السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد،
فدعوة النفس والعباد إلى التوبة هي دعوة الكتاب والسُنَّة
قال -تعالى-:
{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
(النور:31)
بيَّن أنهم إن تابوا كانوا على رجاء الفلاح
وقد فتح -سبحانه- أبواب الرجاء حتى لمن قال:
«إن الله ثالث ثلاثة»
فقال:
{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(المائدة74)
فمن رحمته -سبحانه- أن يقبل التوبة حتى وإن تعاظمت الذنوب
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
(الزمر:53).
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:
( قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى
غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى
يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ
ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى
يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا
ثُمَّ لَقِيتَنِى لاَ تُشْرِكُ بِى شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً)
[رواه الترمذي، وحسنه الألباني].
وقد دعا الأنبياء أممهم للمغفرة والتوبة
قال نبي الله نوح -عليه السلام-:
{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا .
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}
(نوح:10-12).
فالاستغفار والتوبة من أعظم أسباب سعة الرزق
وقضاء الحاجات وتفريج الكربات
وهي بداية الطريق ووسطه ونهايته
{لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
(النمل:46).
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم-
يستغفر الله في اليوم سبعين مرة ودعا أمته لذلك
ولذلك أكرمه -سبحانه- بقوله:
{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}
(الفتح:2)
ويحكي ابن عمر -رضي الله عنه- ويقول:
{إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
فِى الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ
رَبِّ اغْفِرْ لِى وَتُبْ عَلَىَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
[رواه أبو داود، وصححه الألباني].
فالعبد إن خلا من الكبائر والصغائر فلا يخلو من الخواطر السيئة
وكل ابن آدم خطّاء وخير الخطّاءين التوابون
وبعد نزول قوله -تعالى-:
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ .
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا .
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}
تحكي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وتقول:
(كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-
يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ
(سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى.
يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ)
أي يفعل ما أمر به في القرآن.
[رواه البخاري ومسلم]
والمظلمة إذا كانت بين العبد والرب فهي إلى أقرب
ولابد من الندم والإقلاع والعزم على عدم العودة في الذنب
فإذا كان الذنب بين العبد والخلق
فيضاف إلى ذلك التحلل من حقوق الآدميين
ورد الحق لهم ما وسعه الأمر
وذلك حتى تكون توبته نصوحًا
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}
(التحريم:8)
قيل: تنصحون بها أنفسكم
وقيل:
تندمون بها على ما مضى
وتعزمون على عدم العودة فيه مرة ثانية.
وفي حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا
وكمَّل المائة بالراهب الذي حجَّر واسعًا كان من تمام توبته
أن ينتقل من الأرض التي عصى الله فيها
وقال له:
(انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ
فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ)
ولما جاءه ملك الموت نأى بصدره إلى الأرض
التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة.
[رواه مسلم].
ولابد من تعميم جميع الذنوب والمعاصي بهذه التوبة
وأن تكون خالصة لوجه الله
لا لحفظ الوجاهة والمكانة أو لدفع المذمة والمعرة
وورد في الإسرائيليات أن شابًا أطاع الله عشرين سنة
وعصاه عشرين سنة فنظر في المرآة يومًا وقال:
اللهم إني أطعتك عشرين عامًا وعصيتك عشرين عامًا
فهل إن رجعت إليك تقبلني
فسمع صوتًا يقول -ولا يرى شيئًا-:
أحببتنا فأحببناك
وتركتنا فتركناك
وعصيتنا فأمهلناك
وإن رجعت إليك قبلناك.
وروى أيضًا:
أهل ذكري أهل مجالستي
وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي
وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي
إن هم تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم
أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب.
والواجب على العبد أن يسارع بالتوبة
فتأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه
وقد يرجع العبد بعد التوبة أفضل منه قبل المعصية
إذا استدرك وأناب وسارع في مرضات الله -تعالى-
ورُبَّ طاعة أورثت عزًا واستكبارًا
ورُبَّ معصية أورثت ذُلاً وانكسارًا.
ولا يجوز تعيير العبد بذنب تاب منه
ويُخشى على من فعل ذلك أن يُبتلى بمثل هذا الذنب قبل أن يموت
وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول:
«لو سخرت من كلب لخفت أن أصير ****ًا»
وتوبة العبد محفوفة بين توبتين من الله، توبة من الله سابقة
وهي توبة الإذن والتوفيق والإلهام
وتوبة من الله لاحقة، وهي توبة القبول والإنابة
قال -تعالى-:
{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ
وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
(التوبة:118).
