جمال البنَّا علام يعدُّونه مفكراً إسلامياً؟!
يرى جمال البنا أنَّه لا مانع أن يكون العقل حاكماً على القضايا الدينيَّة والشرعيَّةأجاز للمرأة المسلمة لتكون سافرة عن شعر رأسها ، واعتبار شعر رأس المرأة ليس من الزينة المأمور بتغطيتهايزعم أن التدخين لا يفسد الصوم وينكر حدِّ السرقة ويبيح زواج المسلمة من النصراني واليهودي!Khabab00@hotmail.com
رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين،
أمَّا بعد:فحينما تختلف مع عالم أو مفكِّر وتجد عنده رؤية منبعثة من الدليل، فإنَّك قطعاً ستحترم قوله ما دام أنَّه يدور داخل حدود الشريعة ولم يخرج عن مدارها.لكن حينما تجد أهل الهوى وضعاف الفهم يتحدَّثون في ديننا الإسلامي ، ويحرِّفونه بقالب التجديد، وينقضونه باسم النقد، وينسفون منهج السلف الصالح في التعامل مع النصوص بحجَّة إعادة قراءة النص وما إلى ذلك من شبهات وأهواء؛ فلن تستطيع أن تجد لهؤلاء عذراً...حين تتحدَّث مع متخصِّص يعي حقيقة الشريعة ومقاصدها ، وينطلق من مصادر التلقي المعتمدة لدى أهل السنَّة والجماعة ، يسهل عليك أن تناقشه، ولكنَّك حين تتحدَّث مع من ليست لديه أهلية للحديث في القضايا الشرعيَّة، أو أنَّه يتحايل على دين الله ، ويلتوي ويتغيَّر كالحرباء مع كل موقف وقضيَّة، فإنَّك تحتار لتفهم منطلقاته؛ لأنَّه ينطلق بلا قيم أو مبادئ؛ وقد لا تخرج بشيء لأنَّ الهوى جثم على قلبه، فـ:من كان يخلق ما يقول*** فحيلتي فيه قليلةومن بين هؤلاء المحرِّفين لديننا ومبادئنا وثوابتنا(جمال البنَّا) شقيق الشيخ حسن البنَّا ـ رحمه الله ـ فتستغلُّ أخوته للشيخ حسن ليظهر في الوسائل الإعلاميَّة، ويطلق عليه بعدئذٍ بالمفكِّر الإسلامي!والمراقب لطروحات(جمال البنا) أو المتتبع لها سيجد أنَّه يخرج بين فينة وأخرى بآراء فكريَّة عجيبة غريبة، يبدي من خلالها مخبآت الأفكار المكنوزة في عقليته، ومن أحسن من رأيته قد كتب عنها وفضح صاحبها، الدكتور محمد زنجيرـ وفقه الله ـ في كتابهاتجاهات تجديديَّة متطرفة)، والأستاذ محمد إبراهيم ؛ فقد كتب أربع حلقات عنونها بـجمال البنَّا مفكِّر إسلامي أم علماني؟!)، والأستاذ عقيل الشمَّري في بحثه المتخصِّصجمال البنا ومنهجه في التفسير) فأسأل الله ـ تعالى ـ أن يثيبهم على جهدهم في الدفاع عن حوزة الدين وحياض الشريعة. · نماذج من الفتاوى والآراء التي يراها جمال البنا مع مناقشتها:المتابع لفكر جمال البنَّا، سيدرك أنَّه ينطلق برؤية لا منهجيَّة لها، وأنَّ جملة كثيرة من أعماله قائمة على الشذوذات والأوهام الفكريَّة، وقد استقرَّت لدي هذه النتيجة بعد متابعتي لفكره وكتاباته، ووجدت أنَّ أفكاره قائمة على مشكلات عدَّة خطيرة، وهي كما يلي:
1) هدم السنَّة بحجَّة أنَّ قلَّة قليلة من أحاديثها صحيحة، والبقية منكرة وشاذة وموضوعة، وعدم الأخذ بأحكام الأحاديث النبويَّة الصحيحة عنده، إلاَّ بما وافق القرآن حسب زعمه.
2) التحايل على الشريعة وأدلتها من نصوص الوحيين ، وتحكيمه الكامل لهواه فحسب، باسم المصلحة والضرورة وعموم البلوى وغير ذلك!
3) نقض الشريعة بحجَّة النقد البناء
!4) انتهاجه وانتهازه لزلاَّت بعض العلماء، وترويجها بين عوام الناس، ونثرها في مؤلفاته وكأنَّها أقوال لا مغاير لها ولا مخالف!ومن المعلوم لدى أهل العلم؛ أنَّهم كانوا يعدُّون من تتبع رخص العلماء وزللهم بأنَّه تزندق، وأنَّه خلع ربقة الإسلام من عنقه، وأنَّه يهلك ويُهْلِك، ويقرِّرون أنَّ تتبُّع زلاَّت العلماء ورخصهم ليس من العلم في شيء، بل ذكر الشيخ الفقيه الطوفي في شرحه لحديثلا ضرر ولا ضرار)، أنَّ(من اتَّبع رخص المذاهب إذا اختلفت وتعدَّدت فقد أفضى فعله ذاك إلى الانحلال والفجور، وعليه ومن تأمَّل فكر (جمال البنَّا) فسيوقن أنَّه يتبنَّى عدَّة أقوال، بعضها رخص وزلاَّت زلَّ بها بعض العلماء، وبعضها الآخر بل الأكثر(ضلالات وجهالات) استقاها من عقله المضطرب فأورثت هذا المنهج الضال الذي ينشره بين الناس، ومنها :
(1)رفضه قواعد المحدِّثين، وقوله بعدم عدالة الصحابةـ
يرفض الأستاذ (جمال البنا) قواعد المحدثين في الجرح والتعديل التي من خلالها يثبت الحديث، وعلى رأسها "عدالة الصحابة"؛ حيث ينفي وجوب تعديلهم إلزاماً كما استقر المنهج عند أهل السنة والجماعة، ويرى أنهم قد يكذبون في الحديث، وإذا لم يكذبوا فهم ينسون، والنسيان أخو الكذب، وكثرة رواية الصحابي للحديث عنده تجرحه؛ إذ إن أفاضل الصحابة وكبارهم عنده أقلهم رواية للحديث، والعكس بالعكس![1]والجواب على ذلك؛ فإنَّه بناء على هذا الرأي فإنَّه سيكون من ورائه هدم أحاديث كثيرة بل ستهدم السنَّة، بحجَّة خطأ قواعد الجرح والتعديل التي تداولها العلماء القرون تلو القرون ، وانطلقوا من خلالها ، وحكموا بضوئها على الأحاديث!ثمَّ إذا نفينا قواعد الجرح والتعديل التي أطبق عليها المحدِّثون؛ فإلى أي قواعد جرح وتعديل نستند؟هل لآراء (جمال البنَّا)؛ التي يختلف معه فيها كل علماء الجرح والتعديل سلفاً وخلفاً؟وهل كان المسلمون يتعبَّدون الله ـ تعالى ـ بدين باطل قائم على جملة من الأكاذيب حتى جاء جمال البنا بكشفها؟ وأين دليل الكذب من صحابة رسول الله على رسولنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ثمَّ لو كذب أحد منهم ـ وحاشاهم ـ هل سيوافقه جميع الصحابة على كذبته تلك؟إنَّها لإحدى الكبر!الحاصل أنَّ الأستاذ (جمال البنا) خالف القطعيات القرآنية الصريحة في تعديل الله عز وجل وتزكيته للصحابة، فجوَّز عليهم إمكانية الكذب، ولعله لما شعر أنه بهذا قد خالف القرآن الكريم، عاد فجوَّز عليهم النسيان، ليُسْقِطَ بذلك روايتهم حسبما يريد، وتلك خطيئة أكبر من أختها؛ فالأولى تخالف نصَّاً قطعياً قرآنياً، والثانية تخالف نصَّاً قطعياً آخر؛ لأن القرآن الكريم قد نص صراحة على تعهُّد الله بحفظ الوحي(القرآن والسنة) والذي يُجوِّز على مجموع الصحابة الكذب أو النسيان على معالم الدين، وأصول الشريعة؛ فإنَّه يخالف النصوص القطعية في القرآن الكريم في تزكية الصحابة بمثل قوله تعالى: "رضي الله عنهم ورضوا عنه" وفي التعهد بالحفظ للدين في قوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
(2)التشكيك بصحَّة كثير من أحاديث الصحيحين
ـ يضعِّفُ الأستاذ (جمال البنَّا) جمعاً من الأحاديث التي تواترت صحتها عن علماء الحديث النقاد والمدققين ؛لأنَّه يراها تصطدم بالقرآن؛ فهو يرى أنَّ كل كتب السنة تعج بالموضوعات، بما فيها صحيحا البخاري ومسلم ، ولهذا فقد ألَّف كتاباً في نقدهما سمَّاهتجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم)!والجواب على ذلك أن يُقال:ما يدَّعيه الأستاذ (جمال) بأنَّ هناك أحاديث تصطدم بالقرآن ، فإنّها في الحقيقة تصطدم بعقله المضطرب ليس إلاَّ؛ فمن طالع كتبه ومقالاته وسمع أقواله، فسيعلم حقيقة ما أقول، ومن علم حجَّة على من لم يعلم.لقد وضَّح علماء الإسلام أنَّه لا يتعارض حديث مع آية ، وكان لعلماء المسلمين طرائق منهجيَّة في التعامل مع النصوص القرآنية والنبويَّة التي قد يُشكِلُ ظاهرها، أو يتوهم بعض الناس تعارض بعضها مع بعضها الآخر، وإذا كان التعارض يدور في عقل (جمال) فليس له أن يضعِّف أحاديث اتَّفق العلماء على تصحيحها أو تحسينها وبيَّنوا وجه الدلالة منها ، بل عليه أن يتَّهم عقله، والذي لم يستطع أن يجمع بين تلك الأحاديث والآيات التي ظاهرها التعارض لديه ، وعليه أن يرجع إلى كتب العلماء ليتعلَّم كيف يتعامل مع النصوص التي ظاهرها التعارض.وأمَّا قوله بأنَّ كتب السنَّة تعجُّ بالموضوعات ، فإنَّ هذا قول مجمل ! فأي كتب السنَّة يقصد؟ ثمَّ ما الأحاديث الموضوعة التي تعج وتضجُّ منها تلك الكتب بزعمه والتي يدعو لاستخراج ما بها من أحاديث مكذوبة وموضوعة حتَّى لا تفسد العقول؟ أليس أهل العلم والحديث المتخصِّصون قد بيَّنوا الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وأفردوها بكتب وأسفار خاصَّة بذلك ؟ فما الذي سيأتينا به الدخلاء على علم الحديث وأهله؛ حتَّى يوضِّحوا الأحاديث الموضوعة والمكذوبة المنتشرة في كتب السنة ؟ ومِمَّا يبيِّن ما أقوله أنَّ (جمال البنا) قال: إنَّ هناك أحاديث في صحيحي البخاري ومسلم لا تلزم ، وليته اعتمد منهج أهل الحديث في التصحيح والتضعيف ، بل كان تضعيفه قائماً على الهوى والحكم المطلق لما يمليه عليه عقله، وهو بهذا يريد أن ينقضَّ على الكتب الصحيحة ويبدأ بمعاوله في نقضها قبل غيرها، حتَّى يُشعِر الناس أنَّ دينهم الذي قاموا عليه عماية وضلالة، وأنَّ تعبدهم لله قائم على الجهل ، إلى أن أتى (جمال البنَّا) فكشف الله به الضلال الذي كانوا عليه !!
