]font= Andalus]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه أجمعين
هذه قصيدة : دموع على أستار الكعبة
كتبها في مكة والمدينة : الشيخ أبو المعاطي ، عام 1414هجرية.
كتب هذه القصيدة ذات مرة عندما كان بعض أصحابه ذاهبين إلى الحج
وكان يودعهم ، وفجأه يقول :
يا راحلين خذوا نفسي تودعكم ***ثم اتركوني قليلا أنتشي معكم
فأنا المحبُّ وقد بعدت حبيبته ***فلترحموني عسى الرحمن يرحمكم
قد مزق الشوقُ أحشائي ومزقني ***فلتسألوا البيت كم أحببت يخبركم
وكم تساقط دمعي وَالِهًا لهفا ***واليوم سرتم وسار القلب يتبعكم
يبكي وليس البكا حزنا على ذهبٍ ***أو أن ليلى مع العير التي معكم
بل دمعه . عشقه. قد صار في حجرٍ ***أحلى من الشهد إن ذاق الهوى فمكم
في جانب البيت عند الباب موقعه ***فلتسرعوا المشي قلبي سوف يسبقكم
فلتذهب الآن ليلى نحو مغربها ***أو ترحل اليوم سُعدى فالحنين لكم
فلقد تركت هناك القلب معتكفاً ***والنفس صارت تنادى اليوم صحبتكم
فإذا لقيتم غريباً فى منىً وَِلهاً *** عند الجمار فلا ترموه جمرتكم
يبكي على عمره قد ضاع مغترباً***فلتعذروه فإن الله يعذركم
*.*.**.*..**.*.*.*.*.*.*.*.*.*.
*.*.*.*.*.
..**.
وهذه كتبها ، وهم في أيام الحج :
دموعٌ على أستار الكعبة ...
يا مَنْ أتاه الناسُ كي يتطهروا ***وأتيتُ فيهم كي أعودَ مُطَهَّرا
لكنني دون العبادِ جَميعِهِم *** ذنبي عظيمٌ قد يَنُوءُ به الورى
فَطَمِعتُ فيكَ وجئتُ بيتك ضارعًا ***مُتضرعًا والعيبُ مني قد جرى
ناديتُ يا ألله فاقبل توبتي ***هَذِيْ صحيفةُ مَنْ تَجَنَّى وافترى
وخلعتُ ثوبيَ والحياةَ وما بها ***ولبستُ ثوبَ الفقرِ أشعثَ أغبرَا
أنا ما أتيتكُ بالصلاة فليس لي ***علمٌ ولا عملً ولا ما أذْكُرا
بل جئتُ بابكَ يا رحيمُ بِذَلَّتِي ***وبُكل هذا الدمعِ يجري أَنْهُرا
لبيك يا ألله فاقبلها إذًا ***مِنْ عائبٍ قد عابَ ثم استغفرا
وخطوتُ نحو البيتِ يسبقني فمي ***لِيُقَبِّلَ الحجرَ العتيقَ الأَنْورا
فلثمتُه وشفعتُها وأعدتُّها ***وكتبتُ في سِفر المحبة أسْطُرا
وبدأتُ أسعى حوله متثاقلاً ***فمعي ذنوبُ المشرقين وما ورا
فإذا رَمَلْتُ . أقضًّ ذنبي كاهلي *** وإذا مشيتُ . فَمَنْ سِوايَ مُقَصِّرا
يا وحشتي ، لا شيءَ أحمِلُه معي ***غيرَ الذي كتب الملاكُ وسَطَّرا
يا ربُّ ، إني قد أتيتكُ راكعًا ***عند المقام ، مُسَبِّحًا ومُكَبِّرا
فاغفر ذنوبًا لا يضُرُّك حَجْمُها ***واسْتُرْ على عبدٍ رجاك لِتَسْتُرا
يا ماءَ زمزم ، هل ستغسِلُ عاصيًا*** بالأمس عاش على الخطيئةِ وامترا
واليومَ قد جاء الكريمَ بذنبه ***يرجو من الرحمان عفوًا ظاهرا
