رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،،
فإن الناظر اليوم إلى الساحة الدعوية، سواء في الجانب العلمي أو العملي أو الإعلامي يلحظ تغيراً سريعاً يواكب ويزامن سمة هذا العصر، ألا وهي سرعة عجلة التغير والتطور المتنوع في كثير من المجالات، سواء الفكرية أو العلمية التكنلوجية، بل وحتى السياسية. ومظاهر هذا التغير الدعوي كثيرة متنوعة؛ ما بين ممدوح ومذموم.
ومما شهد تغيراً كبيراً ما يُعرف اليوم بـ «الأناشيد الإسلامية» - إن صحت تسميتها بذلك -، فالأنشودة العادية غير المتكلفة ذات الألحان السهلة ية التي كانت تُعرف من قبل صارت جماعية، ثم مرت بمراحل متنوعة حتى انتهت اليوم بشكل مغايرٍ في المخبر والمظهر عما كانت عليه من قبل، إذ دخل فيها التصوير، ومازجتها المؤثرات الصوتية بالتحسينات الحاسوبية التي تحاكي الآلات الموسيقية، إن لم تكن أبلغ منها، حتى إنه ليعسر أحياناً على أهل الخبرة التمييز بينهما فضلاً عن غيرهم، وصار كثير منها يحاكي في كثير من جوانبه الغناء إذ أصبحت تُنشد بألحانه وترنماته وآهاته، فدخل في تصويرها الفيديو كليب، بل وحتى النساء دخلن في تمثيل بعضها بشكل أو بآخر، وغدا الإنشاد اليوم حرفة ومهنة يمتهنها كثير من أربابها.
ولولا وجود لبسٍ عند بعض مريدي الخير من عامة الناس وخاصتهم، لما كتبت هذا المقال في حكم هذا النوع من الإنشاد لظهوره بأدنى تأمل لمن خَبَر أصول الشرع وقواعده، واطلع على واقع هذا النوع من الأناشيد وأثره على الفرد والمجتمع. إذ ظن بعضهم أن ما كان يفتي به بعض العلماء -لا كلهم-، قديماً وحديثاً، من جواز الأناشيد العادية غير المتكلفة عند أول ظهورها لا سيما عند الحاجة إليها، ظن هؤلاء أن هذا الحكم ينسحب أيضاً على ما انتهى إليه الحال بالأناشيد اليوم من الصورة التي سبق ذكرها.
وما انتشار هذه الأناشيد ورواجها بين الناس، وكثرة ظهورها وتنوعها في القنوات الفضائية، بل وظهور قنوات خاصة بها، إلا أثر من آثار هذا الظن الخاطىء.
ولذا، أحببت أن أبيَّن بشيء من الاختصار بعض الأوجه الدالة على حرمة هذا النوع من الأناشيد، وأن أذكر بعض مفاسدها المقتضية لهذا الحكم، كما أشير إلى أهم ما استدل به المجوزون لها مع الجواب عليها.
فأقول مستعيناً بالله: إن المحاذير الشرعية في الأناشيد العصرية المسماة بالإسلامية كثيرة، فمنها:
أولاً: أن فيها صداً عن ذكر الله - تعالى -، وإشغالاً عن السماع الشرعي المأمور به وهو سماع القرآن المحيي للقلوب، إذ أن تأثر القلوب بهذه الأناشيد وتعلقه بها أمر لا يجحده إلا مكابر، ومن المعلوم أن الشريعة قد رغبت في سماع القرآن وحثت عليه، وحرمت كل ما من شأنه الصدّ عنه.
قال - تعالى -: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته)
قال ابن تيمية (الفتاوى 11/532): (قال الحسن بن عبد العزيز الحراني: سمعت الشافعي يقول: خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن، وهذا من كمال معرفة الشافعي وعلمه بالدين، فإن القلب إذا تعود سماع القصائد والأبيات والتذّ بها حصل له نفور عن سماع القرآن والآيات فيستغني بسماع الشيطان عن سماع الرحمن. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن»، وقد فسره الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما بأنه من الصوت فيحسنه بصوته ويترنم به بدون التلحين المكروه..... إلى أن قال: والذين حضروا السماع المحدث الذي جعله الشافعي من إحداث الزنادقة لم يكونوا يجتمعون مع مردان ونسوان، ولا مع مصلصلات وشبابات، وكانت أشعارهم مزهدات مرققات) ا. هـ
والواقع يشهد بأن رواج أشرطة الأناشيد قد فاق رواج أشرطة القرآن، ويؤكد هذا اشتغال كثير ممن اشتهروا وعرفوا بقراءة القرآن بالإنشاد، حتى صار جل اهتمامهم واعتنائهم بإصدرات الأناشيد لا بالقرآن، فضلاً عمن لم يُعرف أصلاً إلا بالإنشاد مع قدرته على الاشتغال بالقرآن، ليس ذلك إلا لرواج سوق الأناشيد.
--------------------------------
تتمة الموضوع في الجزء الثاني
ومن أراد الاستزادة في الموقع التالي http://multaqa.forum.st/