(3)دعوته إلى الاحتكام بما في صحيح السنَّة إلى صريح القرآنـ
يدعو(البنا) إلى الاحتكام بما في صحيح السنَّة إلى الصريح من القرآن ! وهي المرجعية الإسلامية الملزمة عنده فقط،ولنتأمَّل قوله عن المرجعيَّة الملزمة لنا بأنَّها:"القرآن الكريم والصحيح المنضبط من السنة النبوية أما أحكام الفقهاء وأئمة المذاهب والصحابة إلخ.. فلا تعد ملزمة"[2]وإجابة على ذلك؛ فإنَّ معنى هذا أنَّ أي حديث لم يأتِ عليه دليل من كتاب الله فليضرب به عرض الحائط، ولا يستدلَّ به، وكلام(جمال البنَّا) في هذا المجال يشبه قول القرآنيين الذين نسبوا أنفسهم إلى القرآن وقالوا: لا نأخذ إلا به وأنكروا السنة، وقد كفرهم الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية في دعواهم الأخذ بكتاب الله وترك الاحتجاج بكتب السنَّة!و(جمال البنَّا) عبر كلامه هذا يبطل الآيات والأحاديث التي جاءت بالأمر بالأخذ بالأحاديث؛ لأنَّها وحي يوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ـ تعالى ـ: (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )) (الحشر: 7)) ومن الآيات التي تدلُّ على أنّ السنة وحي قول الله ـ عزَّ وجل ـ : (( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَاب وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) آل عمران(164).وأخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح عن المقدام بن معد كرب:"ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله"[3].يقول الإمام الشافعي:" فذكر الكتاب وهو القرآن ، وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة:سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم"[4]
(4)دعوته لنسف الثوابت ـ يدعو (جمال البنَّا) لنسف الثوابت إذ يقول:
( أهم ما يفترض أن تتجه إليه الحرية هو هذه الثوابت بالذات التي وإن كانت تقوم بالحفاظ والاستقرار للمجتمع وتمسكه من الانزلاق أو التحلل، إلا أن عدم مناقشتها يجعلها تتجمد، بل وتتوثن وتأخذ قداسة الوثن المعبود؛ هذا كله بفرض أن الثوابت هي دائماً صالحة ولازمة؛ ولكنها لا تكون كذلك دائماً)[5]
وتعقيباً على ما قال، فإني أضع بين يدي(جمال البنا) سؤالاً ينبغي أن يجيب عنه، فأقول له: ما الثوابت التي لا تريدنا أن نتعبَّد الله بها؟ وهل يمكن أن تكتب كتاباً يفصِّل هذه الثوابت التي جعلتك تنتفض عليها حينما رأيتها ثابتة على قلبك فأردت نسفها بحجَّة التجديد والنهضة! حتَّى نعرف رأيك كاملاً ولا يكون منها ما هو مختبئ في الجحور وإن كنت قد أبديت بعضاً منها!نعم ! جميل قولك بأنَّ (الثوابت تقوم بالحفاظ والاستقرار للمجتمع وتمسكه من الانزلاق أو التحلل) ولكن... هل يعني ذلك حين تقوم بنقض هذه الثوابت أنَّنا سنعيش فيما بعد بقلق وعدم أمن، وفساد وإفساد، وتحلل خلقي، وانزلاق قيمي؟ وكلُّ هذا أتى من تحت قلمك الذي دعا لكسر الثوابت ، فيكون المجتمع منحلاً بإرادتك؟! وهو الذي سيكون!ما أنت بالحكم الترضى خصومته * ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
(5)نفيه أن يكون الإسلام ديناً ودولةـ يرى(جمال البنَّا) نقض مفهوم:
(الإسلام دين ودولة) ويرى أنَّ الصحيح (الإسلام دين وأمة)،وليس ديناً ودولة، حتى بلغ به الأمر لأن يصدر كتاباً بهذا العنوان كان قد نشر معظمه بجريدة القاهرة ، وفيه دعا للفصل بين الدين والسلطة!وحقاً فما أجمل بك أن تقول: جمال البنَّا والعلمانيون (تشابهت قلوبهم)! لأنَّ الرأي الذي ذكره (جمال البنا) تأصيل لعداوة العلمانيين للإسلام ودعاته؛ بل هو يتطابق مع العلمانيين حين يقولون: الإسلام لا دخل له بالسياسة، بل هو محصور في زوايا المسجد ، وتكايا الذكر، ويعني ذلك أن ننسف كلَّ تاريخ الإسلام، الذي كان قائماً على حفظ السياسة الشرعيَّة للمسلمين، وعلى حماية دولهم ، بل حتَّى الدولة التي أقامها رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في المدينة المنوَّرة والتي كانت منطلقاً للجيوش الإسلاميَّة لفتح الدول التي صدَّت عن الإسلام أو قاومت جيوشه، فهذه الدولة بمقتضى آراء جمال البنَّا كانت خطأً شنيعاً وذلك لأنَّ الأصل أن تقوم هذه الدولة بالفصل بينها وبين الدين؛ لأنَّ الإسلام في نظره (دين وأمَّة) وليس(ديناً ودولة) وهذه توصية من( جمال البنا) للإسلاميين بأن يتقزَّموا ويتقوقعوا على أنفسهم وألاَّ يتدخَّلوا في قضايا السياسة،أو أن يسعوا لإقامة دولة الإسلام ، فهذا حرام عليهم ، أمَّا على العلمانيين والليبراليين فحلال لهم ذلك !فليحكمنا العلمانيون والزنادقة ، وليكن الإسلاميون مقتصرين على السبحة والدروشة فقط!
(6)تقديمه للعقل(الهوى) على النصوص الشرعيَّة
ـ يرى (جمال البنا) أنَّه لا مانع أن يكون العقل حاكماً على القضايا الدينيَّة والشرعيَّة، وكان هذا واضحاً من خلال مناظرته مع الأستاذ محمد إبراهيم في قناة الجزيرة ببرنامج (الاتجاه المعاكس)[6]، وكذلك في عدد من كتاباته، فهو يرى إعمال العقل في كل ما يتعلق بالدين والدنيا والإيمان بالقيم،حيث يقولإنَّ كل ما يتعلق بالشريعة من علاقات يفترض أن تتفق مع العقل أولا ولا يكون الوحي إلاَّ مؤكداً ومكمِّلاً له، أي إعمال العقل في فهم النص، وهذا يجعل العقلانيَّة هي المرجعيَّة الإسلاميَّة فيما يتعلَّق بالشريعة)[7]!!
