منتدي شباب إمياي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدي شباب إمياي

مجلس الحكماء

التسجيل السريع

:الأســـــم
:كلمة السـر
 تذكرنــي؟
 
السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة Support


3 مشترك

    السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة

    ابو انس
    ابو انس
    صاحب مكان
    صاحب مكان


    النوع : ذكر
    عدد المشاركات : 2689
    العمر : 57
    تاريخ التسجيل : 17/01/2010
    مزاجي النهاردة : السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة Pi-ca-10

    السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة Empty السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة

    مُساهمة من طرف ابو انس 28/4/2011, 9:43 am

     


    ]السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة


     


    المصدر : موقع الرحمة المهداة WWW.MOHDAT.COM


     



    تتنامى في الساحة الفكرية والدوائر السياسية قناعة تقضي بأن السلفية (مذهب) إسلامي يرسِّخ الفكر المتشدد والممارسات الدينية المتطرفة.


    وقد اتضحت جليّاً الخلفية التي أدت إلى انتشار هذه القناعة؛ إنها خلفية أطَّرَتْها الدراسات الغربية (القديمة والحديثة) التي تهدف إلى تقييم المذاهب والطوائف الإسلامية من أجل التمكين لأقربها إلى خدمة المشروع الأمريكي، رائد المشاريع المبشِّرة بدين «النظام العالمي الجديد» الذي يريد سدنته فرضَه على البشرية من خلال عولمة اقتصادية واجتماعية خانقتين.


    مع ما يكمل ذلك من ضرورة إقصاء كل الدعوات التي تسعى للتمكين «للنظام العالمي الإسلامي»، وتدعو للرجوع إلى الأصول الشرعية الكفيلة بزرع روح العزة والمجد في جسد الأمة المنهَك؛ ومن هنا بات من المتعيِّن محاربة الدعوة السلفية التي تعظِّم النص الشرعي، وتصون دلالته من التلاعبات المفضية إلى تحريف الدين بتأويلات الجاهلين وانتحال المبطلين.


    وهذا يفسر لنا ما نشاهده من سياسات وتحالفات تدعم كلَّ المذاهب والتوجهات التي تميل إلى التحلل من الأحكام الشرعية عن طريق التأويل الفاسد وتحريف المعاني مثلاً - أو عن طريق إحداث مصادرَ تلقٍّ تزاحم النص؛ كالكشف الصوفي، أو عن طريق توظيف علم المقاصد وقواعد المصلحة لتفريغ النصوص من دلالاتها؛ بحيث تصير المقاصد والمصالح فتنة بالعرض وإن كانت في أصلها حكمة بالذات، كما تنبأ بذلك رائد علم المقاصد؛ العلاَّمة أبو إسحاق الشاطبي - رحمه الله -.


    وهؤلاء المتحللون نوعان:


    الأول: لا يؤمن بشيء اسمه حجية النص أو قدسيته، أو طاعة الله ورسوله، ولكن يُظهِر خلاف ما يبطن ليهدم الإسلام من الداخل؛ وهؤلاء هم الباطنية بمختلف فِرَقهم القديمة والحديثة.


    والثاني: يُقِر بحجية النص قولاً وادِّعاءً، لكنه يخالف ذلك عملاً وسلوكاً (على تفاوت بين هؤلاء في درجة المخالفة)؛ وبمعنى آخر: يشهد (بقوله) بأن النص قدسي وأن طاعة الله ورسوله واجبة، ولكنه يفرِّغ هذه الحقيقة من معناها؛ بردِّ دلالات بعض النصوص ولو كانت قطعية أو تقوم على غلبة الظن[1]؛ فيتكأ على عدم قطعية الدلالة ليسوغ لنفسه ردَّ الحكم بتأويله، تأويلاً غير شرعي.


    وهذا خارج عن سَنن العلماء الذين اتفقوا على أن ظاهر النص معتبَر، وأن تأويله لا يصح إلا بدليل، وأن حجيَّته لا تُرَدُّ بسبب كون دلالته ظنية غير قطعية، وما اتفقوا عليه مسلك علمي تم إبرازه من خلال علم أصول الفقه، وليس تشدداً ولا انغلاقاً ولا حرفية.


