التعريف:
أولا: تعريف أهل الذمة في اللغة:
...
الذمة في اللغة تعني:
العهد والأمان والضمان
ثانيا: تعريف أهل الذمة في الاصطلاح :
...
اختلف الفقهاء في تحديد من هم أهل الذمة
فمنهم من ذكر بأنهم اليهود والنصارى.
ومنهم من توسع وذكر أن أهل الذمة
هم المستوطنون في بلاد الإسلام من غير المسلمين.
سبب التسمية :
لأنهم دفعوا الجزية فأمنوا على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم
وأصبحوا في ذمة المسلمين
والجزية
:هي تمثل مقدار زهيد يدفعه أهل الذمة يكفل لهم المسلمون
بمقتضاها الرعاية والحماية من كل اعتداء داخلي وخارجي
وهي تجسد في الحقيقة مواصلة تنفيذ التزامهم بتنفيذ مقتضيات العهد
وانسجامهم ضمن المجتمع الإسلامي.
معاملة المسلمين لأهل الذمة :
في العهد النبوي:
أعطى المسلمون العهود لأهل الذمة في فترات مختلفة
وهي وان لم تكن متحدة في الصيغة إلا أنها متحدة من حيث المضمون.
وبما أن أهل الذمة من أهل دار الإسلام فلهم ما للمسلمين
وعليهم ما على المسلمين فقد أثبتت الصلات
وتأسست على مجموعة من المبادئ والأحكام
التي وضعها الفقهاء مستمدة من كتاب الله وسنة المصطفى
صلى الله عليه وسلم
ذلك قوله :
" من قتل معاهدا له
ذمة الله
وذمة رسوله
حرم الله عليه الجنة".
فقد أرسى المصطفى
حقوق أهل الذمة في الإسلام وبين مالهم وما عليهم
منذ وصوله المدينة بعيد هجرته والمتمثلة في كيفية التعامل مع اليهود
ومن ثم مع النصارى سواء نصارى نجران
أو نصارى الحدود الشمالية للجزيرة العربية.
في العهد الراشدي:
عمل الخلفاء الراشدون على إعطاء أهل الذمة حقوقهم
ومن ذلك الشروط العمرية التي وضعها الفاروق رضى الله عنه
عندما فتح القدس بأن أعطاهم الأمان على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم
مقابل دفع الجزية. والعهدة العمرية
وهي تعتبر وثيقة عالمية يفتخر الإسلام بها
كما أوصى أيضا خليفته من بعده بالعناية بهم
وهذه المعاملة اقتضتها صفة العضوية في الدولة الإسلامية،
ولهذا تحدد مراكز أهل الذمة في التشريع الإسلامي على النحو التالي :
أولا : الحقوق التي يتمتع بها أهل الذمة في الإسلام :
1. الأمان على أنفسهم ، وأموالهم، وأولادهم، وأعراضهم
وممتلكاتهم وحمايتها من الاعتداء الداخلي والخارجي
وهذا واضح منذ عهد الرسولr فقد عاهد نصارى نجران
والفاروق رضى الله عنه
أيضا عاهد نصارى أهل الشام ،واستمر ذلك خلال العصور الإسلامية
المتعاقبة وسنورد مثال من العصر العباسي بأن الخليفة القائم بأمر الله
أصدر عهد لأهل الذمة سنة 467هـ
للجاثليق بن أيوشع يتعهد فيه بتوفير حمايته وأهل نحلته جميعا
فيتكفل الإمام بتأمين حمايتهم وعدم تعرضهم لسب أو أذى
وكثيرا ما كانت قوات الشرطة تقف إلى جانب أهل الذمة
لتحميهم من تجاوز العامة كما حدث سنة 573 هـ
2. يحق لهم إقامة شعائرهم الدينية
3. الاستفادة من الخدمات العامة :
فقد تلقوا العلاج في البيمارستانات كعامة المسلمين ورعوا مواشيهم
وخيلهم في المراعي العامة
4. يحق لهم اللجوء إلى القضاء الإسلامي
إذا تعرض أحدهم للظلم والعدوان
5. يحق لهم الإقامة الدائمة حيث يشاؤون في الدولة الإسلامية باستثناء الحجاز
6. ويحق لهم التنقل في الدولة الإسلامية للتجارة وغيرها
بحرية تامة باستثناء مدينتي مكة والمدينة.