ومن هنا فإنَّ هذا الأمر قد أثر تأثيراً بالغاً على منهجه في التفسير بحيث إنه لا يعتد بتفسير أهل العلم، ولا يقيد القرآن بالسنة، بل يكون العقل ـ أي الهوى ـ هو الحاكم على نصوص الكتاب والسنَّة . كما يرى أنَّ المسائل التي يحصل فيها خلاف بين الفقهاء والعلماء؛ فإنَّ أفضل حل أن يكون الرجوع ليس لنصوص الكتاب والسنَّة بالفهم الصحيح، بل بالرجوع إلى العقل فحسب!إذ يقول عن القرآن والسنةوأقوى منهما جميعا الرجوع إلى العقل وتحكيم المنطق السليم وطبيعة الشريعة ومقاصدها ،حتى وإن كان الموضوع عباديا، لأنه مادام بعيدا عن ماهية الله تعالى وعالم السمعيات فإنه يخضع لحكم العقل والنظر، وما يهدي إليه المنطق السليم والقول بذلك يحرم الناس من استخدام عقولهم، ويعطل ملكات التفكير ويجعلهم أسرى للروايات)[8].والجواب عن دعواه أن نقول:من المقطوع به أنَّ للعقل دوراً في بلورة الأفكار، إلاَّ أنَّ النص القرآني أو النبوي حاكم العقل، فالحكم يكون مقدَّماً لشريعة الإسلام على عقل الإنسان ، وليس العكس، ثمَّ لو تحاكمنا للعقل فلأي عقل نتحاكم ونحتكم؟أإلى عقلك يا أستاذ(جمال) أم إلى عقل مَنْ ؟إنَّ العقول مختلفة ، والآراء بعدها ستكون متضاربة ، وإنَّ أفضل حل أن نجعل الوحي والنقل هو الحكم على اختيارات العقل ، فهناك عقول كبيرة وعقول صغيرة ، وهناك عقول كليلة وعقول صحيحة، وهناك عقول ذكيَّة وعقول غبيَّة ، فأفضل طريق لنا لكي نوحد مصدر التلقي أن تكون الشريعة والوحي حاكماً على العقل ، ولن يتعارض العقل الصحيح مع النقل الصريح كما قرَّره علماء الإسلام.وللَّه درُّ الإمام ابن قتيبة حيث قال عن هؤلاء المتَّبعين لمنهج تقديم العقل على النقل: (وقد كان يجب - مع ما يدَّعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر - ألا يختلفوا كما لا يختلف الحُسَّاب والمسَّاح والمهندسون، لأن آلتهم لا تدلُّ إلاَّ على عدد واحد، وإلا على شكل واحد، وكما لا يختلف حذَّاق الأطبَّاء في الماء وفي نبض العروق؛ لأنَّ الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد؛ فما بالهم أكثر الناس اختلافاً، لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين) (انظر:تأويل مختلف الحديث/ص63). وصدق الله: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً).
(7)إلغاؤه لجهاد القتال ـ يرى (جمال البنا) أنَّ الجهاد في سبيل الله أُلغِيَ؛ فيقول:
" أمَّا جهاد اليوم بلفظه فهو جهاد بلا قتال، وإنَّ جهاد القتال أُلغي!"[9]وجواباً عليه؛ فلا أدري أين سيذهب الأستاذ (جمال البنَّا) بمئات الآيات والأحاديث التي تأمر بجهاد الكفَّار والذي يعني القتال في سبيل الله، والتي توضِّح أنَّ علم الجهاد لا يزال قائماً حتَّى قيام السَّاعة، ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد من حديث ثوبان ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ).و روى الصحابي الجليل عقبة بن عامرـ رضي الله عنه ـ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوللا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك)وفي حديث جابر بن سمرة مرفوعاً إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنَّه قال لن يبرح هذا الذين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ) وكلُّ هذه الأحاديث في صحيح مسلم !وفيها برهان واضح أنَّ راية الجهاد والقتال في سبيل الله ستكون خفَّاقة عالية مرفوعة إلى قيام السَّاعة،والله تعالى يقول في محكم التنزيلوقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنَّ الله لا يحب المعتدين)(البقرة:190) وفي هذه الآية برهان واضح، ودليل ساطع على وجوب الدفاع عن أراضي المسلمين، وذلك حين يحتل الكفَّار أراضي المسلمين وديارهم، والخلاصة التي نستوحيها ونفهمها من كلام الأستاذ(جمال البنَّا) أن ننبطح تجاه المحتل الأمريكي والصهيوني والروسي والهندوسي الغاشم في بلاد الإسلام (فلسطين ـ العراق ـ أفغانستان ـ الشيشان ـ الصومال ـ كشمير) ويهنأ الكافر المحتل في احتلاله لبلاد المسلمين بلا مقاومة جهاديَّة عسكريَّة !!
(8)تجويزه نكاح المتعة بدون ولي ولا شهود
ـ تجويزه لنكاح المتعة ، كما يرى جواز الزواج بدون ولي ولا شهود![10]بهذه الفتوى يبيح (جمال البنَّا) لعموم المسلمين الزنى ـ عياذاً بالله ـ على شكل مبطَّن (حيث نكاح المتعة بلا ولي أو شهود) ، مع أنَّ جماهير علماء المسلمين أطبقوا على نسخ نكاح المتعة ، وأنَّ الأحاديث المجيزة له قد نسخت إلى يوم القيامة؛ فقد أخرج البخاري ـ رحمه الله ـ من حديث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحُمُر الإنسيَّة)[11] ، وفي حديث الربيع بن سَبْرَة عن أبيه أنَّ النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ نهى عن نكاح المتعة [12].والحقيقة أنَّ (جمال البنَّا) قد شابه الروافض الشيعة الإماميَّة في قولهم بجواز نكاح المتعة بدون ولي أو شهود، وكتبهم تطفح بذلك، فليرجع لها من أراد التوثق من ذلك، وليهنأ (جمال البنَّا) بمشابهته لهم، و :ففي السماء طيور اسمها بقع * إنَّ الطيور على أشكالها تقع!
(9)تجويزه لكشف المرأة عن شعرها وصلاتها كاشفة الشعر
ـ تجويزه للمرأة المسلمة لتكون سافرة عن شعر رأسها ، واعتبار شعر رأس المرأة ليس من الزينة المأمور بتغطيتها ، ولهذا فإنَّه يرى أنَّ شعر المرأة ليس عورة، حيث قالالقرآن الكريم لم يأمر صراحة إلاَّ بستر الجيوب أي فتحت الصدور وإدناء الأزياء)[13] بل يمكنها برأي (جمال) أن تؤدي صلاتها بمفردها وهي كاشفة الشعر.[14]
حين يستجمع المرء شُعَبَ الضلال فحتماً فإنَّه سيرتكس في حمأة الأقوال الضالَّة؛ فمن أين أتى جمال بجواز كشف المرأة عن شعر رأسها؟ وما دليله على ذلك؟ مع أنَّه سبحانه وتعالى يقولوليضربن بخمرهنَّ على جيوبهنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ) وقد روى عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" المرأة عورة ؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان"[15] وقوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ عن المرأة بأنَّها عورة؛ لفتنتها للرجال؛ فكيف تبيح الشريعة إخراج شعرها أمام الرجال، والشعر زينة للمرأة، بل هو علامة على جمالها؟ثمَّ ما دليل الأستاذ جمال على جواز كشف المرأة في الصلاة عن شعرها ؟ مع أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال كما في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ:"لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" أخرجه الخمسة إلا النسائي .والحائض هي المرأة البالغة ، قال ابن قدامة في المغني:"أجمع أهل العلم أن المرأة تخمر رأسها إذا صلت ؛ فإن صلت وجميع رأسها مكشوف فقد أجمع أهل العلم على وجوب إعادة الصلاة" وقال الشوكاني ـ رحمه الله ـ "والحديث استدل به على وجوب ستر المرأة لرأسها"[16]ولهذا فإذا صلَّت المرأة وكشفت عن شعرها في الصلاة فإنَّ صلاتها باطلة على رغم أنف جمال بإجماع العلماء!
