منذ العام الميلادي 2004 وأنا لا أكاد اتابع أي من اخبار التعليم أو الامتحانات أو حتى نتيجة الثانوية العامة إلا من بعيد وبعيد جدا ،، بل ربما يمر علي يوم نتيجة الثانوية العامة (( ذلك الحدث الجلل )) كيوم عادي جدا لا أنتظره مطلقا طالما أحد أبناء شقيقاتي (( متعهم الله بالصحة والعافية )) خارج هذه الشهادة في هذه السنة.
ولكن سبحان بمجرد أن رزقت بابنتي التي لم تتعدى شهرها السابع بعد تغيرت هذه النظرة وتبدلت هذه القناعة بين ليلة وضحاها ،، أصبح لي اهتمام خاص جد بسير العملية التعليمية في مصر ،، وأصبحت أعقد المقارنات بين ما أراه حاليا في دول الخليج العربي وبين نفس المنظومة في الحبيبة مصر ،، أصبح لي هم أبحث عنه ،، أصبح لي مستقبل أريد أن يكون الأفضل ،، هل سيكون همها الأول منذ يوم الأحد هو الحصة الأخيرة من يوم الخميس ،، هل ستضطر لرفع الأثقال المسماه بالحقيبة المدرسية ذهابا وايابا من بيتنا بداير الناحية إلى حيث المؤسسة على البحر. هل ستعاني في تحدث وكتابة الإنجليزية إلى حين تصل مرحلة الجامعة.
والتحدي الحقيقي ،، هل ستفكر من اليوم الأول لدخول المدرسة في يوم ظهور نتيجة الثانوية العامة ،، وهل ستكون قناعتها مغايرة تماما لقناعتي الحالية وترغب في دخول كلية الطب ،، وهل حين أسئلها (( تحبي تطلعي أيه )) سوف تجيبني بنفس الإجابة التي مللتها حاليا (( دكتورة )).
بالطبع أنا لا أريدها بكلية الطب أو حتى كلية الهندسة أو أي كلية كانت ولكني وفقط أريدها ناجحة في حياتها العملية ،، تميزة أي كان هذا التميز ،، والسؤال الملح الذي أسئله لنفسي حاليا (( لماذا كانت ثقافة المجتمع في هذه الفترة كلها تصب نحو كليتي الطب والهندسة ،، بالتأكيد الإجابة ستكون ،، للحالة المادية المرتفعة والمكانة الاجتماعية الناتجة بالقطع عن هذه الحالة المادية لهذه الفئات.
ولكن ألم تتغير هذه النظرة تماما ومنذ فترة ليست بالقليلة أم أننا لازلنا نسير في الاتجاه المعاكس.
بالله عليكم أخبروني ،، بعد عقد مقارنة بسيطة أيهم أعلا راتبا حاليا (( محاسب في أحد الشركات المحترمة أو رئيس حسابات أو مدير مالي )) أم طبيب ممارس ينهك نفسه بين ضغط العمل الحكومي و العيادة الخاصة.
ألم نعي بعد أن كثير جدا من المجالات تحتاج فقط لبعض المهارات من أبنائنا مثل اللغة واحتراف التعامل مع أجهزة الحاسوب ،، بالله عليكم أخبروني ،، ما هو راتب مدير أحد الفنادق حاليا ،، وما هي المميزات التي يحصل عليها مدير تسويق محترف في أحدى الشركات المحترمة.
إذا كانت هذه هي الأوضاع من حولنا فلماذا لازالت نظرتنا نحن كما هي ،، ولماذا لم نحاول ان نغير قناعات أبنائنا في أن يسلكوا ما يحبوه وأن يجتهدوا فيما يحسنوه ،، لماذا مازلنا مصرين على كليتي الطب والهندسة.
كل هذه التسؤلات دارت في ذهني وانا أتابع تقارير في جميع المحطات الفضائية ليلة امس عن (( قدس الأقداس )) الثانوية العامة المصرية ،، ولكم حزنت ونحن بعد 25 يناير أن أرى نفس المشهد الكلاسيكي المكرر لأولياء الأمور الذين تركوا أعمالهم وأوقفوا نشاطاتهم في هذه الساعات من صباح أمس فقط للوقوف في درجة حرارة لا تقل عن 40 درجة مئوية و الانتظار لمدة ثلاث ساعات كاملة لحين خروج الأبناء من امتحان مادة اللغة العربية.
