ر كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته
سول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه ابن ماجه من طريق أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". ولا شك أن المسلم مطالب بأن يعبد الله عز وجل على بصيرة وعلى علم لقول الله تبارك وتعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات). فما هي الأمور التي يجب أن يتعلمها المسلم والمسلمة ويحرم الجهل بها؟ وما هو الحد الأدنى من هذه الأمور التي يجب أن يتعلمها المسلم ويجب أن يعرف عنها ويجب أن يسأل أهل العلم فيها، وما هو الحد الأدنى منها كما أسلفت؟
القرضاوي: بعد التحية وأؤكد على هذه التحية وأوحيي الجميع بتحية الإسلام وتحية الإسلام هي السلام فالسلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته. وإجابة عن هذا السؤال الافتتاحي المهم وهو ماذا يجب على المسلم من علم الدين؟ وما المراد بهذا الحديث الذي رواه الإمام ابن ماجه من طرق كثيرة وهو "طلب العلم فريضة على كل مسلم". وهذه الطرق جعلت بعض العلماء قديما وحديثا يصححون هذا الحديث، صححه الحافظ السيوطي قديما وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني حديثا. هناك علم مفروض إذن على كل مسلم، والمراد في الحديث بكل مسلم، كل إنسان مسلم سواء كان رجلا أم امرأة، وكذلك بعض الناس يروون هذا الحديث "فريضة على كل مسلم ومسلمة". لا لم يرد كلمة "ومسلمة" في الحديث ولكن المعنى صحيح أنه على كل مسلم ومسلمة، يجب أن يطلب العلم المفروض عليه، والفريضة هنا قد تكون فريضة عينية وقد تكون فريضة كفائية، والمراد بالفريضة الكفائية، الفروض الواجبة على مجموع الأمة، عن أن يكون في الأمة فقهاء مجتهدون يفتون الناس عن علم ويقضون عن بينة، ويدعون على بصيرة، هذا فرض على الأمة أن تهيأ من أبنائها من يقوم بهذا، وهذا ما جاء في سورة التوبة حينما نفر المسلمون للجهاد ولم ينفر منهم لطلب العلم طائفة فقال الله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) فوجود طائفة من المجتهدين والفقهاء والدعاة يسدون الثغرات، ويلبون الحاجات هذا فرض على الأمة بصفة عامة وعلى أولياء الأمر فيها بصفة خاصة أن يهيئوا هذا ويدبروا أمره حتى تكتفي الأمة، وحتى فقهائنا لم يقولوا هذا في علم الدين وحده بل قالوه حتى في علوم الدنيا، يجب أن يكون في علم الطب وفي علم الهندسة، وفي علم الفيزياء وفي علم الكيمياء، وفي علم التشريح وفي علم الفلك، وفي كل العلوم التي تفتقر إليها الأمة في دنياها وفي استقرارها وفي انتصارها على أعدائها، وفي حفاظها على أرضها وعرضها وسيادتها وعزَّتها، كل ما تحتاجه الأمة هو فرض كفاية على الأمة. فهذا جانب، وهناك الفرض العين لعل هذا هو ما يتوجه إليه السؤال، ما هو الشيء الذي يفرض عينا على كل مسلم أن يتعلمه؟ الواقع أن الفقهاء والشُرَّاح والعلماء كل جماعة أرادوا أن يجعلوا علمهم العلم المفروض، فأهل التوحيد والعقائد يقولون علم العقيدة وأهل الفقه يقولون علم الفقه، وأهل السلوك يقولون علم السلوك والتصوف، حتى أهل اللغة العربية يقولون علم اللغة، ولكن الواقع أن العلم المفروض على الإنسان هو ما يحتاج إليه حاجة بينة مؤكدة حالية، أول ما يطلب من المسلم أن يصحح عقيدته أن يطلب العلم الذي يصحح به العقيدة الإسلامية عقيدته في الله وذاته وصفاته وأفعاله، وما يجب لله تعالى وما لا يجوز على الله، العقيدة في الملائكة، في الكتب، في الرسل، في اليوم الآخر، في القدر خيره وشره، هذه الأركان الأساسية لابد للمسلم أن يتعلمها ويتعلمها بما يقتنع به عقله ويطمئن به قلبه، فلابد أن يعرف علم التوحيد أو علم العقائد معرفة أساسية وأنا أرى أن في عصرنا يجب على المسلم أن يتعلم هذا من مصدرين أساسيين هما القرآن الكريم وما يـبينه من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والعلوم الطبيعية الحديثة التي تبين للإنسان قدرة الله وإبداع الله في الكون وحكمته الرائعة في كل ما خلق، فلابد أن يتعلم علم العقيدة ويزيل الشبهات عنها ويعرف البدع التي دخلت على العقيدة وشابتها. الناحية الأخرى أن يتعلم من علم الشريعة ما لابد منه، الشريعة تحيط بالإنسان من مولده إلى وفاته يعني هناك أحكام تتعلق بالمولود ابن القيم له كتاب اسمه "تحفة المودود في أحكام المولود" وأحكام تتعلق بالإنسان عندما يموت، المحتضر ماذا يفعل، فهي تحيط بالإنسان في رحلة الحياة بل هناك أحكام تتعلق بالجنين في بطن أمه وبالميت بعد أن يموت، أحكام الجنائز يعني كيف يُغسَّل، كيف يُصلى عليه، كيف يُدفن، كيف تُنفذ وصاياه وتُقضى ديونه..