    وهذا المسلك هو الطريق إلى الوسطية التي تحقق التوازن بين لفظ النص ومعناه، وبين ظاهره وفحواه، وهي طريقة العلماء السلفيين في العمل بظواهر النصوص عملاً لا ينافي الاستفادة المنضبطة من إشاراتها ومعانيها العميقة ومقاصدها، كما يعلم ذلك من يتأمَّل في أصول السلف في الاستنباط وطرائقهم في الاجتهاد، خلافاً لمن يرميهم بالحرفية والجمود وقصور الفهم.


    قال ابن القيم معلِّقاً على قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقد سئل: هل خصَّكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء دون الناس؟ فقال: "لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه". قال: "ومعلوم أن هذا الفهم قَدْر زائد على معرفة موضوع اللفظ وعمومه أو خصوصه؛ فإن هذا قَدْر مشترَك بين سائر من يعرف لغة العرب، وإنما هذا فَهْمُ لوازم المعنى ونظائره ومراد المتكلم بكلامه ومعرفة حدود كلامه؛ بحيث لا يدخل فيها غير المراد، ولا يخرج منها شيء من المراد" ا. هـ[2].


    فهذا هو الوسط العدل بين جفاء الحرفية التي تُتَّهم بها السلفية، وميوعة الذين يريدون أن يفهموا من النص ما يريدون هم، لا ما يريده المتكلم به، متذرعين بإعمال المقاصد وتحري المصلحة والتيسير؛ فيتحررون من الضوابط والآداب الشرعية للاستنباط، ويبتدعون طرائق باطلة في ذلك؛ كالكشف والقراءة العقلانية والقراءة العصرانية والتوفيقية والمقاصدية...إلـخ.


    وها هو ذا الإمام الشاطبي علاَّمة علم المقاصد وخِرِّيتُه يعتبَر من أشد العلماء حرصاً على ظواهر النصوص وتعظيماً لدلالتها الظاهرة.


    وقد استهل حديثَه في «موافقاته» ببيان علاقة مقاصد الشارع بنصوصه، وأشار إلى وجود ثلاثة اتجاهات في ذلك:


    الاتجاه الظاهري: الذي يَقْصِر مسالك الكشف عن مقاصد الشارع على ما صرَّحت به ظواهر النصوص دون أن يعطيَ كبير اهتمام لعلل الأحكام.


    الاتجاه الباطني: الذي يهدر ظواهر النصوص ويسعى إلى التخلص منها بدعوى أنها ليست مقصودة لذاتها، ويجعل عمدتَه في اكتشاف مقاصد الشارع وتقدير المصالح تقديرَه هو.


    الاتجاه الثالث: هو منهج التوسط؛ وهو اعتبار ظواهر النصوص ومعانيها في مسلكٍ توافقيٍّ لا يسمح بإهدار أحد الجانبين على حساب الآخر ولا بطغيان أحدهما على الآخر، فيعطي للنص حقَّه وأبعاده التي يكون قد قصدها الشارع، وذلك بعدم إهمال الأدوات المعينة على حُسْن فهم النص وتطبيقه: من علل، وقرائن، وجَمْع النصوص الجزئية بعضها مع بعض لتتضح الصورة الكلية.


    إن إغفال هذه الحقائق التي أصَّلها السلف وأخذ بها عامة علماء السلفية - على تفاوت بينهم - جعل كثيرين يتهمون السلفية بالنصوصية الحرفية والتصلب في الفهم، ومن ثَمَّ الحكم عليها بالتشدد والتطرف.


    وقد أفرز هذا التصور مواقف وردود أفعال على المستوى الفكري والسياسي والإعلامي؛ حيث برزت أطروحات فكرية تنتقد السلفية بكثير من الظلم والتجنِّي، واتخذت قرارات غير مسَوَّغة بإغلاق مئات المدارس ودور القرآن السلفية، وإغلاق عدد من القنوات الفضائية، والسعي لإقصاء السلفيين عن المنابر... إلـخ.


    وهذا التوجه المصحوب بمواقف إقصائية عدوانية يجرُّنا إلى التساؤل عن المعيار الذي نعتمده للحكم على مناهج التدين بالسماحة والاعتدال؛ بعد أن نتفق على أنهما صفتان محمودتان، كما يجعلنا نتساءل عن حكم فرض الرأي في هذا الموضوع ومصادرة ما يخالفه، في الوقت الذي ندعو فيه لمد جسور الحوار مع الكفار وربط أواصر المحبة مع المنحرفين؟


    إن ادِّعاء الوسطية أو الاتهام بالتطرف من منطلَق نزعات النفس، والقناعات الشخصية سلوك لا يَمُتُّ للعلم ولا للخُلُق بِصِلَة، وكون غيرك يقول بتحريم ما تعتقد حلِّيَته، أو وجوب ما تعتقد استحبابه لا يكفي للحكم عليه بأنه متشدد وبأنك معتدل، لا سيما إذا قال بقوله جمهور أهل العلم؛ فالقول بتحريم الغناء مثلاً - حكم فقهي قال به جمهور الأئمة؛ وعلى رأسهم الأئمة الأربعة، والقول بمشروعية النقاب مُجمَع عليه.