هذا عرض مع مناقشة يسيرة لبعض الأقوال الضالَّة لهذا المدعو زوراً بالمفكِّر الإسلامي، مع أنَّ له أقوالاً وضلالات كثيرة ومنها:تجويزه لإمامة المرأة للرجال مطلقاً، وقد ذكر ذلك في كتابه جواز إمامة المرأة للرجال) والكتاب واضح من عنوانه!وقوله بأنَّ التدخين لا يفسد الصوم!وتأييده الأخذ من فوائد البنوك(الربا) إن كانت للمودع؛ بدعوى ربطها بعدم الاستغلال إن كانت للمقترض!و إنكاره لحدِّ الرجم للزاني المحصن!وإنكاره لحدِّ السارق ! وتجويزه بأن تتزوج المسلمة من نصراني أو يهودي!وسبُّه لجمع من صحابة رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ومنهم الصحابي وكاتب وحي رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حيث قال عنهمعاوية بن أي سفيان لو لعن من سنة 40 هجرية ،عندما جعل الخلافة ملكا عضوضا، حتى اليوم فهذا إنصاف، لأنه من سن سنة سيئة عليه وزرها حتى يوم القيامة، خاصة عندما يحول الملك الشوري القائم على المبايعة والشعب يراقب الحاكم ويعزله عند الضرورة إلى ملك عضوض يقول الرجل فيه من قال لي اتق الله قطعت عنقه([17]وكذلك من الأقوال الشنيعة التي قالها الضال جمال البنا عن الصحابي معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ ما نصُّه معاوية بن أبي سفيان الذي يترضَّى عليه السلف أي يقولون رضي الله عنه) لأنَّه من الصحابة ! كان الرجل الذي انبعث كما انبعث أشقاها ليشق صفوف المسلمين ويفرقهم ويجعلهم يحاربون بعضهم بعضاً...)[18]ومن أقواله الغريبة والمضحكة في الوقت نفسه، والتي لا تحتاج لنقد بل لاستغراب وتعجُّب؛ ما أفتى به قائلاً ويجوز للمرأة أن تتيمم بدلا من الوضوء بالماء إذا كان الماء يؤذي جمال وجهها،كأن يظهر من أثر الوضوء في الشتاء ما يشين هذا إذا كان الوضوء يؤثر على جمال المرأة في وجهها "[19]ا.هـ
.قصدت من ذكر هذه الآراء للتنبيه على الآراء الخطيرة التي يحملها (جمال البنا)، وخصوصاً أنَّه يطرحها ويسوِّقها في وسائل الإعلام.ومع أقواله تلك التي بان ضلالها وفسادها، فإنَّنا ـ وللأسف ـ نشاهد مقابلات إعلاميَّة أو صحافيَّة معه يصفه فيها ـ كثير من الإعلاميين والصحافيين ـ بأنَّه مفكِّر إسلامي ، أو رجل ذو ثقافة واسعة!وما هو إلاَّ محتال على دين الله، ومتتبع لزلاَّت العلماء ورخصهم، ومحرِّف لمراد الله ومراد رسوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فشتَّان بينه وبين أهل العلم أأأو الفكر الراسخين!· هل جمال البنَّا مفكر إسلامي؟من المعروف أنَّ (جمال البنا) اشتُرِيَ من قِبَلِ أرباب الضلال، وأعطي شهادات وألقاباً حيث إنَّه لم ينل الشهادة الثانويَّة، وذلك ليضرب الإسلام من الداخل، مع أنَّه في حقيقة الأمر لم يستطع سوى إثارة فرقعات ليس إلاَّ ! كما أنَّ اسمه قد استُغلَّ ليظهر في الوسائل الإعلاميَّة؛ باعتباره أخاً شقيقاً للشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ، مع أنَّنا حين نراه يتحدَّث في وسائل الإعلام، ندرك أنَّ الرجل أقرب إلى السذاجة والهوى من الطرح العقلاني.كما أنَّ من يتابع سيرة هذا الرجل فسيدرك عمق اتِّصالاته مع مركز ابن خلدون الذي يديره ويشرف عليه العلماني سعد الدين إبراهيم، بل لقد اعترف جمال البنَّا بأنَّه عضو من أعضاء مجلس الأمناء في هذا المركز العلماني، في حوار أجراه معه موقع اسمهعربهم) فاعترف أنَّه عضو في المركز وأمين من أمنائه ![20] ومركز ابن خلدون مشتهر ومعروف عنه عمق الصلة مع الجهات الأمريكيَّة، والمدعوم من قِبَلِها كما أنَّ(جمال البنا) ممَّن يُشهد لهم ويُعرفون بحضورهم المؤتمرات الأمريكيَّة عميقة الصلة مع مؤسَّسة (راند) التي أقيمت بمصر.
(جمال البنَّا) صدرت فيه تقارير من مجمع البحوث الإسلاميَّة في مصر ، والتي حكمت بكفر بعض أقواله التي جاءت في بعض كتبه التي خاضت في الزندقة والفساد والفكري، بل إنَّها منعت وأمرت بمصادرة كتابهمسؤولية فشل الدولة الإسلاميَّة في العصر الحديث) ومنعه من الطبع والتوزيع، للضلالات والترَّهات التي قيلت فيه !ومع هذا فالعجب العجاب أن نقرأ عنه في وسائل الإعلام أنَّه مفكر إسلامي! فأي تفكير إسلامي يحمله هذا الرجل، وهو ينسف عرى الإسلام عروة عروة؟!لقد فضح (جمال) نفسه ، في مقابلة مع "رويترز" حين سئل عن علاقته بأخيه الشيخ حسن البنَّا ـ رحمه الله ـ فقالكنت دائماً مستقلاً. أنا وأخي لدينا وجهات نظر مختلفة. لقد كان مسلماً تقليدياً تماماً ، بينما تلقيت أنا تعليماً علمانياً"[21] !!وهذا نصُّ ما قاله (جمال البنَّا) عن نفسه ، فكيف إذاً نطلق على هذا الذي تلقَّى تعليماً علمانياً، ونقول عنه بأنَّه مفكِّر إسلامي ؟!
نعم ! لا يلام بعض الإعلاميين حين يطلقون عليه ذلك ؛ لجهلهم وعدم معرفتهم بحقيقة هذا الرجل، وأقواله الضالَّة، وكما قيل:فاقد الشيء لايعطيه!ولكنَّ هناك كثيراً منهم يتلقَّط هذه الفتاوى، ليسيء بها أسماعنا نحن المسلمين ، وحقيق بـ (جمال البنَّا) أن يقال فيه ما قاله بعض العلماء في فقهاء الجهل والضلالة :وقال الطانزون له: فقيه * فصعَّد حاجبيه به وتاهاوأطرق للمسائل :أي بأني * ولا يدري لعمرك ما طحاها ·
الدور المأمول من علماء المسلمين ومفكريهم:من هذا المقال فإنِّي أوجه دعوة للعلماء والدعاة بأن يقوموا بنقض أقواله، ليعرف قبح ما رأى وفساد ما قاله ! وعلى رأسهم مجمع الفقه الإسلامي فهو على رأس القائمة، التي ينبغي عليها أن تمتطي الذب والدفاع عن مبادئ الإسلام، وكشف عوار المتسلِّقين والساطين على نصوصه وتعاليمه.إنَّ من المهم بمكان أن يقرأ العلماء كتب هذا الرجل ، ويصدروا الحكم اللائق به، ويثبتوه عليه في المحاكم ـ هذا إن حكمت عليه بما قيل عنه ـ ثمَّ ينال جزاء ما قاله وكتبه من أقوال ضالَّة؛ فقد ارتقى مرتقىً صعباً أنَّى له الوصول إليه، وهو ما بين وقت وآخر يستصدر حكماً من عقله(المضطرب) لإلغاء قضيَّة من قضايا الشريعة.وما زالت قناعتي تزداد بأنَّ هذا الليبرالي أولى أن يسمَّى بـ(جمال الماجن)، ولقد عقد قديماً بعض علماء الحنفيَّة فصولاً في كتب الفقه في باب (الحجر) حول ضرورة الحجر على من أسموه بالمفتي الماجن ، بل لقد جعل الإمام أبو حنيفة (المفتي الماجن) أحطّ من منزلة السفيه، مع أن مذهبه عدم الحجر على السفيه إن كان حراً عاقلاً بالغاً، وإنما استثنى (المفتي الماجن) من ذلك لعموم الضرر به في الأديان؛ فإنه يفسد دين المسلمين ، ومن كان باحثاً فليرجع لبدائع الصنائع للكاساني ، وتبيين الحقائق للزيلعي ، وغيرهما من كتب الفقه الحنفي.وقد نقل الإمام ابن القيِّم عن أبي الفرج ابن الجوزي قوله:"... وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب وليس له علم بالطريق , وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة , وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطبب الناس , بل هو أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم , وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى ؛ فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة, ولم يتفقه في الدين ؟".ثمَّ قال ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ عن شيخه ابن تيميَّة : "وكان شيخنا ـ رضي الله عنه ـ شديد الإنكار على هؤلاء , فسمعته يقول : قال لي بعض هؤلاء : أجعلت محتسباً على الفتوى ؟! فقلت له : يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب ؟!"[22].فأين المؤسَّسات والمجاميع والهيئات العلميَّة والعلماء الذين يستطيعون فضح هذا الرجل وإسكاته أو الحد من خروجه في وسائل الإعلام للتحدث في كل مسألة وكأنَّه بها إمام ، وفي فهمها همام ، وما هو إلاَّ مخرِّب وللدين هدَّام.وأخيراً: ما أحسن أن نروِّح عن أنفسنا بقوله ـ تعالى ـيريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف.ولو أنَّ(جمال البنَّا) عرض تلك الآراء على علماء الشريعة المتخصِّصين، حتَّى يعلم جرم ما قاله وأن فهمه كان مخالفاً للصواب، لكنَّه وللأسف لا يعتدُّ إلاَّ برأيه، بل نظرته للفقهاء المعاصرين نظرة سيئة للغاية، حيث لا يرى أحداً منهم يستحق أن يعرض فكره ورأيه عليه، أو أن يشاوره به، وهذا أمر ملاحظ في كتاباته، وخرجاته الفضائيَّة.كتبت هذا التعقيب والتوضيح في التنبيه على ضلالاتجمال البنَّا) ولم أقصد منه شماتة به ـ معاذ الله ـ، بل توضيحاً لضلال من ضل ، خشية أن يفتتن به بعض الناس، ورداًَ وذباً عن حمى الشريعة.نعم... قد يكون في الكلام قسوة ، وفي النقاش شدَّة ، بيد أنَّ من قسا على الشريعة ، وأراد ضربها بمعاوله الرديئة ، فينبغي أن يُقْسَى عليه، وقد قيل:خلا لك الجو فبيضي واصفريونقري ما شئت أن تنقريلا بدَّ يوماً أن تُصادي فاصبريكما ينبغي أن يُعْلَم أنَّ خلافنا مع جمال البنَّا، ليس خلافاً يسيراً يُعذرُ المخالف بمخالفة المسلمين فيه، بل خلاف في مبادئ الشريعة وثوابتها أصلاً! اللهم إنِّي أسألك بهذا التوضيح لضلالات هذا الرجل القبول والأجر، وأسألك الثبات حتَّى الممات، وأن تحمينا وتعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، و حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبه ربنا ويرضاه.
