وزير الحيض والنفاس !
د. حلمي محمد القاعود
لو كنا في بلد يملك دستورا حقيقيا ، وقانونا فعالا ، وتقاليد راسخة ، لما مر ما قاله أحد الوزراء في ندوة عامة حول الإسلام ، حيث أزرى به ، وانتقص منه ، وأساء إليه بصورة لا تقل بشاعة وشناعة عما فعله الكاهن المتمرد
الذي وصف القرآن الكريم بأنه الذي " قاله محمد ! " ، وزعم أن المسلمين أضافوا إليه آيات بعد وفاة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم !
ما قاله الوزير المذكور كان صدمة مروعة لجمهور المسلمين وعلمائهم فيما أظن ، باستثناء علماء السوء الذين لا يفكرون إلا فيما يدخل جيوبهم وأفواههم ، ولا يخافون الله بقدر ما يخافون السلطان !
ما رأيكم – دام فضلكم – في وزير يعمل في بلد عربي إسلامي تقول المادة الثانية من دستوره : إن الإسلام هو المصدر الثاني للتشريع ، ومع ذلك يقول الوزير الموقر على الملأ وفي جمهور من الناس أغلبه من أهل المعرفة والثقافة : إن الشريعة الإسلامية يجب ألا تطبق إلا في أحكام الحيض والنفاس والجنائز ، وألا تتدخل في السياسة والاقتصاد وحياة المجتمع ، لأن تجاوز الحيض والنفاس والجنائز من خصائص الدولة الدينية التي يرفض معالي الوزير ونظامه أن يكون لها وجود على أرض مصر ، حتى لو كانت الأغلبية الإسلامية مسلمة فلا يعني ذلك في مفهوم الوزير ونظامه أن تحكم الشريعة الإسلامية !
وبداية أود أن أشير إلى أن الحيض والنفاس والجنائز في مفهوم الإسلام رقي بالإنسان الذي كرمه ليكون في أفضل وضع من حيث النظافة والطهارة ، حتى وهو ميت ، فإن تكريم الإنسان يقتضي في المفهوم الإسلامي أن يوضع تحت التراب ، وهو نظيف نقي ، مع أن جسمه يبلى عادة ويذوب مع ذرات الرمال.
إن الإسلام يعلم الدنيا حضارة النظافة والطهارة تكريما للبشر في الدنيا والآخرة على السواء ، وتنقية للأنساب والأعراق من الاختلاط والتشويش، فالرجل لا يقرب زوجه في مرحلة الحيض بما فيها من تغيرات قد تفسد حياته الاجتماعية ، أو تؤثر على وضعه الصحي ، و، الأمر كذلك بالنسبة للنفاس حيث لا بد أن تتطهر المرأة ، وأن تتم على اثر ذلك علاقات وحسابات خاصة بالحضانة والعدة وغير ذلك ، مما يترتب عليه تحديد قضايا أخرى مثل الميراث ، والزواج مرة أخرى بعد موت الزواج الأول .. وهكذا .. فالوزير الذي يسخر من الشريعة ويربطها بالحيض والنفاس يتناسى تفوق الحضارة الإسلامية في الإعلاء من شأن النظافة والطهارة ، والحفاظ على الصحة البدنية ، وتكريم الإنسان ، وهو يطوى تحت التراب ..
وربما يعلم الوزير أن هناك ثقافات أخرى تكره النظافة والطهارة بكل دلالاتها ، وبعض هذه الثقافات لا يخجل حين يرى أن القذارة أو عدم الاغتسال دليل على الزهد وكراهية الدنيا ، والطاعة لإلهم المعبود لدرجة أن يترحموا على بعض موتاهم ، فيقولون : رحم الله فلانا لم يغسل رجله قط . كناية عن عدم نظافته وطهارته !
وإذا كان الوزير خائفا مما يسمى الدولة الدينية ، فإن الإسلام هو أول من أرسى دعائم الدولة المدنية في العالم ، لأن دولة الإسلام لا تملك الحرمان والغفران ، ولا إدخال الجنة أو الإلقاء في الجحيم ، أنها تضع المسئولية على عاتق صاحبها ، والله وحده هو الذي يحاسبه ، ولا يجوز لمسلم أن يكفر مسلما ، أو يتألى على الله فيحكم بقبول هذا ورفض ذاك ، والدولة الإسلامية لا تعرف ما يسمى برجال الدين ، الذين يتحكمون في أقدار البلاد والعباد ، الدولة الإسلامية تحتضن علماء الدين الذي لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا أمام الله ، و لا ينجيهم الانتماء إلى طائفة علماء الدين من الحساب في الدنيا والآخرة مثلهم مثل بقية الناس .
الدولة الدينية قرينة التخلف في العصور الوسطى الأوربية ، وليس العصور الوسطى الإسلامية ، فهذه تختلف عن تلك .. في أوربة كان الكهنة يحكمون الدنيا والآخرة والدين والدولة ، ويخضع لمشيئتهم الأمير والغفير ، فحرموا من شاءوا ، وغفروا لمن شاءوا ، وضيقوا على الناس أبواب الأمل ، فكان شعار الثورة الفرنسية الشهير : " اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس !".
وأيضا فالإسلام لا يعرف الدولة البوليسية الفاشية التي يتمتع حكامها بسلطات مطلقة تفوق سلطات رجال الدين في الدولة الكهنوتية ، ويملكون المنع والمنح ، والحرية والعبودية ، ولا يسألهم أحد عما يفعلون ، وإلا فالويل له ولكل من ينتسب إليه حتى الحفيد العاشر!
الدولة الإسلامية في العصور الوسطي ، كانت تترجم ما لدى العالم ، وكان خلفاؤها يحاجون الملاحدة والزنادقة وأصحاب الديانات الأخرى ، دون أن يكون لهم سلطان على أحد كي يعتنق الإسلام أو لا يعتنقه ..
ثم إن الدولة الإسلامية مذ نشأت وهي تتحرى الحرية والعدل والمساواة وكرامة أفرادها أيا كانت ملتهم أو جنسيتهم أو مذهبهم أو طبقتهم ، ولم يسعد اليهود والنصارى إلا في ظل الدولة الإسلامية ، على العكس ، فقد عانى المسلمون الويلات تحت حكم محاكم التفتيش الصليبية في الأندلس ، وأزهقت مئات الألوف من أرواحهم ، واستعبد من ارتد عن دينه وتنصر ، لأنهم عدوه نجسا ، يجب حرقه أو استعباده في أفضل الأحوال . ويعاني المسلمون اليوم تحت حكم اليهود في فلسطين المحتلة ، والجولان ، وأجزاء من لبنان ، كما عاني المصريون من قبل في سيناء ومدن القناة التي كانت تدكها المدافع والطائرات اليهودية ؛ دون أن تضع في حسبانها مدنيين أو غيرهم .
الذي يجب أن يعرفه معالي الوزير أن الإسلام دين عام شامل يحكم حياة المسلم العامة الخاصة ، ويوجه ضميره في كل حركاته وسكناته ، لذا فهو سياسة واقتصاد واجتماع وعلاقات خارجية ودفاع عن البلاد والعباد ، وإقامة العدل بين الرعية على اختلاف أفرادها ، وتنوع طبقاتها ، والنبي الكريم هو القائل : " والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ،لقطع محمد يدها " وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنما اهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه " . .
ويبدو أن البعض يتوتر ويصاب بالحساسية حين يطالبه الناس بتطبيق الشريعة ، لأن ذلك يعني في جانب من جوانبه مواجهة الفساد الذي وصل إلى الركب ، بل إلى الأعناق والرءوس ، وسيقف حائلا دون السرقة والنهب ، وخاصة فيما يتعلق بالمال العام .