الخ. فالشريعة واسعة جدا، وهي تشمل أيضا كل جوانب الحياة، يعني الإنسان في مراحل حياته في الصبا والشيخوخة والكهولة. وفي كل جوانب حياته زارعا أو صانعا أو تاجرا أو موظفا أو حاكما أو محكوما غنيا أو فقيرا. إنما الذي يجب على المسلم تعلمه منها هو ما يهمه، يعني يجب أن يتعلم أصول العبادة، الأشياء الأساسية في العبادة، العبادة التي يجب أن يتعلم، كيفية الصلاة وما يلزم للصلاة مثل الطهارة ليس من الضروري أن يتوسع كما يتوسع بعض المسلمين للأسف، وسعوا في هذه الأشياء وأصبح أنه من الممكن أن نقرأ الطهارة في مجلدين هذا ليس مطلوب من المسلم، الرجل كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويراه كيف يتوضأ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي"، يجلس يوم أو يومين في المدينة ويعود إلى قومه معلِّما، فنحن نريد أن يتعلم هذه الأشياء بأيسر ما يمكن بحيث لا يشدد على نفسه ولا يهمل في الأشياء الأساسية لأن بعض الناس يقعد يتوضأ ربع ساعة يا أخي هذا لا يجوز لأنه إسراف ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "لا تسرف ولو كنت على نهر جار" فيجب أن يتعلم الطهارة والوضوء، وفي أشياء مثلا تتعلق بالمرأة مثل الحيض والنفاس، هذه المرأة تتعلمها وليس من الضروري أن يتعلمها الرجل إلا إذا كان يريد أن يعلم ابنـته أو يعلم امرأته وهكذا. فيتعلم أحكام الصلاة والوضوء ويتعلم أحكام الصيام، الأحكام الأساسية، وإذا كان عنده مال يتعلم أحكام الزكاة، وأحكام الزكاة أيضا التي يحتاجها يعني ليس عنده إبل ولا بقر ولا غنم ليس في حاجة أن يتعلم زكاة الإبل وإنما عنده تجارة يتعلم زكاة التجارة وهكذا، الحج ليس مطلوبا أن يتعلم الحج إلا عندما ينوي إلى الحج، ولكن يعرف الأساسيات أي متى يجب عليه الحج. حتى في المعاملات ليس من الضروري أن يتعلم كل المعاملات، إنما يعرف مثلا ماذا يحرم عليه في الأكل والشرب مثلا لا يأكل لحم الخنزير، لا يشرب الخمر، لا يأكل في آنية ذهب أو فضة يتعلم أن يأكل باليمين ويشرب باليمين لا يأكل بشماله ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، يتعرف على هذه الأشياء.
مشاهد من السعودية: أنا قبل أن أتزوج كنت أردد عليَّ الطلاق أن أفعل كذا وأفعل كذا، ولا تحدث بعض المرات (أي لا أفعلها) وطبعا لا آثم عليها لأني لم أكن متزوج، والآن تزوجت والكلمة هذه بقيت معي فقلت في أحد المرات لأحد الشباب عليَّ الطلاق ما تنـزل من هذا الدَرَج فنـزل الشخص ولم أكن أنوي نية الطلاق من زوجتي، ولكن كانت هذه الكلمة عالقة في لساني ونسأل الله أن يعفو عنا وجزاكم الله خيرا.
المقدم: سؤال الأخ خالد يعني أيضا قضية الحلف بالطلاق بشكل عام.
القرضاوي: في الواقع هذه آفة ابتُلي بها كثير من المسلمين والأصل أن المسلم لا يجري كلمة الطلاق على لسانه، فهي كلمة خطيرة فالمسلم إذا أراد أن يحلف ولابد فليحلف بالله، النبي عليه الصلاة والسلام يقول "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليذر" الحلف عند المسلم بالله وهذا أيضا ليس مطلوب في كل شيء يحلف عند اللزوم (ولا تجعلوا الله عرضة لإيمانكم) (ولا تطع كل حلاف مهين) كثير الحلف، كثرة الحلف أيضا عرضة لأن يقع الإنسان في الحنث فلا يحلف إلا عند الحاجة وإذا كان لابد يحلف بالله عز وجل، أما الخلف بالطلاق فهو لا ينبغي للمسلم ولكن إذا وقع مثل ما قال هذا الأخ متعود وحتى من قبل أن يتزوج أن يقول (عليَّ الطلاق) فهذا أمر غريب ولا ينبغي أن يفعل المسلم هذا لا متزوجا ولا غير متزوج، أما إذا وقع هذا الأمر طبعا هناك خلاف بين العلماء وهناك من يقول: إذا حلف الرجل بالطلاق وقال له لا تنـزل على الدرج ونزل فقد وقع الطلاق. ولكن في الحقيقة المذهب الذي أفتي به ويفتي به كثيرا من العلماء في عصرنا هو مذهب بعض السلف، أن الطلاق إذا أريد به اليمين ومعنى أريد به اليمين أي أريد به الحمل على شيء أو المنع من شيء أي يقصد اليمين ولا يقصد أن يطلق امرأته لعله مع زوجته سمن على عسل وليس بينهما أي شيء إنما أراد أن يمنع الرجل من نزول الدرج فجرت هذه الكلمة على لسانه طبعا يجب أن يؤدَّب، فأنا أفتي بهذا المذهب إن الطلاق إذا أريد به الحلف، أريد به اليمين، أريد به الحمل على شيء أو المنع من شيء فأنا آخذ بمذهب السلف الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم واختارته كثير من لجان الفتوى وقوانين الأحوال الشخصية في عدد من البلاد الإسلامية في عصرنا ونقول أن هذا لا يقع طلاق وإنما يقع عينيا ففيه كفارة يمين يعني الأخ عليه أن يكفر عن يمينه، ويعتبر كأنما حلف بالله أو كأنه حرم الحلال وتحريم الحلال فيه كفارة يمين، فعليه أن يكفر عن يمينه يطعم عشرة مساكين أو إذا عجز عن الإطعام أو لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
مشاهدة من الإمارات: أنا زوجي يعمل في شركة وهو مندوب لسلعة يتقاضى راتب ثابت على هذه السلعة ولكن صاحب الشركة يشجعهم على بيع هذه السلعة، فيفرض لهم مبلغ إضافي يتحدد هذا المبلغ بأي طريقة لجميع المندوبين بأن يطلب منهم رمي حجر نرد ويضرب هذا الرقم بمبلغ معين 50 درهم أو ما شابه، فهل رمي حجر النرد هذا حلال أم حرام؟، ورمي حجر النرد ليحدد بيع عدد معين من هذه السلعة برغم أنه قد يكون المندوبين قد باعوا نفس العدد من السلع ولكن النرد يحدد، أي لا يقسم بينهم بالتساوي.