    فهل نحكم على من تبنَّى هذه الأحكام الشرعية ومثيلاتها بأنه متشدد ونصادر حقه في الدعوة إلى رأيه؟ نعم! لو لم يكن له متمسك في نصوصٍ صريحة أو ظاهرة، وفقهٍ لأئمة مُجْمَع على علمهم وفضلهم؛ لربما كان الحكم عليه بالشذوذ والتشدد صائباً.


    فالسؤال المطروح إذن هو: ما هو المعيار المعتمد شرعاً للحكم على سلوك معيَّن أو منهج تدين معيَّن بأنه معتدل أو متطرف؟


    ولن يَصِحَّ الجواب على هذا السؤال إلا بتحكيم الشرع وإبعاد الهوى، ولا يَصِحُّ أبداً تحديد الاعتدال بناءً على ما تهواه النفس وتميل إليه. قال الخالق الخبير - سبحانه -: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة: 120]. وقال: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [المائدة: 48].


    فالاعتدال حق، وقد دلت هذه النصوص على أن الحق لا يُعرَف باتباع الهوى، بل يعرف باتباع الشرع. ومن هنا قال العلماء: "المعروف في استعمال الهوى عند الإطلاق أنَّه الميلُ إلى خلاف الحقِّ".


    فالشرع هو الحاكم، وحكمه هو الحق، ومتى أحسَّت النفس بأن حكم الشرع يتنافى مع الاعتدال واليسر فإنما هو لخلل فيها وغلبة الهوى عليها، وقد عُلِمَ أن حب الشيء يُعمِي ويصم؛ "فجميعُ المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفوس على الحق الذي شرعه الله ورسوله، وقد وصف اللهُ المشركين باتِّباع الهوى في مواضع من كتابه. قال - تعالى -: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) [القصص: 50]. وكذلك البدعُ، إنَّما تنشأ من تقديم الهوى على الشَّرع؛ ولهذا يُسمى أهلُها أهل الأهواء"[3].


    وعلاجاً لهذا المرض ورد معنى حديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" [4].


    ومعناه كما قال العلاَّمة ابن رجب: "أنَّ الإنسان لا يكون مؤمناً كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعةً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأوامر والنَّواهي وغيرها، فيحبُّ ما أُمر به، ويكره ما نُهِي عنه.


    وقد ورد القرآن بمثل هذا في غير موضع. قال - تعالى -: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء: 65]. وقال - تعالى -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: 36].


    وذمَّ - سبحانه - من كَرِه ما أحبَّه الله، أو أحبَّ ما كرهه الله، فقال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 9]، وقال - تعالى -: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد: 28].


    فالواجب على كلِّ مؤمن أنْ يُحِبَّ ما أحبَّه الله محبةً توجِبُ له الإتيان بما وجب عليه منه، فإنْ زادت المحبَّةُ حتَّى أتى بما نُدِب إليه منه كان ذلك فضلاً، وأنْ يكره ما كرهه الله - تعالى - كراهةً توجِبُ له الكـفَّ عمَّا حـرَّم عليه منه، فإنْ زادت الكراهةُ حتَّى أوجبت الكفَّ عمَّا كرهه تنْزيهاً، كان ذلك فضلاً» ا. هـ[5].


    فهذا الاتباع لدلالة النص والامتثال لتوجيهه، هو الحق المحمود، وهو الاعتدال، وما يقابله من تأويل عقلاني أو كشفي أو غيرهما هو الهوى المذموم، وإن أُلبِس لبوس الاعتدال أو الروحانية أو العقلانية. قال العلاَّمة الشاطبي: «العقل إذا لم يكن متَّبعاً للشرع لم يبقَ له إلا الهوى والشهوة، وأنت تعلم ما في اتباع الهوى وأنه ضلال مبين؛ ألا ترى إلى قول الله - تعالى -: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)[ص: 26]؟ فحصر الحكم في أمرين لا ثالث لهما عنده؛ وهو الحق والهوى، وعزل العقل مجرَّداً؛ إذ لا يمكن في العادة إلا ذلك. وقال: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)[الكهف: 28]، فجعل الأمر محصوراً بين أمرين: اتباع الذكر، واتباع الهوى. وقال: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ)[القصص: 50]، وهي مثل ما قبلها. وتأمَّلوا هذه الآية؛ فإنها صريحة في أنَّ من لم يتبع هدى الله في هوى نفسه فلا أحد أضل منه، وهذا شأن المبتدع؛ فإنه اتبع هواه بغير هدى من الله، وهدى الله هو القرآن، وما بينته الشريعة.