وأنختُ رحلي عند أحجار الصفا *** والرَّحلُ فيه من المعاصي ما ترى
وهناك ألقيتُ الذنوبَ على الحصى ***فإذا ذنوبي تعتليه وأكثرا
فسعيتُ نحو الْمَرْوِ أبكي حالتي ***والكل يَسعى ضاحكًا مُسْتَبْشِرا
ورملتُ في بطن المسيل تأسيًا ***ودعوتُ مَنْ جعل الكتابَ بَصَائرا
فقضيتُ سبعًا ، والرجاءُ بخالقي ***أن يستر الذنبَ العظيمَ ويغفرا
يا راحلين إلى منًى . هذي منى ***هذي الجبالُ ، وتلك سُنَّةَ مَنْ سَرَى
صَلُّوا بها خمسًا كما فعل الذي ***قد جاءكم بالنورِ حتى أزهرا
فإذا قضيتَ الفجرَ فيها فانتظر ***حتى الشروق لكي تَهُبَّ مُغَادِرا
وازحفْ مع الجمع العظيم ملبيًا ***واجمعْ من العرفاتِ خيرًا وافرا
وانزلْ بأرضٍ دَبَّ فيها المصطفى ***واحْلُلْ على وادٍ رآه وعَاصَرا
واسألْ صُخُورًا ها هنا عن رِفْقَةٍ ***حَجَّتْ مع المختارِ نُورًا أنورا
يا صَخْرَ نَمِرَةَ هل سَمِعْتَ خِطَابَهُ؟ ***أَسَمِعْتَ مَنْ رُزِقَ البَيَانَ فَعَبَّرَا
أَسَمِعْتَ : (هَلْ بَلَّغْتُ ؟) تُسْأَلُ أُمَّةٌ *** (قالوا : نعم) ، والدِّينُ أصبحَ ظَاهرا
أَسَمِعْتَ (اللهم فاشهد) حُجَّةً ***أرأيتَ و(القَصْواءُ) كانت مِنْبَرا
وأقامَ مبعوثُ السماءِ صلاَتَهُ *** جَمْعًا مع التقديمِ هَدْيًا خَيِّرا
هذا الحبيبُ أَحِبَّتِي مِن أجلنا ***قد جاء بالدين القويم مُيَسِّرا
فاتْبَعْ هُدَاهُ تَفُزْ بِخَيرِ شَفاعةٍ ***من خالفَ المختارَ يُحْشَرُ كَافِرا
عرفاتُ يا جبلَ الدعاء تحيةً ***من عاشقٍ لكَ في هواه تَحَيَّرَا
قد جاء يدعو ربَّهُ في ذِلَّةٍ ***والله يَقْبَلُ مَنْ يشاء وينصرا
يهواك ، يشهدُ دَمْعُه وأنينُه ***وَلْتَشْهَدِ الأحجارُ عندك والثَّرَى
قِفْ ها هنا ، واسترجع الذكرى معي *** واسأل جبالاً ، تَسْتَجِيبُ وتُخْبِرا
قِفْ ، ها هنا نزل الختامُ ، فَمِسْكُهُ ***﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ﴾ ، فَأَكْمَلَ مَنْ بَرَا
واقرَأْ : ﴿وَأَتْمَمْتُ﴾ ، فقد نَزَلَتْ هُنا ***فَأَقَرَّتِ الإسلامَ دِينًا آخِرَا
واقرَأْ : ﴿رَضِيتُ﴾ وقد تَبَاعَدَ عهْدُها ***وانظر ، فقد صار الكمالُ مُبَعْثَرا
وتَفَرَّقُوا . وتَمَذْهَبُوا . وتَشَرْذَمُوا ***والكل أصبح تائهًا أو حائرا
فتحول الإفكُ المبينُ إلى هدًى ***وتصدَّر الجهلُ الحياةَ وفسَّرا
عرفاتُ ، قد نسي الجميعُ ختَامَهم ***﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ﴾ ، وجئتُ مُقَرِّرا
أن الرسولَ هو الإمامُ لِمَنْ نَجَا ***حَمَلَ الرسالةَ مُنذرًا ومُبَشرا
يا ربُّ ، إني قد أتيتكُ بارئًا ***مِنْ كُلِّ نِدٍّ للعبادِ مُزَوَّرَا