القرضاوي: الأمر لا يستحبه الشرع ولا يقبله، النبي عليه السلام يقول "من لعب النرد فقد عصى الله ورسوله" ما وجه دخول النرد، يعني لو كان يقول لهم هناك قرعة، أي كلهم سيأخذون، هذه طريقة سيئة لأنها غير عقلية وغير شرعية يعني ليست قائمة على منطق ولا قائمة على شرع. لماذا يرجع إلى الزهر في أشياء لا يحتاج إليها، يحدد لكل واحد أن يأخذ 2% أو 1% مما يبيع. أنا لا أقول بالتحريم ولكنني لا أجد هذه الطريقة تتفق مع منهج الإسلام ولو كان فيها ربح وخسارة كان يبقى قمار وميسر محرم، إنما لا يدفع نقود ويمكن يخسرها فلا تدخل في القمار، وإنما تدخل في مسألة البخت أو الحظ والإسلام يكره هذه الطريقة.
مشاهدة من ليبيا: شخص أفطر في شهر رمضان المبارك ولم يقدر أن يقضي الأيام التي أفطرها، وهو أفطر بسبب المرض، ولم يرد الدين خلال نفس السنة. وجاء رمضان للسنة الثانية، ولم يكن مريضا طوال العام ولكنه أخَّر رد الصيام.
القرضاوي: الأيام التي أفطرها هي دين في عنقه، الله عز وجل يقول (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر). أي لو كان مريضا أو على سفر وأفطر فعليه عدة من أيام أخر يقضيها بعدد الأيام التي أفطرها فهذا دَين ودَين الله أحق أن يقضى هو قصر في أنه قد أتيحت له فرص للقضاء ولكنه تكاسل ولم يقض فالمفروض أن يـبادر بالقضاء.
المقدم: هل يلزم الفدية؟
القرضاوي: هناك خلاف في هذه القضية، الأحاديث النبوية لم توجب عليه فدية، إنما جاء عن بعض الصحابة أنه يفدي، يطعم كل يوم مُدَّاً لمسكين، فهو يتصدق بشيء، إنما المطلوب منه أن يسارع بالقضاء لأن الإنسان لا يضمن حياته، الصحيح يمرض والشاب يشيخ والحي يموت، لا تدري نفس ماذا تكسب غداً، لكي يضمن الإنسان أنه يؤدي ما عليه يـبادر بالقضاء، هذا ما ننصح به الأخ وننصح به كل من عليه دَين من رمضان أن يسارع بقضاء ما عليه ويبرئ ذمته. المطلوب من المسلم أن يسارع بأداء ما عليه نحو الله ونحو الناس من ديون ويحاول أن يبرئ ذمته منها.
مشاهد من الجزائر: أولاً: أود أن أطرح سؤالا على فضيلة الشيخ حول تارك الصلاة وما حكمه في الإسلام؟ ثانياً: عندي عمة متزوجة ودار صراع بينهما وبين زوجها مما أدى إلى طلب الطلاق من طرف الزوجة مع العلم أن الزوجة لها طفل وطلب منها الزوج أن يأخذ الولد منها فهل يحق لها الحضانة أم لا؟
القرضاوي: أما بالنسبة لتارك الصلاة إما أن يكون مُنكِراً لفرضيتها مستحِّلاً لتركها لا يؤمن بأنها فرض أو يستهزأ بالصلاة، ويقول نحن على أبواب القرن الحادي والعشرين وتقول لي صلاة فهذا كافر والعياذ بالله، منكر وجوب الصلاة وفرضيتها كافر بإجماع المسلمين، الذي يرفض الصلاة لأنه لا يؤمن بحق الله فيها (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) هذا كافر. إنما الذي يؤمن بأن الصلاة حق لله وفرض على المسلم ولكنه متكاسل للأسف عن أداء الصلاة ولكن كسله لم يكن مثل كسل المنافقين لأن المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، يقوم إلى الصلاة ولكن كسلان ولكن هذا لا يقوم إلى الصلاة لا كسلان ولا نشيط، فهذا الإنسان اختلف العلماء في شأنه: هناك المشهور عن الإمام أحمد بن حنبل أنه يقول بكفره: تارك الصلاة عمداً كسلاً كافر، وهذا قاله بعض السلف أيضاً، وهذا ظاهر الأحاديث التي تقول " العهد بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" فهذا ما أخذ به الإمام أحمد، ولكن قالوا في مذهب الإمام أحمد أنه لا يحكم بكفره إلا إذا دعاه الإمام أو القاضي إلى الصلاة فأبى، فيحكم بكفره. مذهب الإمام مالك والإمام الشافعي يقولان أن تارك الصلاة فاسق وليس كافر، ولكنه يُقتل إذا دُعي للصلاة ورفض. والبعض يقول من يُدعى إلى الصلاة ويرفض ويقبل القتل على أن يصلي، فأي إسلام عند هذا الشخص؟ وهناك أخف المذاهب مذهب أبي حنيفة وهو يقول أن تارك الصلاة فاسق ولكنه لا يُقتل ويكنه يُعزر ويُحبس ويُضرب حتى يسيل منه الدم وكذلك من يجاهر بالإفطار في نهار رمضان. فهذه هي أقوال أئمة المذاهب أشبه بما لو أن الإنسان مثلا ترك عمله عدة أيام ولم يذهب إلى العمل وهو موظف، اجتمعت لجنة شؤون الموظفين، البعض يقول هذا الرجل مستهتر بعمله وأخل بجوهر الوظيفة يجب أن يُفصل من العمل، والبعض يقول نعطيه فرصة نخصم منه عدة أيام نعاقبه بعقوبة كذا. فهذا شأن أئمة الإسلام في فقههم ولكن الشيء الذي يجب أن نعلمه أن الصلاة هذه من أساسيات الإسلام ومن أعمدة الدين بل هي عمود الإسلام كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد" وقال "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً وحُشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأُبيِّ بن خلف". قال العلماء: من شغله عن الصلاة ملكه حشر مع فرعون، ومن شغله منصبه حشر مع هامان، ومن شغله عن الصلاة كنوزه وثروته حشر مع قارون، ومن شغلته عن الصلاة تجارته وعمله الدنيوي حشر مع أُبيِّ بن خلف. فالصلاة ليس لها عذر قط حتى أن المريض يقال له: صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جَنب، فالإنسان وهو على السرير في مرضه يصلي، يصلي بالتيمم إذا لم يستطع أن يغتسل، يصلي إلى غير القبلة إن لم يستطع. المحارب في حالة الحرب يصلي صلاة الخوف أو صلاة الحرب، والله تعالى يقول (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين، فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً) يعني صلوا راجلين وأنتم مشاة أو راكبين، يعني يركب الفرس ويصلي أو يكون راكب الدبابة ويصلي أو راكب المصفحة ويصلي، أو راكب الطيارة ويصلي، يصلي بالإيحاء فلا مانع، ويصلي كيف استطاع، فاتقوا الله ما استطعتم، فهذه أهمية الصلاة لا ينبغي أبدا إهمال الصلاة ولا تركها ويجب أن نحاصر تاركي الصلاة يعني هناك واجب على الإنسان أن يصلي وواجب على المجتمع أن تارك الصلاة لا يعامله معاملة حسنة، لا يوظِف تارك الصلاة في شركته أو مؤسسته، لا يزوج ابنـته لتارك الصلاة، لا يصادق تارك الصلاة فيكون مسلم وصديقه إنسان تارك الصلاة، لا يجوز هذا لأن هذا تهاون في أمر الدين.
المقدم: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، هناك بقية لسؤال الأخ يقول فيه أن عمته متزوجة ودخلت في صراع مع زوجها وطلبت الطلاق والزوج قال لن يطلقها إلا إذا احتفظ بحضانة الطفل وهي تريد الحضانة فلمن تكون الحضانة في مثل هذا الصراع، ولو بالإمكان كلمة بالمناسبة في الخصومة التي تحدث بين الأزواج ويُلجأ إلى الطلاق عند بداية أول صراع. فيرجى التوضيح.
القرضاوي: الإسلام طلب من الزوجين أن يصبر كل منهما على الآخر، والله سبحانه وتعالى يقول (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) وقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يفرق مؤمن مؤمنة ـ أي لا يـبغض مؤمن مؤمنة ـ إن سخط منها خُلُقاً رضي منها آخر" وهذا يدل على أن الإنسان لا ينبغي أن يطلب الكمال، في ناحية تعيـبها وفي ناحية ترضاها في الرجل وفي المرأة، وأيضا أمر الإنسان بألا يستجيب لعواطفه بسرعة، (فإن كرهتموهن) افرض أنك أحسست بالنفرة أو بالكراهية من زوجتك فلا ينبغي أن تقول أقطع العلاقة، لا، بل اصمد (عسى أن تكرهوا شيئا) لعل هذه المرأة تكون هي التي تساعدك عند الشيخوخة أو في الشدة لعل الله يرزقك منها ذرية صالحة، أو لعل الرجل نفس الشيء، فما يطالب به الرجل تطالب به المرأة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال "أيما امرأة سألت من زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" يعني لا يجوز للمرأة أن تقول طلقني، لا تلجأ إلى هذا إلا عندما تفيض الكأس ويطفح الكيل ولا يبقى عندها أي مجال للصبر. والإسلام جعل للمجتمع حق التدخل قال (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) وهذا للأسف أمر أهمله المسلمون، هذه المحكمة العائلية وهذا المجلس العائلي إنما لا نفرد أو نوسع فضائحنا على الناس، وإنما حكماً من أهله وحكماً من أهلها، وكلمة حكماً أي إنسان يصلح للحكم، يعني إنسان له رأي وعقل ورشد، فابعثوا اثنين من العقلاء وأيضاً من ذوي النوايا الصالحة إي يريدا أن يصلحا، ولذلك القرآن هنا قال (إن يريدا إصلاحا) ولم يذكر الطرف الآخر، وعند عدم الإصلاح، ولذلك سيدنا عمر بعث حكمين فجاءا وقالا: يا أمير المؤمنين لم نستطع أن نوفق بينهما، فقال لهما الفاروق عمر رضي الله عنه "أصلحا نياتكما وعودا" فعادا بنية جديدة وعزم جديد وحاولا أكثر