كنت اتوقع، عملا بحسن النية والاخوة العربية الممتدة من الخليج الثائر الى المحيط الهادر، ان تقوم الدول العربية بتوفير مساعدات او قروض لمصر بعد الثورة حتى تنهض من عثرتها التي اوقعها فيها صديقهم الرئيس المخلوع، فيما يشبه مشروع مارشال الامريكي لاعادة بناء اقتصاد اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن للاسف لم تقدم الدول العربية حتى الان أي مساعدة لها قيمة لمصر وذلك استجابة لنصائح العم سام بعدم تقديم أي معونات للقاهرة. والعم سام باعتبار انه خواجة، يفهم اكثر من العرب ما يصلح لهم وما يضرهم وينفعهم، اكثر مما يفهون هم بكثير.
والواقع ان العرب ادمنوا انفاق اموالهم اما لخدمة مصالح امريكا او لتمويل حروبها ضد بضعهم البعض او لشراء اسلحة منها بمبالغ مهولة يحتفظون بها في مخازنهم ولا يستعملونها حتى يأكلها الصدأ، ولكنها على أي حال تعود على المصانع الامريكية ومقاولي الدفاع الامريكيين بالفائدة وتسهم في تخفيف البطالة في بلاد العام سام.
وبدءا من دعم جماعات الكونترا في نيكارجوا ضد الساندينستا في منتصف الثمانينات بأموال سعودية الى تمويل الجيش الجمهوري الايرلندي باموال ليبية الى تمويل حروب امريكا في افغانستان والخليج، نجد ان الاموال العربية التي يتم تبديدها واهدارها كانت تكفي للقضاء على البطالة وانعاش الاقتصاد ليس في الدول العربية فحسب بل في كثير من الدول الافريقية والاسيوية الفقيرة المحيطة بنا.
وفي كل المغامرات العسكرية في الخليج، كانت الاموال العربية هي الركيزة الاساسية حتى ان انتوني كوردزمان الباحث بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن يقول في احد كتبه ان امريكا كانت تكلف دول الخليج مقابل Wear and Tear لحاملات الطائرات والسفن في حرب العراق 1991. والاصطلاح الانجليزي معناه معدل الاهلاك. أي اننا لو افترضنا مثلا ان قيمة الحاملة 100 دولار والعمر الافتراضي لها هو مئة شهر، يكون تكلفة وجودها في الماء لمدة شهر دولار واحد كانت دول الخليج تدفع حسابه ولكن باليوم وربما بالساعة. واذا كانت امريكا لاتتورع عن تحميل دول الخليج مقابل معدل الاهلاك فلاشك ان كل شيء كان يتم دفعه بما فيها مرتبات الجنود وثمن الطعام والمياه وحتى تعويض الجنود الامريكيين عن الإصابات.
اما صفقات الاسلحة الخليجية مع امريكا والدول الغربية فهي اكبر من ان يستوعبها العقل. وامريكا تستغل المخاوف العربية من ايران في استنزاف اموال هذه الدول وتشغيل مصانعها وبيع منتجاتها. والصفقة التي اعلن عنها في اواخر 2010 بين السعودية والولايات المتحدة لشراء طائرات بمبلغ 60 مليار دولار اضافة الى تحديث اسلحة في مجال البحرية والدفاع الصاروخي تصل الى نحو 30 مليار اخرى، توصف بانها من اكبر الصفقات الدفاعية في التاريخ. ويأتي ذلك بالطبع بعد صفقة اليمامة مع بريطانيا والتي احاطت بها الكثير من الفضائح. ولعلنا شهدنا مؤخرا المناورات والمحاولات التي قامت بها فرنسا لبيع طائرات رافال للامارات في صفقة كان يمكن ان تمثل فتحا كبيرا للطائرة الفرنسية في الاسواق العالمية لولا انها تعثرت. وهذه الصفقات ربما كانت ضرورية لتشغيل المصانع الغربية اكثر من ضرورتها للدفاع عن مشترييها.
المهم ان اموال العرب بدلا من ان تنفق على الشعوب فهي تنفق لحماية النظم البائسة وتقدم كرشاوى للدول الغربية تحت قناع صفقات اسلحة لا تنفع ولا تشفع.