هل تزعجكم حكاية «الشارك»؟! سمك القرش الذى التهم سائحة ألمانية فقتلها وأصاب ثلاثة آخرين بجراح خطيرة فى شرم الشيخ.. ينظر البعض إلى الحكاية بقلق على السياحة، والبعض يتعجب، والأكثرية بسخرية، كما هى نظرتنا – نحن المصريين – دائماً لكل نواحى حياتنا التى لا نستطيع أن نغيرها.
وكانت وزارة البيئة قد اصطادت «قرش» فى البداية قالوا إنه الجانى، وجمعوا عدسات التليفزيون لتصور فكه المفترس.. لكن اتضح بعد ذلك أنه ليس الفك المفترس المطلوب، وأنه قرش مظلوم.. حيث التهم آخر السائحة الألمانية بعدها بيوم واحد.. عندها خرجت النكات من كل أرجاء المحروسة.. فقالوا إن القرش ظهر أنه مختل عقلياً!! وقالوا إنه ينتمى لـ«الجماعة المحظورة»! وقالوا لو كانت قوات الأمن هى التى اصطادت القرش لكان أرشد عن باقى زملائه فى التنظيم، لكن وزارة البيئة ليست لديها خبرة فى صيد القروش أو «البنى آدمين»!! وهكذا..
وبسرعة جاء خبراء أجانب من الخارج.. من أمريكا.. فنحن خبراء فى الفساد، فى التلوث، فى الانتخابات.. لكن القروش.. هذا أمر جديد علينا..
ماذا قال الخبراء؟.. قالوا إن شيئاً ما غيّر البيئة المحيطة بسمك القرش الذى اعتاد الحياة فى مياه شرم الشيخ.. قد يكون ذلك هو الصيد الجائر.. وهو الصيد غير القانونى الذى يستخدم فيه الصيادون - بالمخالفة للقانون- أنواعا من الطعم تجمع السمك أكثر لكنها تغير البيئة.. وقد يكون السبب هو إلقاء بعض السفن الحيوانات النافقة، والتى يؤدى إلقاؤها فى البحر إلى إثارة القروش.. المهم أن هناك تغيراً فى البيئة.. ألا يثير لديكم ذلك بعض المقاربة؟!
حتى «القرش» فى مصر غاضب.. حتى القرش فى مصر تغير عندما تغيرت بيئته.. أصبح أكثر توحشا وافتراسا.. فقد عرف أن المياه فى هذه البيئة لا ينفعها إلا الوحشية.. أفسده الصيد وغاب القانون الذى يحميه والذى يقنن وجوده.. تماماً كما غاب القانون عنا جميعاً.. هو موجود على الورق.. لكنه لا يطبق.. وإذا طبق فالتطبيق اختيارى.. يتعب القضاة فى مصر أنفسهم ليل نهار فى بحث القضايا وإعلان الأحكام.. أما التطبيق فاختيارى، وأحيلكم إلى آلاف الأحكام فى الانتخابات الماضية..
توحش القرش فى شرم الشيخ.. تماماً كما توحشت الحياة فى مصر.. اختل التوازن البيئى فى مياه البحر الأحمر، تماما كما اختل التوازن البيئى فى حياتنا على أرض المحروسة.. لماذا؟ ببساطة لغياب العدل.. ولأن قلة من البشر قرروا «الاستحواذ» على المكسب والسلطة والتشريع والتنفيذ والرقابة.. هم هم أنفسهم فى كل مكان.. يلبسون هنا قبعة التنفيذ وهنا قبعة التشريع وهنا قبعة البيزنس وهنا قبعة الرقابة.. لكنهم لا يحبون قبعة الشعب لأنها لا تلائمهم..
توحش القرش فى شرم الشيخ.. ولِمَ لا.. فقد توحش كل شىء من حوله.. فأصبح البقاء للأقوى.. هو الآن يأكل السياح.. وبعدها يأكل السياحة.. فيموت أهلها.. وهكذا.. عشرات السنين عشناها مع القرش بلا أذى.. لكنه الآن غيَّر من طباعه وسن أسنانه.
ولن يعود القرش إلى سابق استئناسه إلا إذا عادت بيئته إلى التوازن.. إلا إذا ساد العدل، وعادت دولة القانون.. تحت الماء وفوقه..