7. يحق لهم ممارسة العمل الذي يريدونه إلا ما كان فيه
مخالفة لأحكام الإسلام كبيع الخنزير والخمر
في الأمصار الإسلامية
أما في المدن والقرى الخاصة بهم
فلهم أن يمارسوا ذلك بحرية تامة.
8. يخضعون إلى قوانينهم الخاصة بهم في جميع جوانب حياتهم
ولا تنطبق عليهم أحكام الإسلام إلا في مادة المعاملات المدنية
والمادة الزجرية كالقتل والزنا أما في المعاملات الأخرى
فتطبق عليهم أحكام شرائعهم
ثانيا الواجبات المفروضة على أهل الذمة :
هناك مجموعة من الواجبات ليست انتقاص لأهل الذمة
وإنما هدفها تحقيق أمن المسلمين وحماية الطرفين
من الضرر ومن تلك الواجبات :
1. أن لا يتعرض أهل الذمة لمسلم في ماله أو دمه أو عرضه
أو يعينوا أهل الحرب أو يؤووا جاسوسا
وأن لا يحملوا السلاح وأن لا يتقلدوا السيوف أو يكتموا غشا للمسلمين
2. أن لا ترفع منازلهم أعلى من منازل المسلمين
حتى لا يشرفوا على منازل المسلمين.
3. على أهل الذمة توقير المسلمين في مجالسهم
وأن لا يمنعوا أحدا من أقربائهم من الدخول في الإسلام إذا أراد
4. يجب عليهم التزام الغيار ويكون بتمييز أهل الذمة من المسلمين في أربعة أشياء:
لباسهم، وشعرهم، وركوبهم، وكناهم
فمثلا اليهود لبسهم العسلي والنصارى
لبسهم الداكن وهذه من عادتهم
وعليهم أن يجزوا شعورهم، ولا يفرقوا نواصيهم
ولا يركبون الخيل ولهم ما سواها
ولا يتكنوا بكنى المسلمين كأبي القاسم
ولهم أن يتكنوا بغيرها
5. يجب عليهم الوفاء بالالتزامات المالية المفروضة عليهم كدفع الجزية
والخراج بالشكل المتفق والمنسجم مع مبادئ الشريعة
ومتطلبات الأراضي الزراعية
ثالثا: مظاهر تسامح المسلمين مع أهل الذمة
في العهد الأموي
ونماذج من معاملة خلفاء بني أمية لهم:
أولا: الجانب الديني:
أ- التسامح الديني:
ضرب الخلفاء الأمويين أروع الأمثلة في التسامح الديني مع أهل الذمة،
أمثلة:
.....
نضرب مثال بمعاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه
فقد كان يزور مقدساتهم المسيحية
وهذا يدل على تقديس تلك المقدسات، والتسامح معهم.
من مظاهر التسامح الأموي أن المسلمين
لم يجبروا أحدا على اعتناق الإسلام بل الإسلام يقنن للحرية الدينية
وإن ما نعم به المسيحيين من تسامح ساعد على ممارستهم شعائرهم الدينية
في أمن وسلام وبالتالي تأخر انتشار الإسلام بينهم .
ب - بناء الكنائس والبيع:
....
انتشرت في أنحاء الدولة الأموية بناء الكنائس
والبيع لممارسة أهل الذمة شعائرهم وطقوسهم الدينية
فلم يتعرض الأمويون لهدم الكنائس والأديرة
حتى في البلاد المفتوحة عنوة مع أن للمسلمين الحق في هدمها
وكانوا نادرا ما يعملون على هدمها ويحولوها لمساجد
إلا أن يكون ذلك في عهد الصلح
كان يشترط المسلمون أخذ بعض الكنائس مساجد
أو استثناء مواقع محددة
في المدن ليقيم عليها المسلمون المساجد طبعا في البلاد المفتوحة صلحا.