    وبينت الآية أن اتباع الهوى على ضربين:


    أحدهما: أن يكون تابعاً للأمر والنهي، فليس بمذموم ولا صاحبه بضال، كيف وقد قدَّم الهدى واستنار به في طريق هواه؟ وهو شأن المؤمن المتقي.


    والآخر: أن يكون هواه هو المقدَّم بالقصد الأول - كان الأمر والنهي تابعين بالنسبة إليه أو غير تابعين - وهو المذموم» ا. هـ[6].


    وبعد هذا أقول: إن أصل التسليم للنص وتركِ الميول مع هوى النفس؛ وَرد في ترسيخه تنزيلٌ مبارك حكيم: قال - تعالى -: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِـمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْـمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإلَيْكَ الْـمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 284 - 286].


    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "لما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جثوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله! كُلِّفنا من الأعمال ما نُطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزِل عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير)) فلما أقَرَّ بها القوم وذلَّت بها ألسنتهم، أنزل الله في أثرها: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)... "[7].


    فهذا هو الحق الذي يورث الاعتدال والسماحة؛ إنه تعظيم النص والمبادرة إلى العمل به امتثالا للأمر واجتناباً للنهي وإن تبادر منه ما يتنافى مع هوى النفس.


    وحقيقة تزكية النفس هو حَمْلها على ذلك، ومجاهدتها حتى تصير مطمئنة به؛ فمن عجز عن العمل بذلك أو ضعف عن تصور أحقيَّته، فلا يصح منه أن يصف المجتهدين بالتشدد والغلو كما يفعل أولئك الذين سلكوا مسلك التأويل الباطل للنصوص من أجل التخلص مما تضمنته من أحكام.


    وإذا ظهر لنا المعيار الصحيح لتحديد مفهوم الاعتدال، فلا بد أن نبيِّن هنا أن التطـرف قسمان؛ تطرُّف نحو الغلو، وتطرف نحو التمييع والتساهل المذموم.


    ولا يمكن أن يوصف سلوك المرء بالاعتدال والوسطية والسماحة إلا إذا سلم من نوعي التطرف؛ وهو ما ينبغي أن يفهمه أولئك الذين يبالغون في ذم الغلو والتشدد والتنطع، وهم غارقون في الميوعة والتهاون والتقصير، الذي يسوِّغونه: إما بمفهـوم خاطئ للرجاء، وإما بتأويل باطل للنص، وإما بالإهمال وانعدام المبالاة. وقد شاع هذا التصور مع الأسف حتى صار هؤلاء هم من يوصفون بالسماحة والاعتدال.


    وهكذا فشا هذا المعيار الفاسد في الحكم على الشيء بالاعتدال أو التطرف؛ فكلما تخلص المسلم من قيد شرعي كلما اشتد وصفه بالسماحة والاعتدال، وكلما التزم مسلم بقيد شرعي أو أدب مرعي كلما كان أقرب إلى التشدد والتنطع والمبالغة.


    أجل! فشا هذا المعيار في مجتمعاتنا وطغى على إعلامنا، وانتقل من حيِّز السلوك والعمل إلى مجال الفكر والتأطير الفلسفي، بل السياسي أيضاً؛ وهو ما يشهد به سيل من التقارير والتصريحات والمواقف.


    فما ذنب السلفي إذا اعتقد مثلاً - حرمة الاستماع إلى الموسيقى وحلق اللحية والإسبال والخلوة وسفر المرأة بغير محرم ومصافحتها إن كانت أجنبية عنه، واعتقد مشروعية النقاب ووجوبَ غضِّ البصر عن المحرَّمات ووجوبَ خصال الفطرة العشرة، ونحو ذلك من الأحكام التي تضيق بها نفوس وتمجُّها طباع، حتى صارت في المجتمع غريبة، وأحياناً محطَّ سخرية واستهزاء؟


    إنها أحكام يراها البعض (قشوراً) وجزئيات لا ينبغي الاهتمام بها، مع أن الموجِّه إليها إنما هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأئمة الأمة.


