السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه أجمعين
قال ابن الأعرابي:
الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت فكأنه كاسد العقل والرأي
فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر حرب.
وقال أبو بكر المكارم:
إنما سميت البقلة الحمقاء لأنها تنبت في سبيل الماء وطريق الإبل.
قال: ابن الأعرابي:
وبها سمي الرجل أحمق لأنه لا يميز كلامه من رعونته.
الفرق بين الحماقة والجنون:
فصل وقد ذكرنا ما يتعلق باللغة في هذا الاسم ولا يظهر المقصود
إلا بكشف المعنى فنقول:
معنى الحمق والتغفيل هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب مع صحة المقصود
بخلاف الجنون فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعاً
فالأحمق مقصوده صحيح
ولكن سلوكه الطريق فاسد ورويته في الطريق الوصال إلى الغرض غير صحيحة
والمجنون أصل إشارته فاسد فهو يختار ما لا يختار ويبين هذا ما سنذكره عن بعض المغفلين
فمن ذلك:
أن طائراً طار من أمير فأمر أن يغلق باب المدينة!
فمقصود هذا الرجل حفظ الطائر.
............................
أن الحمق غريزة
عن إبي إسحاق قال:
إذا بلغك أن غنياً افتقر فصدق وإذ بلغك أن فقيراً استغنى فصدق
وإذا بلغك أن حياً مات فصدق
وإذا بلغك أن أحمق استفاد عقلاً فلا تصدق.
القاضي أبو يوسف يتكلم عن الحماقة:
عن أبي يوسف القاضي قال:
ثلاث صدق باثنتين ولا تصدق بواحدة
إن قيل لك إن رجلاً كان معك
فتوارى خلف حائط فمات فصدق
وإن قيل لك إن رجلاً فقيراً خرج إلى بلد فاستفاد مالاً فصدق
وإن قيل لك إن أحمق خرج إلى بلد فاستفاد عقلاً فلا تصدق.
عن الأوزاعي إنه يقول:
بلغني أنه قيل لعيسى ابن مريم عليه السلام:
يا روح الله إنك تحيي الموتى قال: نعم بإذن الله.
قيل وتبرىء الأكمة قال: نعم بإذن الله.
قيل: فما دواء الحمق قال:
هذا الذي أعياني
قال جعفر بن محمد:
الأدب عند الأحمق كالماء في أصول الحنظل كلما ازداد رياً زاد مرارة.
الحمق شر من الرعونة:
قال المأمون:
تدرون ما جرى بيني وبين أمير المؤمنين هارون الرشيد
كان لي إليه ذنب فدخلت مسلماً عليه فقال: أغرب يا أحمق.
فانصرفت مغضباً ولم أدخل إليه أياماً فكتب إلي رقعة ليت شعري
وقد تمادى بك الهجر أمنك التفريط أم كان مني
إن تكن خنتنا فعنك عفا الله وإن كنت خنتكم فاعف عني
فسرت إليه فقال: إن كان الذنب لنا فقد استغفرناك وإن كان لك فقد غفرناه.
فقلت له:
قلت له يا أحمق ولو قلت لي يا أرعن كان أسهل علي.
فقال:
ما الفرق بينهما قلت له:
الرعونة تتولد عن النساء فتلحق الرجل من طول صحبتهن
فإذا فارقهن وصاحب فحول الرجال زالت عنه
وأما الحمق فإنه غريزة.
وأنشد بعض الحكماء:
الخفيف:
وعلاج الأبدان أيسر خطباً حين تعتل من علاج العقول
............................
اختلاف الناس في الحمق
الحمق فساد في العقل:
وقد ذكرنا أن الحمق فساد في العقل أو في الذهن
وما كان موضوعاً في أصل الجوهر فهو غريزة لا ينفعها التأديب
وإنما ينتفع بالرياضة والتأديب من أصل جوهره
سليم فتدفع الرياضة العوارض المفسدة.
وبعد فإن الناس يتفاوتون في العقل وجوهره
ومقدار ما أعطوا منه فلهذا يتفاوت الحمق.
قيل لإبراهيم النظام:
ما حد الحمق فقال:
سألتني عما ليس له حد.
وتلا عمر هذه الآية:
" ما غرك بربك الكريم "
قال: الحمق يا رب.
كل إنسان وفيه حمقه:
وقال علي رضي الله عنه:
ليس من أحد إلا وفيه حمقة فيها يعيش.
وقال أبو الدرداء:
كلنا أحمق في ذات الله
وعن مطرف قال:
لو حلفت لرجوت أن أبر أنه ليس أحد من الناس إلا وهو أحمق
فيما بينه وبين الله عز وجل
وكان يقول: ما أحد من الناس إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه عز وجل
غير أن بعض الحمق أهون من بعض وعنه
قال: عقول الناس على قدر زمانهم وكان يقول:
هم الناس والنسناس وأرى أناساً غمسوا في ماء الناس.
وقال سفيان الثوري:
خلق الإنسان أحمق لكي ينتفع بالعيش.
وأنشد بعضهم: الطويل: لعمرك ما شيءٌ يفوتك نيله بغبنٍ
ولكن في العقول التغابن
........................