف.
وإليكم هذه القصة العجيبة: (تزوج رجل بامرأة لم يرها وبعد انتهاء حفلة الزواج، ودخل عليها الغرفة ونظر إليها ثم أصابته غمة وكرب وذهول فخرج وأغلق الباب... ثم طلقها ورجعت إلى بيت أهلها).
الطرف الثاني: متساهل ويترك الحبل على الغارب للخاطبين، فيراها الخاطب ويجلس معها بلا ضابط ويخرج معها دون مراعاة لحدود الله.
فكثير من المسلمين في مسألة النظر إلى المخطوبة بين طرفي نقيض، فبعضهم متشددون متعصبون عطلوا هذه السنة المجمع عليها فيمنع الخاطب من رؤية الخطوبة وهذا مخالف للشرع.
وبعضهم يرخون للخاطبين العنان ويدعوهما يخلوان ويتنزهان في الأماكن البعيدة الخالية وهذا حرام لا يجوز.
أما الوسط: فهو هدي الإسلام، وهدي رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -.
وإذا سأل أخي وأختي الكريمة عن هدي رسولنا –صلى الله عليه وسلم- في موضوع رؤية الخاطب للمخطوبة؟ فإننا نجيب على هذا السؤال فيما يلي وهو لب موضوعنا في المقال:
التوافق النفسي بين الخطيبين:
إن التوافق هو أساس في استمرار الحياة الزوجية وسبب في نجاح الزواج ودوام الألفة، وتعتبر الرؤية هي المفتاح الأول لذلك التوافق، ولها الدور السحري الفعال في القناعة ونحن مطالبون بالأخذ بالأسباب، والرؤية الشرعية للخاطب تساعد على نجاح الزواج وفيها أخذ بأسباب النجاح.
إنما شرعت هذه الرؤية وهذا النظر ليجد كل من الرجل والمرأة ما في الآخر من ميزات وعيوب، وما يستطيع أن يتقبله كل منهما فيمن سيكون شريكه في الحياة حتى لا ينهدم البناء بعد الزواج، وتتشقق العلاقات وتتصدع الزوجية ويكون الانفصال بسلبياته النفسية والاجتماعية من نصيب الطرفين.
وحتى يحصل تمام التوافق النفسي والملائمة بين الرجل والمرأة بحيث يرضى كل منهما بالآخر ويتقبله شريكا له، أباحت الشريعة الإسلامية لكل منهما أن ينظر إلى الآخر قبل العقد، مع أن الأصل في نظر الرجل للمرأة الأجنبية محرم؛ ولكن حتى يتحقق القصد من استمرار الحياة الزوجية واستقرارها خرج الحكم عن ذلك الأصل؛ لأن النظر للمخطوبة قبل الزواج أدعى لدوام المحبة والألفة.
ويجوز تكرار النظر إذا دعت الحاجة إلى ذلك حتى يتأكد كل منهما من موافقته ومن ارتياحه النفسي من ارتباطه بالشريك الآخر.
النظر إلى المخطوبة:
ومما يرطب الحياة الزوجية ويجعلها محفوفة بالسعادة، محوطة بالهناء أن ينظر الرجل إلى المرأة قبل الخطبة، ليعرف جمالها الذي يدعوه إلى الإقدام على الاقتران بها، أو قبحها الذي يصرفه عنه إلى غيرها، واقتناع كلا الطرفين لا يتأتى إلا بعد رؤية كليهما للآخر والتعرف عليه.
والحازم لا يدخل مدخلاً حتى يعرف خيره من شره قبل الدخول فيه، قال الأعمش: "كل تزويج يقع على غير نظر فآخره هم وغم".
وإليك أخي وأختي القارئة هدى الإسلام وهدى رسولنا - صلى الله عليه وسلم -:
قال –صلى الله عليه وسلم-: ((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)) أخرجه أبو داود، قال جابر –رضي الله عنه-: "فخطبت امرأة من بني سلمة، فكنت أختبئ لها حتى رأيت منها بعض ما دعاني إليها" رواه أبو داود.