يرى جمال البنا أنَّه لا مانع أن يكون العقل حاكماً على القضايا الدينيَّة والشرعيَّةأجاز للمرأة المسلمة لتكون سافرة عن شعر رأسها ، واعتبار شعر رأس المرأة ليس من الزينة المأمور بتغطيتهايزعم أن التدخين لا يفسد الصوم وينكر حدِّ السرقة ويبيح زواج المسلمة من النصراني واليهودي!Khabab00@hotmail.com
رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين،
أمَّا بعد:فحينما تختلف مع عالم أو مفكِّر وتجد عنده رؤية منبعثة من الدليل، فإنَّك قطعاً ستحترم قوله ما دام أنَّه يدور داخل حدود الشريعة ولم يخرج عن مدارها.لكن حينما تجد أهل الهوى وضعاف الفهم يتحدَّثون في ديننا الإسلامي ، ويحرِّفونه بقالب التجديد، وينقضونه باسم النقد، وينسفون منهج السلف الصالح في التعامل مع النصوص بحجَّة إعادة قراءة النص وما إلى ذلك من شبهات وأهواء؛ فلن تستطيع أن تجد لهؤلاء عذراً...حين تتحدَّث مع متخصِّص يعي حقيقة الشريعة ومقاصدها ، وينطلق من مصادر التلقي المعتمدة لدى أهل السنَّة والجماعة ، يسهل عليك أن تناقشه، ولكنَّك حين تتحدَّث مع من ليست لديه أهلية للحديث في القضايا الشرعيَّة، أو أنَّه يتحايل على دين الله ، ويلتوي ويتغيَّر كالحرباء مع كل موقف وقضيَّة، فإنَّك تحتار لتفهم منطلقاته؛ لأنَّه ينطلق بلا قيم أو مبادئ؛ وقد لا تخرج بشيء لأنَّ الهوى جثم على قلبه، فـ:من كان يخلق ما يقول*** فحيلتي فيه قليلةومن بين هؤلاء المحرِّفين لديننا ومبادئنا وثوابتنا(جمال البنَّا) شقيق الشيخ حسن البنَّا ـ رحمه الله ـ فتستغلُّ أخوته للشيخ حسن ليظهر في الوسائل الإعلاميَّة، ويطلق عليه بعدئذٍ بالمفكِّر الإسلامي!والمراقب لطروحات(جمال البنا) أو المتتبع لها سيجد أنَّه يخرج بين فينة وأخرى بآراء فكريَّة عجيبة غريبة، يبدي من خلالها مخبآت الأفكار المكنوزة في عقليته، ومن أحسن من رأيته قد كتب عنها وفضح صاحبها، الدكتور محمد زنجيرـ وفقه الله ـ في كتابهاتجاهات تجديديَّة متطرفة)، والأستاذ محمد إبراهيم ؛ فقد كتب أربع حلقات عنونها بـجمال البنَّا مفكِّر إسلامي أم علماني؟!)، والأستاذ عقيل الشمَّري في بحثه المتخصِّصجمال البنا ومنهجه في التفسير) فأسأل الله ـ تعالى ـ أن يثيبهم على جهدهم في الدفاع عن حوزة الدين وحياض الشريعة. · نماذج من الفتاوى والآراء التي يراها جمال البنا مع مناقشتها:المتابع لفكر جمال البنَّا، سيدرك أنَّه ينطلق برؤية لا منهجيَّة لها، وأنَّ جملة كثيرة من أعماله قائمة على الشذوذات والأوهام الفكريَّة، وقد استقرَّت لدي هذه النتيجة بعد متابعتي لفكره وكتاباته، ووجدت أنَّ أفكاره قائمة على مشكلات عدَّة خطيرة، وهي كما يلي:
1) هدم السنَّة بحجَّة أنَّ قلَّة قليلة من أحاديثها صحيحة، والبقية منكرة وشاذة وموضوعة، وعدم الأخذ بأحكام الأحاديث النبويَّة الصحيحة عنده، إلاَّ بما وافق القرآن حسب زعمه.
2) التحايل على الشريعة وأدلتها من نصوص الوحيين ، وتحكيمه الكامل لهواه فحسب، باسم المصلحة والضرورة وعموم البلوى وغير ذلك!
3) نقض الشريعة بحجَّة النقد البناء
!4) انتهاجه وانتهازه لزلاَّت بعض العلماء، وترويجها بين عوام الناس، ونثرها في مؤلفاته وكأنَّها أقوال لا مغاير لها ولا مخالف!ومن المعلوم لدى أهل العلم؛ أنَّهم كانوا يعدُّون من تتبع رخص العلماء وزللهم بأنَّه تزندق، وأنَّه خلع ربقة الإسلام من عنقه، وأنَّه يهلك ويُهْلِك، ويقرِّرون أنَّ تتبُّع زلاَّت العلماء ورخصهم ليس من العلم في شيء، بل ذكر الشيخ الفقيه الطوفي في شرحه لحديثلا ضرر ولا ضرار)، أنَّ(من اتَّبع رخص المذاهب إذا اختلفت وتعدَّدت فقد أفضى فعله ذاك إلى الانحلال والفجور، وعليه ومن تأمَّل فكر (جمال البنَّا) فسيوقن أنَّه يتبنَّى عدَّة أقوال، بعضها رخص وزلاَّت زلَّ بها بعض العلماء، وبعضها الآخر بل الأكثر(ضلالات وجهالات) استقاها من عقله المضطرب فأورثت هذا المنهج الضال الذي ينشره بين الناس، ومنها :
(1)رفضه قواعد المحدِّثين، وقوله بعدم عدالة الصحابةـ
يرفض الأستاذ (جمال البنا) قواعد المحدثين في الجرح والتعديل التي من خلالها يثبت الحديث، وعلى رأسها "عدالة الصحابة"؛ حيث ينفي وجوب تعديلهم إلزاماً كما استقر المنهج عند أهل السنة والجماعة، ويرى أنهم قد يكذبون في الحديث، وإذا لم يكذبوا فهم ينسون، والنسيان أخو الكذب، وكثرة رواية الصحابي للحديث عنده تجرحه؛ إذ إن أفاضل الصحابة وكبارهم عنده أقلهم رواية للحديث، والعكس بالعكس![1]والجواب على ذلك؛ فإنَّه بناء على هذا الرأي فإنَّه سيكون من ورائه هدم أحاديث كثيرة بل ستهدم السنَّة، بحجَّة خطأ قواعد الجرح والتعديل التي تداولها العلماء القرون تلو القرون ، وانطلقوا من خلالها ، وحكموا بضوئها على الأحاديث!ثمَّ إذا نفينا قواعد الجرح والتعديل التي أطبق عليها المحدِّثون؛ فإلى أي قواعد جرح وتعديل نستند؟هل لآراء (جمال البنَّا)؛ التي يختلف معه فيها كل علماء الجرح والتعديل سلفاً وخلفاً؟وهل كان المسلمون يتعبَّدون الله ـ تعالى ـ بدين باطل قائم على جملة من الأكاذيب حتى جاء جمال البنا بكشفها؟ وأين دليل الكذب من صحابة رسول الله على رسولنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ثمَّ لو كذب أحد منهم ـ وحاشاهم ـ هل سيوافقه جميع الصحابة على كذبته تلك؟إنَّها لإحدى الكبر!الحاصل أنَّ الأستاذ (جمال البنا) خالف القطعيات القرآنية الصريحة في تعديل الله عز وجل وتزكيته للصحابة، فجوَّز عليهم إمكانية الكذب، ولعله لما شعر أنه بهذا قد خالف القرآن الكريم، عاد فجوَّز عليهم النسيان، ليُسْقِطَ بذلك روايتهم حسبما يريد، وتلك خطيئة أكبر من أختها؛ فالأولى تخالف نصَّاً قطعياً قرآنياً، والثانية تخالف نصَّاً قطعياً آخر؛ لأن القرآن الكريم قد نص صراحة على تعهُّد الله بحفظ الوحي(القرآن والسنة) والذي يُجوِّز على مجموع الصحابة الكذب أو النسيان على معالم الدين، وأصول الشريعة؛ فإنَّه يخالف النصوص القطعية في القرآن الكريم في تزكية الصحابة بمثل قوله تعالى: "رضي الله عنهم ورضوا عنه" وفي التعهد بالحفظ للدين في قوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
(2)التشكيك بصحَّة كثير من أحاديث الصحيحين
ـ يضعِّفُ الأستاذ (جمال البنَّا) جمعاً من الأحاديث التي تواترت صحتها عن علماء الحديث النقاد والمدققين ؛لأنَّه يراها تصطدم بالقرآن؛ فهو يرى أنَّ كل كتب السنة تعج بالموضوعات، بما فيها صحيحا البخاري ومسلم ، ولهذا فقد ألَّف كتاباً في نقدهما سمَّاهتجريد البخاري ومسلم من الأحاديث التي لا تلزم)!والجواب على ذلك أن يُقال:ما يدَّعيه الأستاذ (جمال) بأنَّ هناك أحاديث تصطدم بالقرآن ، فإنّها في الحقيقة تصطدم بعقله المضطرب ليس إلاَّ؛ فمن طالع كتبه ومقالاته وسمع أقواله، فسيعلم حقيقة ما أقول، ومن علم حجَّة على من لم يعلم.لقد وضَّح علماء الإسلام أنَّه لا يتعارض حديث مع آية ، وكان لعلماء المسلمين طرائق منهجيَّة في التعامل مع النصوص القرآنية والنبويَّة التي قد يُشكِلُ ظاهرها، أو يتوهم بعض الناس تعارض بعضها مع بعضها الآخر، وإذا كان التعارض يدور في عقل (جمال) فليس له أن يضعِّف أحاديث اتَّفق العلماء على تصحيحها أو تحسينها وبيَّنوا وجه الدلالة منها ، بل عليه أن يتَّهم عقله، والذي لم يستطع أن يجمع بين تلك الأحاديث والآيات التي ظاهرها التعارض لديه ، وعليه أن يرجع إلى كتب العلماء ليتعلَّم كيف يتعامل مع النصوص التي ظاهرها التعارض.وأمَّا قوله بأنَّ كتب السنَّة تعجُّ بالموضوعات ، فإنَّ هذا قول مجمل ! فأي كتب السنَّة يقصد؟ ثمَّ ما الأحاديث الموضوعة التي تعج وتضجُّ منها تلك الكتب بزعمه والتي يدعو لاستخراج ما بها من أحاديث مكذوبة وموضوعة حتَّى لا تفسد العقول؟ أليس أهل العلم والحديث المتخصِّصون قد بيَّنوا الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وأفردوها بكتب وأسفار خاصَّة بذلك ؟ فما الذي سيأتينا به الدخلاء على علم الحديث وأهله؛ حتَّى يوضِّحوا الأحاديث الموضوعة والمكذوبة المنتشرة في كتب السنة ؟ ومِمَّا يبيِّن ما أقوله أنَّ (جمال البنا) قال: إنَّ هناك أحاديث في صحيحي البخاري ومسلم لا تلزم ، وليته اعتمد منهج أهل الحديث في التصحيح والتضعيف ، بل كان تضعيفه قائماً على الهوى والحكم المطلق لما يمليه عليه عقله، وهو بهذا يريد أن ينقضَّ على الكتب الصحيحة ويبدأ بمعاوله في نقضها قبل غيرها، حتَّى يُشعِر الناس أنَّ دينهم الذي قاموا عليه عماية وضلالة، وأنَّ تعبدهم لله قائم على الجهل ، إلى أن أتى (جمال البنَّا) فكشف الله به الضلال الذي كانوا عليه !!
(3)دعوته إلى الاحتكام بما في صحيح السنَّة إلى صريح القرآنـ
يدعو(البنا) إلى الاحتكام بما في صحيح السنَّة إلى الصريح من القرآن ! وهي المرجعية الإسلامية الملزمة عنده فقط،ولنتأمَّل قوله عن المرجعيَّة الملزمة لنا بأنَّها:"القرآن الكريم والصحيح المنضبط من السنة النبوية أما أحكام الفقهاء وأئمة المذاهب والصحابة إلخ.. فلا تعد ملزمة"[2]وإجابة على ذلك؛ فإنَّ معنى هذا أنَّ أي حديث لم يأتِ عليه دليل من كتاب الله فليضرب به عرض الحائط، ولا يستدلَّ به، وكلام(جمال البنَّا) في هذا المجال يشبه قول القرآنيين الذين نسبوا أنفسهم إلى القرآن وقالوا: لا نأخذ إلا به وأنكروا السنة، وقد كفرهم الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية في دعواهم الأخذ بكتاب الله وترك الاحتجاج بكتب السنَّة!و(جمال البنَّا) عبر كلامه هذا يبطل الآيات والأحاديث التي جاءت بالأمر بالأخذ بالأحاديث؛ لأنَّها وحي يوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ـ تعالى ـ: (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )) (الحشر: 7)) ومن الآيات التي تدلُّ على أنّ السنة وحي قول الله ـ عزَّ وجل ـ : (( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَاب وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) آل عمران(164).وأخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح عن المقدام بن معد كرب:"ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله"[3].يقول الإمام الشافعي:" فذكر الكتاب وهو القرآن ، وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة:سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم"[4]
(4)دعوته لنسف الثوابت ـ يدعو (جمال البنَّا) لنسف الثوابت إذ يقول:
( أهم ما يفترض أن تتجه إليه الحرية هو هذه الثوابت بالذات التي وإن كانت تقوم بالحفاظ والاستقرار للمجتمع وتمسكه من الانزلاق أو التحلل، إلا أن عدم مناقشتها يجعلها تتجمد، بل وتتوثن وتأخذ قداسة الوثن المعبود؛ هذا كله بفرض أن الثوابت هي دائماً صالحة ولازمة؛ ولكنها لا تكون كذلك دائماً)[5]
وتعقيباً على ما قال، فإني أضع بين يدي(جمال البنا) سؤالاً ينبغي أن يجيب عنه، فأقول له: ما الثوابت التي لا تريدنا أن نتعبَّد الله بها؟ وهل يمكن أن تكتب كتاباً يفصِّل هذه الثوابت التي جعلتك تنتفض عليها حينما رأيتها ثابتة على قلبك فأردت نسفها بحجَّة التجديد والنهضة! حتَّى نعرف رأيك كاملاً ولا يكون منها ما هو مختبئ في الجحور وإن كنت قد أبديت بعضاً منها!نعم ! جميل قولك بأنَّ (الثوابت تقوم بالحفاظ والاستقرار للمجتمع وتمسكه من الانزلاق أو التحلل) ولكن... هل يعني ذلك حين تقوم بنقض هذه الثوابت أنَّنا سنعيش فيما بعد بقلق وعدم أمن، وفساد وإفساد، وتحلل خلقي، وانزلاق قيمي؟ وكلُّ هذا أتى من تحت قلمك الذي دعا لكسر الثوابت ، فيكون المجتمع منحلاً بإرادتك؟! وهو الذي سيكون!ما أنت بالحكم الترضى خصومته * ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
(5)نفيه أن يكون الإسلام ديناً ودولةـ يرى(جمال البنَّا) نقض مفهوم:
(الإسلام دين ودولة) ويرى أنَّ الصحيح (الإسلام دين وأمة)،وليس ديناً ودولة، حتى بلغ به الأمر لأن يصدر كتاباً بهذا العنوان كان قد نشر معظمه بجريدة القاهرة ، وفيه دعا للفصل بين الدين والسلطة!وحقاً فما أجمل بك أن تقول: جمال البنَّا والعلمانيون (تشابهت قلوبهم)! لأنَّ الرأي الذي ذكره (جمال البنا) تأصيل لعداوة العلمانيين للإسلام ودعاته؛ بل هو يتطابق مع العلمانيين حين يقولون: الإسلام لا دخل له بالسياسة، بل هو محصور في زوايا المسجد ، وتكايا الذكر، ويعني ذلك أن ننسف كلَّ تاريخ الإسلام، الذي كان قائماً على حفظ السياسة الشرعيَّة للمسلمين، وعلى حماية دولهم ، بل حتَّى الدولة التي أقامها رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ في المدينة المنوَّرة والتي كانت منطلقاً للجيوش الإسلاميَّة لفتح الدول التي صدَّت عن الإسلام أو قاومت جيوشه، فهذه الدولة بمقتضى آراء جمال البنَّا كانت خطأً شنيعاً وذلك لأنَّ الأصل أن تقوم هذه الدولة بالفصل بينها وبين الدين؛ لأنَّ الإسلام في نظره (دين وأمَّة) وليس(ديناً ودولة) وهذه توصية من( جمال البنا) للإسلاميين بأن يتقزَّموا ويتقوقعوا على أنفسهم وألاَّ يتدخَّلوا في قضايا السياسة،أو أن يسعوا لإقامة دولة الإسلام ، فهذا حرام عليهم ، أمَّا على العلمانيين والليبراليين فحلال لهم ذلك !فليحكمنا العلمانيون والزنادقة ، وليكن الإسلاميون مقتصرين على السبحة والدروشة فقط!
(6)تقديمه للعقل(الهوى) على النصوص الشرعيَّة
ـ يرى (جمال البنا) أنَّه لا مانع أن يكون العقل حاكماً على القضايا الدينيَّة والشرعيَّة، وكان هذا واضحاً من خلال مناظرته مع الأستاذ محمد إبراهيم في قناة الجزيرة ببرنامج (الاتجاه المعاكس)[6]، وكذلك في عدد من كتاباته، فهو يرى إعمال العقل في كل ما يتعلق بالدين والدنيا والإيمان بالقيم،حيث يقولإنَّ كل ما يتعلق بالشريعة من علاقات يفترض أن تتفق مع العقل أولا ولا يكون الوحي إلاَّ مؤكداً ومكمِّلاً له، أي إعمال العقل في فهم النص، وهذا يجعل العقلانيَّة هي المرجعيَّة الإسلاميَّة فيما يتعلَّق بالشريعة)[7]!!
ومن هنا فإنَّ هذا الأمر قد أثر تأثيراً بالغاً على منهجه في التفسير بحيث إنه لا يعتد بتفسير أهل العلم، ولا يقيد القرآن بالسنة، بل يكون العقل ـ أي الهوى ـ هو الحاكم على نصوص الكتاب والسنَّة . كما يرى أنَّ المسائل التي يحصل فيها خلاف بين الفقهاء والعلماء؛ فإنَّ أفضل حل أن يكون الرجوع ليس لنصوص الكتاب والسنَّة بالفهم الصحيح، بل بالرجوع إلى العقل فحسب!إذ يقول عن القرآن والسنةوأقوى منهما جميعا الرجوع إلى العقل وتحكيم المنطق السليم وطبيعة الشريعة ومقاصدها ،حتى وإن كان الموضوع عباديا، لأنه مادام بعيدا عن ماهية الله تعالى وعالم السمعيات فإنه يخضع لحكم العقل والنظر، وما يهدي إليه المنطق السليم والقول بذلك يحرم الناس من استخدام عقولهم، ويعطل ملكات التفكير ويجعلهم أسرى للروايات)[8].والجواب عن دعواه أن نقول:من المقطوع به أنَّ للعقل دوراً في بلورة الأفكار، إلاَّ أنَّ النص القرآني أو النبوي حاكم العقل، فالحكم يكون مقدَّماً لشريعة الإسلام على عقل الإنسان ، وليس العكس، ثمَّ لو تحاكمنا للعقل فلأي عقل نتحاكم ونحتكم؟أإلى عقلك يا أستاذ(جمال) أم إلى عقل مَنْ ؟إنَّ العقول مختلفة ، والآراء بعدها ستكون متضاربة ، وإنَّ أفضل حل أن نجعل الوحي والنقل هو الحكم على اختيارات العقل ، فهناك عقول كبيرة وعقول صغيرة ، وهناك عقول كليلة وعقول صحيحة، وهناك عقول ذكيَّة وعقول غبيَّة ، فأفضل طريق لنا لكي نوحد مصدر التلقي أن تكون الشريعة والوحي حاكماً على العقل ، ولن يتعارض العقل الصحيح مع النقل الصريح كما قرَّره علماء الإسلام.وللَّه درُّ الإمام ابن قتيبة حيث قال عن هؤلاء المتَّبعين لمنهج تقديم العقل على النقل: (وقد كان يجب - مع ما يدَّعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر - ألا يختلفوا كما لا يختلف الحُسَّاب والمسَّاح والمهندسون، لأن آلتهم لا تدلُّ إلاَّ على عدد واحد، وإلا على شكل واحد، وكما لا يختلف حذَّاق الأطبَّاء في الماء وفي نبض العروق؛ لأنَّ الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد؛ فما بالهم أكثر الناس اختلافاً، لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين) (انظر:تأويل مختلف الحديث/ص63). وصدق الله: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً).
(7)إلغاؤه لجهاد القتال ـ يرى (جمال البنا) أنَّ الجهاد في سبيل الله أُلغِيَ؛ فيقول:
" أمَّا جهاد اليوم بلفظه فهو جهاد بلا قتال، وإنَّ جهاد القتال أُلغي!"[9]وجواباً عليه؛ فلا أدري أين سيذهب الأستاذ (جمال البنَّا) بمئات الآيات والأحاديث التي تأمر بجهاد الكفَّار والذي يعني القتال في سبيل الله، والتي توضِّح أنَّ علم الجهاد لا يزال قائماً حتَّى قيام السَّاعة، ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد من حديث ثوبان ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ).و روى الصحابي الجليل عقبة بن عامرـ رضي الله عنه ـ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوللا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك)وفي حديث جابر بن سمرة مرفوعاً إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنَّه قال لن يبرح هذا الذين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ) وكلُّ هذه الأحاديث في صحيح مسلم !وفيها برهان واضح أنَّ راية الجهاد والقتال في سبيل الله ستكون خفَّاقة عالية مرفوعة إلى قيام السَّاعة،والله تعالى يقول في محكم التنزيلوقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنَّ الله لا يحب المعتدين)(البقرة:190) وفي هذه الآية برهان واضح، ودليل ساطع على وجوب الدفاع عن أراضي المسلمين، وذلك حين يحتل الكفَّار أراضي المسلمين وديارهم، والخلاصة التي نستوحيها ونفهمها من كلام الأستاذ(جمال البنَّا) أن ننبطح تجاه المحتل الأمريكي والصهيوني والروسي والهندوسي الغاشم في بلاد الإسلام (فلسطين ـ العراق ـ أفغانستان ـ الشيشان ـ الصومال ـ كشمير) ويهنأ الكافر المحتل في احتلاله لبلاد المسلمين بلا مقاومة جهاديَّة عسكريَّة !!
(8)تجويزه نكاح المتعة بدون ولي ولا شهود
ـ تجويزه لنكاح المتعة ، كما يرى جواز الزواج بدون ولي ولا شهود![10]بهذه الفتوى يبيح (جمال البنَّا) لعموم المسلمين الزنى ـ عياذاً بالله ـ على شكل مبطَّن (حيث نكاح المتعة بلا ولي أو شهود) ، مع أنَّ جماهير علماء المسلمين أطبقوا على نسخ نكاح المتعة ، وأنَّ الأحاديث المجيزة له قد نسخت إلى يوم القيامة؛ فقد أخرج البخاري ـ رحمه الله ـ من حديث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحُمُر الإنسيَّة)[11] ، وفي حديث الربيع بن سَبْرَة عن أبيه أنَّ النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ نهى عن نكاح المتعة [12].والحقيقة أنَّ (جمال البنَّا) قد شابه الروافض الشيعة الإماميَّة في قولهم بجواز نكاح المتعة بدون ولي أو شهود، وكتبهم تطفح بذلك، فليرجع لها من أراد التوثق من ذلك، وليهنأ (جمال البنَّا) بمشابهته لهم، و :ففي السماء طيور اسمها بقع * إنَّ الطيور على أشكالها تقع!
(9)تجويزه لكشف المرأة عن شعرها وصلاتها كاشفة الشعر
ـ تجويزه للمرأة المسلمة لتكون سافرة عن شعر رأسها ، واعتبار شعر رأس المرأة ليس من الزينة المأمور بتغطيتها ، ولهذا فإنَّه يرى أنَّ شعر المرأة ليس عورة، حيث قالالقرآن الكريم لم يأمر صراحة إلاَّ بستر الجيوب أي فتحت الصدور وإدناء الأزياء)[13] بل يمكنها برأي (جمال) أن تؤدي صلاتها بمفردها وهي كاشفة الشعر.[14]
حين يستجمع المرء شُعَبَ الضلال فحتماً فإنَّه سيرتكس في حمأة الأقوال الضالَّة؛ فمن أين أتى جمال بجواز كشف المرأة عن شعر رأسها؟ وما دليله على ذلك؟ مع أنَّه سبحانه وتعالى يقولوليضربن بخمرهنَّ على جيوبهنَّ ولا يبدين زينتهنَّ إلا لبعولتهنَّ) وقد روى عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" المرأة عورة ؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان"[15] وقوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ عن المرأة بأنَّها عورة؛ لفتنتها للرجال؛ فكيف تبيح الشريعة إخراج شعرها أمام الرجال، والشعر زينة للمرأة، بل هو علامة على جمالها؟ثمَّ ما دليل الأستاذ جمال على جواز كشف المرأة في الصلاة عن شعرها ؟ مع أنَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال كما في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ:"لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" أخرجه الخمسة إلا النسائي .والحائض هي المرأة البالغة ، قال ابن قدامة في المغني:"أجمع أهل العلم أن المرأة تخمر رأسها إذا صلت ؛ فإن صلت وجميع رأسها مكشوف فقد أجمع أهل العلم على وجوب إعادة الصلاة" وقال الشوكاني ـ رحمه الله ـ "والحديث استدل به على وجوب ستر المرأة لرأسها"[16]ولهذا فإذا صلَّت المرأة وكشفت عن شعرها في الصلاة فإنَّ صلاتها باطلة على رغم أنف جمال بإجماع العلماء!