فتوبته -سبحانه- عليهم هي التي جعلتهم تائبين
وما نزلت توبتهم إلا بعد أن وصلوا للحال الموصوف في الآية فتدبر
والعبد توَّاب، والرب -جل وعلا- من أسمائه التواب
فهو يفرح بتوبة عبده
ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم.
فإن أسرفت على نفسك وعشت حياتك عاصيًا فاجرًا
وفعلت كذا وكذا من الذنوب والمعاصي
فتب إلى الله فستجد الله توَّابًا رحيمًا
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}
(طه:82)
وإن عصيت ثم تبت ثم عصيت فتب،
حتى وإن تكرر منك ذلك
فتوبتك مقبولة
-بإذن الله-.
لا تفسح صدرك للوساوس
ولا تستمرئ الذنوب والمعاصي،
ولا داعي لليأس والقنوط من رحمة الله
قال -تعالى-:
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ
وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
آل عمران:135)
ولله أفرح بتوبة عبده من أحدكم براحلته.
لا تأبه لكثرة العاصين والمذنبين
ولا تستأنس بكثرة الكافرين والمخطئين
ولا تغتر بإحسانه عليك مع تماديك في الغي والضلال
فهو -سبحانه- يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته،
{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
(هود:102).
وقال الحسن:
ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل
وإن قومًا غرتهم أماني المغفرة ذهبوا ولا حسنة لهم وقالوا:
نحن نُحسن الظن بالله
وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
فالله هو الغفور الرحيم، وعذابه هو العذاب الأليم
{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ}
(الحجر:49-50).
احذر التسويف والاستدراج
فالموت قريب وأعد للسؤال جوابًا
وأتبع السيئة الحسنة تمحها
ومن أعظمها المغفرة والتوبة
{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
(هود:114).
لقد عشنا حينًا من الدهر كان من قيل له:
اِسْتغفِرْ اللهَ. يقول: وهل زنيت أو سرقت؟!
وكان الناس إذا سمعوا من يقول:
أستغفر الله لربما سألوه عن الجناية التي اقتفرها
وهذا من الغفلة ومظاهر الغربة.
وإلا فكلنا ذلك العبد المذنب المسيء
وكلنا ذو خطأ، وكلنا لا يقبل تقصير أولاده ومرؤوسيه في حقه
والرب -جلا وعلا- خيره إلينا نازل وشرنا إليه صاعد
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ}
(فاطر:45)
وقال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
(الروم:41).
يجب أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى
وأن يُشكر فلا يُكفر
طاعاتنا لا تخلو من تقصير وتفريط
فكيف بالجنايات التي نجترحها بالليل والنهار؟
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(لو يؤاخذني الله أنا وابن مريم بما جنت هاتان
وأشار بالسبابة والتي تليها- قال: لعذبنا)
[رواه ابن حبان، وصححه الألباني]
ورأى جبريل كالحِلس البالي من خشية الله
وذلك ليلة أسري به.
وكان بعض الصالحين لربما وقف بعرفات فيقول:
يا له من موقف لولا أنّي معهم -يتهم نفسه-
وقال الحسن:
«ليست النوافل لأمثالنا
إنما هي لمن كملت فرائضه»،
وقال الفضيل:
«كنت في شبابي فاسقًا وفي كبري مرائيًا
والله لَلفسق أهون من الرياء».
وقال -تعالى-:
{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
(الذاريات:18)
فهم رغم قيامهم بالليل وتعبدهم وتهجدهم
يستغفرون ربهم في هذا الوقت من الليل.
وقال -سبحانه-:
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}
(المؤمنون60)
وهؤلاء ليسوا الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر
بل الذين يصلون ويصومون ويتصدقون
ويتخوفون ألا يُتقبل منهم
{أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}
(المؤمنون:61).
فهذا حال الصالحين فيما مضى
جمعوا بين الاجتهاد في طاعة الله واتهام النفس
وإيمان الواحد منا لا يكاد يجاوز حنجرته ولا يكاد يستغفر!!
جمعنا بين جنايات النفس والجرأة والسفه
يغتر الواحد بحسنة عملها وينسى جبال السيئات التي اجترحها
{أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}
(المجادلة:6).
يكفي أن تأخذ حجرًا وتقذف به في بيتك مع كل ذنب ترتكبه
وانظر ماذا يكون حال البيت بعد أيام؟!