    وقد حمل هذا الإرهاب الفكري كثيراً من (الإسلاميين) على التقصير في ممارسة تلك الأحكام؛ كوجوب الحجاب على المرأة، الذي تطبقه كثيرات بشكل منحرف: فهذه تحسر عن مقدم شعرها، وهذه تضع مساحيق التجميل، وهذه تتفنن في ارتداء اللباس الجذاب، وكأن شبح تهمة التطرف يعلو رؤوسهن بعصاً مخيفةٍ.


    إذن ما ذنب السلفي إذا آمن بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أعفوا اللحى))، وقوله: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))، وقوله: ((ما أسفل من الكعبين في النار))، وقوله: ((يستحلون المعازف))، وقوله: ((إني لا أصافح النساء؟)) ما ذنبه إذا عمل بهذه النصوص وهو يوقن بثبوتها؛ إذ هي مروية بالأسانيد الصحيحة ومخرَّجة في أوثق دواوين الرواية (صحيحَي البخاري ومسلم).


    ما ذنبه إذا عمل بها وهو موقن بصحة أحكامها التي تَتَابع على تأكيدها العلماء، ولم يُعرَف منهم من خالف دلالتها على التحريم إلا شذَّاذاً في القديم أو متأولين متعسفين في الحديث، يظهر أنهم يعانون - هم بدورهم - من الضغط والإكراه اللذين يحاولون إخفاء وطأتهما أحياناً - بلبوس المقاصد وفقه المصالح والأولويات.


    ومن أدرك المعاني المتقدمة فُتح له باب عظيم في فقه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((طوبى للغرباء)) قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: ((ناس صالحون قليل، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم))[8].


    وهذا حال السلفيين الصادقين بين عامة المسلمين، كما أنه حال المنهج السلفي بين المناهج المتَّبعة في فهم الدين وتطبيق أحكامه وممارسة آدابه؛ لاسيما تلك التي تُفرَض على المسلمين في زمن الغربة الثانية.


    أسأل الله - سبحانه - أن يمكِّن لدينه القويم، ويهدينا جميعاً صراطه المستقيم، وأن يكفينا شرَّ الفتن ويعصمنا من موبقات الزلل، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم[9].


    _____________


    [1] وهو مناط حجية، وأكثر أحكام الشريعة أغلبية الظن وليست قطعيته.


    [2] إعلام الموقعين عن رب العالمين: (1/ 308).


    [3] جامع العلوم والحكم: (ص 397) بتصرف يسير.


    [4] حديث مشهور، لا تصح نسبة لفظه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر المصدر السابق (ص 393) فما بعدها.


    [5] جامع العلوم والحكم: (ص 395 - 396).


    [6] الاعتصام: (1/65 - 66).


    [7] رواه مسلم.


    [8] رواه أحمد (2/177و222) وصححه الألباني؛ انظر: السلسلة الصحيحة (1619).


    [9] وفي الختام أنصح كل الكتاب والباحثين والصحافيين والسياسيين المهتمين بموضوع السلفية أن يأتوا البيت من بابه، وأن يعتمدوا الموضوعية والنزاهة في تقييم (التوجه) السلفي والحكم عليه: هل هو توجه إصلاحي يخدم الدين والأمة أم فكر دخيل يفسد ويخرب؟ وليس من العلم ولا من الموضوعية أن نحكم على السلفية من خلال تصور جاهل بها أو نظرية معاد لها أو إملاءات من يرى مصلحته في الحد من انتشارها.[/size][/align][/size]

    engineer
    engineer
    عضو مؤسس
    عضو مؤسس


    النوع : ذكر
    عدد المشاركات : 925
    العمر : 45
    تاريخ التسجيل : 06/09/2009
    المهنة : السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة Engine10
    البلد : السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة 3dflag23
    مزاجي النهاردة : السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة Pi-ca-10

    السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة Empty رد: السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة

    مُساهمة من طرف engineer 4/5/2011, 6:51 pm

    جزاكم الله خيرا أخى الفاضل بارك الله فيك

    كلام علمى صحيح دقيق واف كاف شاف
    ِِ
    الشهاب
    الشهاب
    عضو مشارك
    عضو مشارك