فارحم عُبَيْدك يا رحيمُ برحمةٍ ***واجعله في عِلْمِ الشريعة مُبْصِرا
يا ربُّ ، إني قد رفعتُ يدي هنا ***فاقْبَلْ ، ولا تُرْجِعْ عُبَيْدَك خَاسِرا
واغفر لإخواني جميعًا ذنبَهم ***واستر عليهم يا حليم وَكَثِّرَا
عرفاتُ ، قد حان الوداعُ وقارَبَتْ *** ساعَاتُه والقلبُ فيكَ مُصَوَّرا
قد شاء ربُّ العالمين فراقَنا ***بعد الغروبِ لكي أعود القهقرى
وشددتُ رحلي نحو جَمْعٍ قاصدًا ***وِدْيَان جَمْعٍ للصلاة مع الكَرى
جمع النبيُّ بها الصلاةَ جماعةً ***والفجرَ قد أداه فيها مُبْكِرا
يا جَمْعُ ، قد فاضت دموعي حسرةً*** جاء الكسيرُ إلى العزيز لِيَجْبُرا
فأتيتُ مَشْعَرَها ألوذ بناصري ***ولِسانُ حالي قد أبان وعَبَّرا
فذكرتُ ربي عنده متمثلاً : *** ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ﴾ والهدايةَ أَشْكُرا
ثم انتهينا والرحيلُ إلى منًى ***قد حان قبل شُروقها أن تظهرا
يا راحلين إلى منًى ، هيا بنا ***هيا إليها بادئًا ومُكَرِّرا
فقصدتُ جمرتَها لأرمي سَبْعها ***ورفعتُ بالتكبير صوتًا هَادِرا
الله أكبر عند كل قذيفةٍ ***في وجه ذنبي كي أعود مُحَرَّرا
الله أكبر قد رميتُ خطيئتي ***الله أكبر والذنوبَ على الثرى
الله أكبر نَجِّنِي يا خالقي ***مِنْ خِزْي يومٍ خاب فيه مَنِ افترى
ومضيتُ أذبح ما تيسر مُقْتَدٍ ***بكتابِ ربِّي هاديًا ومُقَدِّرا
يا ربُّ ، هَذِي من عُبَيدك فِدْيَةٌ ***قَلَّتْ . وَقَلَّ البيعُ ، قَلَّ المُشْتَرَى
فاقبل من العبد الفقير سؤاله ***قد جاء بيتكَ ، هل سيرجع أفقرا
وحلقتُ بعد الذبح مقتديًا به ***تالله لا تسأل سواه مُفَسِّرا
فاليومَ يَسَّرَ للحجيج أمورَهُم ***لا حرج فيما قَدَّمُوا أو أُخِّرا
ورجعتُ نحو البيتِ يسبقني فمي*** فأنا المُتَيَّمُ مُقْبِلاً أو مُدْبِرا
واسأل دهورًا كم عَشِقْتُ خيالَه ***وملأت عيني منه حتى أُبْصِرا
وشربت كأسًا من هواه تيمنًا ***فَغَسَلْتُ كُلِّي منه طيبًا عَنْبَرا
فبدأت أسعى بالإفاضة طائفًا ***متذللاً . متضرعًا . مُستغفرا
ئم اتخذتُ من المقام صلاتَه ***قد جاء تنزيلُ الهداية آمرا
وشربتُ من ماء السقاية زمزمًا *** فغسلتُ نفسي حامدًا أو شَاكرا
ثم اتجهتُ إلى الصفا بدءًا به ***وختمتُ بالمرو العتيق شعائرا
يا ربُّ ، عند المَرْوِ أَختم حَجَّتي ***فاسْتُرْ عُبَيْدك بالهدايةِ إذْ عَرَى
واختم له بالحق عند مماته ***واجعل له من فيض جودك ناصرا
فأنا الصغيرُ ، فَقَدْتُ كُلَّ وسائلي ***ولقد هفوتُ وجئتُ بابك صاغِرا
وَشَرَعْتُ بالعَوْدِ الأخير إلى منّى ***لا حَرَج في يومين تَبْقَى ذاكرا