ما هذا الضغط غير المبرر من ولي الأمر على ولده ولماذا وقد رأيت أغلب الوجوه في هذه التقارير ومن الطبيعي أن تكون لمحافظة القاهرة ،، وجوه لأولياء أمور متعلمين يدركون تماما هذه التغيرات الحادثة وان تحصيل الأموال الرواتب المحترمة لم تعد قاصرة على كليات القمة ،، ولماذ يفرد فرد عين على جميع الطلبة الحصول على ال50 درجة في جميع المواد ،، هل هذه هي مصر بعد 25 يناير ، هل تغير فينا شيء للاحسن.
هل يسعى كل ولي أمر من اليوم أن يجد الأفضل لولده من خلال مطالباته السياسية و الاجتماعية سواء كان هذا الولد طالب بكلية من كليات القمة أو طالب ثانوي صناعي ،، وهل لا يوجد حق لهذه الفئات في حياة أفضل من اليوم.
هل نقتنع بعد اليوم أن أختيارنا لعضو مجلس الشعب أو عضو مجلس الشورى (( إن وجد )) أو لرئيس الجمهورية أهم كثيرا من حرصنا على توجيه الأبناء لضرورة الحصول على الدرجات النهائية ،، هل نقتنع أن من حق الطالب أن يجتهد وأن يجد نتيجة لهذا الاجتهاد أي كانت درجته وأي كانت كليته.
متى ينكسر هذا الصنم المسمى الثانوية العامة من قلوب المصريين ،، متى نقنع أنفسنا أن الأفضل ليس دائما ما نعتقد أنه الأفضل ،، بل ربما رزقنا الله أفضل كثيرا مما نعتقد.
هل سنرى العام القادم مدرسي المدارس الثانوية هم من يراقبون امتحانات طلابهم أم ندور مجددا في فلك ضرورة ذهاب الطلبة لمدرسة خارج بلدهم ومراقبين من خارج المحافظة في تقليد لا مثيل له على مستوى دول العالم وحتى الأكثر تخلفا منها.
وما داعي تاجيل امتحانات (( قدس الأقداس)) إلى ما بعد جميع امتحانات مرحلة التعليم الأساسي.
هل نفكر يوما أن يكون امتحان الثلاثة صفوف للمرحلة الثانوية في يوم واحد ونفس المدرسين كمراقبين وفي نفس المدرسة ،، كما هو الحال في جميع دول الخليج العربي التي نظن أنهم متخلفون.
وهل تكون هذه الامتحانات بهذه الطريقة غير مؤثرة مطلقا على باقي امتحانات مراحل التعليم الأساسي فنرى مدرسي المرحلة الاعدادية يختبرون ويراقبون على مدارسهم وطلابهم في نفس اليوم الذي يارقب فيه مدرسي المدارس الثانوية بصفوفهم الثلاثه على طلابهم. بيكسب الطلاب أكثر من ثلاثة أسابيع اما لتوزيع المنهج والمراجعات إذا كانت داخل الدراسة أو للخلود للراحة وأخذ الوقت الكافي بين سنتين دراسيتين إذا كانت خارج الدراسة.
وهل فعلا نتحمل مسئولية أبنائنا في اختيار الأفضل سواء مجالس محلية أو مجالس نيابية أو انتخابات رئاسة ،، ونقتنع أن العدل الاجتماعي يجب أن يسود ،، وان نأد تحت أقدامنا فكرة التقديس الاجتماعي لمهن معينة.
قبل وبعد كل شيء أحب فقط أن أسجل كامل احترامي وتقديري لكليتي القمة بالتأكيد وأن أرسل سلامي الخاص جدا لجميع منتسبيهم من أصدقائي على المنتدى.
ولكنها خاطرة دارت في بالي فاحببت أن تشاركوني فيها ،، ربما أكون جانبت الصواب أو أبعدت التفسير ،، وبحواري معكم ووجودي بينكم أصحح مجددا ،، لعلي أرى الأفضل لأبنائي وأبناء مصر إن شاء الله.