صمت مستمر يلف هذه الأسرة بالرغم من اجتماعها الدائم في غرفة الجلوس، فقد تعرضت لاختطاف جهاز المحمول الذي تغذيه انهار التقنية المعلوماتية (الانترنت). الكل منهك في التسكع الالكتروني ومنشغل عن اخيه القريب وأخته وامه وابيه بذاك البعيد عبر الاسلاك. صديق العالم الافتراضي خطفهم واصبح المفضل على علاقة الاسرة الحميمة وحلاوة حديثها العذب. عالم التقنية يزحف على اسرنا ليجفف شبكه العلاقات التي تؤسس الرحمة والمحبة والاندماج واكتشاف الذات وتنميتها. انه عالم الصمت الكئيب الدائم الذي لا ينفك تضخما وتراكما. لم يعد العمر معيارا حتى هذا الطفل اليافع فرح مسرور بصمته التقني اذ خطفته اللعبة الألكترونية. انها معضلة التقنية الشخصية التي تزحف علينا بصمت وهدوء حتى نشعر واذا بركامها الثقيل وعتمتها الداكنة لفت حياتنا بصمت وختمت مصير اجيالنا بالغربة. ان السمات التي بدأت تظهر بوادرها على اجيالنا الالكترونية هو هذا الشغف بالوحدة والصمت والانقطاع عن العالم. لم يعد يجذبها الصديق الواقعي بل المفضل والمقرب هو صديق العالم الافتراضي. شبابنا المدمنون على المحادثة والمحاورة الألكترونية، ادمان حركة الاصابع على المفاتيح او الصوت المنقول عبر الأسلاك على حلاوة الحديث المباشر ومواجهة الوجه البشوش. هذا الظهور السلوكي العجيب الذي بدأ ونما وتخلق في رحم العالم الالكتروني الذي يمكن وصفه ((بتضخم الذات)). الطبيعي، الذات تنمو وتتحرر وتتطور من خلال العلاقات الاجتماعية المباشرة. ففضاء الاسرة تغذيها بأسس الطباع وابعادها والقيم وحساسيتها والاعراف وسطوتها والمجتمع ينقحها ويوطدها ويركزها فتصفى الذات وتتشكل ابعادها وتتشخص خصائصها. عالم التقنية هذا الحاجز الضخم الذي بدأ يعمل كالسد الذي يحجز هذه التجربة الطبيعية في التطور والنمو السلوكي واذا بها تخلق لنا رعيلا من البشر المسجون في ذاته. فمن جهة قطعته التقنية عن مختبر الحياة الطبيعي (المجتمع) ومن جهة دفعته لذاته للبحث عن البديل الافتراضي. جدلية عجيبة وواقع محير فأولاد التقنية الالكترونية من جهة يختزنون معلومات وخبرات تقنية فائقة ومتقدمة على مستوياتهم العلمية واعمارهم الزمنية ومن جهة أخرى يعانون فقرا اجتماعيا ووحشة في انماط العلاقات الاجتماعية التي تصنع سمة وظاهر مجتمعنا السعودي العربي. ذات فيها صراع متضاد متناقض بين قمة البحث عن التنافس والانفتاح على ذوي الابداع والموهبة في العالم وانكفاء اجتماعي عن الاندماج والانخراط في التيار الاجتماعي، وتناقض البلوغ الفكري المبكر والغربة الاجتماعية المتأخرة وايضا البلوغ الجنسي المبكر للمرحلة العمرية. ما اشد ما أرى الواقع وقد اقترب رويدا رويدا لما عرضه الفيلم الأمريكي (البديل) عندما استغنى البشر عن حضورهم المباشر بالبدائل الألكترونية في عالم الواقع. أو كما ذكر أحد الشبان الأمريكان انه من مجموعة شبابية تدعى (الغرباء) الذين يقضون معظم اوقاتهم امام شاشات الحاسب. وقد اضحى العلاج لما فات والوقاية لما هو آت ضرورة ملحة في ظل ما نستقبله قريبا من انتهاء العام الدراسي وحضور الصيف اللاهب الذي يدفع بشبابنا للانهماك على حواسيبهم ويضاعف تسكعهم الأكتروني. العلاج والوقاية بحاجة لتفعيل ذراعين هي الأسرة والمؤسسات الخدمية والتربوية فالأسرة مسؤولة في زيادة الانشطة الجماعية التي تدعو للتفاعل كالرحلات والقراءة الجماعية بصوت عال وتحديد اوقات استخدام الحاسوب. واما المؤسسات الخدمية فمدعوة للتروي في توفير مراكز الترفية كالكورنيش بخدمة الإنترنت لفسح المجال اما الأسر للابتعاد عن التقنية. والمؤسسات التربوية مدعوة لمضاعفة التثقيف عن مضار الافراط في استخدام التقنية.