فاستطاعا أن يوفقا، قال: صدق الله العظيم (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما). فثمرة الإرادة وثمرة النية الصالحة تظهر في التوفيق بين المختلفين، على كل حال إذا كانت المرأة هي الكارهة وهي التي لا تريد هذا الزوج وتريد فراقه فمن حق الزوج أن يشترط في هذه الحالة ويقول أنا آخذ طفلي، ولابد هي أن تدفع له شيئا (لا جناح عليهما فيما افتدت به) تفدي نفسها عنده، أما إذا كان هو الكاره لا يجوز أن يأخذ منها شيئا، فالله تعالى يقول (وإذا أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاقاً غليظاً) انظر إلى التعبير القرآني، الوصف الذي وصف الله به النبوة قال (وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً) وقال عن العلاقة بين الرجل والمرأة (وأخذنا منكم ميثاقاً غليظاً) هذا الرباط المتين المقدس بين الزوجين، فإذا كان الرجل كارهاً لا يجوز أن يشترط عليها شيئاً لا يأخذ منها مال ولا يأخذ منها الطفل، أما إذا كانت المرأة هي الكارهة ولا تريد البقاء مع هذا الرجل تفدي نفسها وممكن تقبل هذا، وأنا في الحقيقة أقول أنه الأولى بهذا الرجل إن كان مسلماً أن يدع الطفل لأمه لأن الإسلام جعل الحضانة من حق الأم، النبي صلى الله عليه وسلم حينما شكت إليه امرأة قائلة "يا رسول الله إن ابني كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وأبوه يريد أن يأخذه مني" فقال لها: أنتي أحق به ما لم تنكحي" أي ما لم تتزوجي، فالمرأة إذا طُلقت فهي أحق بالولد وهي أحن عليه من أبيه وخصوصاً أبيه قد يتزوج امرأة يعيش هذا الطفل مع امرأة أبيه ونحن نعرف شكوى الأبناء من معاملة زوجات الآباء، فلذلك يجل على هذا الرجل ألا يطلب هذا من امرأته وأن يدع طفله مع أمه، ويذهب إليه يراه ما بين الحين والحين، والله تعالى يقول (ولا تنسوا الفضل بينكم) يعني لا ينبغي أن يكون الطلاق سبباً في أن أحدهما يكيد للآخر، ويريد أن يؤذيه، لا، وخصوصا إذا كان بينهما طفل، هناك شيء مشترك بينهما، فيجب أن يتعاملا بالمعروف، فكما دخلا بالمعروف يفترقان بالمعروف (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) كما أمر الله تبارك وتعالى.
مشاهد من (الرياض) السعودية: أحببت أن أسأل الشيخ لو أن إنسان أراد أن يسافر من بلد إلى بلد في رمضان أثناء الصيام فلو أفطر في الطريق ووصل البلد المقصود، هل يواصل الإفطار أو يمسك؟
القرضاوي: يواصل إفطاره لأنه مسافر وإذا كان الناس صائمين فلا داعي أن يظهر بالإفطار، يعني المسلم يراعي شعور الناس حتى لو كان الإنسان عنده عذر للإفطار، لا ينبغي أن يجاهر بالفطر، لأن الناس لا يعرفون عذره وليس كل إنسان يأتي ويسأله لماذا أنت مفطر، فيقول والله أنا مسافر وأنا لست من هذا البلد، أو أنا عندي السكر أو مرض كذا. فالمسلم يجب أن يكون حساساً في هذه القضايا، هو له حق الإفطار وهو في البلد من حقه أن يفطر، ومن حقه أن يقصر ويجمع لأنه مسافر، ولكن إذا كان بلداً إسلامياً، فهو قد يذهب إلى لندن أو إلى باريس فهذا لا حرج عليه أن يفطر وإنما إذا كان في بلد مسلم، والناس صائمون فينبغي له أن يراعي مشاعر الناس ولا يجاهر بالإفطار أمامهم.
مشاهدة من الإمارات: سبق أن سألتك عن صندوق الحج للفقراء، على أساس أن سيادتك تقوم بطرح الفكرة على جميع المسلمين القادرين الذين حجوا حجتين وثلاثة وأربعة وخمسة، بينما هناك مسلمين غير قادرين في جميع قارات الدنيا ولو كان هذا الصندوق قد أقيم تحت إشراف سماحتكم، أعتقد أنه ممكن أن يفيد الكثير من المسلمين، هذا السؤال الأول، السؤال الثاني بالنسبة لكثير من الناس حضرتك قلت أن المسلم يجب أن يتفقه في دينه، بما ينفعه في دنياه وفي آخرته مثل الصلاة والصوم والحج ومثل ذلك، ولكن نجد أن هناك بعض الناس ممكن أن لا يكون قد ختم القرآن، أو لم يقرأ كتاب للغزالي أو لابن تيمية، أو لابن القيم أو أي كتاب من هذه الكتب، أو ليس عنده فكرة عن الفقه تجده يفتي من غير أي شيء فقد يضل الناس بذلك، وهناك بعض الناس يكونون دعاة ولكنهم ليسوا على مستوى من الثقافة الإسلامية التي تمكنهم من إرشاد الناس، فكيف يمكن نصح هؤلاء الناس بحيث يتجنبون أخذ ذلك، أو تضليل الناس بطريقة غير مقصودة وً لك.