بينما لم يسمح المسيحيون ببقاء الوجود الإسلامي في الأندلس
وعملوا على اجتثاثه من جذوره
فنضرب مثالين:
المثال الأول: الخليفة الأموي:
سليمان بن عبد الملك بنى لأمه النصرانية كنيسة تتعبد فيها.
المثال الثاني: الخليفة الأموي:
عمر بن عبد العزيز استمال النصارى بكل السبل
فعوضهم عن كنيسة القديس يوحنا الذي بنى عليها الوليد الجامع الأموي
فيها بكنيسة توما في الغوطة
على الرغم من أنها حولت إلى جامع.
وقد أظهرت الاكتشافات الأثرية في الأردن خاصة في مادبا
بأن المسيحيين واصلوا استحداث الكنائس
ودور العبادة، والدليل وجود النقوش والزخارف الأموية الفسيفسائية
بأرضيتها ككنيسة العذراء مريم.
ج-إشراف الدولة الإسلامية على الشؤون الدينية:
......
بحكم الولاية العامة للمسلمين على غيرهم في دار الإسلام
فقد خضع أهل الذمة للإشراف العام على شؤونهم الدينية
وتمثل ذلك في:
أولا: إشراف الدولة الأموية على أنظمتهم الكنسية:
أشرفت الدولة الأموية على خلافاتهم المذهبية والعقدية
وأنظمتهم الكنسية
مثال ذلك:
احتكم الموارنة واليعاقبة إلى الخليفة معاوية بن أبي سفيان
فأدب اليعاقبة بدفع مبلغ سنويا يقدر 20 ألف دينار
لضمان حماية الدولة لهم من اضطهاد الكنيسة الأرثوكسية.
إشراف الدولة على تعيين البطريرك والأساقفة
فكان تعيين البطريرك يستدعي رضى الخليفة الأموي.
أباحت الدولة لهم الذب عن دينهم والدفاع عن معتقداتهم.
السماح لهم بإقامة محاكم خاصة بهم.
السماح لهم بالاحتفال بأعيادهم الدينية.
ثانيا:
سمحت الدولة الأموية بالحرية الفكرية لأهل الذمة
ونضرب مثالين:
السماح لأهل الذمة بالمشاركة في المجامع الكنسية
التي تعقد في القسطنطينية وغيرها فقد وصل خمسة من نصارى الشام
إلى كرسي البابوية خلال العصر الأموي.
سمحت لهم الدولة بالحرية الفكرية والجدل الديني
فقد بدا الحوار الديني بين المسلمين والنصارى
في صورة حوار شفوي ثم تطورت وأصبحت تصانيف كتابية وأدبية
وهذا له أصل في ديننا إذ يقول تعالى:
)
ولا تجادلوا أهل الكتاب التي بالتي أحسن
(
والمتأمل للتاريخ يجد أن القرن السابع أو الثامن الميلادي
بلغ ذروة الحركات والمذاهب الدينية المسيحية ومع بداية العهد الأموي
اختفت تقريبا الجدليات اللاهوتية في الكنائس
وحلت محلها دراسات فلسفية تاريخية فيولوجية
نضرب مثالين:
§ المثال الأول:
كان مجلس معاوية بن أبي سفيان مسرحا لكثير من المناقشات
بين اليعاقبة والموارنة فمن المناظرات المشهودة تاريخيا مناظرة
بين خالد بين يزيد بن معاوية ويوحنا الدمشقي
وثيدور أبو قرة،وبولس الأنطاكي.
§ المثال الثاني:
نتيجة للحرية الفكرية التي شاعت في العهد الأموي ظهر
يوحنا الدمشقي الذي يعتبر من مفكري عصره المشهودين
بالمناقشات والناظرات
فهو من وضع الأساس للنصارى في مناقشة المسلمين في عقائدهم
فقد اعتمد على الجانب العقلي والديني للعقيدة المسيحية
وهذا نوع من الحرية الفكرية الدينية
في وقت كانت الهيمنة والسلطة فيها للمسلمين.
يتبـــــــــــــــــــع