أو من أراد ثلاثة يَبْقَى بها ***فكتابُ ربِّك قد أجاز وخيَّرا
جاء الفُراقُ لأرضِ مَكَّةَ بعد ما ***كان اللقاءُ على القلوب مُؤَثِّرا
فذهبتُ للبيت العتيق مُوَدِّعًا ***فَاثَّاقَلَتْ رجلاي أَنَّى أَهْجُرا
وانْهَلَّ من تلك العيونِ سحائبٌ ***بالجمرِ يغلي هائجًا أو فائرا
فوضعت كفي فوق أحجارٍ بَدَتْ ***للبيتِ . هل يا بيتُ أَرْجِعُ زَائِرا
يا بيتُ ، هل هَذي نهايةُ عهدِنا ؟ ***يا بيتُ وَدِّعَ بالسلامِ مُسَافِرا
طَوَّفْتُه بالدمع سبعًا داعيًا ***عَوْدًا من الرحمان برًّا طاهرا
تلك المناسكُ قد جمعتُ صحيحها ***واسأل كتاب الحج ، واسأل جابرا
وشددتُ رحلي للمدينة زائرًا ***فهناك مَسجده(1) أقام وعَمَّرَا
وهنا المُهَاجَرُ والمُقَامُ وروضةٌ ***وهنا مشى ، وهنا أقام المنبرا
وهنا تربى خيرُ قرنٍ قد أتى ***وهنا خيارُ الناس كانوا ، والقِرى
مَنْ كَرَّمَ الوحيُ الكريمُ خِصالَهم ***في ﴿يُؤْثِرُونَ﴾ ، ومَنْ سواهم آثِرا
ودخلتُ من باب السلام مُسَلِّمًا ***ومشيتُ في وسط الزحام مُخاطرا
ووجدتُ عمري قد توقف ها هنا ***وتحولت طرفاتُ عينيَ أَشْهُرا
*والله لولا قوله ﴿لا تقنطوا﴾ ***لرجعت من فرط الحياء تأثرا
وتتابعت لغةُ الدموعِ سخيةً ***فهنا البكاءُ هو الكلامُ مُعَبرا
وخرجتُ من هذا المكان يلُفُّني ***ثوبُ الحياء مُدَاريُا ومُدَثِّرا
فأنا الذى قد جئتُ أحمل عثرتي ***وأتيتُ للحرمين أشعثَ حاسرا
وطرقتُ بابًا ليس يطرد تائبًا ***ورجوتُ ربًا لم يُقَنِّط فاجِرا
يا ربُّ ، هذي دمعةٌ من مذنبٍ ***تَعِبَتْ قواه فصار وهنًا خائرا
وأتاك يخشى أن ترد رجاءه ***وأبان في تلك السطور مشاعرا
والظن فيك بأن عفوكَ لاحقي ***ولذا أتيتُ لكي أعود مطهرا
فطمعتُ فيك ، وجئتُ بابك ضارعًا ***متضرعًا والعيبُ مني قد جرى
وختمتُ قولي بالصلاة على الذي*** مَنْ زانه الرحمانُ لما صَوَّرا
يا ربُّ ، قد زِنْتَ الختامَ ببعثه ***فاجعل لي الإسلامَ ختمًا آخرا
ووجدت عمري قد توقف ها هنا ***وتحولت طرفات عيني أشهرا
فأنا هنا وأمام قبر محمد!! ***أين الحياء ومن أتى بك يا تُرى
ونسيت نفسك يا ظلوم وجئته ***هذا أمامك من أتاك وحذرا
والله لولا قوله ﴿لا تقنطوا﴾ ***لرجعت من فرط الحياء تأثرا
والله لولا أن ربي ساترٌ ***لفررت من هذا المكان مغادرا
وتتابعت لغة الدموع سخية ***فهنا الدموع هي الكلام معبرا
****************************************
(1)عند الذهاب إلى المدينة
يقصد المسلم شد الرحال إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
وليس إلى القبر
حتى لا يقع في أعمال الشرك
والعياذ برب العباد
. ..[/font]