القرضاوي: أقول للأخت المهندسة، صندوق حج الفقراء أنا لا أحبذ هذه الفكرة لماذا؟ لأن الحج لم يوجبه الله تعالى إلا على من استطاع إليه سبيلا (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) هذا ثابت في القرآن والسنة، فمن لم يستطع السبيل إلى الحج فقد رخصه الله من أداء هذه الفريضة، نحن الآن المسلمون يعانون في كثير من البلاد من أشياء أساسية يعني هناك أناس من المسلمين يموتون من الجوع، ويحتاجون إلى اللقمة التي تسد الرمق، يحتاجون إلى الثوب الذي يستر العورة، يحتاجون إلى البيت الذي يؤويهم من التشرد، يحتاجون إلى المسجد الذي يصلون فيه، يحتاجون إلى المدرسة التي يتعلمون فيها، بعض الناس في بعض البلدان بعثوا لي يقولون نحن محتاجون إلى مصحف لا نجد مصحف، إلى كتاب دراسي لا نجد الكتاب الدراسي، إلى قلم رصاص، إلى كراسة لا نجد، وبجوارنا المدارس التبشيرية التنصيرية يقولون ما الذي يجعلكم تعملون هذه المدارس تعالوا ونحن نعلمكم مجاناً، وهم يريدون أن يحافظوا على أولادهم وعلى عقيدتهم وشخصيتهم الدينية كيف اترك هؤلاء وأحجج أو أعمل صندوق للحج لأناس لم يكلفهم الله بالحج، الحج هذا على من استطاع، لا مانع أن بعض الناس من الموسرين يحدد بعض الناس ممن يلوذون به، قريب له، أو شخص يشتغل عنده، يأخذهم معه وهو مسافر، كما يفعل بعض الشيوخ وبعض الأغنياء في بلاد الخليج، لا مانع، إنما لا يفعل ذلك من الزكاة، إنما أنا أقول هناك ما أسميه فقه الأولويات، بدل أن أعمل صندوق لهؤلاء الحجاج، أعمل صندوقا لإعانة الفقراء من المسلمين الذين يحتاجون إلى أساسيات الحياة إلى ضروريات الحياة، أعمل صندوق لعمل مدارس إسلامية، أعمل صندوق لبناء مساجد إسلامية، أعمل صندوق لنشر الكتاب الإسلامي، وكفالة الأيتام، وكفالة الدعاة، كفالة المعلمين، هناك في بعض البلاد الآن بدأوا يعملون أوقاف لهذه الأشياء، وهذه فكرة طيبة، إنما الحج لا يلزم أن نعمل له صندوق إنما يقوم به الموسرون أفرادا وهذا يكفي.
المقدم: السؤال الثاني تقول الأخت الكريمة أن هناك بعض طلبة العلم ممن يأخذ حظ في بعض القضايا الفقهية، وبعض المسائل ويحمل الناس عليها ويظن أن هذا الفقه وهذا الذي يجب أن يتعلمه الناس، تقول بم تنصح؟ حقيقة إن هذه القضية بدأت تنتشر وتشغل الناس فكيف ينصح هؤلاء؟
القرضاوي: المشكلة في الحقيقة هي جرأة بعض الناس على الفتوى، وكما جاء في بعض الآثار "أجرأكم على الفتوى أو على الفتيا أجرأكم على النار" الصحابة كانوا يتحرزون من الفتوى ويتحرجون منها، كان ابن عمر لا يكاد يجيب على فتوى ويقول هؤلاء يريدون أن يتخذوا ظهورنا جسوراً إلى جهنم، وكان ابن مسعود يقول "إن الذي يفتي للناس في كل ما يُسأل عنه لمجنون" ويقول بعض السلف "إن أحدهم ليفتي في المسألة لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر" مسألة خطيرة عمر لا يرضى أن يفتي فيها، إنما يقول هاتوا الصحابة أهل بدر ويسألهم. هؤلاء يفتي وجريء في الفتوى، يحرم ويمنع، ويقول هذه بدعة وهو لم يتأهل. الحقيقة المفتي هو فقيه وينبغي أن يكون عنده الحد الأدنى من العلوم اللازمة لمن يفتي، وهي علم القرآن وعلم الحديث والسنة وعلم العربية والعلم بالإجماع والخلاف، وعلم أصول الفقه، وفوق ذلك الملكة الفقهية، العلماء يقولون يكون عنده ملكة فهناك شخص ممكن أن يقرأ 100 كتاب ولكنه لا يصلح أن يكون فقيهاً، لابد أن تكون عنده الملكة بحيث يستطيع أن يميز بين الأشياء، للأسف نجد بعض الناس بمجرد أن يقرأ بعض الكتب يظن أنه أصبح شيخ الإسلام، ويفتي في كل أمر ولا يتورع عن الإجابة عن أي سؤال ويعسر على الناس ما يسر الله ويشدد فيما سهَّل الله، فهذا آفة وننصح هؤلاء أن يتواضعوا ويدعوا الأمر لمن هم أهل له، وفي الأشياء الصعبة يتركها لغيره، وأنا أحيانا أُسأل عن أشياء أقول والله ما كونت فيها رأياً ودعوني وأحياناً أشاور في المسألة إخواني من العلماء، ونقعد نتناقش فيها وقد نصل إلى رأي وقد لا نصل، وأنا أفتي منذ سنين طويلة ولكني لا أدَّعي العلم بكل شيء وسيظل الإنسان كما قالوا "لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه علم فقد جهل" "اطلب العلم من المهد إلى اللحد". فنصيحتي لهؤلاء الأخوة أن يتواضعوا وأن يعلموا أن العلم بحر واسع والله تعالى يقول (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (وقل رب زدني علما) وأنصح المستفتين أيضاً ألا يستفتي كل إنسان، يستفتي من وثق الناس به، من شهد الناس له، شهد له أهل العلم، يعني أصبح عالماً كما قال الإمام الشافعي "ما أفتيت إلا بعد أن شهد لي كذا وكذا" والإمام مالك قال "شهد لي سبعون من أهل المدينة". فلابد أن يشهد له الناس ويكون معروفاً بسعة العلم وقوة الدين أيضاً، فمن الممكن أن يكون الشخص عالماً جيداً ولكن لا دين له والعياذ بالله، ممكن أن يتجرأ على الفتوى وممكن أن يـبيع دينه بدنياه أو دينه بدنيا غيره، ممكن أن يفتي لبعض الأغنياء فيما يسهل لهم وبعض الحُكَّام فيما لا يجوز لهم، وهذه خطيرة. ثم يكون من أهل الاعتدال لا هو في طرف الإفراط ولا في طرف التفريط، الوسط "المنهج الوسطي" كما قال الإمام الشاطبي: "إن المفتي ينبغي أن يسلك الطريق الوسط لا يشدد على الناس دائماً، ولا يسهل على الناس دائماً، إنما يسلك الطريق الأوسط". كما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه "عليكم بالنمط الأوسط الذي يلحق به التالي ويُرَد إليه الغالي".