    النوع : ذكر
    عدد المشاركات : 13
    العمر : 55
    تاريخ التسجيل : 20/03/2011
    المهنة : السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة Unknow10
    البلد : السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة 3dflag23
    الهواية : السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة Unknow11
    مزاجي النهاردة : السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة Pi-ca-10

    السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة Empty رد: السلفية بين تهمة التشدد وواقع الغربة

    مُساهمة من طرف الشهاب 20/5/2011, 1:39 am

    ابو انس قرات موضوعك وارجو ان تقراء هذاالموضوع نقلا عن مجلة النوحيد مع تحياتىاتبعوا ولا تبتدعوا
    منهج السلف سبيل النجاة
    Cool، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
    فإن منهج السلف هو المنهج الحق للإسلام عقيدة وعملا، وهو بذلك يمثل الخط المستقيم والامتداد الأصيل لما كان عليه المسلمون الأوائل الذين فارقهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.
    وقد ظهر مصطلح «السلف» واشتهر حين ظهر النزاع ودار حول أصول الدين بين الفرق الكلامية، وحاول الجميع الانتساب إلى السلف، وأعلن أن ما هو عليه ما كان عليه السلف الصالح.
    من هم السلف؟
    السلف الصالح هم الصدر الأول الراسخون في العلم، المهتدون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الحافظون لسنته، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، وانتخبهم لإقامة دينه، ورضيهم أئمة الأمة، فجاهدوا في سبيل الله حق جهاده، وأفرغوا جهدهم في نصح الأمة ونفعها، وبذلوا في مرضاة الله أنفسهم.
    وقــد أثنى الله تعالـــــى عليهم فــــي كتابـــه بقـــــولـــــــه: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما{ (الفتح: 29).
    وقوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم{ (التوبة: 100)، فذكر تعالى المهاجرين والأنصار ثم مدح أتباعهم، ورضي ذلك من الذين جاءوا من بعدهم.
    وتوعد بالعذاب من خالفهم واتبع غير سبيلهم، فقال: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا{ (النساء: 115).
    وكما يجب اتباعهم فيما نقلوه، واقتفاء أثرهم فيما عملوه، يجب الاستغفار لهم، قال تعالى: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم{ (الحشر: 10).
    وعلى ذلك فالسلفية اصطلاح يطلق على طريقة الرعيل الأول، ومن يقتدون بهم في تلقي العلم، وطريقة فهمه، وليس محصورا في دور تاريخي معين، والسلفية بذلك تمثل الفهم الصحيح للإسلام، وليست قاصرة على تلك الفترة الزمنية المباركة كما يزعم من يريدون تعريتها عن مضمونها.
    الأدلة على وجوب اتباع المنهج السلفي
    الأدلة من القرآن الكريم

    نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
    1- قال الله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم{ (التوبة: 100).
    قال ابن كثير: يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم المقيم.
    وقال الشوكاني: ومعنى: والذين اتبعوهم بإحسان{ أي: الذين اتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم المتأخرون عنهم من الصحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة.
    وقال السعدي رحمه الله: والذين اتبعوهم بإحسان{ يعني في الاعتقادات والأقوال والأفعال، فهؤلاء الذين سلموا من الذم وحصل لهم نهاية المدح.
    2- قال الله تعالى: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا{ (النساء: 115).
    قال ابن كثير: «أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في شق والشرع في شق عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح، وقوله: ويتبع غير سبيل المؤمنين{ هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا، فإنه قد ختمت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن كلا من الوصفين يقتضي الوعيد؛ لأنه مستلزم للآخر، فهكذا مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم، هذا ظاهر، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا، فإنه قد جعل له مدخلا في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم، فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعا، والآية توجب ذم ذلك».
    الأدلة من السنة النبوية

    لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم الجماعة، وهي ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، فقد ثبت عند ابن ماجه في سننه من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – وفيه -: «والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار». قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: «الجماعة». (ابن ماجه 3992 وصححه الألباني).
    قال أبو شامة: وحيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك به قليلا والمخالف له كثيرا؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم. (الباعث على إنكار البدع ص32).
    وصدق عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. (شرح أصول الاعتقاد ص160).
    وثبت عند مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». (مسلم 1920).
    قال يزيد بن هارون وأحمد بن حنبل: «إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم».
    وقال ابن المديني: «هم أصحاب الحديث».
    وقال البخاري: «يعني أصحاب الحديث».
    وقال أحمد بن سنان: «هم أهل العلم وأصحاب الأثر». (شرف أصحاب الحديث للبغدادي).
    قال المناوي في «فيض القدير» (3/395): وفيه معجزة بينة، فإن أهل السنة ما يزالون ظاهرين في كل عصر إلى الآن من حيث ظهرت البدع على اختلاف صنوفها من الخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم لم تقم لأحد منهم دولة ولم تستمر لهم شوكة، بل كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بنور الكتاب والسنة، فلله الحمد والمنة.
    السلف قدوتنا في العلم والعمل
    وإليك أخي القارئ صورا مشرقة ومشرفة في العلم والعمل لسلف هذه الأمة لترى كيف كان حرصهم على طاعة ربهم واتباع سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، لنجعلهم لنا في الخير قدوة، وفي البر أسوة:
    1- عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل». قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا. (رواه مسلم: 2479).
    2- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرا، وCool كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من القائل كلمة كذا وكذا؟ قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: «عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء». قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
    3- وعن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما قال: سمعت أبي رضي الله عنه وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف»، فقام رجل رث الهيئة فقال: يا أبا موسى، أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك؟ قال: نعم، فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل». (رواه مسلم: 1902).
    4- عن علي رضي الله عنه قال: اشتكت فاطمة رضي الله عنهما ما تلقى من الرحى في يدها، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي فانطلقت فلم تجده؛ فأخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على مكانكما». فقعد بيننا، ثم قال: «ألا أعلمكما خيرا مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما: أن تكبرا الله أربعا وثلاثين، وتسبحا ثلاثا وثلاثين، وتحمدا ثلاثا وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم». قال علي رضي الله عنه: ما تركته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. (مسلم: 2727، وأبو داود: 3044، وأحمد: 797).
    5- قال الإمام مسلم رحمه الله: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبو خالد – يعني – سليمان بن حيان عن داود بن أبي هند، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس قال: حدثني عنبسة بن أبي سفيان في مرضه الذي مات فيه بحديث يتسار إليه (يسار به) قال: سمعت أم حبيبة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى له بهن بيتا في الجنة». قالت أم حبيبة: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عنبسة: فما تركتهن منذ سمعتهن من أم حبيبة. وقال عمرو بن أوس: ما تركتهن منذ سمعتهن من عنبسة. وقال النعمان بن سالم: ما تركتهن منذ سمعتهن من عمرو بن أوس».
    6- عن أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ركع أربع ركعات قبل الظهر وأربعا بعدها، حرم الله عز وجل لحمه على النار. قالت: فما تركتهن منذ سمعتهن. (رواه أحمد: 25539، والنسائي: 1789).
    7- عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه». رواه البخاري ومسلم.
    قال ابن القيم رحمه الله: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما كنت أرى أحدا يعقل ينام قبل أن يقرأ بالآيات الأواخر من سورة البقرة. أخرجه أبو بكر بن أبي داود في (شريعة القارئ) بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.
    8- قال البخاري: ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة حرام، إني لأرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا. (الطبقات للسبكي: 20/9).
    9- عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت». (رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6464).
    قال ابن القيم رحمه الله: «بلغني عن شيخ الإسلام أنه قال: ما تركتها عقب كل صلاة إلا نسيانا أو نحوه». (الوابل الصيب: 229).
    10- قال الإمام أحمد رحمه الله: ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به، حتى مر بي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا، فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت. (سير أعلام النبلاء: 11/213).
    هكذا كان سلف هذه الأمة عبر العصور لا يحرصون فقط على فعل الفروض والواجبات، بل كانوا يسارعون إلى فعل المستحبات والمندوبات كحرصهم على الواجبات لعلمهم أن في ذلك رضا ربهم ورفعة لدرجاتهم، من أجل ذلك نالوا السبق والفضل واستحقوا كل خير حتى صار ذكرهم الطيب على كل لسان، وسيرتهم العطرة حديث الركبان، وعرفوا بكل جميل وإحسان.
    فإذا أردنا لأمتنا أن تنهض ولشعوبها أن تسعد فلننهج النهج الذي نهجوا، ولنسلك الدرب الذي سلكوا، فإنهم كانوا على أقوم طريق وأهدى سبيل، فرضي الله عن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وCool رب العالمين

      الوقت/التاريخ الآن هو 28/3/2024, 2:20 pm