2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلاً خطب امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنظرت إليها؟ ))، قال: لا، قال: ((فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً)).
3 - وعن المغيرة بن شعبة –رضي الله عنه-: أنه خطب امرأة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنظرت إليها؟ ))، قال: لا، قال: ((انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما))، رواه النسائي وابن ماجة والترمذي.
ولنا مع الحديث السابق وقفة:
قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) إشارة إلى التوافق النفسي بين الطرفين، معنى يؤدم بينكما: أن يتفقا وأن تتآلف قلوبهما، أي: أجدر أن يدوم الوفاق بينكما.
وهذه الأحاديث تدل على استحباب النظر إلى المخطوبة، فالرسول –صلى الله عليه وسلم- أمر بالنظر إلى من يريد الرجل خطبتها وعلل ذلك بقوله: ((فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)).
والمراد أن الرجل الذي يقدم على الزواج وقد رأى المخطوبة واستراحت نفسه إلى الإقدام على الزواج منها، حري بأن تدوم العشرة بينه وبينها.
وهذا أولى من أن يراها بعد أن يعقد عقده عليها فيفجأ بأنها غير مناسبة له فتجفوها نفسه، أي لا يحدث بينهما توافق نفسي، فترك الخطبة - والحالة هذه- أهون عليه وعليها وعلى أهلهما من تطليقهما بعد زواجه منها.
وهنا نذكر أقوال العلماء التي تؤكد أهمية الرؤية والنظر للمخطوبة:
1 - قال ولي الله الدهلوي - رحمه الله -: "والسبب في استحباب النظر إلى المخطوبة أن يكون الزوج على روية، وأن يكون أبعد من الندم الذي يلزمه إن اقتحم في النكاح ولم يوافقه فلم يُرْده، وأسهل للتلاقي إن رد، وأن يكون تزوجهما على شوق ونشاط إن وافقه، والرجل الحكيم لا يلج مولجاً حتى يتبين خيره وشره قبل ولوجه".
وعبارات أهل العلم الذين بينوا حكم الرؤية دائرة بين الإباحة والاستحباب:
2 - يقول النووي - رحمه الله -: "وإذا رغب في نكاحها استحب له أن ينظر إليها، لئلا يندم، وفي وجه لا يستحب هذا النظر بل هو مباح، والصحيح الأول للأحاديث" روضة الطالبين.
3 - قال المرداوي الحنبلي - رحمه الله -: "يجوز النظر إلى المخطوبة وهذا هو المذهب وقيل يستحب، وهذا هو الصواب" الإنصاف للمرداوي.
وإذا لم ينظر إليها فلا خلاف بين العلماء في صحة الزواج، فإن النظر مباح أو مسنون، ولم يقل أحد بوجوبه.
4 - قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: "لا شك أن عدم رؤية المرأة قبل النكاح قد يكون من أسباب الطلاق إذا وجدها خلاف ما وصفت له" فتاوى المرأة المسلمة.
أهمية الرؤية الشرعية:
1 - أباح الإسلام للرجل أن ينظر إلى من يريد الزواج منها ليعرف ناحية الشكل والجمال فيها، وهو مرغوب بالطبع لتتحقق العفة والتحصن والإعفاف.
2 - ليحدث التوافق النفسي والانسجام بين الطرفين وتآلف القلوب والوفاق.
3 - لو لم يكن له فائدة لما أجازه الإسلام ولما أمر به الرسول-صلى الله عليه وسلم-، فهذه الرؤية علق عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ديمومة الحياة الهنية للزوجين.
4 - ليرى الرجل من المرأة ما يدعوه إلى نكاحها سواءً علمت بذلك أو لم تعلم كما جاء في حديث جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما-، ولكن الأولى التنسيق مع وليها لعدم حدوث ما لا يحمد عقباه.
الرؤية الشرعية:
الرؤية المشروعة هي المقيدة بالضوابط الشرعية، وقد اشترط أهل العلم في ذلك أن يكون الرجل مسلماً راغباً في النكاح فعلاً، موثوقاً به، ثقة أمين صالح جاد صادق عازم على الزواج، وموثوقاً به حتى لا يفشي سراً أو يعيبها عند عدم رغبته فيها، وأن لا يكون فيه ما يمنع من الموافقة عليه.
متى ينظر إليها؟
يرى الإمام الشافعي - رحمه الله - أن تكون رؤية المخطوبة قبل خطبتها، فإن رأى فيهما ما يدعوه إلى نكاحها خطبها، وإلا أعرض عنها من غير إيذاءها وهذا عين الصواب وهو الأقرب إلى الخلق الكريم.
المواضع التي ينظر إليها:
ذهب الجمهور من العلماء إلى أن الرجل ينظر إلى الوجه والكفين لا غير؛ لأنه يستدل بالنظر إلى الوجه على الجمال أو الدمامة، وإلى الكفين على خصوبة البدن أو عدمها، وقال داود: "ينظر إلى جميع البدن"، وقال الأوزاعي: "ينظر إلى مواضع اللحم"، والأحاديث لم تعين مواضع النظر بل أطلقت لينظر إلى ما يحصل له المقصود بالنظر إليه.
وإذا نظر إليها ولم تعجبه، فليسكت ولا يقل شيئاً، حتى لا تتأذى بما يذكر عنها ولعل الذي لا يعجبه منها قد يعجب غيره.
نظر المرأة إلى الرجل:
وليس هذا الحكم مقصوراً على الرجل، بل هو ثابت للمرأة أيضاً، فلها أن تنظر إلى خاطبها، فتنظر إلى وجهه وهيئته، فإنه يعجبها منه مثل ما يعجبه منها، قال عمر –رضي الله عنه-: "لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم، فإنه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن"، ويقول - تعالى -: (ولهن مثل الذي عليهن).
والمصلحة المرادة من النظر وهي دوام الألفة تتحقق بنظر المرأة كما تتحقق بنظر الرجل.
وإلى أخي وأختي القارئة أقترح هذه الخطوات العملية للرؤية الشرعية:
1 - يتجمل الشاب ويتعطر ويلبس أحسن الثياب ويذهب إلى بيت الفتاة المختارة متوكلا على الله بعد الاستخارة والاستشارة والدعاء والبحث.
2 - على الفتاة أن تتجمل -أي تزيل ما يمكن إزالته من العيوب كالهالات السوداء حول العين مثلاً- وترتدي ملابس مناسبة وتظهر فقط وجهها وكفيها، لحديث سبيعة بنت الحارث –رضي الله عنها-: ((فلما تعلت من نفاسها تجملت للخاطب)) متفق عليه.
3 - يجلس الشاب والفتاة في مكان ومعها أحد محارمها كالأب مثلاً، وينظر إلى الفتاة ليراها ويتعرف عليها، وهي أيضاً تنظر إليه لتراه وتتعرف عليه، لعل الله أن يؤدم بينهما ويحدث التوافق النفسي والاتفاق والانسجام والقبول.
4 - يتحدث الشاب إليها ويتبادل معها الرأي، ويتحدث عن نفسه وتطلعاته وأعماله وخططه المستقبلية وموارده الشهرية، وله أن يقول إنني أحب أن تكون زوجتي كذا وكذا، والحديث معها يكون في الحدود الشرعية المنضبطة ليس فيه ابتذال أو كلام يثير الشهوة.
5 - والفتاة أيضاً تتحدث وتسأل عما تحتاج إلى معرفته في حدود الأدب والحياء الذي جبلت عليه.
6 - يمكن قبل الرؤية الشرعية قراءة سلسلة من مقالات الرؤية المشتركة، فإن فيها الجواب الشافي لمن أراد الإقدام على الزواج.
وفق الله الجميع إلى الزوج الصالح والزوجة الصالحة،،،
المصدر موقع الرحمة المهداة www.mohdat.com