مشاهد من الإمارات: ورد لقسم البحوث في مجلتنا "منار الإسلام" سؤال زرع الشعر للرجل الأصلع، نريد أن نستأنس برأي فضيلة الدكتور أيضاً وهو يتكلم الآن عن مجلس الإفتاء أو الاجتهاد الجماعي، هذا الذي نميل إليه جزاه الله كل خير، فما رأي فضيلة أستاذنا في زراعة الشعر للرجل الأصلع، خاصة نحن مقبلون على موسم الحج، ما حكم هذا الشعر الاصطناعي المزروع في مسألة الحلق والتقصير وأيضاً في مسألة الوضوء؟
القرضاوي: هل يأخذون من شعره هو؟
المشاهد: لا، شعر قد يكون اصطناعي.
القرضاوي: لا أظن أن الصناعي ينفع، لأن المفروض يُغذى من بشرته ومن رأسه، أعتقد هذا فما أظن أن الشعر الصناعي يصلح لهذه العملية، فالذي أعرفه أنهم يأخذون من شعر الرجل من الخلف ويحاولون زراعته. وطبعا هذا لأنه موضوع جديد ربما يحتاج إلى اجتهاد جماعي، إنما أقول رأيي الأول أن هذا لا يدخل في الوصل الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة وجاء في ذلك عدة أحاديث عن عدد من الصحابة متفق عليها، الوصل مثل الباروكة، وهذا ليس وصلا هذا شعر سيتغذى من جسم الرجل نفسه، ويأخذ حكمه، النبي نهى عن الوصل لأن فيه خداع، نوع من التزوير ولذلك سماه النبي صلى الله عليه وسلم الزور، وسماه زورا لأنه ليس له شعر وهو يوهم الناس أن له شعر، إنما هذا يصبح جزءً من شعره، مثل الشخص الذي يحترق جزء من جسمه فيأخذوا من جزء آخر من الجسم ويجملوا به أي عملية تجميل، جزء من الجسم إلى جزء آخر فهذا رأيي الأولي أني لا أجد فيه مانعاً من الناحية الشرعية لأننا لا نحرم إلا بنص أو بقياس واضح على نص أو بإجماع، وهنا لا نص ولا إجماع، ولا ينبغي القياس على الوصل لأنه أمر غير الوصل وليس تزويراً فلا أرى مانعاً منه إن شاء الله.
مشاهد من عمان: هل يرى المؤمنون الله سبحانه وتعالى يوم القيامة؟ والسؤال الثاني للعاصي أو مرتكب الكبائر هل له توبة؟ والسؤال الثالث هل للإسبال شروط؟
القرضاوي: أما أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة فهذا ما تدل عليه ظواهر آيات القرآن الكريم وما تدل عليه صحاح الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الله تعالى يقول (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) فرأي أهل السنة أن الله تعالى يُرى يوم القيامة ويستدلون بأن موسى عليه السلام سأل ربه أن يراه قال (ربي أرني أنظر إليك) ولو كانت الرؤية مستحيلة لعلم موسى أنه كيف يجهل أمراً مستحيلاً على الله، وأما قوله تعالى (ولا تدركه الأبصار) أو يدركه الأبصار فقالوا هذا في الدنيا من ناحية ومن ناحية أخرى قالوا أن الإدراك أخص من الرؤية، لأن الإدراك رؤية مع الإحاطة بالمرئي، تدركه بمعنى تحيطه به، ولكن ما يحدث ليس إدراكاً ولكنه رؤية فقط فنفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، فالله يُرى بالآخرة ولا يُدرك. لذلك رأي أهل السنة استدلوا بالآيات القرآنية مثل قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة). والمعتزلة ومن وافقهم يقولون أن ناظرة بمعنى منتظرة إنما الانتظار في الغالب لا يكون مع "إلى" (فناظرة بما يرجع المرسلون) وليس "إلى"، "إلى" تدل على النظر أو الرؤية، والله تعالى يقول عن الكفار (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فهؤلاء محجوبون وهؤلاء (على الأرائك ينظرون) حتى ابن القيم يقول: من له إحساس بالقرآن وتذوق يعرف أن هؤلاء عن ربهم محجوبون وهؤلاء ينظرون وأعظم ما ينظرون إليه هو الله عز وجل وقد جاء في الأحاديث الصحاح "إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضامون في رؤيته" أي ليس هناك زحام وهذا التشبيه للرؤية وليس للمرء وليس تشبيه ربنا بالبدر وإنما تشبيه للرؤية كما ترون القمر ليلة البدر، هناك الأحاديث الصحاح وجاء عن الصحابة في تفسير قوله تعالى (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قالوا الحسنى هي الجنة والزيادة هي رؤية الله عز وجل فهي أعظم ما في الجنة، أعظم ما في الجنة رضوان الله تعالى ورؤيته (ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم) ورؤية الله لا تستلزم ما قاله المعتزلة ومن وافقهم، المعتزلة نفوا الرؤية لماذا؟ قالوا لأن الرؤية تستلزم أن يكون المرئي في مقابلة الرائي وينـتقل الشعاع منه إليه، ولكن هذا قياس المخلوق على الخالق، هذا ليس بصحيح وقياس الدنيا على الآخرة ليس بصحيح، الآخرة لها قوانينها، والدنيا لها قوانينها، ومثل ما قال ابن عباس "ليس في الجنة من الدنيا إلا الأسماء" وإنما هذه نشأة أخرى وعالم آخر، فالقول الصحيح هو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن الله يُرى يوم القيامة ونسأل الله عز وجل أن يمتعنا برؤيته وبرضوانه في دار النعيم وفي جنات النعيم.