من رحمة الله أن شرع لك الاستغفار إذا حدث الكسوف
أو الخسوف أو قلّ المطر أو أردت الحصول على الولد.
شرع لك ذلك في الأذكار الموظفة كأذكار الشروق والغروب والنوم.
استغفرْ إذا كان الكساد والبطالة والعنوسة وغلاء الأسعار.
استغفر إذا أردت الدعاء تكون على رجاء الإجابة بإذن الله.
علّق قلبَك بالحي الذي لا يموت، وبالغفور الرحيم
فالخيرات والبركات في العاجل والآجل
قد تتحقق باستغفاره وقد تكون بها نجاتك غدًا.
فلا تعولن على الحول والطول
وعالج آثار اللوثة المادية التي جرت منك
ومن الخلق مجرى الدم من العروق
وإذا فتح لك وألهمك الاستغفار فاعلم أنه قد أراد أن يتوب عليك فأبشر.
ليس عندنا صناديق غفران
ولا كرسي اعتراف، بل استر على نفسك وتب إليه -سبحانه-
فهو الذي يقبل التوبة عن عباده
ويعفو عن السيئات
وارفق بالآخرين فلا تستكرههم ولا تستدرجهم على حكاية ما فعلوه
فالمعاصي قاذورات ونجاسات تُطوَى ولا تُذكر وقد ورد:
«من أتى شيئًا من هذه القاذورات فليستتر
فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه كتاب الله»
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حق المرأة التي زنت:
(وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا)
[رواه البخاري]
والمرأة قد لا تعترف وتتوب فيما بينها وبين ربها
ولما قال الرجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
إِنِّى أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَىَّ)
لم يستعلم منه النبي -صلى الله عليه وسلم-
ما هو الجرم الذي اقترفه
وصلى الرجل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
ثم قَالَ له النبي -صلى الله عليه وسلم-:
( أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ)
[متفق عليه]
فانصرف الرجل مغفورًا له
وقد أرجع النبي -صلى الله عليه وسلم-
ماعز والغامدية المرة تلو المرة.
إذا كانت الحدود كفّارة لأهلها
فإن التوبة النصوح تجبُّ وتمحو كل ذنب كفرًا كان فما دونه
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}
(آل عمران:133).
البعض لكي يتوب والنساء بصفة خاصة والفنانات منهن
على سبيل المثال فلابد وأن ترى رؤيا أو تؤدي عمرة أولاً
وفريق منهن قد لا تصلي ولا تلبس الحجاب
حتى تتزوج أو يكبر سنها
وهذا كله خطأ وهو من طول الأمل وتغرير الشيطان
فالرؤى ليست من أدلة استنباط الأحكام
ويكفي أن الله دعانا إلى التوبة في كتابه وعلى لسان نبيه
-صلى الله عليه وسلم-.
ولابد من العمل بطاعة الوقت
ورد الحقوق لأصحابها، والتفكير في الموت والقبور والآخرة
ومطالعة سير الصالحين وتراجم العلماء والتدبر في آيات الله -تعالى-
والتفكر في الزلازل وغيرها، وعدم الاغترار بالله
فإن اغترارًا بالله حمق.
والاجتهاد في الدعاء وبخاصة
(اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ
اللهم أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين
ولا تكلني إلى أحد من خلقك)
ومتابعة الفرائض بالنوافل
والعلم النافع بالعمل الصالح.
والحذر كل الحذر من طول الأمل
فقد كان عليٌّ -رضي الله عنه- يقول:
(إن أخوف ما أخاف عليكم الهوى وطول الأمل
أما الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسى الآخرة)
ومثل ابن آدم وجنبه تسع وتسعون منية
إن أخطأته أدركه الهرم، وكل نفس ذائقة الموت
والموت لا يفرق بين كبير وصغير، ولا بين صحيح وسقيم
وموت الفجأة كثير وهو علامة من علامات الساعة.
فالبدار إلى التوبة
فهي مقبولة قبل أن يغرغر العبد
وقبل أن تطلع الشمس من مغربها
فإذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس جميعًا
فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل
أو كسبت في إيمانها خيرًا.
بادروا الحسنات الحديثات السيئات القديمات
والبدار البدار إلى التوبة
عساها ترد النقمة
وقل:
{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.
استحِ من الله على قدر قربه منك وقدرته عليك
فلست تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره
ولا من ملكه إلى ملك غيره.
نسأل اللهَ -تعالى-
أن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوب إليك،
{ وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين }