صادف وجودي في إسبانيا احتفالات الفلانتين.. اكتشفت أن إحنا في مصر بنحتفل بعيد الحب ده أكتر من الأوروبيين بكتير.. اللي ماشفت وردة حمرة في إيد واحد أو واحدة.. واضح إن الحب عند الناس دي في القلب
أمي الحبيبة.. تحية طيبة وبعد.. أرسل لك خطابي هذا من خارج حدودك الدافئة.. أرسل لك خطابي هذا من إسبانيا.. من برشلونة تحديدا.. ودي أول مرة في حياتي آجي هنا.. وأحب أطمنك إني كويس، وصحتي كويسة، وكل حاجة حلوة حواليا.. ماعدا الظروف اللي باكتب لك فيها الجواب ده.. الجو هنا برد جدا جدا.. وأنا قاعد دلوقتي علي إحدي القهاوي الإسبانية البرشلونية.. قصدي الكافيهات الإسبانية.. أصلهم هنا ماعندهمش قهاوي، وتقريبا أنا المجنون الوحيد اللي قاعد برة الكافيه مش جوه.. ومكلفت نفسي ولابس تلتميت حاجة.. أهمهم طبعا الكلسون الصوف المصري الصعيدي الأصيل، اللي بيحمي من برد بلاد بره.. ده غير الفانلة الحملات وغير الحملات، والبلوفر والجاكت والكوفية والشراب الصوف التقيل اللي مخلي الجزمة ضيقة علي رجلي.. بس أعمل إيه.. لو ماعملتش كده، هانشف من البرد، وطبعا لا غني عن الجوانتي اللي اضطريت للأسف أقلعه علشان أعرف أكتب علي اللاب توب.. وكل ما أكتب كلمتين تلاتة ألبسه شوية علشان أرجع أدفي إيدي قبل ما صوابعي تقع من البرد، وأرجع أقلعه تاني عشان أكمل كتابة.. لحد ما هايجيلي انفصام في الشخصية.. ده غير صراعي مع بطارية اللاب توب اللي فاضلها نص ساعة وتخلص.. أصلي نسيت أشحنها قبل ما أنزل من الفندق.. عشان كده مضطر أفكر بسرعة في اللي هاكتبه.. لأن المفروض أبعت الجواب ده بالكتير دلوقتي حالا عن طريق الإنترنت من خلال الإيميل.. ولو سألتيني: ليه ما احترمتش نفسي وحميتها من البرد الرهيب ده، وقعدت أكتب في الفندق، هاتكون إجابتي: مش عارف.. أنا قلت أجرب وأنزل اكتب في الشارع.. صحيح جنبي دفاية.. بس الحقيقة بتدفي نفسها.. مش عاملة أي حاجة خالص.. جايز اللي مصبرني علي البرد إني باكتب الجواب ده.. الناس قدامي رايحة جاية.. اللي شايل شنطة، واللي ماسك في إيده عيل، واللي ساحب وراه كلـب ، وكلهم متكلفتين زيي.. فنجان القهوة بيبرد قبل ما الجرسون يحطه قدامي.
أمي الحبيبة.. أحب أقولك إني شفت حاجات كتير هنا شبه اللي عندنا.. شفت بيوت وعمارات علي الطراز الإسلامي والعربي.. أكلت أكلة عبارة عن طبق كده فيه شوية رز علي جمبري علي سمك علي شوية حاجات مش مفهومه، وكلها معجونة في قلب بعض وجوه بعض.. شكلها يقرف.. بس طعمها حلو قوي.. الأكلة دي اسمها «باييا»، ولما سألت عن سر الاسم، قالولي إنه اسم عربي بمعني «البقية»، والسبب في تسمية الأكلة بالاسم ده، أنه مقصود بيها بواقي الأكل، وبعد ما اطمنت إنه مش بواقي أكل حد تاني من اللي قاعدين جنبي في المطعم، كملت أكل.. ثانية واحدة، هاطلب قهوة تاني بدل اللي بردت.. «مرت خمس دقايق».. معلش اتأخرت، أصل التفاهم كان صعب شوية مع الجرسون.. باحاول أفهمه أنا عايز إيه، وهو مش فاهم، فكان الحل إني أشاورله علي الفنجان اللي برد، وأقوله: واحد تاني.. بلغة الخرس، و فهم، وراح يجيب قهوة تانية.. واضح أنه أخرس.. عايز أقولك إنه بالرغم من إن الجو برد جدا، لكن الهوا نضيف ونقي لدرجة إني جالي حساسية من الأكسجين النضيف.. كمان في حاجة مضايقاني شوية لقيتها في الفندق، وأنا باقلب في قنوات التليفزيون إمبارح قبل ما أنام.. مالقيتش ولا قناة عربية.. مش عارف ليه! مع إن قناة الجزيرة القطرية موجودة.. شكيت إن قطر مش دولة عربية، بس اتأكدت لما لقيت المذيع بيتكلم عربي زينا.. مش عارف ليه قنواتنا العربية مش موجودة في إسبانيا.. شفت كمان حاجة غريبة جدا.. عارفة شفت إيه! شفت عجل كتير مركون علي الرصيف.. كله شكل واحد، ومقفول بقفل كده من عند الجادون.. وطبعا سألت: إيه العجل ده وبتاع مين؟ قالولي إن العجل ده بتاع الحكومة.. عاملاه للمواطنين باشتراك سنوي أربعين يورو في السنة.. يعني حوالي تلاته يورو ونص في الشهر.. وفايدة العجل ده إن أي واحد مشترك فيه، يحط الكارت بتاعه والقفل يتفتح، وياخد العجلة يروح بيها مشواره، وبعدين يركنها في أقرب موقف للعجل جنبه.. وطبعا العجل ده في كل شارع من شوارع برشلونة، والمشروع ده الحكومة عملته عشان تقلل من كمية التلوث اللي مش موجود أصلا! الغريب بقي يا أمي إن محدش بيسرق العجل.. ماحدش فكر ياخد عجلة ويأجرها أو يفككها ويبيعها في وكالة البلح بتاعة إسبانيا.. لفت نظري كمان إن الناس كلها بتمشي بسرعة.. حتي اللي بيتمشوا بيمشوا بسرعة.. الناس هنا بتقدر الوقت، وكأنه أهم من الأكل والشرب.. ثانية واحدة عشان القهوجي.. قصدي الجرسون جايب القهوة وجاي.. «مرت خمس دقايق».. معلش اتأخرت.. أصل الجرسون جاب القهوة باللبن، وأنا طلبتها من غير لبن.. وطبعا هاشربها باللبن لأن مستحيل يفهم.. ده فهم إني عايز قهوة بالعافية.. المهم.. صادف وجودي هنا احتفالات الفلانتين.. عيد الحب.. اكتشفت إن إحنا في مصر بنحتفل بعيد الحب ده أكتر من الأوروبيين بكتير.. اللي ماشفت وردة واحدة حمرة في إيد واحد أو واحدة.. واضح إن الحب عند الناس دي في القلب مش في الورد الأحمر والهدوم الحمرة بس. أمي الحبيبة.. باركيلي أنا ماشي علي الرصيف.. أنا مش شايف زبالة.. أنا باعدي الشارع من علي خطوط المشاة.. أنا بردان.. بس مش مهم.. أمي الحبيبة أنا مش فاهم الناس، ولا الناس فاهمني بس مبسوط.. أمي الحبيبة كان نفسي تكوني معايا عشان تشوفي وتتفرجي بنفسك.. لو كان ينفع أجيب الحاجات الحلوة اللي هنا معايا عندك، كنت جبتها.. بس مش هاينفع، عشان دي حاجاتهم مش حاجاتنا.. بتاعتهم مش بتاعتنا.. بس لما أرجع، ممكن أحكيلك عن كل اللي شفته، وأفرجك كل الصور اللي صورتها.. هافرجك صور الشوارع والبيوت النضيفة.. هاصورلك صورة للسما والسحاب عشان تشوفي الجو هنا عامل إزاي.. هاصورلك ضحكة الجرسون اللي طلعت عينه، ومش متضايق مني.. هاصورلك ناس جايز يكونوا مش مؤمنين خالص.. بس مؤمنين جدا.. هاصورلك نفسي.. ومتستغربيش لو لقيتي شكلي مختلف عنهم.. لأني هابقي متضايق ومتحسر ومغلول.. لأني هابقي أناني وباقول إشمعني هما.. أمي الحبيبة.. وحشتيني بالرغم من إني مابقليش أسبوع هنا.. أمي الحبيبة.. بحبك أكتر من أمريكا وإسبانيا وفرنسا وانجلترا والصين واليابان وكل بلاد الدنيا.. أمي الحبيبة.. نفسي أسألك سؤال حتي لو معندكيش جواب.. بس هاسأله.. هو ليه الحلو مبيكملش يا أمي.. هو ليه إحنا عندنا بنلاقي العضم في الكرشة.. الناس هنا عاديين زينا.. عندهم إيدين ورجلين وعنين ومناخير ومخ، وبياكلوا وبيشربوا زينا، وبالرغم من كده.. حاسس إنهم مختلفين عننا.. أمي الحبيبة.. البطارية خلاص خلصت