المقدم: السؤال الثاني وهو من الأسئلة العقيدية أو العَقدية وهو مرتكب الكبيرة، هل يخلد في نار جهنم؟
القرضاوي: مرتكب الكبيرة إذا تاب منها فلا شيء عليه، فالتوبة تَجُبُّ ما قبلها كما أن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، التوبة تغسل الإنسان من الذنوب كما يغسل الماء الوسخ، والله تعالى يقول (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) وأود أن أقول هنا أن كل الذنوب قابلة للتوبة حتى القتل، لا يوجد ذنب يستعصي على التوبة، الله تعالى يقول (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً) أي بالتوبة، حتى الشرك، ومن غير التوبة الله تعالى يقول (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) بالتوبة ومن غير التوبة كل الذنوب قابلة للغفران إلا الشرك، من مات على الشرك الأكبر فهذا هو الذنب الذي لا يُغفر، نَصَّت على ذلك آيتان من القرآن في سورة النساء.
المقدم: ولو مات على الإسلام لكن مات على كبيرة من الكبائر؟
القرضاوي: علماؤنا عبَّروا عن هذا في منظومة كنا ندرسها في القسم الثانوي في الأزهر اسمها "الجوهرة" لللقاني:
ومن يمت ولم يتب من ذنبه |
فأمره مفوض لربه |
فإن يُثِبْه فبمحض الفضل |
وإن يعذب فبمحض العدل |
فأمره مفوض إلى الله عز وجل قد يثيـبه الله من عنده، قد يشفِّع فيه شفيعاً مطاعاً من الأنبياء، من الملائكة، من الصالحين، وقد يعفو عنه الله سبحانه وتعالى بفضله ويدخله الجنة، وقد يعذبه فيدخل النار مدة من الزمن ثم يخرج منها مادام قد مات على التوحيد على "لا إله إلا الله" ولا نقطع بخلوده في نار جهنم، ورد في الأحاديث الصحاح أن أهل التوحيد يخرجون من النار، يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان بل مثقال حبة من إيمان، وورد في الأحاديث في آخر أهل النار خروجاً، وآخر أهل الجنة دخولاً، ربنا أعطاه مثل عشرة ملوك من ملوك الدنيا قال ولك مثله أيضاً.
المقدم: سؤال أخونا عن الإسبال وحدود إسبال الثوب؟
القرضاوي: عملية الإسبال، وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الإسبال، بعضها ورد فيها نهي مطلق عن الإسبال "أن يسبل إزاره" وبعضها مقيد بمن فعل ذلك اختيالا قال "لا يريد بذلك إلا المخيلة" وهو حديث ابن عمر، يعني من جَرَّ إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة، معنى المخيلة أي الاختيال أي يريد التبختر والفخر على الناس، وكان العرب في الجاهلية يعتبرون جَرَّ الثياب هذا من مظاهر العظمة، وإن الفقير يلبس لحد الركبة أو تحت الركبة بقليل، والغني يلبس ويجر في إزاره، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جَرِّ الثوب، أو جَرِّ الإزار بالذات، معظم الأحاديث جاءت في الإزار وجاء أيضا إزرة المؤمن إلى نصف الساق، فبعض العلماء أخذ بالإطلاق وقال الإسبال ممنوع على كل حال، والبعض قال ممنوع إذا أريد به المخيلة، إذا أريد به الاختيال، أما من لم يخطر الاختيال بباله فلا يدخل، بدليل حديث ابن عمر وبدليل حديث سيدنا أبو بكر قال "يا رسول الله: إني لا أتعهد إزاري فيسترخي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لست ممن يفعله خيلاء" فدل على أن فيه عِلَّة، وهذا ما ذهب إليه الإمام النووي والحافظ بن حجر، والكثير من شُرَّاح الحديث وأنا من هذا الفريق الذي يربط التحريم بالاختيال والفخر.
مشاهد من الإمارات: عندي والد متوفى وكان قبل مرضه قادر على الحج، هل يجوز أن أحج بدلاً عنه مع العلم أني لم أحج سابقاً؟
القرضاوي: هو يحج عنه سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحج عن الأب وسألته بعض المسلمات وقال "أرأيت إن كان على أبيك دين أكنت قاضيته؟ فقال: فدَين الله أحق أن يُقضى" فالإنسان يحج عن أبيه، فالابن يحج عن أبيه أو أمه، والبنت تحج عن أبيها وهذا هو الأفضل ما يحج به عن الميت، أن يحج الإنسان عن أبيه أو عن قريـبه على الأقل، أخيه، ابن عمه، قريـبه ورد في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يقول لبيك الله عن شبرمة، قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي ـ الراوي شك فقال: أخ لي أو قريب لي ـ قال: هل حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة. أنا أنصح الأخ أن يحج عن نفسه أولاً وفي السنة التالية يحج عن والده إن شاء الله، فإن خاف ألا يتيسر له ذلك، فليـبحث عن أحد أقربائه ممن يكون قد حج، ويعطيه المال اللازم ليحج عن أبيه ويفضل أن يكون من الأقرباء، فإن لم يجد فليكون مسلماً من أهل بلده يحج عنه ونسأل الله أن يتقبل منه إن شاء الله، ففي الحقيقة هذه رحمة من الله وتوسعة على عباده، الأصل في العبادات وخصوصا مثل الحج أنه عبادة بدنية أي عبادة شخصية يؤديها الإنسان ببدنه بذاته وأن ليس للإنسان إلى ما سعى فربنا سبحانه وتعالى من رحمته وفضله على عباده أنه أجاز للإنسان بعد موته أنه تؤدى العبادة التي قصَّر فيها في حياته خصوصا الحج بالذات، فأجاز لنا أن نحج عن الميت بعد موته. فالأولى أن يكون الأخ أو إن كان له أخ أو أخت أو أحد أقربائه وإلا أحد أبناء البلدة. |