هذا عرض مع مناقشة يسيرة لبعض الأقوال الضالَّة لهذا المدعو زوراً بالمفكِّر الإسلامي، مع أنَّ له أقوالاً وضلالات كثيرة ومنها:تجويزه لإمامة المرأة للرجال مطلقاً، وقد ذكر ذلك في كتابه جواز إمامة المرأة للرجال) والكتاب واضح من عنوانه!وقوله بأنَّ التدخين لا يفسد الصوم!وتأييده الأخذ من فوائد البنوك(الربا) إن كانت للمودع؛ بدعوى ربطها بعدم الاستغلال إن كانت للمقترض!و إنكاره لحدِّ الرجم للزاني المحصن!وإنكاره لحدِّ السارق ! وتجويزه بأن تتزوج المسلمة من نصراني أو يهودي!وسبُّه لجمع من صحابة رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ومنهم الصحابي وكاتب وحي رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حيث قال عنهمعاوية بن أي سفيان لو لعن من سنة 40 هجرية ،عندما جعل الخلافة ملكا عضوضا، حتى اليوم فهذا إنصاف، لأنه من سن سنة سيئة عليه وزرها حتى يوم القيامة، خاصة عندما يحول الملك الشوري القائم على المبايعة والشعب يراقب الحاكم ويعزله عند الضرورة إلى ملك عضوض يقول الرجل فيه من قال لي اتق الله قطعت عنقه([17]وكذلك من الأقوال الشنيعة التي قالها الضال جمال البنا عن الصحابي معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ ما نصُّه معاوية بن أبي سفيان الذي يترضَّى عليه السلف أي يقولون رضي الله عنه) لأنَّه من الصحابة ! كان الرجل الذي انبعث كما انبعث أشقاها ليشق صفوف المسلمين ويفرقهم ويجعلهم يحاربون بعضهم بعضاً...)[18]ومن أقواله الغريبة والمضحكة في الوقت نفسه، والتي لا تحتاج لنقد بل لاستغراب وتعجُّب؛ ما أفتى به قائلاً ويجوز للمرأة أن تتيمم بدلا من الوضوء بالماء إذا كان الماء يؤذي جمال وجهها،كأن يظهر من أثر الوضوء في الشتاء ما يشين هذا إذا كان الوضوء يؤثر على جمال المرأة في وجهها "[19]ا.هـ
.قصدت من ذكر هذه الآراء للتنبيه على الآراء الخطيرة التي يحملها (جمال البنا)، وخصوصاً أنَّه يطرحها ويسوِّقها في وسائل الإعلام.ومع أقواله تلك التي بان ضلالها وفسادها، فإنَّنا ـ وللأسف ـ نشاهد مقابلات إعلاميَّة أو صحافيَّة معه يصفه فيها ـ كثير من الإعلاميين والصحافيين ـ بأنَّه مفكِّر إسلامي ، أو رجل ذو ثقافة واسعة!وما هو إلاَّ محتال على دين الله، ومتتبع لزلاَّت العلماء ورخصهم، ومحرِّف لمراد الله ومراد رسوله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ فشتَّان بينه وبين أهل العلم أأأو الفكر الراسخين!· هل جمال البنَّا مفكر إسلامي؟من المعروف أنَّ (جمال البنا) اشتُرِيَ من قِبَلِ أرباب الضلال، وأعطي شهادات وألقاباً حيث إنَّه لم ينل الشهادة الثانويَّة، وذلك ليضرب الإسلام من الداخل، مع أنَّه في حقيقة الأمر لم يستطع سوى إثارة فرقعات ليس إلاَّ ! كما أنَّ اسمه قد استُغلَّ ليظهر في الوسائل الإعلاميَّة؛ باعتباره أخاً شقيقاً للشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ، مع أنَّنا حين نراه يتحدَّث في وسائل الإعلام، ندرك أنَّ الرجل أقرب إلى السذاجة والهوى من الطرح العقلاني.كما أنَّ من يتابع سيرة هذا الرجل فسيدرك عمق اتِّصالاته مع مركز ابن خلدون الذي يديره ويشرف عليه العلماني سعد الدين إبراهيم، بل لقد اعترف جمال البنَّا بأنَّه عضو من أعضاء مجلس الأمناء في هذا المركز العلماني، في حوار أجراه معه موقع اسمهعربهم) فاعترف أنَّه عضو في المركز وأمين من أمنائه ![20] ومركز ابن خلدون مشتهر ومعروف عنه عمق الصلة مع الجهات الأمريكيَّة، والمدعوم من قِبَلِها كما أنَّ(جمال البنا) ممَّن يُشهد لهم ويُعرفون بحضورهم المؤتمرات الأمريكيَّة عميقة الصلة مع مؤسَّسة (راند) التي أقيمت بمصر.
(جمال البنَّا) صدرت فيه تقارير من مجمع البحوث الإسلاميَّة في مصر ، والتي حكمت بكفر بعض أقواله التي جاءت في بعض كتبه التي خاضت في الزندقة والفساد والفكري، بل إنَّها منعت وأمرت بمصادرة كتابهمسؤولية فشل الدولة الإسلاميَّة في العصر الحديث) ومنعه من الطبع والتوزيع، للضلالات والترَّهات التي قيلت فيه !ومع هذا فالعجب العجاب أن نقرأ عنه في وسائل الإعلام أنَّه مفكر إسلامي! فأي تفكير إسلامي يحمله هذا الرجل، وهو ينسف عرى الإسلام عروة عروة؟!لقد فضح (جمال) نفسه ، في مقابلة مع "رويترز" حين سئل عن علاقته بأخيه الشيخ حسن البنَّا ـ رحمه الله ـ فقالكنت دائماً مستقلاً. أنا وأخي لدينا وجهات نظر مختلفة. لقد كان مسلماً تقليدياً تماماً ، بينما تلقيت أنا تعليماً علمانياً"[21] !!وهذا نصُّ ما قاله (جمال البنَّا) عن نفسه ، فكيف إذاً نطلق على هذا الذي تلقَّى تعليماً علمانياً، ونقول عنه بأنَّه مفكِّر إسلامي ؟!
نعم ! لا يلام بعض الإعلاميين حين يطلقون عليه ذلك ؛ لجهلهم وعدم معرفتهم بحقيقة هذا الرجل، وأقواله الضالَّة، وكما قيل:فاقد الشيء لايعطيه!ولكنَّ هناك كثيراً منهم يتلقَّط هذه الفتاوى، ليسيء بها أسماعنا نحن المسلمين ، وحقيق بـ (جمال البنَّا) أن يقال فيه ما قاله بعض العلماء في فقهاء الجهل والضلالة :وقال الطانزون له: فقيه * فصعَّد حاجبيه به وتاهاوأطرق للمسائل :أي بأني * ولا يدري لعمرك ما طحاها ·
الدور المأمول من علماء المسلمين ومفكريهم:من هذا المقال فإنِّي أوجه دعوة للعلماء والدعاة بأن يقوموا بنقض أقواله، ليعرف قبح ما رأى وفساد ما قاله ! وعلى رأسهم مجمع الفقه الإسلامي فهو على رأس القائمة، التي ينبغي عليها أن تمتطي الذب والدفاع عن مبادئ الإسلام، وكشف عوار المتسلِّقين والساطين على نصوصه وتعاليمه.إنَّ من المهم بمكان أن يقرأ العلماء كتب هذا الرجل ، ويصدروا الحكم اللائق به، ويثبتوه عليه في المحاكم ـ هذا إن حكمت عليه بما قيل عنه ـ ثمَّ ينال جزاء ما قاله وكتبه من أقوال ضالَّة؛ فقد ارتقى مرتقىً صعباً أنَّى له الوصول إليه، وهو ما بين وقت وآخر يستصدر حكماً من عقله(المضطرب) لإلغاء قضيَّة من قضايا الشريعة.وما زالت قناعتي تزداد بأنَّ هذا الليبرالي أولى أن يسمَّى بـ(جمال الماجن)، ولقد عقد قديماً بعض علماء الحنفيَّة فصولاً في كتب الفقه في باب (الحجر) حول ضرورة الحجر على من أسموه بالمفتي الماجن ، بل لقد جعل الإمام أبو حنيفة (المفتي الماجن) أحطّ من منزلة السفيه، مع أن مذهبه عدم الحجر على السفيه إن كان حراً عاقلاً بالغاً، وإنما استثنى (المفتي الماجن) من ذلك لعموم الضرر به في الأديان؛ فإنه يفسد دين المسلمين ، ومن كان باحثاً فليرجع لبدائع الصنائع للكاساني ، وتبيين الحقائق للزيلعي ، وغيرهما من كتب الفقه الحنفي.وقد نقل الإمام ابن القيِّم عن أبي الفرج ابن الجوزي قوله:"... وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب وليس له علم بالطريق , وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة , وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطبب الناس , بل هو أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم , وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى ؛ فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة, ولم يتفقه في الدين ؟".ثمَّ قال ابن القيِّم ـ رحمه الله ـ عن شيخه ابن تيميَّة : "وكان شيخنا ـ رضي الله عنه ـ شديد الإنكار على هؤلاء , فسمعته يقول : قال لي بعض هؤلاء : أجعلت محتسباً على الفتوى ؟! فقلت له : يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب ؟!"[22].فأين المؤسَّسات والمجاميع والهيئات العلميَّة والعلماء الذين يستطيعون فضح هذا الرجل وإسكاته أو الحد من خروجه في وسائل الإعلام للتحدث في كل مسألة وكأنَّه بها إمام ، وفي فهمها همام ، وما هو إلاَّ مخرِّب وللدين هدَّام.وأخيراً: ما أحسن أن نروِّح عن أنفسنا بقوله ـ تعالى ـيريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف.ولو أنَّ(جمال البنَّا) عرض تلك الآراء على علماء الشريعة المتخصِّصين، حتَّى يعلم جرم ما قاله وأن فهمه كان مخالفاً للصواب، لكنَّه وللأسف لا يعتدُّ إلاَّ برأيه، بل نظرته للفقهاء المعاصرين نظرة سيئة للغاية، حيث لا يرى أحداً منهم يستحق أن يعرض فكره ورأيه عليه، أو أن يشاوره به، وهذا أمر ملاحظ في كتاباته، وخرجاته الفضائيَّة.كتبت هذا التعقيب والتوضيح في التنبيه على ضلالاتجمال البنَّا) ولم أقصد منه شماتة به ـ معاذ الله ـ، بل توضيحاً لضلال من ضل ، خشية أن يفتتن به بعض الناس، ورداًَ وذباً عن حمى الشريعة.نعم... قد يكون في الكلام قسوة ، وفي النقاش شدَّة ، بيد أنَّ من قسا على الشريعة ، وأراد ضربها بمعاوله الرديئة ، فينبغي أن يُقْسَى عليه، وقد قيل:خلا لك الجو فبيضي واصفريونقري ما شئت أن تنقريلا بدَّ يوماً أن تُصادي فاصبريكما ينبغي أن يُعْلَم أنَّ خلافنا مع جمال البنَّا، ليس خلافاً يسيراً يُعذرُ المخالف بمخالفة المسلمين فيه، بل خلاف في مبادئ الشريعة وثوابتها أصلاً! اللهم إنِّي أسألك بهذا التوضيح لضلالات هذا الرجل القبول والأجر، وأسألك الثبات حتَّى الممات، وأن تحمينا وتعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، و حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبه ربنا ويرضاه.