كنت أتمنى من بعض النخب ، وخاصة سلالة التنظيم الطليعي التي عاثت في الأرض فسادا ، ودمرت التعليم والإعلام والثقافة والسياسة والعدالة على مدى عقود ، أن تنظر حولها ، وخاصة ناحية الشرق لتري كيانا إجراميا غاصبا ، لا يخجل من دينه الذي يعده هوية وقومية وجنسية ، ويطالب العرب الأذلاء أن يعترفوا بكيانه اليهودي أولا قبل أن يمنحهم السلام ، ويتفضل بالموافقة على الوقوف عند الحدود الفلسطينية سابقا ، بل إن زعماءه وفي حضور الزعماء العرب لا يخجلون من قراءة آيات التوراة في خطابتهم العامة التي يشاهدها العالم ، ويرفضون إجراء مفاوضات إذلال العرب واستسلامهم أيام السبت والأعياد اليهودية ، ويصرون أن يأكلوا لحما حلالا بمفهومهم ( الكوشير ) في كل مكان يحلون به ولو كان من بلاد العرب الذليلة !
تمنيت من سلالة التنظيم الطليعي أن تكف عن خدمة الاستبداد ومحاربة الإسلام ، لأن هذه السلالة لم تستطع أن تطبق القانون على زعيم التمرد الذي صدر القانون يلزمه بعقد الزواج الثاني فسخر من الدولة التي أصدرت القانون ، وأزري بها ،وقال قولته الشهيرة : الإنجيل قبل الدستور والقانون ، مع أن الإنجيل الذي يقصده هو تفسيره الشخصي للإنجيل ، ولكن بعضهم يصر أن يقرن الإسلام بالحيض والنفاس والجنائز ، ويظن أن ذلك عار ينبغي على المسلمين التخلص منه ، ولكنه مفخرة كما قلت في البداية .
إن الذي تتجاهله بعض النخب ، وخاصة سلالة التنظيم الطليعي ، أن مصر العربية المسلمة ، لن تتخلى عن إسلامها ، ولو كانت الدنيا كلها ضدها . صحيح أن الغرب الاستعماري الصليبي بقيادة الولايات المتحدة لا يريد لمصر أن تعود إلى إسلامها حتى لا تفكر في الاستقلال ، ورفض التبعية ، ولا يريد لمصر أن تعود إلى إسلامها حتى لا يسود العدل بين بنيها وأفرادها ، وحتى لا تعمل وتنبني وتنتج وتتقدم ، وتتمتع قبل ذلك وبعده بحق الكرامة والمشاركة في صناعة قرارها ومستقبلها ، وصحيح أيضا أن من يعدوننا ضيوفا في بلادنا يمنعون السلطة من الاستجابة لإرادة الشعب في التحاكم إلى الشريعة الإسلامية وتطبيقها ، مع أنهم أول من يستنجد بها حين يريدون الهروب من القانون الوضعي . صحيح أن النخب العميلة للغرب الاستعماري والصهيونية ، ترفض الإسلام وتطبيقه في الحياة العامة حتى لا تأخذ مصر زمام المبادرة وتتصدى للهيمنة والاحتواء والنازية اليهودية .. ولكنهم جميعا يتناسون أن الشعب المصري يتعرض لعملية استئصال الإسلام على مدى قرنين من الزمان ، دون أن يتخلى عن إسلامه بل إنه يفاجئ المجرمين بأنه يعود إلى إسلامه ، ولو من خلال النقاب ورنات المحمول الإسلامية (!) حتى يأذن الله ويعود إلى إسلامه الحقيقي فيبهر الدنيا بخلقه وسلوكه وإنتاجه والتزامه وتضحياته من أجل الحرية والكرامة والاستقلال .
لقد حاول وزير الحيض والنفاس فيما بعد ؛ أن يخفف من وقع تصريحاته الصادمة بالحديث عن القوانين التي تصدر متوافقة مع الشريعة الإسلامية ، أو لا تختلف معها ، وهذا حسن ، واعتراف بأن الشريعة ليست الحيض والنفاس والجنائز فحسب، ولكنها امتداد الحياة كلها ، وهذا ما ينبغي أن يقوله صراحة لأبناء الدائرة التي رشح نفسه فيها ليكون نائبا عن الأمة الإسلامية، ورئيسا لمجلسها النيابي كما يتوقع، وليسأل أهل الدائرة: إن كانوا يوافقون على أن الإسلام حيض ونفاس وجنائز، أم إنه حياة كاملة ممتدة بامتداد الكون في الدنيا والآخرة؟!
د. حلمي محمد القاعود
لو كنا في بلد يملك دستورا حقيقيا ، وقانونا فعالا ، وتقاليد راسخة ، لما مر ما قاله أحد الوزراء في ندوة عامة حول الإسلام ، حيث أزرى به ، وانتقص منه ، وأساء إليه بصورة لا تقل بشاعة وشناعة عما فعله الكاهن المتمرد
الذي وصف القرآن الكريم بأنه الذي " قاله محمد ! " ، وزعم أن المسلمين أضافوا إليه آيات بعد وفاة الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم !
ما قاله الوزير المذكور كان صدمة مروعة لجمهور المسلمين وعلمائهم فيما أظن ، باستثناء علماء السوء الذين لا يفكرون إلا فيما يدخل جيوبهم وأفواههم ، ولا يخافون الله بقدر ما يخافون السلطان !
ما رأيكم – دام فضلكم – في وزير يعمل في بلد عربي إسلامي تقول المادة الثانية من دستوره : إن الإسلام هو المصدر الثاني للتشريع ، ومع ذلك يقول الوزير الموقر على الملأ وفي جمهور من الناس أغلبه من أهل المعرفة والثقافة : إن الشريعة الإسلامية يجب ألا تطبق إلا في أحكام الحيض والنفاس والجنائز ، وألا تتدخل في السياسة والاقتصاد وحياة المجتمع ، لأن تجاوز الحيض والنفاس والجنائز من خصائص الدولة الدينية التي يرفض معالي الوزير ونظامه أن يكون لها وجود على أرض مصر ، حتى لو كانت الأغلبية الإسلامية مسلمة فلا يعني ذلك في مفهوم الوزير ونظامه أن تحكم الشريعة الإسلامية !
وبداية أود أن أشير إلى أن الحيض والنفاس والجنائز في مفهوم الإسلام رقي بالإنسان الذي كرمه ليكون في أفضل وضع من حيث النظافة والطهارة ، حتى وهو ميت ، فإن تكريم الإنسان يقتضي في المفهوم الإسلامي أن يوضع تحت التراب ، وهو نظيف نقي ، مع أن جسمه يبلى عادة ويذوب مع ذرات الرمال.
إن الإسلام يعلم الدنيا حضارة النظافة والطهارة تكريما للبشر في الدنيا والآخرة على السواء ، وتنقية للأنساب والأعراق من الاختلاط والتشويش، فالرجل لا يقرب زوجه في مرحلة الحيض بما فيها من تغيرات قد تفسد حياته الاجتماعية ، أو تؤثر على وضعه الصحي ، و، الأمر كذلك بالنسبة للنفاس حيث لا بد أن تتطهر المرأة ، وأن تتم على اثر ذلك علاقات وحسابات خاصة بالحضانة والعدة وغير ذلك ، مما يترتب عليه تحديد قضايا أخرى مثل الميراث ، والزواج مرة أخرى بعد موت الزواج الأول .. وهكذا .. فالوزير الذي يسخر من الشريعة ويربطها بالحيض والنفاس يتناسى تفوق الحضارة الإسلامية في الإعلاء من شأن النظافة والطهارة ، والحفاظ على الصحة البدنية ، وتكريم الإنسان ، وهو يطوى تحت التراب ..
وربما يعلم الوزير أن هناك ثقافات أخرى تكره النظافة والطهارة بكل دلالاتها ، وبعض هذه الثقافات لا يخجل حين يرى أن القذارة أو عدم الاغتسال دليل على الزهد وكراهية الدنيا ، والطاعة لإلهم المعبود لدرجة أن يترحموا على بعض موتاهم ، فيقولون : رحم الله فلانا لم يغسل رجله قط . كناية عن عدم نظافته وطهارته !
وإذا كان الوزير خائفا مما يسمى الدولة الدينية ، فإن الإسلام هو أول من أرسى دعائم الدولة المدنية في العالم ، لأن دولة الإسلام لا تملك الحرمان والغفران ، ولا إدخال الجنة أو الإلقاء في الجحيم ، أنها تضع المسئولية على عاتق صاحبها ، والله وحده هو الذي يحاسبه ، ولا يجوز لمسلم أن يكفر مسلما ، أو يتألى على الله فيحكم بقبول هذا ورفض ذاك ، والدولة الإسلامية لا تعرف ما يسمى برجال الدين ، الذين يتحكمون في أقدار البلاد والعباد ، الدولة الإسلامية تحتضن علماء الدين الذي لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا أمام الله ، و لا ينجيهم الانتماء إلى طائفة علماء الدين من الحساب في الدنيا والآخرة مثلهم مثل بقية الناس .
الدولة الدينية قرينة التخلف في العصور الوسطى الأوربية ، وليس العصور الوسطى الإسلامية ، فهذه تختلف عن تلك .. في أوربة كان الكهنة يحكمون الدنيا والآخرة والدين والدولة ، ويخضع لمشيئتهم الأمير والغفير ، فحرموا من شاءوا ، وغفروا لمن شاءوا ، وضيقوا على الناس أبواب الأمل ، فكان شعار الثورة الفرنسية الشهير : " اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس !".
وأيضا فالإسلام لا يعرف الدولة البوليسية الفاشية التي يتمتع حكامها بسلطات مطلقة تفوق سلطات رجال الدين في الدولة الكهنوتية ، ويملكون المنع والمنح ، والحرية والعبودية ، ولا يسألهم أحد عما يفعلون ، وإلا فالويل له ولكل من ينتسب إليه حتى الحفيد العاشر!
الدولة الإسلامية في العصور الوسطي ، كانت تترجم ما لدى العالم ، وكان خلفاؤها يحاجون الملاحدة والزنادقة وأصحاب الديانات الأخرى ، دون أن يكون لهم سلطان على أحد كي يعتنق الإسلام أو لا يعتنقه ..
ثم إن الدولة الإسلامية مذ نشأت وهي تتحرى الحرية والعدل والمساواة وكرامة أفرادها أيا كانت ملتهم أو جنسيتهم أو مذهبهم أو طبقتهم ، ولم يسعد اليهود والنصارى إلا في ظل الدولة الإسلامية ، على العكس ، فقد عانى المسلمون الويلات تحت حكم محاكم التفتيش الصليبية في الأندلس ، وأزهقت مئات الألوف من أرواحهم ، واستعبد من ارتد عن دينه وتنصر ، لأنهم عدوه نجسا ، يجب حرقه أو استعباده في أفضل الأحوال . ويعاني المسلمون اليوم تحت حكم اليهود في فلسطين المحتلة ، والجولان ، وأجزاء من لبنان ، كما عاني المصريون من قبل في سيناء ومدن القناة التي كانت تدكها المدافع والطائرات اليهودية ؛ دون أن تضع في حسبانها مدنيين أو غيرهم .
الذي يجب أن يعرفه معالي الوزير أن الإسلام دين عام شامل يحكم حياة المسلم العامة الخاصة ، ويوجه ضميره في كل حركاته وسكناته ، لذا فهو سياسة واقتصاد واجتماع وعلاقات خارجية ودفاع عن البلاد والعباد ، وإقامة العدل بين الرعية على اختلاف أفرادها ، وتنوع طبقاتها ، والنبي الكريم هو القائل : " والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ،لقطع محمد يدها " وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنما اهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه " . .
ويبدو أن البعض يتوتر ويصاب بالحساسية حين يطالبه الناس بتطبيق الشريعة ، لأن ذلك يعني في جانب من جوانبه مواجهة الفساد الذي وصل إلى الركب ، بل إلى الأعناق والرءوس ، وسيقف حائلا دون السرقة والنهب ، وخاصة فيما يتعلق بالمال العام .
كنت أتمنى من بعض النخب ، وخاصة سلالة التنظيم الطليعي التي عاثت في الأرض فسادا ، ودمرت التعليم والإعلام والثقافة والسياسة والعدالة على مدى عقود ، أن تنظر حولها ، وخاصة ناحية الشرق لتري كيانا إجراميا غاصبا ، لا يخجل من دينه الذي يعده هوية وقومية وجنسية ، ويطالب العرب الأذلاء أن يعترفوا بكيانه اليهودي أولا قبل أن يمنحهم السلام ، ويتفضل بالموافقة على الوقوف عند الحدود الفلسطينية سابقا ، بل إن زعماءه وفي حضور الزعماء العرب لا يخجلون من قراءة آيات التوراة في خطابتهم العامة التي يشاهدها العالم ، ويرفضون إجراء مفاوضات إذلال العرب واستسلامهم أيام السبت والأعياد اليهودية ، ويصرون أن يأكلوا لحما حلالا بمفهومهم ( الكوشير ) في كل مكان يحلون به ولو كان من بلاد العرب الذليلة !
تمنيت من سلالة التنظيم الطليعي أن تكف عن خدمة الاستبداد ومحاربة الإسلام ، لأن هذه السلالة لم تستطع أن تطبق القانون على زعيم التمرد الذي صدر القانون يلزمه بعقد الزواج الثاني فسخر من الدولة التي أصدرت القانون ، وأزري بها ،وقال قولته الشهيرة : الإنجيل قبل الدستور والقانون ، مع أن الإنجيل الذي يقصده هو تفسيره الشخصي للإنجيل ، ولكن بعضهم يصر أن يقرن الإسلام بالحيض والنفاس والجنائز ، ويظن أن ذلك عار ينبغي على المسلمين التخلص منه ، ولكنه مفخرة كما قلت في البداية .
إن الذي تتجاهله بعض النخب ، وخاصة سلالة التنظيم الطليعي ، أن مصر العربية المسلمة ، لن تتخلى عن إسلامها ، ولو كانت الدنيا كلها ضدها . صحيح أن الغرب الاستعماري الصليبي بقيادة الولايات المتحدة لا يريد لمصر أن تعود إلى إسلامها حتى لا تفكر في الاستقلال ، ورفض التبعية ، ولا يريد لمصر أن تعود إلى إسلامها حتى لا يسود العدل بين بنيها وأفرادها ، وحتى لا تعمل وتنبني وتنتج وتتقدم ، وتتمتع قبل ذلك وبعده بحق الكرامة والمشاركة في صناعة قرارها ومستقبلها ، وصحيح أيضا أن من يعدوننا ضيوفا في بلادنا يمنعون السلطة من الاستجابة لإرادة الشعب في التحاكم إلى الشريعة الإسلامية وتطبيقها ، مع أنهم أول من يستنجد بها حين يريدون الهروب من القانون الوضعي . صحيح أن النخب العميلة للغرب الاستعماري والصهيونية ، ترفض الإسلام وتطبيقه في الحياة العامة حتى لا تأخذ مصر زمام المبادرة وتتصدى للهيمنة والاحتواء والنازية اليهودية .. ولكنهم جميعا يتناسون أن الشعب المصري يتعرض لعملية استئصال الإسلام على مدى قرنين من الزمان ، دون أن يتخلى عن إسلامه بل إنه يفاجئ المجرمين بأنه يعود إلى إسلامه ، ولو من خلال النقاب ورنات المحمول الإسلامية (!) حتى يأذن الله ويعود إلى إسلامه الحقيقي فيبهر الدنيا بخلقه وسلوكه وإنتاجه والتزامه وتضحياته من أجل الحرية والكرامة والاستقلال .
لقد حاول وزير الحيض والنفاس فيما بعد ؛ أن يخفف من وقع تصريحاته الصادمة بالحديث عن القوانين التي تصدر متوافقة مع الشريعة الإسلامية ، أو لا تختلف معها ، وهذا حسن ، واعتراف بأن الشريعة ليست الحيض والنفاس والجنائز فحسب، ولكنها امتداد الحياة كلها ، وهذا ما ينبغي أن يقوله صراحة لأبناء الدائرة التي رشح نفسه فيها ليكون نائبا عن الأمة الإسلامية، ورئيسا لمجلسها النيابي كما يتوقع، وليسأل أهل الدائرة: إن كانوا يوافقون على أن الإسلام حيض ونفاس وجنائز، أم إنه حياة كاملة ممتدة بامتداد الكون في الدنيا والآخرة؟!